رأس مملوء حكايات
مقتطفات حياتية
أحمد طايل
……..جارنا العم (إسماعيل)..
=========================
.لم أصل وأستقر على الإجابة هل كنت من سعداء الحظ أو ممن جانبهم الحظ؟ بوجود منزل العم (إسماعيل) مجاورا لمنزلنا، المنزلان عنوان صارخ للطبقية، منزلنا من عدد من الطوابق على طراز حديث، ومنزل العم (إسماعيل) مجرد بيت صغير المساحة، من طابق واحد مبنى من الطوب اللبن، وسقفة من جذوع الشجر تعلوها كميات من أعواد حطب القطن والاذرة وقش الأرز، وحوافه مثبته بالطين وروث الماشية، بابه وشبابيكة من غير الممكن أن تصل إلى حالة إلاحكام التام، بهم كثير من التشققات، يقوم كل حين بمعالجتها ببعض الطين المخلوط بالتبن، يعانى الأمرين أثناء الشتاء،ةأتذكر أنه تهدم ومعه العديد.من البيوت المشابهة تماما أثناء تعرض القرية وكل الأنحاء المحيطة إلى موسم شتاء لم تعهده من قبل، عاش اسابيع بالعراء حتى أعاد البناء ثانية، بعد رفضه تماما أن يقيم بأحد بيوت اهل القرية، حاول والدى مرارا أن يشترى البيت ويضمه لبيتنا، كان الرفض قرينا للرد، كان الرد موجز.
*هذا بيت ولدت به وعشت به عمرى كله ..ثم أنه يحمل رائحة أمى التى لم أعرف لى اهلا غيرها حتى ماتت وعرفت إبن من انا ..هى لم تلحقنى بمدرسة حتى لا يعرف أهل القرية من أنا..وانا لم اسألها..ولن أغادره إلا محمولا على الأعناق.
أما سبب حيرتى فيعود إلى أن جدار حجرة نومه ملتصقا تماما بجدار حجرتى، وكل حركة تحدث لديه أسمعها بوضوح، وأظن بسبب هذا تمت برمجة ساعتى البيولوجية على أحداث بيته، عند الثالثة تماما وقبل أذان الفجر، يبدأ بقراءة القرآن الكريم، صوته شجى رخيم، صوت يجلجل يهز الوجدان، يجعلك تبكى خشوعا، تنتبه كل حواسك، يستمر طويل ايؤذن الفجر،أنهض للصلاة، وأسمعه يغادر ذاهبا للمسجد القريب، بناه كبير (عائلة فرحات)، إحدى كبريات العائلات بالقرية، يعود ويبدأ بالتواشيح الدينية بصوت عال بعض الشئ، أحيانا أتخيله يميل ويهتز ذكرا، أشعر به احيانا يبكى من تغير نبراته، يهدأ بعدها..أشعر انه نام، أحمد ألله أنه لم يمارس المضاجعة حتى لا يكون سببا بتحريك نوايا الشهوة داخلى، سمعت عنه من البعض أنه إبن لرجل كان ذو حيثية بالقرية..يمكنك أن تقول أنه كان مشروع إقطاعى، كانت والدته صبيه ممن يعملون لديه بالمنزل، إشتهاها، راودها مرات ومرات، إستعصت عليه كثيراً وأبت ما يفكر به، أخذها يوما بسيارته بداعى شراء أغراض من المدينة..وعقد عليها عرفيا فى مكتب محامى صديق هو موضع ثقته سره، وذهب بها إلى فندق.نام بأحضانها، ضاجعها مرات..أشعرته أنه ربما لم يتذوق أنثى من قبل..عاد بها محملا باشياء للتغطية عما حدث..كان يضاجعها سرا وحسبما تتاح له الظروف، له أولاد كبار وزوجة ذات حسب، إلى أن بدأت بوادر الحمل عليها، أخذها متسترا بالظلام وذهب بها إلى بيت يملكه صديق له، استأجر منه شقه صغيرة، وأقامت بها..كان ياتيها على فترات، حين وضعت حملها لم يتقاعس عن منح إسمه للمولود مشترطا عليها عدم البوح باسمه لأى من كان حتى يجد حلا، لم يبخل عليها أو المولود بشئ، عادت بعد سنوات بيدها الإبن، اشاعت أنها تزوجت من المدينة أثناء غيابها وأن زوجها مات فقررت أن تعود للقرية، هى كانت بلا أب أو أم، هى منذ وعيت وجدت نفسها تخدم ببيت الكبير، ولم تجهد نفسها بالتفكير عن أهلها، مادامت تعيش ومتوفر لها مأكل ومشرب ونوم أمن، لا داعى للنبش بأمور قد تثمر مرا واسى..أستمر الأمر على حالة إختلاس اللحظات، إلى أن مرض وطال مرضه، أيقن أنه مودع، إستدعى أبناؤه، حكى لهم كل شئ، ثاروا فى وجهه..لم يهمهم أنه بطريق النهاية، أصروا على طردها على الفور، منحوها بعض المال وهددوها بأن لا تقول إنها تزوجت من أبيهم مطلقا، مات الرجل كمدا وحزنا عليها هو احبها فعلا، وصدم من رد فعل أبناؤة..الذين أعطاهم عمره،لم يبخل عليهم، مات، وهى انزوت بعيدا، إشترت هذا البيت، وقامت ببيع الخضروات والفواكه أمامه لسد رمق أيامهم، حين أحست بدنو أجلها باحت له بحقيقته، ولكنها أخذت عهدا منه أن لا يحاول الإقتراب من إخوته..حتى يبتعد عن أمور قد تكون سببا بإذائه، كانت على مدار عمرها قد اشترت خمسة قراريط أرض لزراعتها بالخضار الذى تبيعه، قبل وفاتها بعامين أصرت على تزويجة من إبنه ناس كانت عرفتهم من البيع بأحد الأسواق (مسعده) فتاة على قدر من الجمال وإن كانت ضامرة الجسد، حتى أنه قال على سبيل المزاح أنه لم يجد لديها اى ثدى وأنه كان كمن يختن ثمرة جميز حتى تنضج وقد كان أصبح لها صدر يلوذ به دوما، كان هذا اليوم هو.الأول الذى يسمع به إسمه كاملا، لم ينتبه لتشابه الإسم مع البعض ولم يهتم، كانت زوجة هادئة الطباع، لا تنتظر أن يطلب شيئا بل تسعى إلى فعلها قبل طلبه، بعد اسدال ستار الليل وبدأ النهار يعيد سيطرته على اليوم، يخرجان سويا هو يحمل فئوس متعددة صغيرة وكبيرة وبعض المناجل وهى تسير على بعد خطوتان منه حاملة بعض المقاطف، يخلع ملابسه، يظل بالفانلة ذات الأكمام والسروال الطويل، يبدأ بالتعامل مع الأرض، تسويتها وإزالة الحشائش وهى ورائة تملأ المقاطف بالمخلفات، يرفع على رأسها..ترمى بها بعيدا وتفعل هذا مرات..هو قد يجلس القرفصاء..يمسك بالطين والطمى يفركه بيده..يحوله إلى ناعم..قال لهم يوما..تعامل مع الأشياء بحب تعطيك أكتر مما تتمنى، عند الظهيرة يجلسان تحت ظل شجرة على الترعة، تفتح صرة الطعام بتاو وجبن قديم وبعض حبات الطماطم وفحل بصل، لاينسى أبدأ البصل، هو مؤمن أنه أقوى مضاد حيوى ضد البرد وتعب الصدر، يعاودان العمل، عند إبداء الشمس رغبتها بالرحيل يغتسل سريعا على الترعة،يعاود الرجوع بذات طقس الذهاب، يترك ما يحمله وراء الباب، يسرع بهرولة إلى المسجد يصلى تحية المسجد..والسنه، يرتكن إلى أحد الجدران, يبدأ البسملة..والدعاء بصوت هامس، يصلى جماعة، ينصرف يجد عشاؤة معد، يتناوله يطلب منها الشاى واللحاق به على السطح، يتناولان الشاى، بعدها يتناول ناى يبدأ بالعزف. كان جيد جدا بالعزف وكأنه خريج أحد معاهد الموسيقى..وسبحان الله هدوء كامل يحيط بالمكان كاملا..بعد لحظات تجد الأسطح المجاورة قد امتلأت عن آخرها من كل الفئات، رجال ونساء وأطفال كبارزط وصغار، الكل يسمع ويتمايل طربا، يأخذ وقتا يقارب الساعة دون كلل أو.تظهر عليه إمارات إعياء، ينوع بالمعزوفات، وبعد أن ينتهى يجد الصغار يصفقون ويطالبونه بالمزيد فيفعل مرات ومرات، هو قال أنه حين يعزف فانه كأنه يعانق الحياة ويراقصها ينزل وقد إقترب الوقت من إنتصاف الليل، يعاود قراءة القرآن الكريم والأدعية، وبعدها يلقى بنفسه وينام ترتسم على وجهه كل علامات الرضا والصفاء النفسى، أنجب ولدان (معوض..إبراهيم)، حاول جاهدا أن يتعلما..لم تكن عندهم الرغبة، إنتهجا حب مهنةالحلاقة…تعلماها بمهارة من أحد أصحاب المهنة، برعا بها..كل منهم يحمل حقيبة خشبية بها ما يلزم يتجولان بالحقول وبالشوارع والازقه، يعودان آخر اليوم ببعض النقودل لذين يستطيعون دفع المقابل..والاغلب تكون الحلاقة مقابل حصة من المحاصيل.. إستمرت الحياة على نمطها هذا،فوجئنا يوما بسيارة فارهة فاخرة تقف أمام بيته، ينزل منها رجل شديد الأناقة، يطرق الباب برفق، لم يرد عليه أحد، خرج جار له أخبره انه بحقله.وممكن يصاحبه ليدله على المكان، الجار كان يريد أن يركب السيارة الفخمة،ربما يتباهى يوما أنه ركبها، وصل إلى أرض (إسماعيل), كان منهمكا بعمله..ولم يهتم بهذه السيارة الآتية من بعيد تثير الغبار بعنف، فوجئ بتوقفها أمام أرضه والجار ينادى عليه.
= (إسماعيل)، الباشا يسأل عليك.
بهت وعلته علامات الدهشة والخوف، أى باشا ولماذا؟، هل إرتكب مخالفة دون أن يعى؟, آفاق من شرودة على صوت الرجل.
= حاج (إسماعيل)، (عزمى،) باشا منتظرك.
* (عزمى باشا) من؟، لا يعرف أحدا بهذا الإسم ولم تكن له سابق معرفة بباشا أو حتى من يعمل معه تلعثم، أمسك الصمت والخرس بلسانه، هو نسى تماماً أسماء إخوته التى أخبرته بها أمه، على مقربة كانت تقف زوجته، ترتعش وتنتفض خوفا وهى لا تفهم،صرخ بالرجل.
= (عزمى باشا) من؟ وماذا يريد؟.
إقترب منه الرجل، مال على أذنه هامسا.
= (عزمى باشا سليم) ،أخوك
تسمرت أقدامه بالأرض، نفرت عروقه وجحظت عيونة، خبط بيده على رأسه متذكر أن له أخ إسمه (عزمى)، ما العمل؟ مازال تحذير أمه بعدم الاقتراب منهم يسكنه، لم يبرح صدره، عاود الرجل الهمس.
=هو مريض جدا جدا، ويحتاجك على وجه السرعة.
لم يجد مفرا من الإستجابة فمعاودة المريض أمر إلهى، طلب ان يغير ملابسه..وأن يذهب للبيت ليغتسل، ركب هو وزوجته التى إكتفت بالصمت وعدم الفهم، والجار الذى كان شبيها بطفل نال لعبة حلم بها كثيرا، إرتدى جلباب المناسبات كما اطلق عليه، وهو.يضرب اخماسا واسداسا، ماذا يحدث؟ وماذا يريد؟, بعد سنوات لا يعرف عددها يظهرون بحياته..هو لا يتذكر أن شاهدهم وجها لوجه، رآهم وسياراتهم تمرق بسرعة مثيرة الغبار على الوجوه التى تمر بهم سريعا..لا يتذكر ملامحهم..ولماذا الآن..ركب السيارة ومعه مسعده التى أصرت على مصاحبته رغم محاولاته الكثيرة معها..هى صرخت به للمرة الأولى يعلو صوتها أمامه..
= قلبى لا يتحمل الإنتظار، أنتظر مجهولا تعود أو لا تعود، أموت بسبب قلق لا أعرف إجابات عنه، لجيران وقفوا ينظرون، لا يعرفون ماذا هناك؟،طوال الطريق وهو.ينظر من وراء زجاج النافذة، بتأمل الطريق، شارد الذهن، كثير من الاسئلة تنهش داخله، طوال الطريق، وهى تتمتم بأدعية..تهدأ من نفسها، طال الطريق، دخل بهم السائق إلى منطقة شديدة الهدوء.بنايات شديدة التشابه..شوارع متسعة .نظيفه، الأضواء مبهرة، توقف أمام بناء محاط بأسوار ورائها أشجار باسقة تخفى ما ورائها، فتحت البوابة تلقائيا، دخلت السيارة حتى باب البناية، أخذ يتجول بعيناه فيما يرى، (مسعده) تمسك بيده بقوة، خطواتها متلعثمة، الساق تكاد تلتف على الساق، كل لحظة يمرر يده على يدها، يبث بها نوعا من الطمأنينة وإن كان هو أيضا بحاجة لمن يطمئنه، ما هذه الفخامة التى يراها بناء شامخ مبنى على أرقى الطرازات، كل ما يراه يدل على ثراء فوق التخيل، فتح باب الفيلا آليا، أشار اليهم مصاحبهم بالدخول، كل خطوة يخطوها كانت تزيده إبهارا أثاثات لم يراها أو يلمحها من قبل، وهج التساؤلات يزداد داخله..ماذا بعد؟، شار لهم بالجلوس، جلسوا..شعروا بانهم يجلسون على رياش ناعمة، غطسوا بداخل أماكن جلوسهم يتمتمان بأدعية بصوت يرتد إلى دواخلهم، إمتد بهم الوقت، يتبادلان النظرات الزائغة، بين الحين والحين تأتى إليهم المشروبات، تضعها أمامهم سيدة، لا تتكلم على الإطلاق، دقات أقدام تصل أسماعهم من بعيد، رفعا الروؤس بإتجاه السلم المرتفع، وجدا رجلا يسير ممسكا بعصاة يحيط به من الجانبين آخران، توقف قبالتهم، قال بصوت شديد الوهن..
= أهلا أهلا(إسماعيل) شرفت.
رفع الرأس ..اخذ يدير بصره، ربما يقصد (إسماعيل) آخر لا يعرفه..الرجل فارع الطول،ممتلئ الجسد لحد ما، وجه مستدير غابت عنه الدموية، التجاعيد تحتل مساحة الرقبة، عينان قويتان رغم مظاهر المعاناة التى تنطق بها..جلسوا جميعا..بعد إلتقاط انفاسه اللاهثة..أكمل.
= إسماعيل لاداعى للدهشة والإأستغراب رغم أنها من حقك،أنا (عزمى أخيك، وهذا..(ماهر) وهذا (خالد) إخوتك، لك حق لأننا نسىنا انك أخ لنا بوازع من أطماعنا وتصورنا أننا نحافظ على واجهتنا ومظاهرنا الإجتماعية، ولكننا أخطأنا وتصدينا لرغبة الأب وهو يحتضر ،صحيح جاء هذا الإعتراف بعد عقود من الزمن، ولكن هذه إرادة الله، له تحديد الزمان والمكان، لن أزيد لأنى كما ترى مريض وبين يدى الله، نعترف وعلى الملأ انك أخانا، نرد لك إعتبارك وحقوقك الشرعية، مضافا اليها عوائدها ومستحقاتها عن الزمن الماضى، كل ما نطلبه أن تسامحنا من قلبك الطيب الذى سمعنا عنه كثيرا، كانت أخبارك تأتينا عن قناعتك ورضاؤك وعفة نفسك وزهدك بالحياة، هل تقبل أن تسامحنا؟زوتنسى قسوتنا عليك سوف نحاول بكل الجهد ان نعوضك..والمعوض هو رب العالمين، أطرق الرأس واضعا لها بين كفيه وأجهش بالبكاء بشدة، هتز جسده بقوة..لم يجد نفسه إلا مهرولا جاثيا على ركبتيه، تناول يده المعروقة بفعل الزمن قبلها مرات ومرات، إنسابت دموعة، خرج صوته مغلفا بالحشرجة .
= أخى، المسامح هو الله، ماحدث قرار من الله، كل شئ مكتوب بلوح كل منابكل تفصيلة صغيرة وكبيرة، .أنا لا أحمل بداخلى إلا الحب لكل الناس..فكيف لا أحمله لإخوتى، لم أفكر يوما باى كراهية لكم،يكفينى الآن أنى سمعت كلمة الأخ منكم، تعادل الكثير عندى، ربنا يسامحنا جميعا، لا أريد شيئا ولا أرغب إلا باعترافكم بى، أخ يحمل نفس الإسم ونفس العائلة، ياالله..ما أجمل أن تستدفئ باهلك، لاثروة ولاسلطة تساويها، أنا اليوم ضخت الدماء من جديد بعروقى، اسمحوا لى ان استنشق رائحتكم..وألقى بنفسة بين أحضانهم وكل عيونهم تنطق حديثا مفهوما بدموعها..عزمى أشار لهم بالهدوء قليلا ليكمل حديثه.
= إسماعيل..لقد اشترينا لك منزلا قريبا منا جميعا لتعيش بيننا..وسوف نفتح لك حسابا بأحد البنوك يوضع به ما يخصك وما يضاف إليه من عوائد، أما أولادك علمنا انهم يمتهنون مهنة الحلاقة، لا اعتراض منا، فقط سوف نلحقهم بأكبر مركز تجميل بالبلد للتعلم..وبعدها نفتح لهم مركزا خاصا بهم تعيش معنا ونعيش معك لنحاول تعويض ما مضى، هيا نتناول العشاء، وتستريحوا..وغدا تذهب معك سيارة لترتيب أمورك بالبلد تبيع بيتك وارضك إن رغبت لك حق تقرير أمورك.
= اشكركم على كل شئ ..ولكن ما يخص البيت والأرض ..لا يمكننى التفريط بهم مطلقا، البيت كل طوبه به تاريخ كان يحدثنى كل ليلة، فكيف لى ان اخلع جلباب التاريخ؟, والأرض كانت عشقى..إسمحوا لى لو وافقتم على عرضكم أوفق لأمر وحيد هو مستقبل الأولاد،فنحن جميعا يهمنا ان نجد أولادنا بأفضل حال وحياة مغايرة تماما لحياتنا أيا كان مستوى هذه الحياة، أوافق شريطة أن أذهب للقرية ولبيتى وأرضى التى ممكن ان اؤجرها لآخر كلما أردت، وأمر آخر إننى لن أرتدى سوى الجلباب، الجلباب ملتصق بجلدى.فكيف انزع جلدى؟.
وافقوا على كل ما قال، نهضوا لتناول الطعام، وقفوا منتهى الدهشة، صنوف لم يعرفوها من قبل ومؤكد لا يعرفون مسمياتها.
تناولوا العشاء بين حكاياته التى انصتوا لها تماما، حكاياته عن القرية وعن أيامه بين ضحكات مقتضبة..وأخرى صاخبة وعلامات دهشة تعلو الوجوه، ادخلوهم حجرة متسعة..مفروشة بشكل كثير البذخ..ملحق بها حمام داخلى، وقفا لايصدقان أحداث يومهم، وجدا عباءة رجالية وأخرى نسائية موضوعة على طرف السرير، يبدو أنهم اعدوا لهذا من فترة، دخل وتوضا شاكرا الله..صلى وهى خلفه..أطال هذه المرة بالصلاة، كرمك كثير على يارب، لكل أمر حكمته وتوقيته ومعناه، ألقى بنفسه على السرير الفخيم، تقلب مثل طفل صغير لايصدق أن يومآ يأتى وينام على سرير لم يحلم به يوما، إنتباته رغبة ملحة ان يضاجعها ولكنه قمع شهوته..نحن ضيوف وما يجب علينا كسر حجب البيت، هى منذ أتت صامته..مجرد عيون تتنقل هنا وهناك، استغرقا بالنوم وعند الثالثة قبيل الفجر وكما إعتادصحى وايقظها للوضوء وصلاة الفجر، جلس على السجادة الوثيرة، أخذ يتلو القرآن بصوته العذب بصوت عال إلى حد ما.. أعقبه بالتراتيل وبعض التواشيح الدينية..وقف على باب الحجرة، مؤذنا لصلاة الفجر..فتحت كل الأبواب، خرج من احشائها الجميع..كباراوشبابا، رجالا ونساءا، أمرهم بلهجة الأمر بالوضوء والإغتسال والإستعداد للصلاة وعلى النساء لبس أغطية رأس وصدر وملابس طويلة، أخذ إتجاة القبلة التى يجيد تحديدها، جلس حتى اجتمع الجميع، أشار إلى للنساء بأخذ مكان معين، وقال صراحة. من لا تجيد الصلاة تقلد (مسعدة)، أم الصلاة، صوته الخاشع والعابد جعل دموعهم تنساب دون إرادتهم كبيرهم قبل صغيرهم..حتى السيدات وأغلبهم من الطبقة المخملية الأرستقراطية، أخذن يجشهن بالدموع بصوت مسموع، كلما زاد إحساسا ببكاؤهم ودموعهم كانت السعادة تجتاحة..فهذا دليل على عودتهم إلى محراب الدين، وأنهم فقط كانوا بحاجة إلى دليل، والحمد لله ان جعله دليلا لأهله، تعمد الإطالة بالسجود والركوع إيحاءا لهم أن لاسلطة ولاجاه ولا مال تبعد الإنسان عن ربه وفرائض دينه، إنتهى..توسطهم، رفع ناظريه ويديه وأخذ بالدعاء بصوت هز ارجاء الفيلا وهز معها كل الافئدة، إنتهى، أخذ يتفرس بالوجوه الملتفة حوله..كل الأبصار شاخصة نحوه..الصمت يغلف المكان، لكل كأن على رؤوسهم الطير..بعد صمت وجيز تحدث.
= لنحمد الله أن جمع بيننا حسب مشيئته وحسب توقيتاته، لله حكمته بهذا، أتمنى أن نثوب جميعا ونعود إلى معية الرحمن، نسير على تعاليم كتابه وسنه رسوله صلى الله علية وسلم، إجعلوا من قلوبكم دليلا إلى الله هو خير دليل إن ابعدناها عن الأهواء،تعايشوا مع الحياة وكل ما بها هى مليئة بالدروس، السماء، لشمس، الغيوم، الشجر والطير كل هذه دروس تعلموا منها تعيشون صفاء وسلام نفسى وروحانى، لا تندهشوا ان سمعتم منى هذا وأنا الأمى الذى لم يتعلم، الحياة هى المعلم الحقيقى، تماما أعرف أنكم كثيرى التصدق والتبرعات لجمعيات خيرية، ولكن أمر تستقيم الأمور لابد لها من تأدية الفروض عن قناعة وإيمان وبصدق..لتكون البركة رفيقة الخطوات والعمل،أخى (عزمى) أدعوكم جميعا أن تأتوا أياما إلى قصركم الذى هجرتموه منذ عقود، وتركتم أمره لمن كان يعمل ناظرا على أملاككم وللأمانة هو قائم بهذا العمل بضمير ومراعاة الله، هو معروف عنه النزاهة، حتى يعرف أولادكم واحفادكم، بلدهم، أهلهم، املاكهم،تستعيدوا أنتم أيضا ذكريات مضت، أتمنى أن تتحقق أمنيتى، أدعو الله ان يبارك فيكم جميعا ونهض، أحاط به الجميع خاصة الأحفاد الشباب والصغار، هذا الرجل به ما شدهم له دون أن يرونه من قبل، الكل يقبل رأسه،أسرع الإخوة بالاحاطة به وإحتضانه مرددين.
* نسينا أنفسنا، عمانا الجشع والأنانية فما جنينا الا عدم راحة، عشنا رفاهية وسعادة زائفة، ولكن بحضورك أزحت كل الحجب عن الحقيقة التى تهنا عليها طويل، سامحنا أخينا من كل قلبك لعل الله يرضى علينا.
أخذوا طريق السير جميعا نحو مائدة الإفطار،رغم أنهم لم يعتادوا الإفطار بمثل هذه الساعة الباكرة، وأيضا لم يتناولوه جماعة على وجه الإطلاق، اليوم غير كل يوم الأكل بشهية متناهية، والضحكات المتبادلة، أنهم أناس جدد بمكان جديد وطقوس جديدة إنتهوا، جلس مع إخوته بصالون مرفق بحجرة الطعام، تناول الأخوة القهوة كطقس يومى، أما هو فطلب كوبا من الشاى، دارت بينهم أحاديث ودودة حوالى الساعة، إستاذن منهم بالرحيل لأيام يرتب فيها أموره وحياته، كتبوا له أرقام التليفونات،ليتصل بهم حين ينتهى وتذهب له سيارة تنقله هو وأولاده، طلبوا من السائق أن يذهب به إلى القرية، وافق على مضض مصرا على أن تصل به السيارة إلى مشارف القرية ويعود سيرا على الأقدام، لا يريد أن يشعر أهل القرية بحاجز بينه وبينهم، تصافحا بحرارة صادقة، حتى كل البيت وقف يودعه، تمتم، سبحانك ربى..تؤلف القلوب والأرواح كأن سنوات البعاد والجفاء لم تكن، عاد إلى القرية، يجمع بين نقضيين سعادة بأن ضمائر إخوته صحت من غفوتها، وحزن لأنه سيغادر عمرا عاشه بالقرية، ولما الحزن؟ وهو مؤكد سوف يحضر على فترات متقاربه، ذهب لأحد جيرانه المقربين طلب منه الإهتمام بالبيت. وبيوم آخر قام بالاتفاق مع مجاورا له بالأرض بأن يتولى زراعتها وله حصته وما يخصه هو فليذهب لأصحاب الحاجة،إتصل بهم ان يرسلوا السيارة حتى يعود إليهم،تنتظره على بدايات الطريق،الأولاد تم إلحاقهم بأكبر مركز تجميل، أصرا على الإحتفاظ بشنطهم الخشبية القديمة تذكارا من ماضى عاشوه، الماضي عباءة لابد من عدم التخلى عنها، هو تفرغ لتعليم الصغار تعليم القرآن والعبادات، والصلاة وبعض الدروس الدينية، كان يذهب مع إخوته بمواقيت الصلاة إلى المسجد القريب منهم، ولم ينسى ان يجئ بالناى، يدندن به وكان الكل يطرب لسماعه، بل إن البعض طلب منه تعلم العزف عليه، يعود للقرية كل فترة،ةيذهب من فوره إلى المسجد يتلو القرآن بصوته البديع، يلتف حوله رواد المسجد، ينتشون بتلاوته، يصعد سطوح بيته وبجواره (مسعده)، يعزف على الناى، كان يصر كل شهور على مصاحبتهم له يذبحون الذبائح توزع على الأهالى، يسير بهم بين الحقول، بل كثيرا ما كان يفرش الأبسطة وسط المزروعات، يتناولون الطعام بشهية لم يسبق لهم.معرفتها،عادت العافية إلى (عزمى), الذى كان دوما يتوكأ على عصاته، مرددا.
*حقا أنت أتيت بكل شئ جميل، حقا العودة إلى الحق مصالحة نفس وروح، ما أجمل الحياة دون جفاء..
Discussion about this post