مختارات ..
=-=-=-=-=-=
الأمثال ..
د.علي أحمد جديد
(الأمثال) ، تُعتَبَرُ الأمثال أكثر فروع الثقافة الشعبية ثراءً ، لأنها خلاصة وتعبير عن نتاج التجارب الشعبية الطويلة والتي خلصت إلى العبرة والحكمة .
ومجموعة الأمثال الشعبية تكون انعكاساً لملامح الفكر الشعبي بسمات وبمعايير الخاصة . كما أنها جزء مهم من ملامح أي شعب ومن أسلوب حياته ومعتقداته .. ومعاييره الأخلاقية .
وليس المثل مجرد شكلٍ من أشكال الفنون الشعبية وحسب ، وإنما هو عمـل يُحفِّز قوة المجتمع الكامنة على التحرك ، لِما له من تأثير مهم في سلوك الناس ، لأن المعنى والغاية يجتمعان في كل أمثال العالم على اختلاف مجتمعاتها والتي تعبّر عن تاريخ وفكر الأمم .
ويمكن اعتبار المثل الشعبي كتعبير عن نتاج تجربة شعبية طويلة أدت إلى العِبرة والحكمة ، وهو أشبه ما يكون بالرواية الشعبية التي تقص قصة موجزة ومختصرَة جداً تسهم في تكوين الثقافة الشعبية . وتكوّن الأمثال ملامح الفكر الشعبي وتَميزِّ معاييره الخاصة ، لتكون جزءاً من ملامح الشعب وقسماته وأسلوب عيشه ومعتقداته ومعاييره الأخلاقية .
كما أن المثل لونٌ أدبي مُعبِّر طريف المنحى وعظيم الفائدة إذ يلخّص تجربة إنسانية ، تتردد على ألسنة الناس . وشعبية المثل تمكنه من احتلال الموقع الجليل في نفس القائل والسامع على حدّ سواء ، وتجعل له مكان الصدارة من حيث الأهمية والتأثير بين سائر فنون القول الشعبية .
وبالطبع فقد تنوعت تعاريف المثل الشعبي ، لكنها لم تخرج عن كونه قولاً مأثوراً تَظهرُ بلاغته في إيجاز لفظه وإصابة معناه في مناسبة معينـة . وقد كان إدراك العرب لأهمية الأمثال سواء أكانت أمثالاً فصحى أم أمثالاً شعبية جلياً وواضحاً ، فجموعها وحرصوا على حفظها في وجدانهم الشعبي .
والأمثال حِكَمٌ شعبية شفهية مجهولة القائل وواسعة الانتشار بين العامة والخاصة .
كما يمكن تعريف المثل على أنه :
جمـلة مفيدة موجزة متوارثة شفاهةً مـن جيل إلى جيل .كما أنه جملة محكمة البناء وبليغة العبارة ، وشائعة الاستعمال عند مختلف طبقات المجتمع دون تمييز بين طبقة وأخرى .
ويرى الفارابي أن المثل هو ما ترضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه فيما بينهم واقتنعوا به في السراء والضراء ، ووصلوا به إلى المطالب القصية ، وهو بالغ الحكمة لأن النـاس لا يجتمعون على ناقص . ولهذا فإن المثل قيمة أخلاقية أُصطُلِحَ على قبولها في شعبها بعد مروره قبل اعتماده وشيوعه في غربال معايير الشعب وبات ينم صراحة أو ضمناً عن هذه المعايير على كل صعيد وفي كل حال يتعاقب عليها الإنسان في حياته .
وفي الموسوعة البريطانية فإن المثل : “قول بليـغ محكم ، يُستخدَم في نطاق عام ، لأنه من التعبيرات المتداولة بين الناس ، والأمثال جزء من أيّة لغة متكلمة وتعود إلى بعض أشكال الأدب التراثي (الفولكلوري) المتناقل شفاهة ” .
وتتميز الأمثال الشعبية بأنها تتناول كل مناحي الحياة ، ويجتمع فيها أربعة عناصر لا تجتمع في غيرها من الكلام :
* إيجاز اللفظ .
* إصابة المعنى .
*حسن التشبيه .
*جودة الكتابة .
وبذلك تكون الأمثال نهاية البلاغة في اللفظ وفي المعنى .
كما أنه لغالبية الأمثال جمـلها الموسيقية متجانسة الأوزان والكلمات ، سهلة الإلقاء والتناقل و لها إيقاع خاص يساعد على حفظها .
ويدعو المثل الناس إلى اتباعه والالتزام بما فيه حيث يقال :
– “زي المثل واعمل”
– “ما خلَّى المثل وما قال” .
وقد يرى البعض أن الكثير مـن الأمثال لا تتفق ، بـل قـد تتناقض ، لو وضعت جنباً إلى جنب ، كالمثل القائل :
= “اللي الحكومة تاخد مراته ما يتعايرش” .
= و”اللي تقدر على ديته اقتله” .
وحقيقة الأمر أنه لا تناقض بينهما ، فالمثل الأول له دلالة على قوة الحكومة ومقاومة الشعوب ، أما المثل الثاني فهو يدل على ضعف السلطة مما يجعل الفرد يفعل ما يحلو له .
ولو قلنا بأن المثل خلاصـة فكر الشعب وخزانة حكمته لحَقَّ القول على أن هذا الفكر متناقض لأنه يجمع المسلكين معاً ، غير أن التناقض هنـا ليس سوى تناقض ظاهري فقط ، لأن الدلالة هنا على أن المثـل يعبّر عن تاريخٍ شعبي وعن مدى قدرة أبناء الشعب على التعامل مع الأمور في الفترات المختلفة .
وهذا ليس لأن الفكر الشعبي متناقض ، بل لأن التجارب والحالات شديدة التنوع . ولو اقتصرت الأمثال على إظهار جزء من الخبرات غير المتناقضة لما حقَّ للدارسين أن يُعِدّوا الأمثال صورة للفكر الشعبي ولخبراته ، ولكان ظهر جزء من الصورة وخفيت منها أجزاء أخرى . ووظيفة الأمثال هي تسجيل خبرات الشعب والحفاظ على قِيَمه وعاداته وتقاليده من الاندثار ، ونقل خبرات الآباء والأجداد إلى الأبناء ومنهم إلى الأحفاد .
وتبرز أهمية المثل الشعبي بتحديد دوره أو وظيفته في المجتمع ، والتي تتمثل في كلٍ من وظيفة تعليمية ، ووظيفة تربوية ، ووظيفة أخلاقية ، ووظيفة ثقافية اجتماعية .
Discussion about this post