مختارات ..
=-=-=-=-=-=
المِثلية ..
(1)
د.علي أحمد جديد
(المثلية) هي توجه جنسي يتسم بالانجذاب الشعوري، أو الرومنسي ، أو الجنسي بين أشخاص من نفس الجنس . وقد تُعتبر المثلية هويّة يشعر بها الإنسان بناءً على هذه الميول والتصرفات المصاحبة لها ، بالإضافة إلى الشعور بأنه جزء من جماعة تشاركه هذه الميول .
وحتى اليوم ما يزال طرح موضوع المثلية الجنسية يعتبر كاللعب بالنار ، بل أن حساسية هذا الموضوع تزداد يوماً بعد يوم في مجتمعنا العربي نتيجة اتساع قاعدة المدافعين عن حقوق المثليين حول العالم واستنفار المعارضين لحرية المثليين الجنسيين لمواجهة هذا الدفاع بالهجوم الشرس .
هذا التجاذب بين المؤيد والمعارض ، وبين المحاسب والمسامح ، قد أدى بطريقة درامية إلى طمس الكثير من الحقائق المتعلقة بالمثلية الجنسية ، وحتى يكون البحث موضوعياً نوعاً ما في دراسة الأسباب والحلول .
ورغم أن جميعنا يعلم ما المقصود بالمثلية الجنسية ، وأنه حتى وقت قريب نسبياً كان المجتمع الطبي بشِقّيه النفسي والجسدي يتعامل مع المثلية الجنسية بكلمات مثل (انحراف ، اضطراب ، خلل ، ارتكاس ، شذوذ …إلخ) ، وصارت هذه الكلمات اليوم أقل موثوقية في المجتمع الطبي ، واستبدلت بكلمات مثل (ميل جنسي ، تَوَجّه جنسي ، شعور ، انجذاب …إلخ) تسهيلاً لترويج فكرة المثلية .
فقاموس أوكسفورد مثلاً يعرِّف المثلية الجنسية أنَّها “انجذاب” جنسي تجاه نفس الجنس ، وهو التعريف الأكثر تداولاً بصيغته اللطيفة الخالية من الاتهام .
مثلية الرجال ومثلية النساء
يعاني الرجل المثلي من النبذ ثلاثة أضعاف ما تعانيه المرأة المثلية ، وتتمحور معظم الدراسات والأبحاث والتجارب حول كيفية تعديل السلوك الجنسي للرجال دون إبداء اهتمام حقيقي بالمثلية الجنسية عند النساء .
وعلى الرغم من أن المنطلق المنطقي لنبذ المثلية هو ذاته (وجود سلوك جنسي غير متسق مع السلوك العام وغير متوافق مع القواعد الأخلاقية والدينية العامة أو الفطرة الإنسانية) إلا أن المجتمعات على اختلاف تقبلها للمثلية تتعامل مع مثلية الإناث بتسامح أكثر مما تتعامل مع مثلية الذكور، بل أن البعض ينظر إلى (المثلية الجنسية) بين الإناث كنقطة إضافية تسجل لها في دفتر الأنوثة !.
ولهذه النظرة جذورها الإجتماعية والأخلاقية المعروفة والمفهومة عموماً والتي غذّتها المواد الإباحية المصوّرة في العصر الحديث .
ليس من الصحيح تاريخياً الادعاء أن المجتمعات البشرية رفضت دائماً المثلية الجنسية أو أن المجتمع البشري لم يشهد حالات إشهار للميول الجنسية الشاذة في تاريخه القديم ، بل الصحيح أن (المثلية الجنسية) وإن كان الغالب عليها هو الإنكار الاجتماعي إلا أنها مرت بتحولات كثيرة عبر التاريخ بين القبول والرفض ، ومن لم يسمع الممارسات الجنسية الشاذة وعن خصيان الملوك في قصور النبلاء والأمراء في اليونان وروما وغيرها من الحضارات وحتى الحضارة العربية والإسلامية إلى الدولة العثمانية؟!.. بل والحديث عن الميول الجنسية المثلية الصريحة لبعض شعراء العرب مثل أبي النواس .
وتشير بعض الآراء إلى أن اعتبار المثلية الجنسية عاراً يعتبر أمراً طارئاً ، حيث تعاملت الحضارة العربية والإسلامية مع المثلية الجنسية بطريقة أكثر تسامحاً مما نظن ، والرأي منسوبٌ لأصحابه .
يمكن القول أن التعامل مع مواجهة الشذوذ الجنسي كمسؤولية اجتماعية مرتبط بشدة بالأديان السماوية والمجتمعات الدينية التي نشأت وتطورت عن هذه الأديان والتي اعتبرت أن الحياة الزوجية أمر مقدس وأن أي ممارسات جنسية خارج الزواج لا يمكن النظر إليها إلَّا كخطيئة، وبالتالي كل ممارسة بين ذكر وذكر أو أنثى وأنثى هي خطيئة ومعصية .
وعلى مستوى العالم تعرّض المثليون إلى أنواع مختلفة من الاضطهاد أسهلها التجاهل والنبذ وأقساها التعذيب والقتل ، وكان هذا الاضطهاد ممنهجاً ومدعوماً من الأنظمة السياسية والمؤسسات الدينية تارةً ، واضطهاداً اجتماعياً لا علاقة له بالسلطة تارةً أخرى ، ولم يتمكن هذا الاضطهاد حتى الآن من القضاء على المثلية الجنسية .
ومع نشاط علماء النفس في القرن التاسع عشر تم تصنيف المثلية الجنسية في باب الانحرافات السلوكية والاضطرابات العقلية ، وقد رافق هذا التصنيف الكثير من المعتقدات الشعبية الراسخة حول (المس الشيطاني وتلبّس الجن) وغيرها من الخرافات التي حاول العامة من خلالها التعامل مع مشكلة الشذوذ الجنسي .
وبطبيعة الحال أدى الحماس العلمي لدى الأطباء إلى تجربة أنواع مختلفة وغريبة من العلاج لعلهم يجدون حلّاَ لانحرافات المثلية الجنسية ، وقد سجل عالم النفس والطبيب النفسي (سيغموند فرويد) آراءً متناقضة حول المثلية الجنسية فتحت باباً للتعمق في القضية
ويعتبر الطبيب النفسي الشهير (سيغموند فرويد) من أوائل الذين حاولوا إيجاد إجابات موسعة حول الشذوذ الجنسي والمثلية الجنسية، وعلى الرغم من الأفكار التي قدمها إلا أنه بالنسبة لعلماء النفس في العصر الحديث لم يتمكن من وضع نظرية ثابتة متكاملة حول الشذوذ الجنسي، وهذا ما يذهب إليه الدكتور (جوزيف نيكولوسي) في بحثٍ له حول حقيقة ما قاله (فرويد) عن المثلية الجنسية حيث يقول :
– إن (فرويد) لطالما اقترب من موضوع الشذوذ الجنسي بحذر ولم يقدم سوى افتراضات مؤقتة، لكن نظريات وآراء (فرويد) المؤقتة والحذرة تم استغلالها من قبل مؤدي ومعارضي حرية مثليي الجنس من خلال الاجتزاء الاقتباس والتحوير لتكون مناسبة للمؤيد وللمعارض .
كما أن تصريحات (فرويد) حول المثلية الجنسية كثيراً ما كانت متناقضة وغير مكتملة ، فهو يصف المثلية باعتبارها مرضاً ، ثم يعود ليصفها بأنها مجرد اختلاف في الوظيفة الجنسية، و يعتبر (فرويد) من أوائل الذين أشاروا إلى العلاقة بين المثلية الجنسية والإبداع من خلال ذكر المثلية الجنسية عند (ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو) ، وكثيراً ما كان (فرويد) متعاطفاً مع المثليين ورافضاً للاضطهاد الاجتماعي لهم.
وكان (فرويد) من أوائل علماء النفس الذين اعتقدوا بوجود عوامل وراثية وبيئية تتحكم بالميول الجنسي عند الإنسان وقد تبدأ من مراحل باكرة من مسيرة حياته، ومن أوائل الذين حاولوا تخفيف حدة التعامل مع الشذوذ الجنسي كسلوك منبوذ بالمطلق، لكنه بالمقابل اعتبر في موضع آخر أن كل نشاط جنسي يتخلى عن الإنجاب كموضوع له يعتبر انحرافاً .
ويفسر علماء النفس ما ذهب إليه (فرويد) في نظرياته ببساطة من خلال القول أن الشذوذ الجنسي كفكرة نظرية جزء من تطور الشخصية الذي يتجاوزه البعض إلى الميول الجنسي المغايرة ، ويستمر البعض بميوله المثلي ، وتتحكم بعض العوامل الوراثية والهرمونية والنفسية بما إذا كان الشخص سيتجاوز المثلية إلى المغايرة أم لا .
هذا التضارب والتناقض في آراء (فرويد) حول المثلية الجنسية لا يمكن اعتباره مأخذاً على فرويد بل على العكس ، هو تعبير عن خطورة القضية التي تناولها فرويد وحذره في الموازنة بين الآراء السائدة والآراء الحديثة .
و ينظر المجتمع البشري إلى (المثلية الجنسية) اليوم على أنها أمر مبهم ولايمكن ترجيح رأي على الآخر أو المصادقة على بحثٍ دون آخر أمر مرهون إلى حدٍّ بعيد باعتبارات غير علمية، اعتبارات اجتماعية ودينية وسياسية .
فعلى الرغم من إخراج المثلية الجنسية من قائمة الاضطرابات العقلية بمعركة شرسة بين أطباء الجمعية الأمريكية للطب النفسي بين 1968 و1987 ، وكذلك فعلت منظمة الصحة العالمية التي أخرجت الشذوذ الجنسية من التصنيف الدولي للأمراض CID عام 1992 ، إلا أن ذلك لم يقنع المعارضين للمثلية .
وسنة بعد سنة حذت الكثير من المنظمات الصحية حول العالم هذا الحذو ونفت أن يكون الشذوذ الجنسي مرضاً أو اضطراباً عقلياً أو انحرافاً نفسياً يمكن علاجه ، وذلك استناداً إلى أن المثلية الجنسية لا تؤثر مطلقاً على الأهلية العقلية للإنسان وغالباً ما ترافق هذا الاعتراف مع الإعلان أن المثلية الجنسية ميل جنسي لا يحتاج إلى العلاج .
وهذا ما أقرت به جمعية الأطباء النفسيين اللبنانية عام 2013 ، واعترفت الجمعية أن (المثلية الجنسية) لا تعتبر نتيجة للاضطرابات الأسرية أو عدم التوازن في النمو النفسي، وبما أنها ليست مرضاً عقلياً وليست انحرافاً نفسياً بل هي مجرد ميل جنسي اختياري ، بالتالي فهي لا تؤثر على قدرة الإنسان على المحاكمة أو على موثوقيته أو أهليته أو قدراته المهنية، فهي لا تتطلب علاجاً!
هذه الاعترافات المتتالية لا تعتبر انحلالاً أخلاقياً بالمفهوم العلمي ، بل هي نتيجة مباشرة لعجز المجتمع الطبي عن تقديم تفسير واضح ومؤكد لأسباب المثلية الجنسية ، وعجزهم أيضاً عجزاً تاماً عن إثبات إمكانية علاج المثلية الجنسية وإعادة الشخص إلى دائرة السلوك الجنسي السوي، وعدم قدراتهم على تحديد العوامل الحقيقية التي تجعل الإنسان مثيلاً أو مزدوجاً أي يميل إلى الجنسين في نفس الوقت .
فلا يمكن أن يقول الأطباء أن المثلية الجنسية مرض عقلي أو نفسي دون أن يستطيعوا تحديد أسبابه أو سبل علاجه أو حتى توصيفه بشكل قاطع .
خلاصة القول أن المجتمع العلمي اليوم يميل إلى التسامح والتصالح مع المثليين الجنسيين، وإلغاء نبذ مثليي الجنس أو التعامل معهم كشواذ، وقد تفاعلت معظم المجتمعات الأوروبية والمجتمع الأمريكي مع هذا الاتجاه وتقبلت وجود المثليين الجنسيين والتعامل معهم كأفراد طبيعيين يمارسون أعمالهم اليومية بحرية كاملة ويحق لهم الزواج في بعض الدول.
أما بالنسبة للمجتمع العربي ولحساسية هذه القضية يمكن القول أن الدول العربية والإسلامية لم تعترف حتى الآن وقد لا تعترف أبداً بأن المثلية الجنسية لا يمكن التعامل معها بالنبذ والإقصاء، والأكثر تقبلاً وتسامحاً مع المثلية الجنسية في المجتمعات العربية هم من يعتقدن أن المثلية الجنسية مرض نفسي يمكن علاجه، فيما تميل الغالبية إلى التعامل مع مثلي الجنس كمسخ يجب التخلص منه، وهذا ما نتج عنه ارتكاب العديد من جرائم القتل في دول عربية مختلفة راح ضحيتها من صرحوا بمثليتهم الجنسية.
وحسب (موسوعة بريتانيكا) ما تزال معظم دول آسيا وإفريقيا أو أميركا الجنوبية تنظر إلى المثلية كنوع من المحرمات، وتشهد هذه الدول أعمال عنف مناهضة للمثليين تصل إلى حد القتل .
وبعيداً عن الجانب الديني ، نستعرض أضرار المثلية طبياً على الجسم من الناحية الفيزيولوجية وأضرارها النفسية والأمراض التي يمكن أن تكون نتيجة ممارستها .
وكما سبق ذكره مصطلح (المثلية الجنسية) يشير إلى حدوث تجاذب عاطفي وجسدي بين شخصين من نفس النوع (رجل ورجل أو امرأة وامرأة) ، وهو نوع من أنواع التوجهات الجنسية ، وليس هوية جنسية كما يتم ترويجه بالمطلق . وفي كثير من الحالات يظهر هذا التوجه في سنوات المراهقة ، ويُستخدم لفظ (gay) في الإشارة إلى الرجال المثليين جنسياً ، ولفظ (lesbian) للنساء المثليات . والذين يمارسون العلاقة الجنسية مع شخص آخر من نفس النوع معرضون بشكل كبير جداً للإصابة ببعض أنواع الأمراض المزمنة والسرطانات وبمشاكل نفسية عديدة ، وابرز الأضرار المثلية والمشاكل الصحية الناتجة عن العلاقة المثلية :
1- إن الأمراض المنقولة جنسياً بين المثليين ، وبصورة خاصة الرجال هي فيروس نقص المناعة البشري (HIV) وهو فيروس يمكن أن يؤدي للإصابة بمرض الإيدز في حالة عدم علاجه ، وينتقل عن طريق الاتصال المباشر بسوائل جسدية تحتوي على الفيروس عادة من خلال مشاركة الإبر أو الجنس الشرجي أو المهبلي . ومرض الزهري (Syphilis) وهي عدوى بكتيرية يمكن أن تتسبب في حدوث ضرر للقلب والجهاز العصبي في حالة عدم علاجها بشكل جيد ، وينتقل هذا المرض من خلال الجنس الفموي أو الجنس المهبلي . مرض السيلان (Gonorrhea) وهو عدوى بكتيرية قد تتسبب في حدوث مشاكل في الخصوبة في حالة عدم علاجها ، ويتم انتقالها عن طريق الجنس الفموي أو الشرجي أو المهبلي . فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) الذي هو عبارة عن مجموعة من الفيروسات التي تتسبب في ظهور ثآليل تناسلية وأنواع معينة من السرطان ، وتنتقل عن طريق الجنسي الفموي أو المهبلي أو الشرجي .
2- التهاب الكبد ومن ضمن أضرار المثلية الأخرى المحتملة هي الإصابة بالتهاب الكبد ، وخاصة التهاب (الكبد A والتهاب الكبد B) ، وهو مرض يُصيب الكبد ويتسبب في حدوث مشاكل صحية خطيرة منها ، سرطان الكبد وتليف الكبد وفشل الكبد وحتى الوفاة . وينتقل التهاب الكبد (A) عن طريق الطعام الملوث عادة ، ولكن يمكن أن ينتقل أيضاً من خلال الجنس الفموي أو الشرجي ، كما ينتقل التهاب الكبد (B) عن طريق مشاركة الإبر أو من خلال الجنس الفموي أو المهبلي أو الشرجي .
3- تعاطي وإدمان المخدرات إذْ يُعتبر المثليون أكثر عرضة لتعاطي وإدمان المخدرات مقارنة بالآخرين ، ومن الأنواع التي يتم استخدامها (نترات الأميل ، الأمفيتامينات ، القنب والكوكايين) . وقد يترتب على هذا مشاكل صحية عديدة مثل أمراص القلب وارتفاع ضغط الدم وأمراض الرئة وسرطانات الرئة .
4 – الإصابة بالسرطان وعلى الرغم من احتمال إصابة جميع الأشخاص ، وخاصة الرجال ، بسرطان البروستاتا والخصيتين والقولون ، إلا أن الرجال المثليين يعتبرون الأكثر عرضة للإصابة بهذه الأنواع ، مقارنة بالرجال غير المثليين ، وفي حالة عدم اكتشاف وعلاج هذه الأنواع من السرطانات ، تزداد فرص الوفاة .
5- اضطرابات الأكل والسمنة بين عدد كبير من الأشخاص الذين يدخلون علاقة مثلية ، فإنهم يعانون من مشاكل متعلقة بشكل الجسم أكثر من غيرهم ، ويتضمن هذا زيادة نسبة الإصابة باضطرابات الأكل مثل ، فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) والنهام العصبي (Bulimia) . وكذلك ونتيحة عدم الرضا عن شكل الجسم ، تزداد أيضاً نسب حدوث السمنة بين المثليين بشكل أكبر ، وهي مايترتب عليها الإصابة بأمراض القلب والسكري .
و تُشير الأبحاث العلمية إلى أن المثليين معرضون بشكل كبير للإصابة بمشاكل نفسية أيضاً لأن المثلية الجنسية ما زالت من الأمور المرفوضة في كثير من المجتمعات والدول ، أو ما يُعرف علمياً بإسم (رهاب المثليين) ، ويتعرض العديد من المثليين لمشاكل نفسية كالاكتئاب الشديد ، والاضطراب ثنائي القطب (Bipolar disorder) ، واضطراب القلق العام (Generalized Anxiety disorder) و الانتحار .
– للبحث بقية –
Discussion about this post