في مثل هذا اليوم20 فبراير1910م..
اغتيال رئيس وزراء مصر بطرس غالي على يد إبراهيم الورداني.
في 20 فبراير/شباط 1910، أطلق الشاب ذو الأربعة والعشرين عاما “إبراهيم الورداني” على رئيس الوزراء المصري “بطرس غالي” باشا ست رصاصات من الأمام والخلف في سرعة خاطفة، فكانت الجريمة السياسية الأولى في مصر بمفتتح القرن العشرين، وقد أحدثت دويًّا وانقساما عنيفا في أوساط المصريين وطنيين وغير وطنيين، مسلمين وأقباطا.
كانت مصر آنذاك تستقبل العام الثامن والعشرين على الاحتلال البريطاني للبلاد، وقد عاشت طوال هذه الفترة على وقع مواجهات سياسية حامية الوطيس بين الوطنيين الذين بزغ نجمهم عبر مشروع الحزب الوطني بقيادة مصطفى كامل ومحمد فريد، وبين عملاء الاحتلال البريطاني المتغلغلين في مفاصل الدولة والحكومات المصرية المتعاقبة آنذاك. فبعد هزيمة الثورة العُرابية والقضاء عليها مع دخول البريطانيين البلاد، حرص الإنجليز على إملاء الشروط على الخديوي توفيق وابنه الخديوي عباس حلمي الثاني، وعلى الرغم من محاولات عباس حلمي الاستثنائية للتفلُّت من ربقة الاحتلال البريطاني بكل المناورات السياسية، من خلال تقرُّبه من الوطنيين بزعامة مصطفى كامل، فإن الإنجليز بزعامة اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني نفَّذوا بغطرسة شديدة سياسات الاحتلال.
لهذه الأسباب وغيرها خسرت مصر طيلة تلك السنوات الكثير من مُقدَّرات قوّتها في ميادين التعليم والاقتصاد وتطوير الصناعة والجيش، بل وشهدت تآمرا على الثوابت القومية والكرامة المصرية في ملفات حساسة مثل انفصال السودان عن مصر، وملف قناة السويس وإعادة مدّ امتيازها، ناهيك بالظلم الفادح الذي وقع على الفلاحين المصريين في حادثة دنشواي عام 1906.
وسط كل هذه المظالم الكبرى التي تعرَّضت لها مصر، ظهر اسم بطرس غالي بوصفه أبرز حلفاء الاحتلال البريطاني، وأهم الرجال الذين خدموا مصالحه على حساب المصالح المصرية. فمَن هو بطرس غالي؟ وما الذي فعله ليحظى بثقة الخديوي والبريطانيين؟ ولماذا قرَّر “إبراهيم الورداني” أن ينتقم منه ويغتاله في وضح النهار؟
في بلدة الميمون بمحافظة بني سويف، وُلد بطرس نيروز غالي سنة 1846، وكان والده “غالي بك نيروز” ناظرا للدائرة السنية لشقيق الخديوي إسماعيل في الصعيد. وقد التحق بطرس في صغره بأحد الكتاتيب كغيره من المصريين حيث تعلَّم العربية، ثم انتقل إلى مدرسة لتعليم اللغات في القاهرة فأتقن الإنجليزية والتركية، وسافر لاستكمال دراسته الجامعية في بعثة من الحكومة المصرية إلى الخارج. ثمَّ عاد وانضم إلى الجناح الذي عمل على تبريد الثورة العرابية، ولهذا السبب كان بطرس غالي أول قبطي يحصل على رتبة الباشوية، وفي عام 1893 تولى نظارة “وزارة” المالية [1].
أصبح بطرس غالي فيما بعد وزيرا للخارجية في وزارة مصطفى فهمي باشا الذي عُرف عنه أنه رجل الإنجليز في مصر، واستمر في هذا المنصب ثلاثة عشر عاما بين عامَيْ 1895-1908، وهي أطول فترة شغلها ناظر أو وزير في هذا المنصب السيادي. وفي أثناء وزارته للخارجية وقَّع بطرس غالي على اتفاقية الحكم الثنائي المصري البريطاني للسودان في يناير/كانون الثاني 1899 بالنيابة عن الحكومة المصرية، مع اللورد كرومر النائب عن الحكومة الإنجليزية. وبموجب تلك الاتفاقية أصبح لإنجلترا رسميا حق الاشتراك في إدارة السودان، ورفع العلم الإنجليزي إلى جانب العلم المصري، وتعيين حاكم عام للسودان بناء على طلب الحكومة البريطانية.
وقد علَّقت جريدة “المنار” لصاحبها الشيخ “محمد رشيد رضا” على هذه الكارثة السياسية بانفصال السودان عن مصر قائلا: “الخلاصة أن السودان أصبح وأمسى مستعمرة إنجليزية بإقرار الحكومة المصرية رسميا، وإقرار الدولة العثمانية سكوتا، ولمصر فيه شركة لها منها الراية التي ترفع بجانب الراية الإنجليزية، وعليها أن تُقدِّم الأموال لإدارة السودان والعساكر لحفظه تحت السلطة الإنجليزية. فهكذا تقضي القوة على الضعف، وهكذا يسود العلم على الجهل. فلتنتقل الحكومات الإسلامية من النوم إلى الموت، حتى لا يبقى لها عين أو أثر، ولتعتقد الشعوب الإسلامية أن لا قوام لها ولا نهوض إلا بحكوماتها التي هي أشد بلاء عليها من أعدائها، أو لتنهض إلى العمل بنفسها مقاومة لحكامها قبل الأجانب، والله لا يضيع أجر العاملين”[3].
لقد كانت هذه أولى الجرائم التي شارك فيها بطرس غالي متنازلا عن حق أصيل من حقوق مصر السيادية، وكانت الجريمة الثانية رئاسته للمحكمة التي فرضها الإنجليز باعتباره ناظرا أو وزيرا للحقانية بالنيابة نظرا لغياب وزير الحقانية وقتها، حيث أصدر الحكم بإعدام أربعة من أهالي قرية دنشواي بالمنوفية ممن دافعوا عن أنفسهم ضد همجية المعتدين البريطانيين، وهم “حسن محفوظ” و”يوسف سليم” و”السيد عيسى سالم” و”محمد درويش زهران”، فضلا عن أحكام بالسجن لمدد مختلفة والجلد لآخرين. وقد كانت رئاسة بطرس باشا غالي لهذه المحاكمة الجائرة في حق الفلاحين المصريين من الأمور التي زادت الحنق عليه، وصنَّفته ضمن دائرة أذرع البريطانيين وعملائهم، إذ إن الإنجليز كانوا قد أرسلوا المشانق إلى قرية دنشواي قبل أن يصدر الحكم برئاسة بطرس غالي ومَن معه..
كانت هذه الحادثة سببا لإشعال حماسة الوطنيين المصريين، فهبَّت صحيفة “اللواء”، التابعة للحزب الوطني، تناشد الشعب المصري أن يتنبَّه لهذه المأساة، ولم يكتفِ مصطفى كامل بذلك، بل سافر إلى أوروبا وجعل يخطب ويُنبِّه الإنجليز والفرنسيين إلى فضائح الحكم البريطاني في مصر، وينشر التفاصيل المسهبة حول التوحش الذي عومل به سكان دنشواي، وكان من أثر هذه الحملات الصحفية والخطابية لمصطفى كامل أن تبلور لدى المصريين وعي وطني قوي لم يجد الإنجليز معه إلا أن يُقيلوا اللورد كرومر المعتمد البريطاني في القاهرة
لقد كان السخط على بطرس غالي بسبب اشتراكه في هذه الجريمة جليا لا غبار عليه، حتى اعترف به الخديوي عباس حلمي الثاني في مذكراته الشخصية التي سمَّاها “عهدي” قائلا عنه بثناء كبير: “كان رجلا عالميا، ولم يرتكب سوى خطأ واحد في حياته؛ وهو دنشواي”. ونحن نرى في مذكرات الخديوي عباس حلمي احتفاء كبيرا ببطرس غالي باشا بسبب نشاطه وذكائه وإدارته وقدرته على التكيُّف مع الإنجليز والأتراك على حد وصفه. نتيجة لذلك، حين قدَّم “مصطفى فهمي” باشا استقالته بسبب اعتلال صحته في نوفمبر/تشرين الثاني 1908، عهد الخديوي عباس حلمي لبطرس باشا غالي برئاسة الوزارة في اليوم التالي مباشرة بعد أخذ موافقة الإنجليز.
كان أول إنجازات بطرس غالي في الوزارة هو تفعيل قانون المطبوعات الذي أصدره الإنجليز في نوفمبر/تشرين الثاني 1881 إبان الثورة العرابية، الذي ظل حبيس الأدراج حتى قرَّر غالي وحكومته تفعيله في مارس/آذار 1909. وكان تفعيل هذا القانون يهدف ببساطة إلى مُصادرة الحريات وإسكات صوت الصحف الوطنية وإغلاقها، خاصة بعد أن أخذت تُهاجم الخديوي عباس حلمي الثاني الذي قرَّر اتخاذ سياسة وفاق مع الإنجليز آنذاك
الخطيئة الكبرى لبطرس غالي
كان من الطبيعي أن تثأر الصحف الوطنية لنفسها، فشنَّت حملات شعواء ضد بطرس غالي. وبعد وفاة زعيم الحزب الوطني مصطفى كامل عام 1908، تقلَّد زعامة الحزب محمد فريد بك الذي كان مثله خطيبا مفوها، ووطنيا شديد الحماسة، ومُناصرا لا يهدأ للصحافة الحرة والديمقراطية والشورى وعودة مجلس النواب والجلاء عن مصر، ومهاجما على الدوام كل العاملين لخدمة الاحتلال في مصر وعلى رأسهم بطرس غالي.
في أواخر عام 1909 وأوائل العام 1910 شغلت الرأي العام مسألة كبرى آنذاك وهي قضية “مد امتياز قناة السويس”. وفحوى هذا المشروع أن المستشار المالي البريطاني “بول هارفي” أخذ يفكر في وسيلة يسد بها حاجة الحكومة إلى المال، فدخل في مفاوضة مع شركة قناة السويس لمد امتيازها أربعين عاما، مقابل أربعة ملايين جنيه مصري تدفعها الشركة التي سيطرت عليها بريطانيا إلى الحكومة المصرية، مع نصيب من الأرباح. وقد ظل المشروع في طي الخفاء زُهاء سنة، وكان في عزم وزارة بطرس غالي إنفاذه بسرعة حتى لا يزعجها احتجاج الصحف الوطنية، ولكن محمد فريد تمكَّن من الحصول على نسخة المشروع في أكتوبر/تشرين الأول، فبادر إلى نشرها في جريدة “اللواء”
على مدار سلسلة من المقالات في “اللواء”، راح محمد فريد يفضح أسرار هذا المشروع والمتواطئين فيه، وخلاصته أن امتياز قناة السويس وعوائدها كان محددا بين الحكومة المصرية والبريطانية بتسع وتسعين سنة، تبدأ مع افتتاح قناة السويس في نوفمبر/تشرين الثاني 1869 وتنتهي في نوفمبر/تشرين الثاني 1968، فاتفق المستشار المالي والشركة على أن تمد الحكومة المصرية امتيازها أربعين سنة جديدة بعد الستين الباقية، فيمتد أجل الامتياز حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2008، في مقابل أن تدفع الشركة للحكومة مبلغ أربعة ملايين جنيه على أربعة أقساط سنوية ثابتة. ويُعلِّق المؤرخ القومي “عبد الرحمن الرافعي” على هذا المشروع بأنه كان “عبارة عن تقدمة مالية لمصر لا قيمة لها، مقابل مد امتياز الشركة أربعين سنة، بدلا من أن تكون القناة وأرباحها ملكا لمصر من سنة 1968. أو بعبارة أخرى هو تنازل عن ملكية القناة هذه المدة الطويلة مقابل الحصول على أربعة ملايين جنيه”
إبراهيم الورداني.. قائد الجناح السري
كانت الحملات التي شنَّها الحزب الوطني بزعامة محمد فريد وغيره من كُتَّاب وشباب الحزب صيحة لاقت صداها بين عموم الناس، حتى إن الصحف الأخرى وطوائف المصريين شرعت تقف أمام هذه الخيانة الواضحة لمُقدَّرات المصريين. وكان عدم وجود دستور أو مجلس نيابي “تتمثَّل فيه سلطة الأمة، ويُنقذ البلاد من عبث الاحتلال الأجنبي والاستبداد الداخلي حجة قوية على أن حكومة (بطرس غالي) إنما تعمل دائما على ما يُرضي الدولة البريطانية، دون أن تحسب للأمة المصرية حسابا، أو تقدر لمصالحها أو لمرافقها قدرا”، كما يصف الرافعي في تاريخه
بسبب هذه الجرائم الوطنية الأربع التي ساهم فيها بطرس غالي، التوقيع على انفصال السودان، ومحكمة دنشواي، وإعادة العمل بقانون المطبوعات، ثمَّ العمل على مد امتياز قناة السويس، اندفع شاب مصري اسمه إبراهيم ناصف الورداني (1886-1910) للإقدام على اغتيال رئيس الوزراء بطرس غالي في 20 فبراير/شباط سنة 1910.
كان إبراهيم الورداني شابا في الرابعة والعشرين من عمره وقت ارتكابه الاغتيال، وقد تلقى تعليمه في مصر حتى مرحلة الثانوية العامة “البكالوريا”، ثم ابتُعث إلى سويسرا لتلقي علوم الصيدلة، ثم درس في بريطانيا، قبل أن يعود إلى مصر ويفتتح صيدلية في وسط القاهرة. كان الورداني من المتحمسين لمبادئ الحزب الوطني المناوئ للاحتلال البريطاني وللخديوي عباس حلمي الذي انقلب على الحركة الوطنية منذ عام 1904، بل كتب الورداني عدة مقالات في صحيفة “اللواء” لسان حال الحزب الوطني التي أصدرها مصطفى كامل سنة 1900، ووقَّعها باسمه الحقيقي
لكن الأمر اللافت أن إبراهيم الورداني كان عضوا في جمعية “التضامن الأخوي”، وكانت هذه الجمعية جزءا من الجمعيات السرية النضالية المنضوية تحت الحزب الوطني قبل إعلانه رسميا سنة 1907. وقد آمن زعيم الحزب الوطني مصطفى كامل بأهمية العمل السري إلى جانب العمل العلني في إطار الإعداد لمواجهة الاحتلال البريطاني مستفيدا من أخطاء الثورة العرابية، وهي الأخطاء التي تعلَّمها من أحد مشاركيها الكبار الشيخ “علي يوسف” صاحب جريدة “المؤيد” والمعارض الكبير للاحتلال البريطاني والخديوي توفيق.
في كتابه “الحزب الوطني والنضال السري”، وهو في الأصل رسالة دكتوراه، يقول مؤلفه الدكتور “عصام الصغير”: “لجأ الحزب الوطني إلى العمل العلني إلى جانب العمل السري؛ لأن إستراتيجية الحزب في الواقع كانت قائمة على أساس النضال المسلح، ولم يكن النضال العلني إلا سياسة اقتضتها الظروف خشية البطش بالحركة في وقت مبكر، ولقد كانت قيادة الحزب حريصة على العمل في الخفاء لخلق الكوادر السياسية القادرة على تفجير الثورة، ولذلك فمن الحق القول إن نشاط مصطفى كامل العلني ما كان إلا ليُخفي ثورة”
وقد رصد الصغير في كتابه خطاب جريدة “اللواء” لسان حال الحزب الوطني، والجمعيات الفرعية لهذا الحزب، وأسماء أعضائها، فوجد أن الكثيرين منهم كانوا من المنضمين لنشاط الجمعيات السرية المسلحة التي عملت على التدرب لمواجهة الإنجليز وأعوانهم عسكريا. ولهذا السبب، ونظرا لدراسته للعلوم الصيدلية والكيميائية في الخارج، قُدِّم الشاب إبراهيم الورداني للالتحاق بالجمعية السرية للحزب الوطني على أساس أنه سيصير كيميائيا ماهرا يمكنه عمل ديناميت إلى جانب إعداد العقاقير السامة عند اللزوم..
في منتصف عام 1909، وبعد إعادة تنظيم الحزب هيكليا على يد محمد فريد، أصبح إبراهيم الورداني رئيس اللجنة الفدائية داخل الجمعية، وكان له وحده الحق في الاتصال باللجنة التنفيذية العليا. وبهذه الطريقة ظلت اللجنة الرئيسية للجمعية سرية، فلم تُعرف أسماء أعضائها ولا مقرها، وقد استعانت هذه الجمعية بالطلبة المصريين الدارسين في أوروبا لشراء الأسلحة، على أن يكون الشراء من كل أوروبا ما عدا بريطانيا حتى لا يكتشف الإنجليز هذا الأمر. والحق أن الواقع المصري في تلك الفترة قد شهد ولادة جمعيات سرية مسلحة كثيرة على غرار “جمعية التضامن الأخوي”، وقد اعترف مستشار الداخلية الإنجليزي آنذاك بذلك قائلا: “إن عدد الجمعيات السرية وشبه السرية كبير جدا”
بالنظر إلى سيرة كلٍّ من الورداني وبطرس غالي، لم يكن من المستغرب أن يُقدم الورداني على ارتكاب الاغتيال، ففي الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 21 فبراير/شباط 1910، خرج بطرس غالي من مكتبه في ديوان الخارجية بصحبة “حسين رشدي” باشا ناظر الحقانية “العدل” وفتحي باشا زغلول (أخي سعد زغلول) وكيل وزارة الحقانية، و”عبد الخالق ثروت” باشا النائب العام وقتها، ثم فارق مَن كانوا معه عند السلم الخارجي، وبينما هو يهم بركوب عربته اقترب منه الورداني مُتظاهرا بأنه يريد أن يرفع له عريضة وأطلق عليه رصاصتين أصابته إحداهما في صدره، وما كاد يلتفت خلفه ليرى صاحب هذه الفعلة حتى أطلق عليه الورداني ثلاث رصاصات أخرى أصابت إحداها عنقه من الخلف واثنتان في كتفه، ثم أطلق رصاصة سادسة أصابت ثيابه ..
وقع بطرس غالي مضرجا بدمائه، وقد نُقل إلى المستشفى على عجل، وأُلقي القبض على الورداني، ثم زار الخديوي عباس حلمي الثاني رئيس وزرائه وهو في نزعه الأخير بعد عملية جراحية دقيقة، لكن لم تأتِ الساعة الثامنة والربع من مساء ذلك اليوم حتى توفي بطرس غالي. وقد تسبَّبت هذه الحادثة في صدمة كبيرة في الأوساط الرسمية وغير الرسمية وقتها، وكان من الطبيعي أن تهدأ صحافة الحزب الوطني حتى لا تُتهم بالتواطؤ في عملية الاغتيال. أما الورداني، وعلى مدار أربعة أشهر من التحقيق، فإنه اعترف بأنه وحده هو المُدبِّر والمُنفِّذ والمُخطِّط لهذه العملية، وبرَّر إقدامه عليها بأن بطرس غالي وقَّع اتفاقية السودان في يناير/كانون الثاني 1899 بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها وقتذاك، وكان على رأس محكمة دنشواي التي قتلت وسجنت الفلاحين المصريين ظلما، وأعاد العمل بقانون المطبوعات للتضييق على الصحافة وسجن الصحفيين، ثم حاول مد مشروع “امتياز” البريطانيين لقناة السويس، مؤكِّدا أنه قصد قتل بطرس غالي منذ زمن..
أرسلت المحكمة أوراق القضية إلى مفتي الديار المصرية وقتها الشيخ “بكري الصدفي” (ت 1919) لاستطلاع رأيه في إنزال عقوبة الإعدام على الورداني، وقد أرسل الصدفي للمحكمة رفضه القاطع للإعدام وامتناعه المطلق عن التصديق على هذا الأمر، ولكن المحكمة التي خضعت للإنجليز ولسلطة الخديوي لم تأخذ برأيه. وفي 28 يونيو/حزيران 1910 أُنزلت عقوبة الإعدام شنقا بإبراهيم الورداني قاتل بطرس غالي وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من عُمره، ليُسدل الستار على أول قضية اغتيال سياسي في مصر في مطلع القرن العشرين.!!!
Discussion about this post