نص * هروب *
للكاتب محمد الحدينى
Mohammed El Hedeiny
قراءة بقلم شيخ النقاد العرب Ahmed Tantawy
…………………………………
“””
هروب”””
لحظات و يبدأ العرض. فتح الستار. انهالت على الشاشة مشاهد مفزعة انخلعت لها القلوب. تعالت صرخات الرعب في أرجاء القاعة. حاولوا اغماض عيونهم، لم يستطيعوا. فقأوها. باب الخروج موصد. تزاحموا و تدافعوا إلى الخارج محطمينه. هناك كانت عيونهم عالقة في الهواء. امتدت أياديهم إليها. أمسك كل منهم بعينيه. أعادهما إلى محجريهما. مضى في طريق العودة، لكنه كان طريقا آخر تلك المرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Ahmed Tantawy
[1]
الغرائبية تطل من وراء ستار …
التقسيم الى عالمين : مغلق داخلى و منفتح خارجى لكنه يحمل
هاجسه هو الآخر , أعطى الثراء للنص اللاهث القلِق
يمكننى أن أتخيل العالمين [ عالم واحد ] و الشاشة الداخلية
تعرض صور العالم الخارجى بوضوح صارخ لم تعرفه الشخوص
إلا حين خرجت من عالم محموم الى عالم آخر محموم أيضًا و خانق …
و ربما بشكل أكثر فداحة .
مواكب رمزية للحيارى المنومين كأنهم تماثيل شمعية .
النص كابوسى و طقسى .. هو من نوع الفانتازيا الاحتفالية ,
أتخيله مقاربة للمسرح التجريبى فى حركيته المثيرة للدهشة و الآلية .. نوع
من الجحيم الأرضى , و كأنه يماثل مشهدًا من كوميديا دانتى الإلهية
….
الرعب مطلبًا
ثمة حاجة غامضة لاجتياز حاجز المألوف و السكينة الى عالم
المغامرة و الخطر ربما ترجع الى الفضول و حب الاستطلاع
بل و ربما تمتد الى ( غريزة الموت ) Thanatosو الهدم
و التدمير فى مقابل الإيروس Eros أو غريزة الحياة
الناس تُسرع بإرادتها الى هذه الأنواع من الأفلام التى تجعلها
ترتعش و تفزع و كأنها نوع من الماسوشية المقنَّعة
عرفت أن هناك فى بلاد أوربية أو أمريكية أفلام تصور
_ على الوجه المقابل _ خصيصًا للأثرياء المجانين
لجرائم اغتصاب و قتل بشعة و تُعرض فى أماكن سرية
بمبالغ طائلة يدفعها هؤلاء المرضى الساديون الذين[ يتلذذون ]
بمشاهد القتل و التعذيب ( الحقيقية ) التى تتم بغرض
تصويرها و عرضها على هؤلاء
[2]
اللاوعى و الحُلم
لا يمكن أن يُنظر الى هذا النص بمعزل عن اللاوعى
و التماهى فى عملية التحديق للشاشة السينمائية .
هذا العالم المقابل الذى يضرب الوعى و يصيبه بالتخبط
حين يعيش ( عالمًا حُلميًا ) يتجاوز المفردات الواقعية الجامدة ,
فعلاقة المشاهد بالشاشة السينمائية تمثل فعالية على مستوى اللاوعى ,
وهناك تماثل كبير بين آليات و حركات السينما و بين آليات اللاوعى و فعالياته ,
فالمشاهد فى الظلام يتلقى متعة تُعرض عليه , و تأتى هذه المتعة فى جزء كبير منها من التماهى النرجسى الذى يستشعره المشاهد مع الممثل و هو ما يعرف بالتقمص ..
هذا التماهى و التقمص يجعلنى أقتل أعدائى و أنفس عن غضبى كما يحقق لىَ الحًلم تنفيسًا
[3]
المحاكاة و التطهير
مشاعر الإثم تلاحق الإنسان فى كل الأحوال _ و مهما
كانت درجته_ و تمثل الأحلام الكابوسية نوعًا من العقاب الذاتى
الذى يحاول أن يوجد توازنًا
التمثيل الفرويدى يرسم خريطة الهو و الأنا الأعلى _ انحطاطًا
و سموًا _ و بينهما [ الأنا ] الحائرة بينهما , والتى تريد أن تحقق
معادلة الاتزان
فى المسرح _ وظيفيًا _ قال أرسطو بالمحاكاة و التطهير
( محاكاة الممكن وليس محاكاة ما هو كائن ) , أما التطهير فتحركه مشاعر
الخوف و الشفقة
…..
مستويات ثلاثة للنص :
1_ ما يجرى داخل الشاشة
2_ ما يجرى للمشــــاهدين
3_ الأثر الحادث فى فعل التلقى
[4]
التأسيس لوعى مكافىء
علينا أن نسأل أنفسنا _ أولا _ عن مدى تَمثُّل الإنسان للوجود
عبر مسافة الصورة؛ فأن ينظر المرء إلى نفسه خارج نفسه
ليس كمن ينغلق على الذات في عماء لا يعرف إلى الصورة سبيلا أو تفكيرا
الأصل هنا فى هذا التماهى النرجسى _ عن طريق
التحديق_ هو ما أسماه العالم النفسى جاك لاكان
بمرحلة المرآة _ و أيضًا الى ” ميشيل فوكو” _ .
فى مرحلة المرآة يجابه الطفل نظرتين .. نظرة الأم اليه
ثم نظرته هو الى خياله فى المرآة , و هذا التبادل فى
النظر _ فى الحالتين _ يشكِّل وضعًا مزدوجًا ( ناظر.. و منظور اليه)
و بالنسبة للأنا : ( الأنا كفرد فاعل.. و بينها كمادة منظور اليها )
و الصورة فى المرآة ليست الطفل .. بل هى ( الأنا المثالية )
و الأثر الذى تكلم عند دريدا يريد به أن كل مفردة تختزن أثراً من
مفردات أخرى، تختلف عنها بقدر ما تتقاطع معها. لكن الأثر ذاته
لا يتمتع بكينونة الحضور، وهنا تكمن المفارقة، فحضوره مرهون بغيابه،
إذ لا توجد إشارة كاملة بذاتها , والأثر ــ حسب جاك دريدا ــ مفهوم تفكيكي ,
إنه تعبير عن الحضور والغياب معًا
[ 5]
فلننظر :
* الجالسون مهيؤن فى حال [ وعى و { أنا } متسقة
مع نفسها ظاهريًا ]
* يبدأ العرض , فينفتح على الفور المجال أمام اللاوعى
_ تماهيًا _ ليلتصق مع الأحداث التى تتحول بالتدريج الى
{ واقع تنويمى } لتعمل أفعال المحاكاة و التطهير عملها
_ سواء انتقامًا أو تكفيرًا _ لكن المسافة تظل دومًا غائمة
ملتبسة بين مستويات الوعى و اللاوعى .. الحقيقى
و المُتخيل …
هى ( شاشة ) أخرى تتكوَّن على الفور…و تغيب مباشرة تلك المسافة ,
لكن (غيابها) _ على الرغم من ذلك _ لا يعنى انمحاءها الكلى , بل
تبقى كسماء تحمل غيوماً ضبابية .. فالانكفاء [ التلقائى ] على الذات
فى وضع الظلام الفجائى يحمل فى اللاوعى آلياته ممثلة فيما كان يحدث
من لحظات على الشاشة , و هذا التمازج و الخلط يتسم بالجنون ,
فأضواء الشاشة التى كانت منذ ثوانٍ , تتعاكس حتماً مع تلك المرايا
التى ظهرت على الفور كبديل .. و لابد من الهروب من هذا الجحيم
هو أمر يتسم بالعبثية و اللامعقول .. كمن يسقط فى
هوة عميقة مظلمة , و فى ذهنه المنظر الذى كان يشاهده
منذ لحظة تُقدَّر بواحد على عشرة من الثانية ….!!!!
هو (الغياب و الحضور) إذا استعرنا مصطلح “جاك دريدا”
الأمر يدعو للابتسام الحزين ……. لو تأملنا
……………….
__ الانتقال من مستوى الوهم الأوَّلى الى فعل الوهم الثانى
فعل الوهم الثانى يجسد فعالياته _ و لا يكتفى بالتأمل _
بل يمتد الى الفعل الأكثر دموية _ فقء العين بطريقة أوديبية
عقابًا للذات _ ثم إعادة ” شمعية ” ليسلك هذا _ الآثم
المتطهر _ طريقًا جديدًا لا تُعرف معالمه بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** أما بالنسبة للمتلقى , فهو سيراقب _ مبدئيًا _ هذين
المستويين ( الشاشة و المتفرجون ) , لكنه لابد له أن يتساءل
_ بالمنطق البريختى التغريبى _ عن معنى هذا كله , خاصة
أنه رغمًا عنه سيجد نفسه مدفوعًا بقوة جبرية _ قوة لاوعيه
هو الآخر _ ليحطم معهم الأبواب للهروب من هذا الجحيم
و يسلك معهم هذا الطريق المجهول أيًا كانت خرائطه
( أحمد طنطاوى)…القاهرة ٢٠١٥
Discussion about this post