دراسة لقصيدة محض افتراء لعصام سامي
بقلم الدكتور حمزه علاوي مسربت .العراق .
يقولون ليلى بأرضِ العراق
فوقِّـع بقلبكَ هذا (الميثاق)
وَجدّد عهودَ الوفاءِ القديمة
وانفض عن كاهليكَ الهزيمة
وامحو سنين الهوان الأليمة
فكلُ الأحـبّـةِ صاروا حـيارَى
وأشجارُ قلبي بتلك الصحارَى
فاجعل من الثلج نارًا ونارا
واجمع حواليك كل الرفاق
يقولون ليلى بأرضِ العراق
*
يقولون ليلى بأرضِ العراق
تعطّرُ بالدمعِ صمت الزقاق
وما دون ذلك محض افتراء
وأيامُ حزنك تمضي بطاء
فيهلك – في التّـوّ – ذئب البراري
وتبكي الظباءْ
وتلك الدموع بدون اتفاق
يقولون ليلى بأرض العراق
*
يقولون ليلى بأرضِ العراق
تمشي وحيدةَ بين الدروب
وتروي السكينة بين القلوب
وتحملُ عـنّا جبال الذنوب
وتنزعُ دَومًا ما لا يطاق
يقولون ليلى بأرضِ العراق
*
يقولون ليلي بأرضِ العراق
فيلمح قلبي دموع القصيدة
وتمضي الدواهي وتأتي جديدة
وتأتي المصائبُ ثكلَى شريدة
وأرنوا إليها لتبقى وجيدة
وكل كياني بهذا السياق
يقولون ليلى بأرضِ العراق
تمكن الشاعر (عصام) من تضمين قصيدته بسطر من قصيدة الشاعر الأموي(قيس بن الملوح العامري) ”يقولون ليلى بالعراق مريضة”، ونجح في حبك التضمين مع المعنى الهام للقصيدة ، وهذا ما يعزز القوة البلاغية والمعنوية للنص ، وشد انتباه المتلقي .
يستهل الشاعر قصيدته بين مخاطب وغائب ، حاضر وآفل ، معلوم ومجهول . حضر الحوار بين راو غير مرئي ، ورؤية توحي بوجود ليلى في العراق . خطفت قلب المحب ليلى وتاهت رؤيته البصرية عنها ، وباتت الاسئلة تتموج ضمن دائرته الفكرية والخيالية، فراح يبوح لمن تلاشت عنه بلمحة البصر ، وناخت قواه الفكرية والعقلية ، ومضت تتصارع مع الظاهر والمخفي في عقله الباطن ، فما بين الدنى والنأي تباطأت خطواته ، وتشظت نظراته ، وأصبح يظن وجود من هواها في العراق . يحصر الشاعر لفظة -الميثاق- بين القوسين للتوكيد على فكرة النص ، ولمن قطع العهد الذي مضى . يخاطب ذاته ، ويلزمها بتجديد ما مضى من العهد . يمنح الشاعر نصه بحركة رومانسية ، الانتقال من الحاضر -الجفاء إلى ماض -الوفاء ؛ مابين القديم والحديث حط حواره . تمكن الشاعر من إيقاد جمرة التفاعل ما بين الزمان -الماضي ، والمكان -العراق ؛ وهذا ما يمنح الحدث الشعري بنية تتمتع بقوة العلاقة بين عناصر الحدث الشعري. امتازت المقطوعة الاولى بالتوازن في الأسطر والتنوع في القوافي ؛ وهذا ما يعطي جمالية هندسة القصيدة ، والتناغم الايقاعي للقوافي التي تطرب المتلقي وتلألأ القصيدة . يستمر بكلام الأمر الذي يحمل دلالة النصح والارشاد ، فيدعو الشاعر لتحرير ذاته من الاعباء ، وأطراف الهزيمة -رحيل من هواها – . يتخذ الشاعر من الاشجار دلالة رمزية إلى ما يعج به قلبه من مشاعر عاطفية جياشة . يوظف الترادف اللفظي لزيادة الحس الموسيقي للنص ، والتعبير عن الشوق لمن الهب الجسد بالحرارة الحسية . يعطي الشاعر أمراً وارشادا يحمل بين اسطره تحولات مادية من الثلج إلى النار ؛ من الجمود الذي يستوطن آفاقه القلبية الى حرارة الشوق لمن هامت به الرؤيا . يجمع حول النار الأحباب في سمر وسرد من الحكاية ، وفي ليل من ليالي الصحارى . يختتم المقطوعة بما بدء من أجل الحفاظ على بنية النص .
2
يواصل الشاعر تكراره اللفظي مثلما بدأ بمقطوعته الاولى وهذا ما يحافظ على التسلسل النسقي وترابط ما سبق من الصور الشعرية وما لحقها ؛ فهو تكرار تلازمي يؤكد على حبه لليلى .تسكن العبرات والآهات بين الصمت والبكاء ؛ ولهذا أختار الشاعر التنوع المكاني مابين العراق والزقاق وتفاعلهما مع الحدث الشعري ، والحفاظ على الإيقاع الموسيقي للنص . يفوح العطر فرحا -لقاءا- ويفوح الدمع حزنا-فراقا- وكلاهما يتفاعلان مع الجسد والروح . تمضي ايام حزنه ، الذي يزامن مع استمرار الزمن وبعد المكان . يمنح الشاعر النص فضاءا مفتوحا من خلال دلالة ذئب البراري الذي يكثر الترحال في الصحاري المفتوحة ، ويتميز بعواءه في الليل و الفجر ، ويعزف صوتا عاليا وطويلا للتواصل مع الآخرين . يعرف الذئب بقوة سمعة وبصره ؛ يغيب الحزن صوت الشاعر ، ويمحو أثر – المكان ، فالشاعر يوازي هذه الصورة بما هو عليه من حزن يهلك بصره ويفنى سمعه ، ويغفي الزمان والمكان على همد جسده . يوظف -الظباء- رمزا جماليا يعزز جمال ليلى . يغرق النص بالرموز الدلالية لشد ازر النص الشعري وتفاعل القارىء معه ، وزيادة العمق البلاغي . يذرف الظباء دموعا يغتسل منها عينيه ؛ وهذا مايشير الى البعد الفسيولوجي والعاطفي ، فهي تذرفها عفويا دون اتفاق – كل ذلك يناظر صوره الخيالية لليلى .
3
يواصل الشاعر تكرار اللازمة وتوازن الانساق الشعرية في تنظيمها الهندسي حفاظا على روح النص الجمالي . تجتاح ليلى الدروب، وتتيه ما بينهم ..شاردة العاطفة .. يسوقها الشوق الى من غاب وابتعد عنها .. لا أنيس يؤنسها سوى وحدانيتها ، ترسل شاراتها الروائية التي تروي الطمأنينة في القلوب ، وتحمل العبء الاكبر من ذنوب صدحت بالجفاء والبعاد ؛ هذه الاحداث الخيالية تعزز وجود الحس الشعوري لدى الشاعر ، وفيض المكنون في عقله الباطن من صور حسية وانبعاث التسلسل الصوري واللفظي الذي يوحى له ؛ هذه الصور تدفع المتلقي لتغير نمط توقعاته التي تصاحب مجرى وانسيابية التنظم الشعري للنص .
4
تستهل المقطوعة الاخيرة بتناغم اللغة الحسية واللفظية ، وتغيير المشاعر العاطفية والفكرية ، يمضي ما كان بصيرا ،ليحل محل الجديد ؛ تعاقب زمني ما بين الحالي والجديد ، وهذا ما يزين النص بالحركة الدينامكية من الفعل ورد الفعل ، من الفناء والانبعاث . تتعاقب المصائب الثكلى والتائهه ، وينظر الشاعر لها ويتأمل في وجود من الحزن السائر والدائر بكل كيانه ؛ ثم يختتم القصيدة كما بدأ بها من تكرار اللازمة . يكتب الشاعر ما يتراءى له من الخيال والايحاء ، لعل ذلك يشفي ويضمد جراح البعد والفراق ، ويمسي جسرا متواصلا من اللفظ والبصر الممتد بينه وبين ليلى في العراق ؛ وترك مساحة للقائل المجه
Discussion about this post