قراءة للاديبة الشاعرة فائزه بنمسعود -في(راس العين) للاديبة سلوى الراشدي
===============================
———-على سبيل المقدمة
(يرى بعض انصار اللغة العربية الفصحى
ان الكتابة بالدارجة تعد مسا من قدسية الفصحى باعتبارها لغة القرآن اللسان العربي المبين
وهذه في اعتقادي مقاربة عمياء صماء بكماء منغلقة والمعروف أن فعل الكتابة هو دوما رمز الانفتاح على عوالم ابداعية أخرى وغزو أجناس كتابية اخرى
وقد اختار بعض الروائيين والكتاب التونسيين
من سنوات الكتابة بالدارجة التونسية
وذهب البعض الى الدفاع عن هذا الاختيار بكل شراسة واعتبروا دارجتنا (لغة تونسية وليست لهجة كما يسميها البعض)
وشخصيا اراه اختيارا فيه دفاع عن الهوية التونسية
والكتابة بالدارجة ليس باي حال من الأحوال محاربة اللغة العربية ولا الاستنقاص من قيمتها بل أعدها ضربا من ديمقرطة الكتابة (ما دامت تستعمل نفس الابجدية من الألف الى الياء
________رحلــتي مع الأثر_____
وتعالوا معا نسافر الى راس العين على جناح الحب
أولى بهذا القـــلب أن يخفــق
… وفى ضـــرام الحب أن يحرق
ما أضيع الـــيوم الذى مـــر بـى
… من غير أن أهوى وأن أعـشق
هكذا تحدث عمر الخيام عن الحب والعشق
ولكن الحب والعشق في(راس العين) له نكهة النضال والوطنيه والتشبث بالارض والعِرض والوفاء حتى الموت
هكذا بدت لي حكاية المانعة وعبادة—-
وهذا ما أخذتنا اليه الاديبة(سلوى الراشدي)
في (راس العين)
إنها الاسطورة، إنها الخرافه، إنها الواقع الذي رحًله المخيال الشعبي الى عالم الاساطير
في مجتمع يعدُّ فيه الحب من الكبائر التي تدفع فاتورتها الانثى لان الرجل فوق الشبهات وهو الكائن الوحيد على وجه البسيطة الذي يحمل قلبا ومن حقه الحب واختيار من هوى حتى وان كانت هي رافضة وغير راغبة فيه وقد تصل به( الفحولة) بين قوسين الى تلويث سمعة من عشقها ورفضته ليبقى هو البطل المنقذ والمنجد ومخلص شرف عائلة الفتاة من الاذى ،عقلية شربت علقمها الانثى قرونا …والواقع ان المراة الحرة في اي زمان وفي أي مكان تحب وتعشق لان الحب أهم ركن في ممارسة الحرية
فالمراة الامَـة والمستعبدة يُران على قلبها وهي لا تفقه ان كان لها قلب أم خلفت بدون قلب
اما الحرة فحريتها تبدأ من قلبها لتشّع على العقل وبقية الحواس فترى وتسمع وتتذوق وتشمّ
فهي مالكة و متمكنة من كل حواسها وسيدة نفسها والمانعة حرة بنت حرة وبنت صناديد كما يقال
(راس العين ) كتيّب (كما تنعته كاتبته بكل حب)
يضمّ ستة عشر فصلا
كل فصل يحمل عنوانا داخليا خاصا به
وكل عنوان كان وفيا لما تضمَّنه من أحداث واوصاف
وكل عنوان هو عبارة عن حكمة او مثل شعبي
وان لم يكن كذلك فهو يمثل عبارة متداولة بين متساكني مكان مجرى الاحداث ومسقط راس الشخصيات ومجال تحركها
وعنوان الأثر(راس العين) هو الجامع الشامل باعتباره نافذة تفضي الى الاثر الابداعي ويشكل المفتاح الاجرائي الذي تتجمع فيه الأنساق المكونة للعمل الابداعي
فالعنوان شكّل سلطة النص وواجهته الإعلامية وهذه السلطة تمارس على المتلقي اي القارئ
وفي قراءتي ساتناول العناوين الداخلية التي تمثل بالنسبة لي رافعات لمسار الاحداث في(راس العين) وقد يرى غيري – خلاف ذلك—
فصل- حديث العزارى -عرج على الجو العام للوطن تحت حكم البايات الظلم والقهر واستغلال خيرات البلاد بكل وحشية والشعب يرزح تحت نير الفقر والمرض
وترفيع المجبى كان القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال—وثار الاحراروعلى راسهم باي الشعب علي بن غذاهم
وهنا تروي الكاتبة وقائع تاريخية بامانة
وبسلاسة الروائية المتمكنة من ادواتها
حيث تعرفنا بعاشق المانعة وتظهره بطلا ثائرا متمردا من رجال باي الشعب وتذكر اسمه (عبادة بالامين القفصي )
وعن غير قصد او عن قصد نرى الكاتبة تبرز بامانة دور هذه المناطق الداخلية التي كانت وما زالت منطلق اندلاع شرارات انتفاضات وثورات الكرامة والحرية-ناس احرار من اصلاب احرار-
وفي مراوحة بين السرد والشعر يبوح عبادة لصديقه
بحب من احب
في الفصل-كار الصحبة-
تظهر لاعج التي احبت نذلا وخائنا لاهله وناسه (الفاهم )وهل تنتظر ممن باع وطنه ان يكون له قلب يحب به فتاة نقية بريئة
ونرى المانعة هي الصدر الحنون التي تواسي وتضمد كلوم الخيانة وتحتوي صديقتها
وتعود الكاتبة تنبش في السلطة الذكورية المطلقة وتخوض في نظام وقوانين العشيرة التي ظلمت المراة كثيرا
وتأخذنا في رحلة قصيرة جدا لمعرفة اصل لاعج
وجذورها المغربية
في اشارة خفية وذكية اننا نحن سكان المغرب العربي واحد واننا نسب وصهر وان كل منا هو سند للآخر ولا تمنعنا الحواجز ولا تفرقنا الحدود ولا السياسات الخرقاء وهذا من قدم التاريخ
—-تنامت الحكاية في خطين متوازين
حب عبادة للمانعه وتكتمه على هذا الحب النقي
وحب عبادة للوطن وجهره بتخليصه من المستغلين والظلمة
وفي(راس العين) يمتزج الخيال بالواقع وبالاسطوري
لتكوين وحدة ابداع وعلى راي الكاتب شاكر عبد المجيد
[لا يمكن لاحد ان يحيط بالخيال انه طائر حر ]
فما اجمل الاحلام وما أروع الخيال والاسطورة
[والاسطورة قد تكون عامة وقد تكون خاصة ايضا لأن بعض الاشخاص اشبه بالاساطير]والمانعة وعبادة من هذه الطينة
واعترف ان (راس العين) والمانعة سحبتاني
الى العين والى حديث العزارى والعذارى عن الحب
في زمن النضال
—-ومع —العاصفة —دخلنا غمار الصراع بين القوة والظلم المتمثلة في الباي واعوانه وبين الشعب بقيادة باي الشعب والرعية المظلومة ،ميزان قوى مخروم ولكن للحق جولاته وان طال الضيم واستفحل الجور واعوان الباي ينتقمون من الابرياء العزل قصد إرضاخ الثوار واسكات الثورة
واستشهاد عبادة على يد خائن لم يثن من عزم الثوار وان كان هو أشجع الثوار وفارس حرب يعتدّ به
واحتال فرج صديق عبادة الوفي ورفيق النضال في تبليغ الامانة للحبيبة اي للمانعة حسب وصية عبادة-ويتزوج فرج المانعة زواجا صوريا كرمز للاستمرار المقاوة والانحياز الى القضية العادلة وكانت وما زالت المراة رمزا للوطن والارض والعِرض
وتموت المانعة حبا ووفاء ويصدق فيها القول
ومن الحب ما قتل
وتدخل قصة حب المانعة لعبادة
التاريخ من الباب الواسع للوفاء وصدق ونبل المشاعر
وما زالت أسطورة تروى على راس العين ومن اعلى شجرة التوت التي كانت مرصد المانعة تعتليها
لتراقب حركة الكون من حولها
حملتني (راس العين) لقصة قصيرةعنوانها (النبع )لتوفيق فياض -وهذا لعمري تناص
ويبقى التناص رهينا بطبيعة قراءة المتلقي والكاتب يستمد أفكاره من سعة خياله ومخزون الذاكرة والموهبة -ويستقي القارئ مرجعيته من ذاكرته ومن معارفه المكتسبة
وهذا المقطع ( وحين كان المساء يلفّ بيوت قريتنا بعباءته الرمادية الحزينة ،وأجراس الأغنام تغمر الدرب أمامي بجلجلات الأسى خلف كبشها عائدة ، (رقصت في خواطري، صور نساء القرية وأنا بعد طفل صغير، كيف كن يملن بجرارهن المزركشة المملوءة بالماء، على قبر سالم، المضمخ بالحناء أبدا، على درب النبع، ليسقين قبره بمائه الذي لم يجف بعد أن بعثه…
ولمحت من البعيد، عروسه التي أذوتها السنون، تجلس وحيدة على قبره، ليزفها قمر الخريف اليه للمرة الأربعين، في مثل هذا المساء من كل عام، بعد أن أبت على نفسها البناء بغيره، لتبقى له وحده.فتذكرت أن أهل القرية، لا يمرون هذا المساء بدرب طريق النبع، كي لا يفسدوا على العروسين عناقهما المقدس)
قد تكون قدسية قبر سالم في (النبع ) وقدسية قبر المانعة في (راس العين) هذا المشترك هو الذي دعا اللّاوعيي لاستحضار نص(توفيق فياض الاديب الفلسطيني)
وأعود للمانعة —وموت المانعة في خلوتها
كانه موت مبرمج ومخطط له كما العرس
(ولا غرابة لان موت المانعة يعني التحاقها بعبادة وهذا زفاف نكالة في الموت -)خلوة وطقوس تتمثل في الزينة واستحضار ارواح اعز من غيَّبهم الموت في استعراض ركحي حسب مدى ارتباطها بهم عاطفيًا—
حيث يكشف هذا المقطع عن أبعاد صوفية تتمثل في تخلص الروح من أسر الجسد ، لتهيم في الملكوت المقدس فداء للحبيب وللعشق ، الذي بدأ بشرارة من عين الحبيبة عند (رأس العين) وانتهى بتحرر المانعة من عناصر الجسد الترابية لتكمل مسار الحياة الأزلية بعيدا عن الجسد الفاني، وولاء لرغبة الحب الخالد الذي لا يفنى ، بل يزداد قداسة وتعتيقا كلما مر عليه الزمن وتوغل في القِدم…
كل فصول(راس العين) غنية بالشعرالممسوس بالعشق وبالوطنية والمتماهي مع سحر الامكنة خاصة وعمق الشخوص وشفافية دواخلها
وكل قصائد (راس العين) حبلى بالواقع والاسطوري
وتحمل في كلماتها حقيقة تحتاج النبش فيها والوقوف على ملابساتها للتأريخ لها وتوثيقها علها تساعد يوما ما في دراسات معمقة في موروثنا من الشعر الشعبي
والشعر يعتمد على الصور والاستعارات وكل استعارة هي اسطورة مصغرة كما قال (باشلار)
وهذا حسب اعتقادي متوفر في اشعار
(راس العين )
و(راس العين )كتاب، لا يحتمل في تقديري، القراءة العابرة السريعة بل يحتاج حوار كل فصوله ومحاورة كل شخصياته والاصغاء اليهم لان كل كلامهم جهرا او سرا تلميحا او توضيحا يدعونا للتمعن في معانيه والنفاذ لعمق النفسيات لاستكشاف دلالاتها واستنطاق المسكوت عنه بين السطور والمقيم بين ظلال الكلمات -فالكاتبة متمكنة من قواعد البلاغة وتقنيات الكتابة وهذا ملموس في السرد والشعر على حد سواء وهذا الاثر الادبي منفتح على قراءات متعددة
يقول رولان بارت(الكتابة هي علم مباهج اللغة)
والكاتبة حسب رايي متلبسة بهذه المباهج
و(راس العين) أثر على درجة عالية من الاتقان لان كاتبته انطلقت من متعة الكتابة التي تفضي الى لذة المقروء …
وأبقى مجرد قارئة تتجاوزني نظرة الناقد الثاقبة للأثر
__فائزه بنمسعود__
Discussion about this post