في بيتنا تلفزيون
/أعور الدجال /
إنها السبعينيات في القرن الماضي الذي بلعه فم الزمن ..
حيث القرية صبية تمشي على إستحياء .. يكسو جسدها ثوب عفة وحياء يلبس رأسها طرحة من أقواس وقناطر وزوابيق ..وزقاقاتها وشرايينها لم تمسهم يد التنظيم المحلي ولم يعبث بخال وجهها باسم القانون .
تلبس في قدميها خف من بلاط فرنسي غير مسروق خيره ولم تمسسه يد متعهد عربي بنكهة تحرير فتراه يلمع خده لحظة ٱنهمار مطر السماء فيزداد وجهه لمعان وبريق ..
كان للحيطان رائحة مبللة بعطر من قش وطين وماء عندما تلامسها شفاه السماء تتنفس عطر فرنسي بنكهة الضيعه وطعم الزيتون والتين فتثمل بلا شراب ..كانت تلك الرائحة كرائحة كف امي بعد أن تنتهي من غسيل عجنته بيديها وبلله عرق جبينها وبخور الهودرو والصابون الغار يعم المكان .
هو لم تدخل آلة غريبة عجيبه في ذاك الزمن بيوت القريه بصوت وصوره وتتحرك وراء شاشتها بلونين فقط اسود وابيض كا الجان ..فتقفز القلوب معها .
كان وجود التلفاز في بيوت قليله في الضيعه شيئ غريب عجيب ..
ولعل الذي يملكه تناله وتعلكه بعض الألسن.
كانت كلمة العيب تمشي في كل ركن وزاويه وتنام معك في كل واد ..تتوشح رداء الحياء وتلبس قميص الحب بين الناس فتراهم أسرة واحده في الافراح والاتراح وبدون رياء يلدعها مواربه .
كان في الحي رجل مسؤول صديق لوالدي وعلى أكتافه نجوم وفوق صدره نياشين احدثها وألمعها حرب تشرين ذاك النيشان يتميز على بني اترابه كنا تتميز ليلة القدر عن اترابها من الليالي والايام .
بإلحاح من امي كي تبان وتظهر أمام اقرانها من سلايف وجيران أنها محبوبة زوجها ومميزه .
اشترى والدي التلفاز بعد تقديم خمسين طلب من وجه امي عليه دمعة من قبلات مبلله بريق المحبه .
وشق المكان صوت التلفون الاسود الكبير الذي يقطن في الزاويه مسندا ظهره على كتف الحائط ليخبر الجميع أن التلفاز وصل إلى منزل فلان من الناس ليذهب أحد ليحضره .
كعصفور فك أسره من قيد قفص فرحنا كاطفال وزغردت امي حيث والدي في عمله الوظيفي .
اختي الكبيره حملت بطانيه لتستر وجه التلفاز من عيون الناس كي لا يردحوا ويهمسوا ويستحضروا من قاموس العيب كل المفردات فينشروها على حبل غسيل الألسن..
ذهبت بسرعة الجني الذي سيحضر اي غرض قبل أن يرتد طرف عين سليمان باتجاه الهدف وانا برفقتها كطفل صغير ولكن كمرافق ومحرم ..
لفته بشكل محكم كي لا يبان أية جزء من جسده وحملته على رأسها وانطلقنا نغذ السير بإتجاه البيت ..عبرنا الزقاق الاول ثم جاء الكوع عند منزل طاهر الصاري نمشي فوق البلاط الفرنسي قبل أن يطير من وهلة وفرحة نصر تشرين .
جل الأعين تريد أن تعرف ما هو مخبئ داخل البطانيه لكن عبث .
القفل عليه محكم خشية العيب .
وصلنا ارض الحاره التي تطل دارنا على ساحتها ..دخلنا المنزل دخول منتصر في حرب مرفوعين الرأس كجندي يخبط بقدمه جبل الشيخ على انغام فيروز خلطت آدمكم ع الأرض هداره .. منتشيا قبل أن يزحط بالصدفه جبل الشيخ وأبناءه من سهول حوران .. كما زحطت البلاد وجل الزقاقات والحيطان ورائحة البيلون وصابون الغار بالصدفة باسم التنظيم الاداري والجمالي للبلد .
بعد كومة زغاريد وتصفيق أشد حرارة من التصفيق العام لجل المعجزات احضرنا قريب لنا فهمان بها المجال فإشترى لنا انتيل خارجي مع شريط وثبته على السطح .. وبعد صياح من على السطح ومن داخل المنزل . خود يمين ..شوي يسار..حرك الانتيل لقدام ووو ..ظبطت الصوره ..تكلمت المزيعه..وقفنا مندهشين بولادة معجزة ..
دخل والدي على حين غره ونحن بحالة هيصان وفرح ..هي امي أرادت أن تعمل له مفاجئه ففاجئها بكف وبعض من الغضب ..ثم أحضر خيزرانه كانت معلقه بجانب الباب وعلى ابو جنب ..
مين سمحلكون تتصرفوا بدون ما كون موجود .. لك يا عيب الشوم ما هو وجهي أمام الناس بأن أبنته تحمله في وضح النهار وبدون حياء تلفاز. ويضرب . إلى أن أفرغ الشحنه وبرد قليلا وانصاع للأمر الواقع وقدر الله وما شاء فعل.. ..
كان عندما يتمرد التلفاز أو يصيبه نزلة برد ويمرض ويبدء يتأوه ويتشوه وجهه وصورته وأصابه حالة عطب فكان علاجه فردة حذاء نضرب بها على رأسه أو جوانبه أو مؤخرته كما تضرب الحكام في المشرق اي رأس يتمرد عن قفص عبوديتها حتى ينصاع ويعود إلى رشده للحظيره وتتوضح الرؤيا عنده وصورة أفكاره .
تمر الايام وينتشر التلفزيون في كل البيوت ويصبح شبه عادي ..
فقالت إمي لقد اقتربت الساعه وهذه علامه من علامات الساعه ظهور الاعور الدجال وأنه هو هذا التلفاز .. وهاي حرب تشرين صارت كمان من علامات الساعه يكثر الهرج والمرج والحرب وتظن امي أن كل الدنيا ليست هي سوى سوريه وان ليس هناك رجل في العالم سوى قائدها من كثرة ما كانت تسمعه وتراه من أعور الدجال .
كمان هاي علامة ثانيه الحرب .
أيضا ذهاب البنات إلى المدارس علامه ..ووو
وكم توالى الليل بعد النهار وتوارت السنين خلف ضباب الذكرى ..
خلع التنظيم المحلي كتف الوطن وقلع رموش بلاطه الفرنسي وبتر أصابع زقاقاته وغير خارطة وجهه
مات التلفزيون ..
ماتت امي ..
مات ابي
مات وطني ..
ماتت الأحجار الفرنسيه والحيطان تهدمت وظهر أعور دجال بالنسخة المليون ..الموبايل ..
وظهر أعور دجال من نوع اخر حرب طويله أكلت كل شئ على مدى اثنا عشر عاما ولم تنتهي .
وخرجت النساء نصف عاريه بلا محرم وتعبر الحدود وتركب البحر تدعوا الله أن ينجيها وتراها كرابعة العدوية لحظة التهجد ..وما أن وصلت لمبتغاها سقط الدعاء في البحر . وبدأت تاكل البيتزا في المطعم الايطالي وتصوره بعين أعور الدجال الحديث أو المطعم الصيني الذي أبناءه يأجوج وماجوج
وكثر الهرج في كل زقاق تشم الدم وترى العيون شاخصه ….
هناك راس طار من صاحبه بكف من قذيفه ..وهناك زراع معلق فوق شجره يدعوا ربه ضارعا من يفك قيده ويدخله قلب أمه الأرض كي تعانق أصابعه ..
وكثر نسل اعور الدجال يا امي ..
وما زالت زوجته حامل باعور أكثر حداثة .
بقلم
طارق حامدي
Discussion about this post