قراءة في قصيدة رسالة للدكتور الشاعر حمد حاجي قراءة بقلم الشاعرة فائزة بنمسعود تونس

قراءة في قصيدة(رسالة) للدكتور الشاعر حمد حاجي بقلم الشاعرة الاديبة فائزه بنمسعود

رسالة:
ا===== أتَعشَقُني..؟ بالنبيء..! ===

وكنتُ كأني المراهقُ
أمحو.. أمَزّقُ كل الرسائل
وأكتب كل الذي يشتهيه المحبُ..

فحينا أحبك جدا
وحينا أحبك.. أهواك جدا.. وأنك حبي..
وحبك شيء عميق تضيق بتدوينه الكتبُ!

وراسَلتُكِ فتراقَصَ
في جملتي
خنجرٌ عاشقٌ وتزيّنَ بالدمِ قلبُ

وحين ختمتُ…
بَصَمْتُ بقطرَةِ دمعٍ وأمضيتُ:
مجنونُكِ الطيبُ..!!!!

وقد كنتُ
أنوي أكون النسيم
وألهو بفستانك الأخضرِ

وقد كنتُ
أهوى أكون التراب
على كعبك الأسمر ِ

وكنتُ
أحب نغيب
سويا عن الخلق والبشرِ

تكونين فيّ..
كأني الغمام
وأنت تلالٌ بمنحدرِ

وأدخلُكِ مطمئنا
ألامِسُ غصنَكِ ما أجملكْ!
تطيّبْتُ بالغاب لكْ

ورَشرَشْتُ
بالنوء جسمي لِأسْتَقْبِلَكْ
ووحدي بنيتُ على تلةٍ منزلَكْ

صباحا
لقيتُكِ بالدرب تمشين
وحدك والحب كتمانه لا يَختَبي..

مددت الرسالة طي الكتاب
وخوفي يَهيلُ
وَدَمعُهُ لَم ينضُبِ

وقلت افتحي الظرف..
إن القصائد
لَو لَم تَكُن لك لم تعذُبِ…!

فَكَكْتِ ختامه
في لهفة ثم قلتِ سلام عليك
أتعشقني..؟ يا صبي..

يا صبي..
يا صبي..
أتعشقني..؟ بالنبي..!
حمد حاجي
——————————————————————
لرسائل الحب في الادب العربي تاريخ حافل
وابن حزم الاندلسي يذكر في كتابه (طوق الحمامة )في الألفة والاُّلّّاف ان المراسلة بين المحبين تتلو الاشارة بالعين وللرسائل آيات شاهدة على الحب—-
والادب العربي زاخر برسائل الحب في شكلها الشعري
وتعد كل قصائد الشعراءالعشّاق رسائل مشفرة ..
—وشحت رسائل الحب في الادب المعاصر
ربما بسبب التكنولوجيا الحديثة
وتقريبا بعد رسائل جبران خليل جبران ومي زيادة وغسان كنفاني وغادة السمان ما قرات رسائل حب
وها أنا أقرأ(رسالة)الدكتور الشاعر حمد حاجي
طبعا لا أعلم وجهتها ولكن صاحبة الحظ
تدرك شفرتها
ولعل هذه القصيدة تكون مقدمة لديوان من الرسائل الغرامية لشاعرنا المبدع إذ وعلى حد علمي لا أحد أفرد ديوانا لهذا الغرض
ورسائل الحب هي تعبير عن الحب في شكل مكتوب، ويمكن أن تكون رسالة الحب أي شيء بداية من الرسائل البسيطة القصيرة حتى الشرح المطول للمشاعر ولعل أروع رسالة تلك الوردة المجففة بين صفحات الكتب التي تبادلها العشّاق
-وكما توجد عجائب الدنيا السبعة
توجد سبع رسائل حب مشهورة أيضا
وأشهرها رسالة بيتهوفن الى المحبوبة المجهولة
وأضمّنها هنا بين قوسين لمن لا يعرفها (في صباح يوم 6 يوليو من عام 1812 كتب بيتهوفن
«ملاكي يا كل شيء، أكتب إليك بعض الكلمات بالقلم الرصاص، أكتبها الآن وليس غداً، لأنني لا أريد أن يضيع الوقت، قلبي ممتلئ بالكثير من الأشياء التي أريد أن ابوح بها لك، ابتهجي، وتذكري أنك كنزي وحقيقتي، كلي لك.. العاشق لودفيغ)
ورسالة حاجي تعد ثامنة السبعة
وها هو على خطى بيتهوفن يسير …ويكتب الرسالة اللغز ويمنحنا مساحة للتمعن
بكل أحاسيسنا في فحواها
العنوان (رسالة)
هو عبارة عن دعوة ذكية لقراءة القصيد
وما ان ننتهي من فتح الرسالة يطالعني
سؤال أنثوي بامتياز
(أتعشقني..؟بالنبي..!)ويبقى الجواب معلًقا إلى حين
ليعود بنا الشاعر الى بداية عهده بالحب وكتابة رسائل الغرام
وكتلميذ في مدرسة الهوى يكتب ليمحو المكتوب وهذا فعله بيتهوفن حيث قال انه يكتب بقلم الرصاص والشاعر ايضا يكتب على الورق بقلم الرصاص ليسهل عليه مسح المكتوب واعادة الكتابة
وقد يكتب الكثير من الرسائل للحبيبة ويعدمها تمزيقا
ولكن لا ينسى ما كتب بحبر قلبه(وأكتب كل الذي يشتهيه المحب)
مع بعض التقلبات المزاجية ولكن دوما هو يصطلي في أتون العشق
فحينا أحبك جدا
وحينا أحبك أهواك جدا وانت حبي
فهو يجند كل لفظة تعبر عن الحب
ليجد انها لا تفي بالغرض وعاجزة عن نقل مقدارالحب الذي يكنه للمحبوبة والحب لا يعيّر إلا ميزان الوفاء
ويعترف بذلك بلا عقد وبكل عفوية
-(وحبك شيء عميق تضيق بتدوينه الكتب)
شاعر عاشق يخبرنا أن اتساع اللغة العربية وترسانة مفرداتها لا تكفي لكتابة رسالة حب
وبعد محاولات لايجاد كلمات حبلى حبا
كتب وراسلها وكانت الرسالة عبارة عن(جملة) لخصت مدى عمق هذا الحب
(وراسلتك فترافص
في جملتي
خنجر عاشق وتزين بالدم القلب)
ويتمادى الشاعر في وصف أعطاف الحبيبة التي لم يضمنها رسالته المكتوبة
بل عاشها لحظة بلحظة وتماهى معها
(وقد كنت أنوي أكون النسيم..)
وكنت أهوى
كنت أحب
كلها أفعال في عداد الامنيات
لينتهي الى تسليم الرسالة يدا بيد مباشرة
رسالة الجملة الواحدة
وفتحت الحبيبة الرسالة
ليعود بنا الشاعر الى سؤال مطلع القصيدة(أتعشقني..؟يا صبي)
مع التأكيد على كلمة صبي التي تكررت ثلاث مرات وكأن الشاعر يخبرنا أن كتابة هذه الرسالة المترددة الخجولة
يعود الى عهد الصَّبا عهد صدق ونقاء المشاعر عهد طفولة الحب بين حبيبين
وممّا لا شك فيه أن الحب قيمة سامية
وهو فطرة خُلقنا عليها، وعلى الرغم من قلة عدد حروفها إلّا أنّ معانيها كبيرة، فالحب مبنيّ على العطاء والتضحية والمودة، وكانت وما زالت القصيدة العاشقة مرسال الحب وحبل الود بين العاشقين
ومن ينوب عنا في وصف احاسيسنا برقة وشاعرية
طبعا هم الشعراءالذين حباهم الله بملكة الشعر
وقدرة التعبير عن خلجات النفس…
شكرا دكتور حمد الشاعر على العودة بنا الى عالم الرسالة الورقية
فائزه بنمسعود