ما بين هذا وذاك
قصة قصيرة
………………
بدايةً أخذت على نفسي عهدًا ألا تكذبني، ووعدتها وعدًا قاطعًا ألا أكذب عليكم، لذا.. لن أدعي أنني قاصٌ وأقص عليكم قصة قصيرة، فأنتم أهل السرد وأدرى بشعابه مني، وإن فعلتها ارتبكت خطأين..نكثت وعدي لنفسي، والآخر ..تبينتم بيسرٍ كذبي، كما أنني لن أجرؤ أن أروي على مسامعكم حكاية، فأنا لست حكاءً وأنتم تعون ذلك جيدًا، كما أعيه أنا تمامًا، وأدرك أن ذلك مضمارٌ تسابق فيه من قبل جاحظكم وابن المقفع وصاحب ألف ليلة وليلة، ولحق بهم فيما بعد حكاؤكم الأشهر يحيى الطاهر عبدالله.
من أجل ذلك كله سأثرثر فقط، نعم سأثرثر فبي شهوةٌ للحكي، بينما أسير وحدي في طريقي إلى..!!..يا الله !..لقد نسيت إلى أين أنا ذاهب!..، ولكن لا بأس..سأسير وأثرثر معكم تاركًا لقدميّ يقودانني، أنا نسيت لكن لا يزال هناك احتمال ولو ضئيل أنهما يتذكران..هههه سمعت ضحكات بعضكم، لا تثريب عليكم اضحكوا وتهامسوا ساخرين
” يشبه الحمار..تقوده أقدامه”..
لا تظنوا لوهلة أنني مستاءٌ من ذلك، بل العكس هو الصحيح، وحزني الوحيد أنكم لا تشبهون الحمير، فذلك الحمار الذي يقودني الإن- أقصد قدميّ- أذكى مني ومنكم، وذاكرته أنقى وأقوى، فنحن نشبه السمك، ذاكرتي وذاكرتكم سمكية، بالأمس هذا الحمار الذي يساكنني وأفخر به ساكنًا لباطن أقدامي، وأتمنى أن يساكنني ما تبقى مني، ههه .. يالسوء حظي، لم يتبق مني الكثير، هذا الحمار سألني مندهشًا
” غرِبتُ لأمركم أيها البشر – يقصدني ويقصدكم- تشبهون السمك كثيرا!!”
التفت إليه منزعجًا وسألته : ما الذي دعاك لتشبهنا بالأسماك ؟
أجابني مستهزئًا: سمعت ذات مشوار جمعني بك من مدة وجيزة بعضهم يتهامسون عنك قائلين ” هذا مهندس، لم يدرس الأدب ولا علوم النقد، كيف يدعي أنه ناقد أدبي ؟”
أجبته من فوري : وما الذي في هذا ودعاك لما شبهتنا به؟
أجاب ضاحكًا بينما كان يهم بمواصلة المسير : هم أنفسهم قالوا عنك من قبل
” ياله من ناقد لا يشق له غبار!”
قلت له وانا ابتسم : هؤلاء منافقون أيها الحمار، دعك منهم ولا تلتفت إليهم”
توقف عن سيره ورمقني بحدة وأردف متهيبًا : ها أنت أيضا تؤكد لي ذاكرتك السمكية”
أرخيت لجامه وقد ألجمني قوله برهةً، لكني تجاوزت وسألته : كيف؟
قال وقد انفرجت شفتاه عن أسنان بيضاء لامعة، ما دعاني للظن أنه لم يدخن سيجارة واحدة من قبل : لم تسألني عن استغرابي، واكتفيت فقط بالذاكرة السمكية المشبه بها
سألته : لم كان استغرابك إذًا؟
أجاب وهو يشيح بوجهه عني : كيف تأتى لهم أن يصدقوا أنك مهندس، وهم كما يدعون أدباء لا يعرفون شيئًا عن الهندسة؟.
قالها ومضى في سيره وأنا أتبعه مذهولًا كعادتي، بينما تتناهى لسمعي همسات بعضكم الآن على الرصيف الأيسر للطريق ” هذا هو المهندس الذي كنا نخبركم عنه منذ لحيظات، يقوده حماره”.
محمد البنا..القاهرة في ٢١ مارس ٢٠٢٣
Discussion about this post