مختارات ..
=-=-=-=-=-=
الروائي “جورج أورويل” ..
د.علي أحمد جديد
( جورج أورويل ) هو كاتب بريطاني أثرى المكتبة العالمية برواياته السياسية الناقدة والتي أبرزت وعيه السياسي للواقع المرير الذي كان يعيشه .
ألّفَ( أورويل ) العديد من الروايات المتميزة في تاريخ الأدب العالمي ، والتي تُرجمت لأكثر من سبع لغات منها اللغة العربية . ويُعتبَر كتابه “الحنين إلى كاتالونيا” ومعه كتاب “الخروج إلى الهواء” من أهم أعماله الأدبية ، إلا أنَّ أشهرها على الإطلاق كان كتاب “مزرعة الحيوان” ، وروايته ” 1984 ” .
عرض (أورويل) سيرته الذاتية في كلٍ من روايتي “إطلاق النار على الفيل” وفي رواية “أيام بورما” ، حيث سرد فيهما تجربته وآراءه عن النظام الاستعماري البريطاني القائم في بورما . وعَبَّر من خلال رواياته عن شخصية كاتب ملتزم بالدفاع عن الطبقات الفقيرة والمُستعمَرة ، واستمر بكتاباته الثورية حتى توفي في لندن عام 1950.
وُلد (إريك آرثر بلير) وهو اسم (أورويل) الأصلي في (موتيهاري) من ولاية البنغال في الهند يوم 25 حزيران/يونيو عام 1903 ، من أبٍ موظف بسيط في الخدمة المدنية الهندية ، وأمٍّ فرنسية الأصل . وعاد مع والديه إلى إنكلترا ، ليتلقى تعليمه في مدرسة داخلية على ساحل (ساكس) في جنوب شرق إنكلترا .
وبدا على (أورويل) الذكاء الحاد والنبوغ والفكر المتقد ، رغم أنه كان فتىً كئيباً وانطوائياً وغير اجتماعي مما دفع البعض لاعتباره (غريب الأطوار) ، ولكنه حصل على منح دراسية في مدرستين رائدتين هما (ويلينجتون) و(إيتون) ، ووقد كانت (إيتون) واحدة من أكبر المدارس الثانوية المستقلة وأكثرها عراقةً في المجتمع البريطاني عموماً .
تلقّى (أورويل) دروسه الثانوية في (ويلينجتون) ثم انتقل إلى (ايتون) الثانوية الشهيرة ، وبقي فيها حوالي أربعة أعوام مابين عامي 1917 و 1921 .
تأثر (أورويل) أثناء دراسته بروايات الروائي الإنكليزي ( آلأدوس ليونارد هكسلي ) ، وبدأ ينشر كتاباته الأولى في دوريات المدرسة ، ثم قرر فيما بعد عدم مواصلة دراسته متبعاً تقاليد الأسرة التي ينتمي إليها . وفي عام 1922 ، كان قد بلغ التاسعة عشرة من عمره فشَدَّ رحاله عائداً إلى مكان ولادته في بورما ، ليعمل هناك كمساعدِ مشرفٍ في الشرطة الإمبراطورية الهندية .
أثّرت خدمته في بورما كثيراً على أفكاره ، فقد كان (جورج أورويل) شخصاً حساساً جداً و يتمتع بحسّ أخلاقي وإنساني عالٍ جداً ، وكان لايخفي شعوره بالخجل من نفسه بسبب عمله كضابط شرطة استعماري . وقد كان لهذه التجربة دورٌ كبيرٌ في بلورة أفكاره وصياغتها في أعمالٍ روائية من وَحيِ ما كان يعيشه .
تزوج (جورج أورويل) من الكاتبة البريطانية (إيلين بلير) وبقيا معاً حتى تاريخ وفاتها في 29 آذار/ مارس 1945.
وكان اسم ( جورج أورويل ) اسماً مستعاراً اتخذه لنفسه مشتقاً من (نهر أورويل) في (ايست إنجيليا) ، ونشر روايته الأولى تحت هذا الاسم الذي لازمه طوال حياته .
كتب (جورج أوريل) الأجزاء الأخيرة من روايته “1984” في فترات تراوحت بين نوبات دخوله المشفى بسبب مرض السل وبمنزله في (جزيرة غورا) .
وبسبب اشمئزازه من النظام الرأسمالي ورفضه للحياة البرجوازية ، أطلق على نفسه لقب (أناركي) ، وبدأ يعتبر نفسه اشتراكياً ومتمرداً ، ورفض الخدمة العسكرية إبان الحرب العالمية الثانية ، وكان رئيس الخدمة الهندية لهيئة الإذاعة البريطانية BBC في بورما .
توفي (جورج أورويل) عن عمر لم يتجاوز 46 عاماً ، في إحدى مشافي لندن بعد صراعه مع مرض السل في 21 يناير عام 1950 ، ودُفن في (أكسفوردشير) شمال غرب لندن .
سافر (جورج أورويل)
في عام 1927 بإجازة إلى إنكلترا مقرراً بينه وبين نفسه عدم العودة إلى بورما ، كم اتخذ قراره في أول كانون الثاني/يناير عام 1928 بالاستقالة من الشرطة الإمبراطورية البريطانية ، لشعوره الطاغي بالذنب بسبب الحواجز العرقية والطبقية التي كانت تحول بينه وبين الاختلاط مع زملائه البورميين ، وكنوع من التكفير عن إحساسه العارم بالذنب قرر أن يعيش حياة الفقراء والمنبوذين في أوروبا . فانتقل إلى الطرف الشرقي وهو الجزء الفقير من لندن ليعيش في مساكن الفقراء المتواضعة .
وانتقل بعدها إلى باريس وعمل في عدد من الفنادق والمطاعم الفرنسية كغاسل للأطباق ، وقد كان لهذه التجربة دَور في صقل شخصيته وفي انطلاق مخيلته التي دفعته إلى تأليف روايته “أيام في بورما” عام 1934 ، فكانت تلك الرواية بمثابة صك على بياض للاعتراف بابداعات ( جورج أوريل ) كأديب وروائي يتبنى قضية إنسانية في المساواة والعدالة الاجتماعية ، وعَبَّر من خلال هذه الرواية عن رأيه الناقد ومعارضته لطريقة تعامل المستعمر مع السكان الأصليين في بورما ، من خلال تسليط الضوء على موظف صغير يسعى للتواصل مع السكان البورميين محاولًا الابتعاد عن الفوقية والنظرة الاستعمارية الشوفينية الضيقة لزملائه البورميين .
قدّم (جورج أورويل) خلال حياته القصيرة نسبياً مجموعة كبيرة من المقالات والمؤلفات التي فُقِدَ أكثرها ، وكان من أبرز كتاباته :
رواية ” مزرعة الحيوانات” والتي أظهر فيها رفضه الواضح للظلم على مُختلف أشكاله ، كما أظهر انتقاده وقلقه الشديد من الحرية الفردية التي قد تتحوّل إلى سلاحٍ ذي حَدّين ضد حاملها ، وتجلت أفكاره في قصته الخيالية التي أعطى فيها الحيوانات مكانة مميزة ، ومنحها السيطرة على مزرعة بعد أن طردوا ساكنيها البشر ، في دلالة على عواقب الطمع والخيانة ليقدِّم تساؤلاته حول دوافع السيطرة والحقد في تبرير لسلوك الحيوانات السيطرة على المزرعة ، وصراعها النفسي وفيما إذا كان ما حدث يُمثل داءً قد يُصيب أي مخلوق بعد توليه زمام القيادة ؟!! وبعد أن كان الإنسان رمز الاستبداد والظلم ، حدث أن دخلت الكائنات الأخرى في منافسته على نقيصته في الاستبداد رغم أنها لا تعرف كيف تعيش وماذا تصنع في المزرعة .
أما رواية “الطريق إلى رصيف ويغان” فإن (جورج اورويل) يوثَّق في النصف الأول من الكتاب جملةً من اكتشافاته للظروف المعيشية والإجتماعية الكئيبة التي تعيشها الطبقة العاملة في مدن مثل (يوركشر و لانكشر) من شمال إنجلترا الصناعية قبل نشوب الحرب العالمية الثانية ، بينما يسرد في نصفه الآخر مقالة عن نشأته الشخصية في ثنايا الطبقة المتوسطة البريطانية .
وفي رواية”هدنة لالتقاط الأنفاس” والتي كانت روايةً ذات طابَع تشاؤمي يرسم فيها الصورة التي ترافق قلقِ ما قبل الحرب والصراع بين الحنين للماضي أوالسير نحو المستقبل ، مُستعرِضاً من خلالها كيف أن النزعتَين الاستهلاكية والرأسمالية تُدمِّران أفضل ما في أخلاقيات الريف الإنجليزي .إذْ تدور الرواية حول رجل ينتمي إلى الطبقة المتوسطة الدنيا ، العامل في إحدى شركات التأمين ومندوبٍ للمبيعات اسمه (جورج بولينغ) ، الذي يبدأ باسترجاع ذكريات شبابه بعد أن يقتني طقماً جديداً لأسنانه ، ثم يُقرَّر بعدها الهروب والعودة إلى بلدته (لوير بينفيلد) وإلى منزله الذي ترعرع فيه القريب من (نهر التايمز) ، وتمثل هذه المرحلة هدنة لالتقاط الأنفاس ، وللتفكير في المَخاطر الوشيكة للحرب التي توشك أن تندلع . وتتحقق مخاوفه وتشاؤماته إثر سقوط قذيفةٍ بالخطأ على بلدته التي يتغير فيها بعد ذلك كل شيء ويختفي .
رواية ” 1984 ”
وهي رواية كلاسيكية الحبكة والأسلوب ، تدور أحداثها في عالم يُعاني من الحرب والصراع المستمرين ، وحكومة تتلاعب بالمواطن وتُخضعه ، وتقوم بتعذيبه ليعترف بجرائم كثيرة لم يرتكبها ، ويتخلى عن حبه لحبيبته (جوليا) طالباً منهم أن يعذبوها بدلاً عن تعذيبه في الغرفة 101 والتي هي أكثر الغرف إثارة للذعر . وبعد أن يخرج (وينستون) يلتقي بحبيبته (جوليا) التي تخبره بأنهم قد عذبوها كثيراً وأنها خانته كما خانها ، ويتحوّل (وينستون) إلى مدمن خمر هاربٍ من ذكرياته التي صار يعتقد أنها مجرد أوهام لا أكثر .
نُشرت هذه الرواية عام 1949 ، وتعدُّ من أعظم الروايات في القرن العشرين المنصرم ، وهي عبارة عن رواية ديستوبية تتناول عالم الحروب ، والديكتاتوريات ، والتلاعب بالشعوب ، إضافة إلى تصوير الرقابة الحكومية على الناس وإحصاء أنفاسهم ، والظلم الذي يتعرض له البشر الذين يعيشون في مثل هذه الدول .
ومن أقوال (أورويل) الخالدة في هذه الرواية :
“لن يثوروا حتى يَعُوا ، ولن يَعوا إلا بعد أن يثوروا” .
“إن ألدَّ أعدائك هو جهازك العصبي ، وما يعتمل في نفسك من توتر قد يورِّطك في عمل لا تحمد عقباه” .
“من المستحيل أن تؤسس حضارة على الخوف والكراهية والقسوة ، فمثل هذه الحضارة إن وجدت لا يمكن لها أن تبقى” .
“الولاء يعني انعدام التفكير ، بل انعدام الحاجة للتفكير ، الولاء هو عدم الوعي” .
“كل شيء يتلاشى في عالم من الظلال إلى حدٍّ يصبح معه حتى تاريخ السنة أمراً مشكوكاً فيه” .
“إذا أردت أن ترى صورة المستقبل ، فتخيل حذاءً يدوس على وجهٍ بشري إلى الأبد” .
Discussion about this post