مختارات ..
=-=-=-=-=
د.علي أحمد جديد
البوذية و شرائعها ..
( سيندهارتا غوتاما )
هو مؤسس ديانة أو فلسفة ( البوذية ) التي هي أقرب إلى فلسفة الحياة منها إلى الدِيانات حيث لا تؤمن بأي إله ، وتقوم على مبدأ الزُّهد تخلُّصًا من الشهوات والألم ، وطريقًا إلى الخلود بالتَّناسخ وبمبدأ السببيَّة ، وتنكر البعث والحساب ، وهي من أكثر الديانات انتشارًا في الهند والشرق الأقصى (الصين واليابان والكوريتين )، ويلفظ اسمه أيضا (بودا) أي الساهر أو اليقظ ، وبالتالي فإن (بوذا) ليس اسم علم ولا يعني شخصاً بعينه ، وإنما هو لقب ديني عظيم، بمعنى الحكيم المستنير ، أو ذا البصيرة النفاذة الذي يعلن طريقة خلاص البشر من دائرة الولادة المتكررة (سمسارا) .
ولكن أتباعه حوّلوا أفكاره إلى تعاليم و مبادئ دينية وجعلوا منه إلهاً معبوداً ، والمرجّح أن (سيدهارتا غوتاما) قد وُلِد سنة 568 ق.م في بلدة (لومبيني) التي تقع اليوم جنوب مملكة نيبال على الحدود الهندية وكان من أسرة نبيلة ومعروفة ، لأن أباه كان أبوه ملكاً صغيراً في تلك البلاد ، وقد تربى (بوذا) في رفاهية كاملة ، وعاش كما يعيش أبناء السادة والملوك في نعيم عظيم . توفيت أمه (مايا) وهو طفل في السابعة من عمره ، وتولت عمته الإشراف على تربيته حيث تزوج صغيراً ، ولما بلغ السادسة والعشرين من عمره هجر زوجته إلى الزهد والتقشف والتأمل في الكون لينتهج نهجه الخاص في الكون بحثاً عن خلاص الإنسان من آلامه . ودعا إلى ذلك كثيراً من الناس .
ترك (سندهارتا) القصر الملكي وهو في سن 29 من عمره ، وعاش ست سنوات بلا مأوى .. ومات وهو في الثمانين من عمره ، والجدير ذكره أن بعض المؤرخين يزعم بأن (بوذا) ليس إلا شخصية وهمية وخرافية لا وجود لها ، وتعددت الأساطير والخرافات التي نسجها البوذيون حول شخصيته ، إذيعتقدون أنه كان هناك على الأقل ستة أشخاص يحملون اسم (بوذا) قبل غوتاما ، ويزعمون أنه هناك (بوذا) آخر اسمه (مايتريا) سيظهر في المستقبل ويعمل على خلاص البشرية بالسلم والتأمل لا بالحرب ، وتقول الأسطورة إن (بوذا) روح خالدة خلود الدهر تتمثل في (الدالاي لاما) وعندما يموت فإنه يموت فناءً جسدياً ، لكن روح (بوذا) تنتقل لأحد المواليد الجدد من المعتنقين للديانة البوذية الذي يصبح بعد ذلك (الدلاي لاما) الجديد والمتجدد ، وهكذا يتناسخ إلى ما لا نهاية . وقد أعطاه (مايكل هارت) الترتيب الرابع في كتابه (المائة الأوائل) .
الحقائق النبيلة في البوذية :
هناك أربع حقائق (نبيلة) في الفلسفة البوذية تتصل بالمعاناة وطبيعتها ومصدرها ، وإيقافها ، والطريق المؤدي إلى إيقافها
في البوذية .
و الحقائق النبيلة الأربع :
– (بالسنسكريتية) :
كاتفاري أرياساتياني ،
و- (بالبالية) أي شريعة بالي :
كاتاري أرياساكاني ، “ساتياتاآريا ، التي هي “حقائق النبلاء” الحقائق التي للـمستحقّين روحانياً .
والحقائق النبيلة الأربع هي :
* دوكا (المعاناة، العجز عن الرضا، الألم)، وهي صفة جوهرية في الوجود في كل تناسخ
* سامودايا :
(الأصل ، السبب) فأصل المعاناة هو “التَّوق ، و الشهوة ، و التعلّق .
* نيرودا :
(الانقطاع ، الإنهاء) تنتهي كل معاناة بالتخلي عن أسبابها ورفضها .
* ماغا :
(الطريق ، السراط) :
هو طريق إنهاء المعاناة والتخلي عن أسبابها .
ويُعتقَد تقليديًّا لدى البوذيين أن هذه التعاليم كانت من (بوذا) ، وتُعد من أهم التعاليم في البوذية .
كما تظهر هذه الحقائق الأربع بأشكال نحوية كثيرة في النصوص البوذية القديمة ، ولهذه الحقائق وظيفتان اثنتان : (رمزية وقولية) .
لأنها – رمزيّاً – تمثّل هذه الحقائق يقظة (بوذا) وتَحرّرَه ، وبإمكان أتباعه أن يبلغوا التجربة الروحية نفسها التي بلغها (المعلّم الكبير .
ومن حيث أنها – الأقوال – فإن الحقائق الأربع تمثّل إطاراً يظهر في (شريعة بالي – تيبيتاكا) التي هي مجموعة “الكتاب المقدَّس” الخاص ب(تيرافادا) على اعتبار أنها الشريعة الأكثر قدسية واكتمالاً في البوذية القديمة وفي النصوص البوذية السنسكريتية الهجينة والمقدّسَة ، كجزءٍ من شبكة التعاليم التي يجب أن تؤخَذ جميعها .
وتُقدّم هذه الحقائق إطاراً مفهوميًاً لتفسير الفكر البوذي الذي يجب أن يُفهَم وأن يُعاش كعقيدة رئيسة لكل بوذي في سلوكه اليومي .
وترفض الحقائق الأربع أن يكون لها أي تعريف صارم ، لأنها تعبّر عن التوجُّه العام للبوذية إذ يؤدي الاتصال الحسي غير الآمن إلى التوق والرغبة في أحوال وأشياء آنيّة مؤقتَة وغير دائمة ، والتي تُسمّى (الدوخا) أي “العجز عن الرضا” والألم . لأن (التوق) يُبقي الإنسان في حالة (السامسارا -الشرود) وفي أدوارٍ من (التناسخ) لا تنتهي ، كما في المعاناة التي تأتي مترافقة معها . لكن الخروج من هذه الحالة يبقى ممكناً إذا تمَّ ، اكتساب (النيرفانا) أي الانقطاع عن (التوق) الذي لا تصاحب الولادة “التجدد” من بعده أي (دوخا) .
ويمكن اكتساب (النيرفانا) باتباع الطريق الثُماني ، أي بتقييد استجاباتنا الطبيعية للاتصال الحسي :
(ضبط النفس ، الالتزام ، الأحوال الكليّة ، التأمٍل واليقظة الكاملة) .
وقد تطوّرت وظيفة الحقائق الأربع وأهميتها في التراث البوذي إلى أن أصبحت أولى الأولويات من تعاليم (بوذا) ، ونشأ هذا التقليد عندما توصل البوذيون إلى إعتقاد أن (البراجنا – الإلهام المُحرَّر) مُحرَّرٌ بنفسه ، من دون الحاجة إلى التأمل . وقد اكتسب الإلهام المُحرَّر مكانة بارزة في (السوترات) ، وأصبحت الحقائق الأربعة مقلة له ، كما وأصبحت جزءاً أساسياً من استنارة (بوذا) ومن بَعدِه البوذيين ككل .
كما اكتسبت الحقائق الأربع أهمية مركزية في تراث (تيرافادا) في البوذية منذ القرن الخامس الميلادي ، ويعتقد أتباع هذا المذهب أن إدراك الحقائق الأربع مُحرَّرٌ في نفسه .
أما في شريعة (ماهايانا) ، فإن الحقائق الأربع أقل بروزاً ، ويرى أتباع هذا التراث أن إلهام (سونياتا) والفراغ واتباع سبيل (بوذيساتفا) هي العناصر الأساسية في التعليم والممارسة . وفسّر مذهب (ماهاياني) الحقائق الأربع على أنها تفسّر الكائن المُحرَّر يمكن أن يكون فعّالاً وداعيةَ سلامٍ في الكون .
ومنذ أن بدأ المستعمرون الغربيون يستكشفون البوذية في القرن التاسع عشر ، مع تطورت الحداثة البوذية ، صارت تُقدَّم الحقائق الأربعة في الغرب على أنها التعليم المحوري في البوذية ، مع إضافة التأويلات الحداثية الجديدة والمختلفة تاريخياً كحقيقةٍ علمية عن التراث البوذي في الشرق الأقصى من آسيا .
Discussion about this post