الرأي والرأي الآخر
قراءاتان بقلم
الأديبة السورية / ريم محمد Reem Mohammad
والأديب السوري / د. عبد المجيد أحمد المحمود
إطلالة سريعة بقلم
العلامة المصري / أحمد طنطاوي Ahmed Tantawy
لنص * مكافأة نهاية الخدمة *
للأديب المصري / محمد البنا
……………………
النص
” مكافأة نهاية الخدمة ”
استوى على مقعده في العربة رقم خمسة من القطار المتجه إلى القاهرة، استرعى انتباهه
عدم وجود ركاب آخرين في ذات العربة، والقطار على وشك القيام !، سأل العامل المختص
بالتنظيف
– ألا يوجد مسافرون في هذ العربة غيري ؟
– هذا من حسن حظك يا سيدي، يبدو أن مقعدك محجوز منذ فترة، ولولا ذلك لما وجدت
مكانًا فيها
– لم ؟
– هذه العربة خُصصت لفوج سياحي روسي سيستقلها من محطة الأقصر
كانت العربة مختلفة في كل شئ عن العربة التي استقلها قادمًا إلى أسوان، رغم أنها تحمل
ذات الرقم، نظيفة بما يدعو للدهشة، دافئة في حنو، أزيز التكييف منتظم بدون إزعاج أو إنقطاع،
والأهم لا ركاب غيره، نفس العربة عندما استقلها في رحلة الذهاب، كانت مكتظة بأجسادٍ جمة،
كاد أن يختنق من شدة الزحام، لم يغمض له جفن طوال إثنتي عشر ساعة من الضجيج الذي لم
يهدأ لدقيقةٍ واحدة، وهاهو يعود خائب الرجاء، فالشركة التي كان يعمل بها لمدة أربع سنوات هى
عمر إجازته التي اقتطعها من عمله الأصلي، قد أغلقت أبوابها، وصفَت نشاطها منذ ما يقرب من
خمسة عشر عامًا .. موظفة التأمينات طالبته بضروة استخراج بيان رسمي بسداد المستحقات التأمينية، صبيحة اليوم الأول ذهب ولم يجدها، في اليوم التالي تكبد عناء الصعود للطابق العاشر، حمد الله أنها
جالسة إلى مكتبها، دنا منها وجلس يستجمع أنفاسه اللاهثة، رمقته متأففة
– خير يا أستاذ ؟
– ملفي التأميني في حوزتك، وأرغب في إنهاء إجراءات التقاعد
أشاحت بوجهها عنه، وانشغلت في مواصلة لعب الورق العنكبوتي على شاشة الجهاز الإلكتروني، استطردت
– شبكة النت منقطعة ، وعودتها مستبعدة اليوم، عد غدًا
لليوم الثالث على التوالي يصعد على قدميه، رغم توفر المصعد بالمبنى الضخم، ولكنه مخصص
للموظفين فقط، تملأ عينيه الحسرة وهو يرى شبابًا يدلفون داخله بينما هو وقد تجاوز الستين من
عمره، لا حيلة له ولا مفر من الصعود راجلا !
– ملفك أمامي وقد تفحصته بدقة، ويبدو أن هناك مدة قد حصلت فيها على إجازة بدون مرتب
– نعم بالفعل لقد حدث هذا منذ عشرين عامًا تقريبًا، عملت خلالها في شركة خاصة
– المهم الآن أن تستخرج بيانًا رسميًا من تلك الشركة بسداد المستحقات التأمينية
أجابها مندهشًا
– لقد كانوا مواظبين على سدادها، وأقتطعوا من راتبي ما يوازي حصتي التأمينية
نظرت إليه شذرًا
– أعرف القراءة يا أستاذ، وأمامي تواريخ السداد أيضًا، ولكن يبدو أنك لم تفقه قولي
صمتت لبرهة ثم أردفت في تأفف
– ملفك يا أستاذ ينقصه مستخرج رسمي بالسداد ممهورًا بختم النسر، هل أعيدها على
مسامعك مرةً ثالثة ؟
انتشله من شروده توافد ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرقاء إلى داخل العربة، لمح
بينهم شابًا أسمر اللون ينسل من بين أجسادهم، متحاشيًا ملامستهم قدر استطاعته، يتفحص
بعينيه العسليتين أرقام المقاعد المثبتة أعلى الأرفف المعدنية، توقف أخيرًا بمحاذاته، تأكد
من الرقم المدون على تذكرته، وقارنه بالرقم المدون أعلاه، وضع حقيبته الصغيرة على الرف،
وجلس بجواره، أخيرًا رزقه الله بمن يؤنس وحدته، ويخفف عناء طول المسافة..
شابٌ وقور هادئ الملامح، مهندمٌ في مظهره، بادره متسائلاً
– من الأقصر ؟
– نعم يا أبي
أعجبته الكلمة وأثلجت صدره المثقل بضياع أربعة أعوام من مكافأة تقاعده، أردف
– أذاهبٌ للقاهرة في زيارة أم لعمل ؟
– – لا يا أبي، أنا أعمل مهندسًا في شركة كيما في أسوان، ولست ذاهبًا إلى القاهرة، إلا
أنني أشكر الله أن كافأني برجلٍ مثلك يصعد معي إلى الجنة
لم يفق من هول الصدمة، فقد كان انفجار الحقيبة مدويً.
……………………………..
محمد البنا…من كتاب ” منتهى العقل ” الصادر غام ٢٠١٧ مجموعة قصصية .
………………….
الرؤية المؤيدة
مكافأة نهاية الخدمة ويا لها من مكافأة!..
موضوعة في صندوق تعد عليه الثواني المتبقية من حياته التي أفناها في العمل، ليفاجأ بأنه لم يعد له لزوم في حياةٍ أمضى جزءاً كبيراً منها لاهثاً في ساعات العمل …
فلا الموظفة ( الروتين المقيت) احترمت سنه وتعاطفت …ولا القانون سمح له بصعودٍ مريح …وحتى الوجوه التي شاهدها في رحلته تلك كانت كلها شبحية ( أجانب) عززت وحدته وكرّست شعوره بالغربة .
الحظ / والروتين/ والتمسك بخيط دقيقّ من الأمل أوجده في المكان الذي سيعدّ عليه ثوانيه الأخيرة …
حاجة/ ألم/ حيرة/ اكتئاب ما بعد التقاعد
كلها مجتمعة أفضت إلى نهاية صاعقة بقنبلة موقوتة..
ثقافة مغلوطة متطرفة وعن إيمان عبثت بعقل شاب لينهي حياته دون تفكير، قال الله تعالى في كتابه الكريم ( لا تلقوا بإيديكم إلى التهلكة) الآية ١٩٥ البقرة،
ويقول ( لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) الآية ٣٣ الإسراء.
إلا أن هذه الإشارة ضمّنها الكاتب في نصّه ليس لغاية – أحسبه- إلا كمعالجة أدبية امتداداً للظلم الذي تعرّض له العجوز، وكمكافأة نهائية لخدمته الطويلة في سراديب النظام الإداري المعوج المسار، وكما يفعل بالخيل – رميها بالرصاص- فعل بالموظف بعد انتفاء الحاجة إليه.
_____________
بعض المفارقات :
———————–
*شاب في أوج نشاطه الوظيفي/ مقابل عجوز أنهى واجباته الوظيفية بانتظار أي كلمة شكر أو مكافأة
*شاب كاره للحياة /مقابل عجوز باحث عن الأمل
*موظفة تستغل الكرسي دون تعاطف إنساني / مقابل عجوز بحاجة ليد تمتد حانية
ولو كانت الحياة عادلة لأعطت دروسها لمثل هذه الموظفة أو لهذا الشباب العابث ليرى ويشاهد ويتعظ.
_____________
*اللغة : سلسة متمكنة مؤدية لوضيفتها باقتدار وحنكة كاتب يعرف جيداً أين يضع قلمه.
*الخطاب السردي: تمكن الكاتب بسهولة ويسر من توصيل فكرته باعتماده على توطيد تعاطف المتلقي مع الشخصية الرئيسية ( الموظف المتقاعد) وذلك عن إيفاده بعض مواطن التعسُّف الظّاهر دون مبالغةّ أو إسهاب.
*المعالجة التّقنية : اتكأ الكاتب على عدة مفاتيح في متنه السردي، بدءاً بالعنوان ( مكافأة نهاية الخدمة) مروراً بخروقات أمنية أشار إليها ضمنياً، لينتهى إلى ما رامه منذ البداية ( المكافأة).
*نص سوداوي بملامحٍ كئيبة تصوّر لنا نهاية حياة كادح، ذنبه الوحيد..التوقيت والمكان والهجوم من مجتمع إداري فاسد برمته.
ريم محمد…سورية في ٩ أبريل ٢٠٢٣
……………
الرؤية المعارضة
نص جميل
سرد سلس
لكن و لا بد من لكن هذه..هههههه
يبدو النص و كأنه كتب كله لأجل هذه الخاتمة فقط، فكانت المباغتة مقصودة و مغايرة تماما لمسار القصة، و هذا ما يؤخذ على السرد في بعض الأحيان، و هو محاولة إيهام القارئ بأمر ما ثم مفاجأته بما لم يكن بالحسبان مطلقا، و هذا يدعونا إلى ما يسمى بالتهابات المفتعلة فقط للإثارة و الإدهاش، خاصة عندما نطيل المتن القصصي و تكون الخاتمة عبارة عن جملة أو جملتين خارجتين عن سياق النص.
برأيي كان يمكن تكثيف النص أكثر و تقديمه على طريقة القصة القصيرة جدا، دون الدخول في تفاصيل إجراءات التقاعد…
نصك هذا بصراحة اعترته بعض مواضع الافتعال التي غالبا لا تكون موجودة في نصوصك التي تتميز بعفويتها، و كأنك رتبت الأمور ترتيبا لصنع النهاية على الصورة التي جاءت عليها فقط كما أسلفت.
فقد بررت وجود الرجل في العربة المخصصة للسياح الروس، ثم أقحمت الإرهابي في نفس العربة، رغم أن هكذا وفد مهم غالبا يتم منع أي راكب مواطن من التواجد معه في نفس العربة، و إن تواجد يتم غالبا تفتيشه بل و تنقيبه خاصة حين يكون هناك حوادث مشابهة في نفس الفترة.
د. عبد المجيد أحمد المحمود..سورية في ٩ أبريل ٢٠٢٣
……………………….
إطلالة سريعة
أستاذنا الكاتب الأنيق _ السهل الممتنع _ محمد البنا
Mohamed Elbanna
القاص الشـــاعر الناقد.. تحية لنص صيغ بإحكام سلس
مصورًا نموذجًا راقيًا للقصة القصيرة .
تحية و تقدير.
………………
“برأيي كان يمكن تكثيف النص أكثر و تقديمه على طريقة القصة القصيرة جدا، دون
الدخول في تفاصيل إجراءات التقاعد ” \ د. . عبد المجيد أحمد المحمود
ــــــــــــــــــــــــــــ
لو سرنامع هذا الرأى فسنطبقه أيضًا على أغلب قصص تشيكوف نفسه الذى أرى أن
هذه القصة تنطبق على منهجه، و لو نفذنا هذا _ و هو ممكن بالمناسبة _ فسندخل فى
مشكلة مع الإجناســـــية ، بمعنى أننا ما دمنا اخترنا لنصنا شكلا معينًا فنحاسبه حينها
فقط على مدى توافقه مع متطلبات هذا الشكل ..
أكثر النصوص تلائم أكثر من شكل و طريقة للعرض ، لكن المهم هو مناقشــة الدرجة
التى استطاع بها النص _ فى هذا الشكل المختار _ أن يحقق ذاته .
تفصيل بعض النقاط ضرورى لتجســــــــــيد حجم المعاناة و الألم ، و العجز و الرهق
و مفارقات الحياةوهو هدف النص الأساسى التشيكوفى . …
الموطفة مثلا تلعب الورق اليكترونيًا بينما السيستم الخاص بالعمل _ و هو الأساس _
معطل .
العلامة المصري / أحمد طنطاوي
Discussion about this post