ماذا دَهاني؟
ألقَمتُ فمي بعضَ السكاكِرِ بنكهةِ النعناعِ،
شرِبتُ الماءَ على ثلاثَةِ جُرعاتٍ،
هناكَ رياحٌ تتخَبّط بجُدرانِ فَمي المُغلَقَ،
ما زِلتُ أستحلِبَ السكاكِرَ؛
رغمَ البرودَةِ الشديدةِ التي تجتاحُ عَقلي،
تعلمونَ؟
لا تعلمونَ بالطبعِ،
أنا أفكِر بالفُصَحى؛
ذاتَ يومٍ قرأتُ مَسرحيةً بالعاميّةِ،
شعرتُ أني أشرَبُ العربيةَ دونَ سكّرٍ،
أصيبُ مِزاجي بالتوترِ،
أينَ الخَلل؟
رأسي الفُصحيّ، أم عاميّةُ الواقِعِ؟
شرحُ الواقِعَ بالفُصحى؛ يخرِجُ ألفاظًا نابيةً،
وشرحُه بالفُصحى؛ يلبِسْه القتامَةَ والضَجرَ..
ما الحَلُ؟
توَقفتُ عندَ الصفحةِ المئةِ مِن المسرحيةِ العاميةِ،
ثمٌ توَقفتُ عن خُضوعِ رأسي للفُصحى،
وثمّ أخيرةٍ، تركتُ الواقِعَ لشأنِه،
أضَفتُ قِطعةَ سكاكِرَ أخرى بنَكهةِ اللّيمونِ،
مِعدَتي لا تتَحمّلُ اللّيمونَ،
لكِن لا بأسَ، فجُرعةِ الماءِ الرابعةِ معَ اللّيمون؛
مُنعِشةٌ، ولن تطلِقَ الرياح ساقَها على جُدرانِ فمي..
أولُ أمسِ؛
أولُ أمسٍ مِن ثلاثينَ عامًا،
كانت لي جَديلةً واحِدةً،
الجَديلتانِ لم يناسِبا أبدًا وَجهي،
ولا صفحةَ صَدري الطفوليةِ،
حينَها لم أكُن أعرِفُ عن الفُصحى،
ولم أكُن أفكِرُ بالعاميّةِ،
أفكاري كانت صامِتةً،
تأمُليّةً فقط،
عيوني كانت مَصدَرَ الفِكرِ،
ثمّ حَيّزي الصغيرُ من العالَمِ،
كُلُّ ما يحيطُ بي؛ هو حيّزٌ جاذِبٌ للتأمّلِ،
السكاكِر كانت رَخيصةً حينَها،
وأسناني أكثَرَ تأثُرًا،
فقَدتُ نصفَ سِنٍ أمامي بسببِ تحدي تهشيمَ حبّةٍ منها،
إذَن؛
فتاةٌ صغيرةٌ،
بجَديلةٍ واحِدةٍ، ونصفَ سِنٍ أماميٍ علويٍ؛
تفكِر بصَمتٍ،
ولا تعرِفُ الفُصحى،
تنادِمُ الكونَ،
ماذا يحدُثُ معي؟
هكذا تساءلتُ حينَما أجبَرَتني نقُطٌ دمٍّ على الخُروجِ،
الخُروجَ من حيّزِ التفكيرِ بصَمتٍ،
البروزاتِ والانحناءاتِ؛ خلقَت عالَمًا جديدًا،
مِن الفُصحى المُختلَطةِ بالعاميّةِ الساذِجةِ،
دفترُ يومياتٍ مليءٍ بالخَربشاتِ،
وضعوا لي مُقوّمَ أسنانٍ، شيءٌ مُعدنيٌ بفَمي
لم أستَطعَ تهشيمَ السكاكِرِ، بل استِحلابَها فقَط،
هناكَ مَحظوراتٍ دائمًا؛ لكُلّ تغيير،ٍ وجَديدٍ..
سابَقتُ على المِزاجيةِ؛
كنتُ الأولى في الوصولِ لخَطِ النهايةِ؛
الفوزَ..
فُزتُ بمِزاجيةِ العامِ، هذا العامَ،
بحثتُ لأعرِفَ أيّ مرضٍ يمكِن أن يحمِلَ كُلّ ذلك الكَمَ؛
مِن التقَلُبِ المِزاجي،
وجدتُ الكثيرَ، وارتدَيتُ مَعاطِفَهم؛
لعلّي أصِلَ لعلاجٍ لذلكَ البردِ القارِسِ الذي يجتاحني،
الدِفء لا يأتي مَجانًا،
لنُشعِلَ الخَشبَ إذَن،
أو نتَسوّلَ عِناقًا،
أو نجِد ذاتَنا بذاتٍ؛ مفرَقًا للطرقِ
السُكّري..
السُكّري؛ وضعَ قانونًا جديدًا إلزاميًا،
أنْ لا سكاكِرَ بعدَ اليومِ،
بل هناكَ حقنَ انسولين كلَّ يومٍ،
لا بأسَ؛ فقَد أكَلتُ الكثيرَ مِنها،
ولم تعُد تتَحمّلُ جُدرانُ فَمي تلكَ النكهاتِ ،
لذا؛
الآنَ أفكِر بالفُصحى، وأكتُبُ بالفُصحى،
وأعلَمُ ماذا دَهاني بمُرورِ الزَمنِ،
لكِن؛
لن أبوحَ،
فالثرثَرةُ لا تليقُ بذاتِ الجَديلةِ الواحِدةِ..
#سماح







Discussion about this post