……. (أفواه وأرانب)…….
أَعَلى سُفوحِ الشِّعرِ جِئتَ تُناجي
وتظنُّ أنَّكَ صاحبُ المِعراجِ
وتَظُنُّ أنَّ يَراعةً تُمسي عَصاً
وتَشقُّ بَحراً عاصفَ الأمواجِ
أمْ أنَّ بيتاً مِن قصيدِكَ قادرٌ
أنْ يُخمِدَ النيرانَ في الأحراجِ
الشِّعرُ ليسَ نُبوءةً وكَمِ ادَّعى
في مِثلِهِ مُتَنَبِّئُ الأبراجِ
الشِّعرُ وَحيٌ من مَدارِكِ رُؤيةٍ
يأتيكَ عبرَ الخاطِرِ الوَهَّاجِ
تلهو بهِ ريحُ المصالحِ تارةً
ويكونُ حِيناً صاحبَ الأنفاجِ
الشعرُ مثلُ الناسِ بينَ مُكَبَّرٍ
ومُكَبِّرٍ ومُقَيَّدٍ مُحتاجِ
فترى قوالبَ لا قلوبَ خِلالَها
أحلاسُهم مِن فاخرِ الديباجِ
وترى فَطيناً مُسْتَرَقّاً بِالطَّوَى
حُجِبَت بَصيرَتُهُ من الكرباجِ
أوَ تَضمنُ الدنيا سعادةَ صالحٍ
كمْ مِن سعيدٍ في يَدِ الحَجَّاجِ
إنْ أَفْرَغَ الرَّامي كِنانةَ سـهمِهِ
وَجَدَ الذِّئابَ تَهمُّ بالأوداجِ
لولا مَطِيَّاتُ الهوى لم يِسْتَهِمْ
أحدٌ على مُتَطَلَّباتِ التَّاجِ
وأنا الشَّريدُ أضعتُ نقشَ هُويَّتي
وسكنتُ كوخاً فاقدَ المِزلاجِ
تَروي دُموعي غيرَ أرضي مِن أسىً
وتسيلُ بينَ حِجارةٍ وزُجاجِ
لم تُبقِ لي فيروزُ مِن لحن الصبا
إلّا بقايا صَرخةِ الحَلَّاجِ
أنا شاعرٌ نَشَرَ الضياء بِحرفِهٍ
لكنَّهُ لم يَستَضِئْ بِسِراجِ
أَشعلتُ حرفي بالحقيقةِ ثورةً
وجَعلتُ كلَّ الثَّائرين سِياجي
شاعر النيرب مجد ابوراس
============================
قراءة بقلم الأديبة ضحى حميدة
=============
هذه القصيدة في حد ذاتها مدرسة في تعليم كتابة الشعر، لما تحمله من مفاهيم ومعالم خاصة بالأدب والشعر والفنون عامة ، وهي مَعلم أدبي لما، للأدب من أهمية في تمثيل الشاعر ومحيطه وما يريد أن يوصله كأحسن تمثيل ثقافة وتعبيرا .
أما العنوان ( أفواه الأرانب) هنا أثار الفضول في نفسي فاختزل توازن الفهم اذ حسب مضمون القصيدة يمكن أن نفسره على اوجه مختلفة
حسب السياق الذي جاءت به :
– من الممكن أن ترمز الى العطش الكبير بالنسبة لبعض الشعراء الذين يتشبثون بأي شيء لتلبية رغباتهم واحتياجاتهم ولا يرون حرجاً في اللجوء إلى الأمور الصغيرة لتحقيق ذلك عن طريق كتابة أشياء باختلافها دون مراعاة مضمونها ، تمثيلا لعطش الأرنب الذي ترجع هذه الصفة اليه حيث يبحث عن أي شيء يضعه في فمه .
ـ ومن الجدير بالذكر أنه من الممكن أن تكون هذه العبارة مجرد استخدام للتعبير الشعري، حيث يتم استخدامها لإضفاء المزيد من الدلالة والغموض والإيحاءات في النص الشعري.
أما مضمون القصيدة فهو خطاب من على منبر الشعراء يلقي فيه الشاعر خطابا يدلي به عن هذا الغرور الذي اكتسح ساحة الشعراء فبات كل منهم يدعي السمو والمعرفة والعلو ، وكأنه النبي الذي يوحى اليه ما لا يوحى لغيره وهذا في حد ذاته تحدي لمن يريد أن يصنع الفرق في كتابة الشعر. كما أتى القلم هنا تشبيها بعصا موسى التي شق بها أمواج البحر وكأنها عصا سحرية،
( وتَظُنُّ أنَّ يَراعةً تُمسي عَصاً
وتَشقُّ بَحراً عاصفَ الأمواجِ ) .
وهذا تشبيه في غاية الجمال والروعة وكأن الشاعر يريد ان يلمح بأن القلم بالنسبة للشاعر الذي يلمح اليه ليس سحريا لهذه الدرجة حتى يكتب أشياء مختلفة تفك كل الأزمات بلمسة منه .ولا حتى ما يكتبه الشاعر يمكنه أن ينشر السكينة على الغضب أو ينزل الرحمة على المتوجع، ولايزال الشاعر فيهذه القصيدة ينتقد الأشخاص الذين يحاولون استخدام الشعر كأداة للتنبؤ بالمستقبل، ويشير إلى أن الشعر ليس كذلك بل هو تعبير عن الرؤى والأحاسيس.
التي تأتي من داخلنا، وأنه يمكن أن يكون هادفًا أو غير هادف في نفس الوقت ، يحمل رسائل تذكر الانسان وتوعيه أو هراءات لا ننال منها الا المتعة لاغير ..وليس كل ما يكتبه الشاعر يمثله أو يعيشه ..(فكم من جزار بات اولاده يتغدون على العظام) ،وللشاعر دوما اعداء وحساد مهما بلغت به المراتب تجده محل نقد لكل من هب ودب ..وترى الشعراء لولا الهوى ما كانت الكلمة تشدو الغزل وتشيد بهم نحو المراتب العلا …
ويعود الشاعر ليضع نفسه أمام هذا الكم الهائل من الشعراء الذين هم من حوله ويتحداهم كونه الشاعر الثائر الذيلا يخاف قول الحق والافصاح عنه بطريقته .( ليعود الشاعر الى المنبر رافعا قرطاسه ليلقي خطابا يعرف به الناس عامة والشعراء خاصة بمن يكون هذا الشاعر الذي يخاطبهم بلا خوف ولا تردد) .
بشكل عام، تتحدث القصيدة عن دور الشعر في الحياة وتذكر أن الشعر ليس نبوءة، وليس بضرورة أن يكون يوصله الى اعلى المراتب . الشعر يمكن أن يكون مجرد تعبير عن مشاعر الشاعر وأفكاره، ولا يجب أن يكون محكومًا بمعانٍ معقدة ليفهم . وعلى الرغم من أن بعض الشعراء قد يشعرون بالتهميش أحيانًا، إلا أنهم لا يزالون يملكون تلك القوة والجاذبية التي تجعلهم في المقدمة .
وتشير القصيدة أيضًا إلى أن الشعراء مهما اختلفوا ، هم في الاول والاخير كعامة الناس ، يعيشون ما يعيشه الفرد ، ولكنهم يمتلكون موهبة خاصة وقدرة على التعبير بطريقة مختلفة وجميلة. ولذلك، فإن الشاعر يتمنى أن يكون قد وصل إلى هذا الهدف، وأن يتمكن من نشر الضوء بكلماته الى من يقول غير ذلك .
البيت الذي اعجبني كثيرا بيانا ومعنى وقوة:
أَشعلتُ حرفي بالحقيقةِ ثورةً
وجَعلتُ كلَّ الثَّائرين سِياجي
لكم منا أسمى عبارات التقدير على هذه الفصاحة وهذا العطاء الأدبي الذي يزيد اللغة بكم شرفا وبالشعراء عزا وفخرا.
Discussion about this post