..منذ عقود طويلة تجاوزت الخمسة أو أكثر أخذنى عالم القراءة أخذا شديداً، ولا أكون مبالغا أن صرحت أنى محظوظ بتجولى بين العديد من العوالم الفكرية والثقافية، شعر وقصة ورواية وعلوم متنوعة، لأنه من الضرورى لكى تقف على مسافة قريبة من الواقع ومجرياته عليك أن تتسلح بزوايا معرفية كبيرة، ومن حظوظى أيضا شغفى بالبحث عن كتابات خارج حدود بلدى مصر ، فتجولت بين أروقة الكتابات العربية، أيضا للوقوف على مسافات قريبة من عوالمهم الثقافية والفكرية، لذا لفت نظرى العديد من الأسماء العربية التى تمتهن الكتابة فى العديد من الأجناس الأدبية وبتميز وبواقعية تنم عن وعى ورصد جيد لقضايا مجتمعاتهم، والكاتب التونسى ( نصر سامى) أحد هولاء الذى يكتب القصة والرواية والشعر والمسرحية، كل هذه التنوعات الكتابية كانت حافزاً كبيراً بهذا الحوار.
رؤى حوارية ..
حوار أجراه..
أحمد طايل…مصر
= إذا أردنا أن نتأبط ذراعك والتجول فى زواياك الحياتية، إنسانيا، مهنيا، إبداعيا، ماذا لديك عنها؟
-حياتي الحقيقيّة عشتها وأعيشها في الكتب. لذلك أعتبر بكامل الاقتناع أنّ حياتي الإنسانية والمهنية والإبداعية هي مجرّد أسباب للحياة الأعمق في الحقيقة. تبدأ حياتي بكتابي الأول >ذاكرة لاتّساع اللغات< ديوان شعري يمكن اعتباره الأوّل صدورا لمشروع ثقافي اخترق الساحة الثقافية التونسية، انطلاقا من الجامعة التونسية، وهو ما عرف لاحقا بالتسعينيين. ومنه تعدّدت الكتب لتصل الآن لما يقارب ال 17 كتابا بين شعر ورواية ونقد ومسرح، غير الكتب التي أصدرها لفرق أشرف عليها في إطار التكوين السردي. وهذه الحياة تنفكّ صلاتها تدريجيّا بالواقع وتنشدّ بعمق لحياة باطنية أحاول عبر اللغة تتبّعها.
= الأسرة والبيئة المجتمعية بالبدايات والأجواء فى البدايات هى مؤكد مرحلة التأسيس الأولى لك ودافع لأخذ مسلك الكتابة, حدثنا عن تأثيراتها عليك؟
-عشت في إحدى ولايات الوسط التونسي، اسمها سيدي بوزيد، وتحديدا في جلمة، حيث الأرض ملتحمة بالسماء، وأمضيت طفولتي في اللعب والاستماع للحكايات. لم أدخل الكتّاب مثل أغلب رفاقي وقتها، لكنني دخلت المدرسة، وحظيت بمدرسين جيدين، وتواصل ذلك في المعهد لحين حصولي على الباكالوريا، خلال ذلك قرأت كثيرا، أكملت الأعمال الكاملة لأغلب القصاصين، وقرأت متونا شعرية وسردية بالغة التنوع، وكنت الشاعر في نظر مجتمعي الصغير. أستعيد ذلك بكثير من الزّهو! كان وجود جدّتي مريم، الله يرحمها، ووالدتي الصالحة وعمّ يونس وغيرهم نوافذ على عالم المرويات الفاتن الذي سوف أختاره طريقة في سردي. بيتنا، والطريق من البيت للمدرسة ثم للمعهد، والطريق لغابات الزيتون حيث كانت والدتي وأبي وأختي وأخي يعملون طول اليوم. السّاحات الكبيرة التي كنت ألعب فيها، والحيّ الشمالي، وسكّة القطار القديم، كلّها لاتزال تجري في مخيلتي كأنها تحدث الآن.
= المراحل التعليمية وحصص المطالعة والنشاطات الثقافية والفنية المصاحبة، هل ساهمت بصقل أهدافك للولوج لعالم الكتابة؟
-في جلمة كانت هنام نواد متنوعة، لم تكن مستمرة طول العام لكنها وجدت. تعلمنا الرسم والألعاب الذهنية والرياضة وشاهدنا أفلاما كثيرة في نادي السينما ومارسنا المسرح في المعهد وفي إحدى السنوات تحصلنا على الجائزة الوطنية للمسرح الجهوي ونحن تلاميذ. تلك الأنشطة ساهمت دون شك فيما أنا عليه الآن. لذلك حين كتبت لم تكن الكتابة غريبة أو جديدة. ولقد وجدت اهتماما من بعض مدرّسيّ وخاصة سيدي علي عطية أستاذ اللغة العربية التي كان يوليني اهتماما خاصا. وحين نشرت أولى محاولاتي في الجرائد كان ذلك في بيئتي الصغيرة حدثا. الآن أستعيد تلك التفاصيل بكثير من الفقد والحنين، وأستعيد أصدقاء لي شاركوني ذلك الليل وتلك النهارات.
= الكتابة الأولى، حدث لا يمحى من ذاكرة أى كاتب، ماذا عن كتابتك الأولى ورود أفعالها عليك وعلى محيطك الأسرى؟
-كتبت كثيرا لكنني بدأت من جديد حين انتقلت إلى الجامعة ودرست الأدب الحديث. اكتشفت فجأة ما كنت أحتاج، فانكببت على القراءات المتنوعة. وكتبت شعرا مختلفا عن شعري الأول. وكتابي الأول >ذاكرة لاتّساع اللغات< أصدره في سنة تخرجي من قسم العربية تقبّلته الساحة الثقافية بكثير من الاهتمام النقدي والإعجاب. وبعده تناسلت كتبي حتى وصلت في الشعر إلى تسعة كتب. ما لا يمحى من ذاكرتي هو ما فعله بي الشعر، لقد جعلني مميزا ومعروفا. ولقد دفعني طول الوقت إلى تعميق قراءاتي والبحث عن مسارب للكتابة جديدة من حيث الموضوعات والآليات. كما اهتممت بالسرد لطبيعة قراءاتي التي تميل للسرد الروائي. ثم أخذتني الدنيا، وأصبحت كاتبا!
= من أول من آمن أنك تملك موهبة تحتاج إلى رعاية، وهل مازال هذا الشخص يتابعك ويوجه لك النصائح؟
-هناك العديد ممّ، اهتمّ بي في مراجل مختلفة من حياتي. يصعب ذكرهم جميعا. ولكنني منفلت وعصيّ على المراقبة. وفي سنواتي الأخيرة لا يعرف الناس أعمالي إلا عند نشرها في كتب. وأهتم بردود الفعل التي تصدر في كتب أو في مقالات ولقد صدر حولي كتاب >الشعرية في شعر نصر سامي< للناقد عبد الحكيم قعلول، وكتاب >الخلفيات النصّية وتفاعلاتها في ديوان سفر البوعزيزي للشاعر نصر سامي< بقلم 14 دكتورا من العالم العربي، وصدر حولي كتاب مهم بتقديم وإشراف د. مولاي علي سليمان من الجامعة المغربية بعنوان >مناولات تأويلية ونقدية في أعمال نصر سامي الروائية< شاركفيه ثلة من الباحثين والدكاترة المختصين في السرد. إضافة إلى بحوث كثيرة في الدوريات المحكّمة وغيرها.
= اللحظة الأولى للتواجد الفعلى بين الوسط الثقافى، كيف كانت؟ وهل أحدثت بك مزيداً من التحفيز على الاستمرار لعالم الكتابة؟
-الآن أنا في قلب المشهد التونسي والعربي، تطلّب الأمر الكثير من الوقت ومن الاجتهاد والعمل على تنمية موهبتي في الشعر والسرد الروائي كتابة وتكوينا. وفي الحقيقة لم أعد أهتمّ بأيّ تحفيز خارجي، يهمّني جد ذلك الهدوء والرعاية الذاتية المتواصلة التي تعطيني طاقة أواصل بها مشروعي الفكري. وأنا في عمل دائم لتطوير وسائلي لا استقر على منوال واحد ولا أرضى بالقليل. وقسوتي هذه تأتي بنتائجها دائما. فالكتابة طريق لا وصول لنهايته، ولكن نصل فيه إلى راحات وعلامات تبقى وتترسّخ وتصل إلى متقبلها وتصنع في السرّ أجنحتها لتصل إلى العالم.
= ماذا عن استقبال النقد لكتاباتك الأولى؟
-تعتبر تجربتي من أكثر التجارب اهتماما نقديا، فلقد كتبت عني ثلاثة كتب نقدية متخصصة، وعدد كبير من الدراسات، وعدد من رسائل الماجيستير في الأردن وفي الجزائر والمغرب. وأعتقد أن هذا الاهتمام النقدي الذي واكبني في البداية باحتشام وبآراء انطباعية تغير الآن وأصبح نقدا أكاديميا شديد العمق.
= مارؤيتك الخاصة وتحليلاتك عن الواقع الثقافى إقليميا، عربيا، عالميا، وهل توجد أوجه تشابة بين كل هذه العوالم الثقافية؟
-هناك انقطاعات كبرى في الثقافة العربية بين الدول العربية. وهذه الانقطاعات في رأيي مفيدة ودافعة للفضول، وما يشتهر منها غالبا ليس هو الأفضل. فالتجارب الأكثر عمقا هي تجارب لم يتسنّ لها أن تترسّخ وتعرف عربيا. مثلا الساحة الثقافية التونسية تكاد تكون جزيرة مغلقة، وأغلب من اشتهروا فيها ليسوا هم الأفضل ولا الأكثر حضورا وفعالية. وحركة الكتاب بطيئة جدا، وتأثير وسائل التواصل مؤذ ومفسد للثقافة وللإبداع. فوسط هذه السيول من الكتابات في وسائل التواصل يصعب العثور على الجميل والنادر والرؤيوي والمفكّر والأصيل.
= الفجوة الكبيرة بين الثقافات والعربية والغربية، ما أسبابها؟ وكيف نستطيع تضييق هذه الفجوات؟
-هناك محاولات لسدّ ما سمّيته الفجوات، ولكن في الحقيقة يستحيل أن نسدّها! هناك عمل تمّ في العمق في الثقافات الغربية في التعليم بكل مراحله، وفي الدين وعلاقتنا به، وفي المجتمع وسياساته، وفي الدستور وقوانينه، وفي التحضر بشكل عام. وفي هذا نحن بعيدين جدا عن العالم المتحضر. نحن لا نفكّر بل نعيد كلام من يفكرون قدامى أو غربيين. هذا الاجترار أو التقليد يلغي ذواتنا، ويجعلنا في تبعية. فثقافتنا مثل دينارنا وريالنا، بلا قيمة فعلية في التداول. إن شخصيتنا الثقافية ماضوية متكلسة تقليدية متحجرة وإن ادعت التحضّر، وأغلب تصوراتنا عن الوجود هي عائدة الى قرون خلت! كيف ننهض؟ سؤال ططرح في بدايات القرن وإجابته لن ننهض أبدا ما دمنا رازحين تحت عباءة الجهل وجبة الماضي. إن مجتمعا دون فلسفة في مدارسه، ودون تعليم حديث غير تراكمي بل تفاعلي، ودون تحرّر من سلطة السماء لن يسدّ الفجوة بل سيهويّ فيها!
= كيف تبدأ رحلة بزوغ أفكار أعمالك لديك؟ وكيف ترسم شخصياتك ؟
– أخطط لعملي السردي جيدا. ثمّ أتحوّل مثل شجرة التفاح! تمرّ عليّ السنة كما تمرّ على شجرة التفاح. أمدّ جذوري أكثر أتشرب المياه أكثر أورق أزهر أنضج تفاحاتي بهدوء ولطف. أحتار قبل البداية لكن وأنا أكتب تنساب فكرتي وتأتيني الشخصيات فأنحتها نحتا وأقولبها وأعمل لها حيثيات وأجعلها ذواتا حقيقية. أغلب شخصياتي فيها شيء مني. ميم بطل روايتي >الآيات الأخرى< وجابر بطل روايتيّ >حكايات جابر الراعي< و>الطائر البشري< وجمال الدين العطار بطل روايتي >العطار< وأمجد بطل روايتي >برلتراس< وكذلك أبطال مسرحياتي. كلهم يحضرون كاملين شكلا ومضمونا ولهم خطاطة كاملة من حيث بنائهم النفسي. ولقد أفادتني تجربتي الكبيرة في التكوين السردي في بناء أسس عميقة لأبطالي ولأعمالي بشكل عام.
= الزمان والمكان ماذا يعنيان لك بكتاباتك؟
-أهتم بالحاضر زمانا ومكانا، ولكني أبدأ غالبا من بعيد. تهمني البدايات. لذلك أعود إليها. تهمني المرويات الشفوية لذلك أسمع الحكايات والآداب القديمة للشعوب وأهتم بالأغاني وبالشعر الشعبي وأهتم كثيرا بالآثار وبالتراث اللامادي. والمكان والزمان يظهران عندي من خلال الحياة ذاتها. وأنا غالبا أخترع أمكنة أرسمها بدقة كأنني أرسمها على القماش. وأمكنتي المتخيلة هي جراح فوق جلد أمكنتي الواقعية. ومني الروائي هو دمغات دموية على جبين زمني الواقعي. إنني أتأرجح في اللامكان واللازمان من أجل تصوير زمني الحقيقي!
= لكل كاتب إتكاءات معينة يتكأ عليها حين كتاباتك، إلى أى منها تتكأ؟
-أتكئ على المرويات الشفوية والسرود الكبرى في التاريخ الإنساني بدءا من الكتب السماوية مرورا بالأساطير وصولا إلى الشعر وإلى غيره مما يشكل الفكر الإنساني، وأميل إلى الروايات وإلى تاريخ الفنّ التشكيلي وغيره من الفنون. إنّ التراث الإنساني جبل لا يمكنني أن أعرف العالم إلا إذا وقفت في قمته!
= لوحظ بكتابات على تنوعها مزجك بين الكثير من الصفات التضادية، مثل النبل والصوفية والخسة والنذالة والصعلكة وغيرها، لماذا؟ وهل هى متعمدة منك، أم تتأتى مع سياق الكتابة وتضيف إليه؟
-أعالج في بعض رواياتي مشكلة علاقتنا بالزمن. كيف نعيش؟ ما نحن؟ هل ما هو إنساني هو حقيقتنا أم أننا أقرب إلى التوحّش؟ هل نحن خيرون بشكل مطلق أم أنّ أصلنا شجرة شرّ عمياء ضاربة بعروقها في الوجود؟ هل نحن من سيرث الكون فعلا أم الدود؟ أمام هذه الأسئلة العاتية لا أستسهل الكتابة ولا أكتب بصفوية وبلطف. يسنّ الراوي سيفه وهو يمرّ بين الكائنات! وأغلب شخصياتي لها حقيقة كامنة مخفية ذئبية محتالة خائفة! تلك كما يبدو لي حقيقة الكائن. أنا في العمق منّي كاتب أخلاقيّ بالمعنى العميق ولكن من أجل إيصال طهوريتي أو أخلاقويتي يمكنني أن أقتل الأبطال جميعا!
= الرواية برأيك لابد لها من شمول الأمس واليوم والغد حتى تحقق أهدافها؟
-الرواية فنّ جامع، وهي من بين جميع الأجناس الأقدر على فتح أحضانها أو سجونها لما هو إنساني ولما هو حيواني فينا. والرواية تقترب تدريجيا من جميع الفنون والعلوم الإنسانية وتكاد تصبح جماع الأجناس. أكتب الرواية بقلم الشاعر وبهوس الفيلسوف وبراو رعته شهرزاد! لذلك أهتم بوجود حكاية لكنني داخل الحكاية أفكك الوجود وأتأمّل الوجود وأغلب روايتي ذات طابع رؤيوي تأملي.
= الكاتب الناجح هو من يرصد الواقع المعاش بمصداقية وكما هو، ام من الضرورى والملح أن يضيف شيئا متخيلا وبعضا من الغرائبية فى كتاباته، وهل هذه الإضافات تساعد على انتشار العمل الإبداعي؟
-الواقع نفسه غريب جدا. إننا نتحوّل إلى حيوانات. تلك هي فكرة روايتي الجديدة. حياتنا مهيكلة بطريقة نفتقد معها خصوصيتنا كبشر مفكرين! صرنا متشابهين بعيدين عن الفنون وعن التفكير نجري وراء الحياة ببهيمية غرائزية مقيتة. وما يسمميه الناس غرائبية ما هو إلا بعد صميميّ من الواقع الإنساني. إننا نغوص في مستنقع الوجود يوميا، نغرق في الاستهلاك، استعبدتن الحياة المادية والخدمات والآلات. ونكاد ننسى ذلك الضوء الذّي دفعه الله في طينتنا. الرواية تذكّرنا بالتوحّش الذّي نذهب إليه وبالزريبة الكونية التي تتسع كل يوم.
= هل الكتابة هى بشكل أو آخر سيرة ذاتية للكاتب، والبحث عن أحلام فشل في تحقيقها؟ وماذا عن أهدافك انت من الكتابة؟
-أنا عصفور صغير، لنقل طائر الكركي، كلّ ما أفعله أنّني أرفع ساقيّ الصغيرتين لأرفع سقف السماء. وحين تثقل عليّ أنوح متوجعا. ماذا أريد من الكتابة؟ أن أتمسّك ببشريتي باعتباري إنسانا مفكرا عاقلا حرا ومواطنا له كامل الحقوق في مجتمع حرّ يعتبرني إنسانا! إنّ وعيي بإنسانيتي يغيّر نظرتي لي ولأهلي ولوطني وللإنسانية. فأنا إذ أفعل ذلك فإنني أنهض بعبء الوجود، وأحمل رسالة الحق، وأفتح بكتابتي طريقا بعيدا عن التوحش والاستغلال والحيوانية والظلم.
= لمن تكتب؟ عنك ام عن الآخر؟ وما هي طقوسك الكتابية؟
-أكتب عنّي وعن الآخر أكتب عن الإنسان الذي يبحث عن الخلاص من مآزق الوجود المظلمة. ولذلك أنا متشائم طول الوقت. التفاؤل جريمة والفرح خطيئة الخطايا. وأبطالي ليسوا أنا. إنهم أكثر قوّة مني وأكثر إيمانا وتبصرا. أعاشرهم كثيرا وأصنع معهم علاقات صحبة وأضيق بهم وأحدب عليهم وأتعارك معهم. لذلك فالكتابة معاشرة مثل القراءة. في الأيام الخمسة التي أجلس فيها في مكتبي للكتابة أكتب بدأب. وأرتاح في اليومين الباقيين. ولكني أفكر. التفكير مهنتي الحقيقية. ليت أن هناك طريقة لإيصال فكرتي دون جلوس أو كتابة!
= تنوعت كتاباتك بين القصة والرواية والشعر والمسرحية، أيهما أقرب إليك؟
-أنا شاعر، تلك مهنتي الأصلية، ولكنني انفتحت. صار نصي جامعا. فكرة النصّ المفتوح الجامع لم تستقر بعد في ثقافتنا العربية لكنها في الغرب مستقرة. لذلك تجد في شعري السرد وفي سردي الشعر وأوظف في كتابتي جميع الفنون.
= ما الفارق بين القصة والرواية؟ وهل الرواية لابد لها من الاستفاضة بالثرثرة؟
-الرواية عالمان متباعدان. لكليهما خصوصيات فارقة في النوع والمعالجة والرؤية والتنفيذ والتكنيك. وأيّ فنّ حقيقيّ يتجنّب الثرثرة وعلى الكاتب الجيد أن يعي أن النصّ مثل شجرة التفاح ذاتها يحتاج إلى التشذيب والقصّ المدروس لتستقرّ وتثمر. وما تسمّيه رثرة لا نجده في روايات كثيرة الصفحات وقد نجده في رواية قليلة الصفحات.
= ماهى رؤيتك للواقع الشعرى حاليا، وتعدد زواياه ومدى تأثيرات قصيدة النثر عليه؟
-الواقع الشعري متشظّ، تتجاور فيه حساسية القديم مع الحدائيّ، يتجاوران ومعهما النثر الجيد والنثر الفايسبوكي وغيره، ويغرق هذا كله في جهل غريب بالقواعد الأساسية للأنواع الشعرية. نفتقد في واقعنا الشعري اليوم لتيارات مثل التي ظهرت في السبعينات ونفتقد لأأصوات شهرية مؤسسة لا تكرر ولا ترمّم ولا تستعيد الماضي. وأغلب ما ينشر في عالمنا العربي بلا قيمة تذكر من جهة المحتوى والفنّ وخصوصا من ناحية التصوير والقدرة على ابتناء عوالم تخييلية جديدة.
= كيف ترى المشهد النقدى بعالمنا العربى؟
-نقدنا مستنسخ وأغلب ما يكتب تلاخيص مدرسية. لكن هناك معالجات قليلة تعود إلى أسماء معينة اشتغلت على شعر الرواد مهمة أذكر منها محمد لطفي اليوسفي ومحمد بنيس وأدونيس وغيرهم. أما ما نراه اليوم فليس غير معالجات تفتقد لما يكون به النقد نقدا من جهة مقوماته ومن جهة نتائجه.
= هل مازال للكاتب تأثير قوى فى مجتمعاته؟
-الكاتب ابن مجتمعه، ولا تأثير له عليه مطلقا للأسف. يكون له تأثير في الغرب في المجتمعات التي تبيع الكتاب بملايين النسخ، وتترجم إلى عشرات الألسن، أما في عالمنا العربي فإننا نعاني من تصحر معرفي. الأرقام مخجلة. فكيف يؤثر الكاتب؟ إن ساحتنا يتحكم فيها إعلام مكلف بمهمة قذرة وهي التجهيل المنظم. ومؤسساتنا لا تعنى بالكاتب والكتاب. ولولا بعض المؤسسات العربية التي تسند جوائز أدبية لانتهت صناعة الكتاب. لذلك يظل الكاتب العربي على هامش المجتمع، ويظل المجتمع نفسه على هامش الوجود.
= ما العمل الذى تمنيت أن تكون انت صاحبة؟
-ألف ليلة وليلة هو الكتاب الوحيد الذّي أتمنى أن أكون كاتبه
= كتاب وكاتبات عرب وأجانب لهم تأثيرات عليك؟
-كل المسرحيات الكلاسيكية التي كانت تصدر تباعا في الكويت تأثرت بهم، جميع ترجمات دار الآداب من بدايتها تأثرت بهم، المرويات الشفوية بأنواعها مسموعا ومكتوبا تاثرت بها، وطبعا الأعلام شعرا ونثرا من عرب وأجانب أقرأ لهم قراءة معاشرة. الآن أقرأ زافون وموراكامي، وما يصلني من دواوين الشعر.
= ما مدى الحلم لديك؟ وماهو مشروعك القادم؟
-حلمي أن أكتب الكتاب الثالث من سلسلة جابر الراعي التي فاز جزؤها الأول >الحكايات< بجائزة الشارقة للرواية 2015، وفاز حزؤها الثاني >الطائر البشري< بجائزة كتارا للرواية 2017، والجزء الثالث سيكون كبير الحجم وسوف يكون تعميقا لرؤيتي السردية القائمة على توظيف المرويات الشفوية، وهو الطريق الذي أقترحه لتجديد السرد العربي وفتحه على مجراه الحقيقي.
= هل للكاتب عمر افتراضي عليه بعدها أن يعتزل الكتابة؟
-فيما يخصني لقد بدأت هذا الطريق للتوّ وسوف أستمرّ.
= ما رأيك بالجوائز الأدبية؟
-وسيلة من الوسائل المتحضرة التي تدفع الأدب والعلم والفنون نحو التقدم. لقد فزت بثلاث جوائز الشارقة وكتارا في الرواية وجائزة مسرح أنسامبل اللبنانية في المسرح. ولقد رفعتني الجوائز عن مجايليّ وجعلتني مقروءا ودفعتني إلى بذل المزيد من الجهد.
= ما مدى تأثيرات الحياة السياسية على الكتابة وعلى المشهد الثقافي، وأيهما يجب أن يقود الآخر، السياسة ام الثقافة؟
-الثقافة هي قاطرة الحضارة وأيّ معالجة تخرج عن هذه المصادرة لن تفيد المجتمع. وبالعودة إلى تاريخ العالم قديمة وجديده نلاحظ أنّه تقدّم بأفكار فلاسفته ومفكريه ورسله وفنانيه. وما السياسيّ إلا عنصر من عناصر البنية الثقافية العميقة التي قد توفر الظروف وتدفع البنى المتشددة إلى التفتّت والتغير. لكننا مبتلون للأسف بواقع سياسي يفتقد للمخيال، متيبّس، عسكري، يستبطن القمع والتسلط ويخاف من الثقافة ويستعديها ويسدّ أمامها الأفق. وتنفتح ثقافات التلهية والزمر والزيارات والفن الشعبي والدروشة وتمتلئ وسائل الإعلام بثقافة التلهية والقمار والمراهنات والاستهلاك. ويغيب تدريجيا الحسّ الثقافي ويتقوّى التسلّط الديني والسياسي. إننا ضحايا، لكنّنا لا نعي إلى أيّ درجة من الوضاعة قد وصلنا!
= إذا أردنا أن نضع لنصر سامى عنوانا، ماهو العنوان الذى تراه لك؟
-هناك لقب كان يطلق عليّ في الخليج حين انتقلت هناك للتدريس وإقامة ورشات القصة القصيرة، وهذا اللقب سوف يكون عنوان روايتي السيرية التي كتبتها من واقع حياتي هناك. هذا اللقب هو >العظيم<. وهي كلمة كنت أقولها حين أخاطب أيّ شخص بقولي يا عظيم!
= لمن تكون اهداءاتك الأولى من اعمالك؟
-اغلب أعمالي مهداة لابنتي سندرا.
= ما رأيك بمسألة المجايلة الأدبية، ولو خيرت أن تختار جيلا تنتمى إليه، فماذا تختار ولماذا؟
لا أهتم بالأجيال. ولو اخترت لاخترت جيلي الأدبي.
= رسائل قصيرة إلى..
* نصر سامى: لقد بدأت. الآن عليك أن تذهب عميقا فيما تريده. أيها الطائر ساقاك جاهزتان لحمل السماء.
* الأسرة الصغيرة والكبيرة: أحبكم. وأتمنى لكم الصحة والسلام.
* دور النشر: كتبي أمانة، وحقوقي أمانة
* النقاد: أنتم كشافو الحقيقة العميقة لما أكتب، أتعلّم منكم، وأنتظر منكم الكثير. فكروا معي.
* الصفحات الأدبية: اعطوها لمشرفين مقتدرين أصحاب تجربة ومشاريع قادرين على تحكيم المواد
* القارئ: لك أن تشتغل على نفسك بالقراءة والتثقف في كل مجالات المعرفة ومعاشرة الآثار الفكرية لتنشئ علاقة جذرية ليس بالحكي فقط بل بالفعل الجذري التي تكتب من أجله الرواية وهو إعادة الخلق والتسمية.
* الكاتب: العابر الهائل بنعال من ريح مثلما قال صديقي آرثر رامبو.
* النوافذ الإعلامية على اختلاف مسمياتها: اتقول الله في الإنسانية، إنكم سمّ ورماد، إنكم مجرمون.
Discussion about this post