قصة قصيرة
الجريمة الكاملة
حين اتصلت الزوجة بالشرطة تستنجد بهم؛ وصلوا على الفور.
كان الزوج غارقا” في دمه على فراشه، لم يتضح وجود أية علامات تدل على مقاومة أو عنف.
نصلة السكين التي قتلت الزوج؛ كانت تعرف هدفها بالقلب بشكل دقيق. غُرِزت بحقدٍ واضحٍ.
أكد ذلك الطبيب الشرعي حين فحص الجثة؛ أن القاتل لم يكن يرتجف، ودليله عمق الجرح وسعة قطره الملفت.
حين استجوبت الشرطة الزوجة، التي كانت نائمة بالغرفة المجاورة ليلة الحادثة؛ نفت سماعها أية حركة أو صوت لأنها كما ادعت؛ شربت المنوم وغطت في نوم عميق.
وعندما سألها المحقق عن ولديها الكبير والأصغر، أجابت بكل ثقة؛ أنهما سافرا صباح اليوم الماضي إلى العاصمة، لإجراء بعض الأعمال الإدارية في السفارة الألمانية.
كانت الزوجة واثقة من نفسها جدا”، وهي تجيب على أسئلة المحقق.
يعتريها الحزن، وتتساقط من عينيها الدموع، من هول الفاجعة التي ألمت بزوجها، وحاولت بجسارة، وضع المحقق في صورة كل الأمور التي تعرفها عن زوجها، كونها فوق مستوى الشبهات، وبعيدة عن الانكسار.
ولم تتضح عليها معالم الانهيار.
ولدى استجواب المحقق لأخ القتيل؛ كان أكثر شمولية في طروحاته، التي لمح فيها عن سوء العلاقة والتفكك العائلي والخلافات الدائمة بين أفراد أسرة أخيه، ونفى نفيا” قاطعا” وجود أعداء، أو خلافات بين أخيه وبين أي أحد على وجه البسيطة، فأخوه مسالمٌ لأبعد الحدود.
توسع المحقق بالتحقيقات، بعد إجراء مراسم دفن الجثة، وشملت بعضاً من الجيران والأصدقاء.
كانت خيوط الجريمة المحبوكة بعناية، تتقطع مع أي مشتبه به، فالجاني دخل البيت دون إحداث أي كسر أوخلع، ونفذ جريمته بكل هدوء وحرص، وخرج دون ترك أي أثر، مما حير هيئة التحقيق، التي طُلب منها التوسع أكثر بالتحقيقات، لمعرفة الجاني، ولمنع ضياع حق المجني عليه.
لم يكن أولاد القتيل بمنأى عن التحقيقات، فكل مجرم بريء حتى تثبت إدانته، لذلك خضع الولد الكبير والصغير، كلٍ على حِدة أمام المحقق للاستجوب، لكنه لم يصل معهما لأي نتيجة تذكر .
وتأكد من بطاقات السفر، والفندق الذي نزلا به، وتاريخ المغادرة، والعودة، وكذلك تم الاتصال بالسفارة الألمانية، التي أكدت حضور الولدين الموعد بالمكان والزمان المحددين.
ولدى عجز التحقيق عن الوصول إلى هوية المجرم، وفك طلاسم الجريمة، والتفكير الجاد بإغلاق التحقيقات، وطيها ضد مجهول، ومع تدخل أخِ القتيل وطلبه متابعة التحقيقات، وعدم إغلاقها، من أجل للوصول إلى الحقيقة وتنصيب العدل.
وفي ظل هذه الضغوط، والإلحاحات؛ استدعى المحقق الابن الصغير للوقوف معه على بعض التساؤلات، كتحصيل حاصل، ولذر الرماد في العيون، في آخر مراحل التحقيق، ولعدم إعطاء النيابة العامة أي ذريعة لاتهام التحقيقات بالتقصير.
_ نهار الحادثة؛ وصلنا أنا وأخي إلى العاصمة، واستأجرنا غرفة في الفندق، وكنا أنا وأخي معا” في الفندق، ولم نفارقه أبدا”، لكنني أحسست ببعض التعب والإرهاق الشديدين، واستلمت لنوم عميق، وتركت أخي الكبير يقلب قنوات التلفاز، ويتصارع مع جهاز التحكم بعصبية مفرطة، لم أعهدها منه قبلا”، ولم أتوقف عندها، وطويت صفحة ارتباكه وشروده الملفتين، كوني عانقت فراشي ونمت. وعندما استيقظت قبل الفجر، لشرب الماء وقضاء حاجتي؛ لم أر أخي في فراشه المجاور لي، ولا في أي ركن من غرفة الفندق .. استغربت في نفسي، وتابعت الحلم المزعج، الذي تواصل مرة أخرى مع مخيلتي، وكان أسوأ منام شاهدته في ليالي حياتي.
هذه الكلمات قالها الابن الأصغر، وقفل.
عدل المحقق من جلسته، وتنفس الصعداء، وصرف الأخ الصغير، وطلب من مساعده جلب الأخ الكبير، ليضع معه النقاط على الحروف، ويقدمه للعدالة لينال الجزاء المحتوم، فعدالةالسماء أبقى وليست هناك جريمة كاملة.
Discussion about this post