سيد العاشقين وزنوبيا المؤلف والموزع الموسيقي الكبير حسين نازك ( أبو علي الحبيب ) في قلب الله .
القدس 1942– دمشق 2023.
** منذ أن علمت بتدهور حالتك الصحية ودخولك العناية المركزة ، بدأت أستعيد ذاكرة الفرح لدي عندما كنت أذهب في مطلع ثمانينيات القرن الماضي بصحبة بعض تلاميذك من زملاء المسرح المتدربين على يديك إلى مقر فرقة العاشقين التي أسستها وكنت مديرها ، فتسحرني حماسة أداء المغنين والراقصين في طقوس شعبية أنيقة أزيائها الملونة ذات الطابع الفلسطيني ، وكم كنت أحسد أصحابي الذين جالوا مع الفرقة بإشرافك إلى مختلف المحافظات والمدن السورية والأقطار العربية والكثير من دول العالم كسفراء لأجمل العروض الفنية الغنائية المنوعة ، وكذلك الأمر عندما كنت أذهب إلى مديرية المسارح والموسيقا بهدف تسليم مادة نقدية لـ ( مجلة الحياة المسرحية ) أو قصة قصيرة للأطفال لـ ( مجلة أسامة ) أو نصاً مسرحياً لـ ( المسرح القومي ) وفي كل مرة أصل فيها الطابق الأول لا بد أن يصل إلى مسامعي موسيقا فلكلوية وشعبية أو ملحمية تراثية ووطنية ، وفي بعض الآحيان أسترق النظر إلى داخل قاعة تدريب فرقة زنوبيا فأدهش بما كنت تلقنه للمتدربين من أصوات غنائية وعازفين وراقصين .. إلى أن سنحت لي الفرصة حضور بروفة جنرال إحدى الحفلات التي كانت ستقام على خشبة مسرح الحمراء بدمشق ، ولم تأخذني ألحانك وتوزيعك للغناء والموسيقى إلى فضاء آخر مع حركة الراقصين وطريقة الطقس الذي وضعت الفرقة فيه وحسب ، بل أخذتني الدهشة في سؤال : كيف استطعت على المليء أن تعزف على عدد من الآلات الموسيقية تباعاً ، وبمهارة ليس لها مثيل ، وبعدها صرنا أصحاباً لكن بقيت علاقتنا شبه رسمية في لقاءات دائرة الموسيقا أو استوديو الموسيقا في إذاعة دمشق أو في حضورك المتكرر إلى مكان عملي اليومي ( مديرية الإنتاج التلفزيوني ) لمتابعة أعمالك للألحان التصويرية التي كنت تقدمها للمسلسلات المحلية ، والتي لا تخلو تلك الجلسات في نديرية الإنتاج أو نقابة الفنانين أو مديرية المسارح من مشاركتك أحاديثك عن الوجع .. الغربة .. الشجن .. الحب الذي عانيته معه الكثير من سنوات حياتك .. شغفك مع العديد من شركاء الدرب في تطوير ونشر الفنون التراثية والشعبية الوطنية التي كان لك الفضل الكبير في تطويرها ونشرها وباعتراف الكبار من المفكرين والنقاد والموسيقيين ، و هل ننسى أنك العضو البارز في المكتب التنفيذي للمجمع العربي للموسيقا، وعضو مجلس الموسيقا الدولية، وعضو الجمعية الأميركية للملحنين والناشرين. كما حصلت على عددٍ من الجوائز، منها: الجائزة الأولى لأفضل توزيع أوركسترالي لنشيد وطني (بلاد العرب أوطاني)، وجائزة أفضل استخدام موسيقى للتراث العربي من مهرجان قرطاج 1980، وجائزتين ذهبيتين من اليابان لأفضل عرض موسيقي ياباني من موسيقى غير ياباني.
** الكبير حسين نازك .. أعرف أنك صارعت المرض كصراعك لسر وجودك مبدعاً وعاشقاً للفن والحياة والمرأة .. وأعرف أنك عندما كنت تدخل في كل مرة استوديو الموسيقا في إذاعة دمشق كنت إضافة بارزة في قيادة الألحان وتوجيه الأصوات والآلات الموسيقية .. وكم من مرة سمعت الكبير الراحل صباح فخري يطربنا في الحديث عنك وقد غنى من ألحانك ، وأيضاً الراحلين مصطفى نصري وسمير حلمي اللذان غنيا أجمل ألحانك وكذلك الأمر الفنان الشامل نعيم حمدي ، والفنانة فاتن مصطفى وغيرهم الكثيرين ممن أنشدو ألحانك العذبة ، أما الموسيقار الراحل عبد الفتاح سكر ( أبو روحي الحبيب ) فقد شهد مرات عدة أهمية إبداعك ، وكذلك الموسيقار الراحل الكبير سهيل عرفة ( أبو عادل الغالي ) الذي ردد رأي خاص واستثنائي في أعمالك وهو كما يعرف الجميع لا يمكن أن يحابي في الشأن الموسيقي ، وأيضاً الملحن الراحل إبراهيم جودت الذي طلب منك مرات عدة مشاركة بعض الأصوات التي يهتم بها ، أو الملحن الراحل رياض البندك الذي اهتم في أسلوب ألحانك .. وكذلك الأمر أستاذنا الموسيقار الكبير أمين الخياط أمد الله بعمره الذي أنصف تجربتك وأعمالك مشاركاً الرأي الراحل المبدع أسعد خوري في تقييمه للتوزيع الموسيقي الذي تتفن بمفرداته في الأعمال الوطنية والحماسية ، وكم كنت أمعن النظر والتفكير حين كان الشريك المشترك الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل خالد ابو خالد يتحدث بنبرتك الفلسطينية عن عبقرية فنك الخالد والألحان التي أنجزتها ببراعة لأشعاره.
وهل يغيب اليوم عن ذاكرتي كيف كنت تشرح تفاصيل من وحي روحك حول تأليفك الموسيقي للأعمال التاريخية وعلى سبيل المثال ( هارون الرشيد أو بهلول أعقل المجانين) أو البيئية التوثيقية مثل ( حمام القيشاني ) ، أو طريقة تفكيرك مع موسيقا حلقات مسلسل الأطفال الشهير افتح يا سمسم التعليمي الهادف ، وغيرها من المسلسلات التي أنجزت لها الموسيقى التصويرية والألحان ، أو طريقة مناقشتك موسيقا وألحان العديد من الأعمال المسرحية للمسرح القومي وغيره من أعمال مسرحية محلية وعالمية ومنها مسرح العرائس ، كما أن مؤلفاتك الخاصة بالأطفال حظيت مكانة متقدمة في ألحانك للشارات الموسيقية للعديد من مسلسلات الكرتون المدبلجة .
** تحية وفاء ..
إلى روح المؤلف الموسيقي والملحن الفلسطيني الكبير المولود في القدس في عام 1942 والمكرم ضمن أيام الثقافة السورية في دمشق عام 2020 والحاصل على لقب شخصية العام الثقافية لعام 2023 والتي تعلن عنها وزارة الثقافة الفلسطينية كل عام بمناسبة يوم الثقافة الوطني.
إلى روح من تتلمذ على يد الموسيقي يوسف خاشو ثم هاجر نتيجة حرب 1967 من القدس إلى العاصمة الأردنية عمّان، حيث تتلمذ هناك على يد الموسيقي يحيى السعودي ، وفي عام 1969 انتقل إلى سوريا الحبيبة، حيث استقر في دمشق.
إلى روح من أسس فرقة العاشقين عام 1976، وكان مديرها منذ التأسيس حتى 1985، كما أسس فرقة زنوبيا القومية الحديثة، وشارك في تلحين النشيد الوطني الفلسطيني عام 2005.
إلى روح من تولى في عام 2015 مهمة إحياء وجمع وإعادة تأهيل التراث الفلسطيني الفلكلوري المكتوب والمسموع والمرئي كمدير تنفيذي للمشروع من قبل المنظمة العربية التربية والثقافة والعلوم.
إلى روح من ساهم في إنجاز موسيقا وألحان حفلات الافتتاح لأربع دورات رياضية في سوريا وهي دورة الألعاب العربية 1976، ودورة الشباب العربي عام 1981، والدورة الأولى للقوات المسلحة عام 1983، ولوحة من حفل افتتاح دورة المتوسط 1987، ووضع موسيقا عشرين مسرحية للمسرح القومي السوري والمسرح الوطني الفلسطيني.
إلى روح من لحن الأغنيات الوطنية التي تغنت بمدن فلسطين من كلمات الأديب ناهض الريس.
إلى روحك الطيبة النقية الصافية الموسيقار الكبير حسين نازك تحية وفاء وسلام .. تغمدك الله بواسع رحمته وأسكنك فسيح جناته .. ذكراك باقية لن تغيب على امتداد السنوات والأجيال .. تعازينا القلبية لأسرتك وكل محبيك .
Discussion about this post