النظام الزمني في القص القصير
أنموذج له /الساعة الخامسة فجرًا /
قراءة بقلم
الأديب القناوي / د. عبدالرحيم خير
لنص * الساعة الخامسة فجرا *
للأديبة السوهاجية / إيمان على عبد الهادي
………………………..
النص
الساعة الخامسة فجرا
الساعة الآن الحادية عشرة، مازال منكبًا على جهاز الحاسوب يتناول بين فينةٍ وأخرى إحدى الأوراق المكدسة أمامه، وضعتُ كوب عصير في متناول يده، قال دون أن يلتفت إليّ:
ـ أحتاج فنجانَ قهوة.
ـ بل تحتاجُ لبعض الراحة.
ترك ما في يده وواجهني بنظرةٍ طويلة طوقتني بالحيرة، ثم تابع عمله وقبل أن أخرج من باب الغرفة رماني بتلك الكلمة التي مرقت كالسهم لتقتلع القلب من موضعه؛
ـ سأتزوج.
نظرت إليه وابتسمت قبل أن أتجه إلى غرفتي، لم أتحدث معه ولم أسأله لماذا؟.. من الواضح أنه اتخذ قراره.
منتصف الليل..
أتقوقع في مكاني دون حراك أتطلع إلى صورتنا الأولى بينما رأسي يموج بأفكارٍ وقراراتٍ متضاربة، وكلما زكى شيطاني فكرةً ما تردها فكرةٌ ثانية
الساعة الواحدة صباحًا..
كل شيء هادئ إلا داخلي بركان تثور أمواجه دون صوت، ما أقسى الليل حين يحملُ فوق كتفه الذكريات ليُلقيها بين أيدينا في لحظة وجع، لملمتُ شتاتي و بِتُ أرصد كل أخطائي طوال أعوامٍ مضت، لم تكن الكفة ثقيلة مقابل ما تحمّلته لنصل معًا إلى هذا الشاطئ.
الساعة الثانية صباحًا..
الأرق ضيفي المعتاد بل قريني الذي يلازمني طوال الخمسة أعوام الأخيرة، كل ما قرأته عن أزمة منتصف العمر، إرهاصات المستشارين النفسيين، يتخذ موضعًا داخل حدود رأسي ليبدأ الصراع بين قناعتي عن الحب كدرع واق وبين نظرياتهم.
الساعة الثالثة صباحًا..
تأخر الكروان اليوم، خرجت إلى الشرفة أبحث عنه وعن بعض السلام فلم أجد غير الصمت الذي احتل كل المساحات بيننا، أغمضتُ عينيّ وعدت للوراء.
الساعة الرابعة..
اقترب الفجر، تعالت زقزقة العصافير تردد وردها، تذكرت أصوات صغارنا عندما تسامرهم أو تبدأ مع أحدهم لعبة الشطرنج، كيف تقبّلت هزيمة أرواحهم عندما تخبرهم بالأمر، هم يفتقدونك الآن فكيف إذا ذهبت، يتخبط البركان في صدري يوشك أن…، تراتيل الفجر ترسل نسائمها تمسح على قلبي، أتوضأ.. ينساب الماء، أتنسم هدأة صلاتنا الأولى، أمسح على رأسي فيهدأ كل شيء إلا من نشيج لحظة متمردة تردد حديثك القديم « أ ح ب كِ »، يحتويها صوت المؤذن تحت عباءته المقدسة، أسجد… تسيل دمعة تجرف معها كل شيء إلا كلمة واحدة.
الساعة الخامسة..
قطرات النور تنساب عبر النافذة إلى قلبي، أغمضتُ عيني وأنا ألقي كل الفكر جانبًا وأتوكأ فكرة وليدة تضحك في أنانية مطلقة.
إيمـان علي..سوهاج في ١ يونيه ٢٠٢٣
……………………………………….
القراءة
………………………
لا شك أن تشكيل النظام الزمني في القصة القصيرة، وحسن توظيفه كأحد عناصر النص يرجع إلى قدرة الكاتب ومهارته وذلك بأن يختار الكاتب التقنية المناسبة لبناء النص من بين تقنيات متعددة كالقطع والاختزال، والقفز والتداعي والانثيال الحر للأحداث، وهو النظام الذي اتبعته الكاتبة في قصتها “الساعة الخامسة فجرًا” ، ورغم أن تقنية التتابع والانثيال من التقنيات السردية الكلاسيكية والتي يؤخذ عليها الرتابة والملل في سرد الأحداث إلا أن الكاتبة قد استطاعت كسر رتابة التتابع بجعل الزمن عتبة لتداعي الأحداث وترابطها ترابطا جعل الزمن مقدمة ونتيجة في آن، وهو ما يؤكد قدرة الكاتبة ومهارتها في التحكم بالخيط الزمني تحكما جعلنا نستشعر أثره في سرد الأحداث وارتباطها بوعي البطلة ونظرتها للحياة وتحليلها للأحداث والذكريات، كذلك قدرة الكاتبة على استدعاء أحداث الماضي وذكرياتها فتشكل زمن جديد يمكننا أن نطلق عليه إن صح التعبير ” زمن اللحظة ” أصبحت فيه كل الأحداث رهينة لحظة التفكير، تدور في فلكها، تتمخض عن نتيجة تسلم إلى ما بعدها في تتابع وتسلسل أفقد الزمن معناه، حيث تداخلت الأزمنة بما تحمله دلالة كل منها؛ الماضي بذكرياته والمستقبل بأحلامه والحاضر بآلامه وصراعاته، وهو ما انعكس على شخصية البطلة لتتفاعل مع هذه الصراعات النفسية / الحياتية؛ في توقيتات مختلفة لا تعبر عن التتابع بقدر ما تؤكد على تداخل الأحداث وعلاقاتها المتشابكة، وقد تمثلت هذه الصراعات في صراع نفسي كان منشأه معاناة البطلة مع ذكريات وأحداث قديمة/ جديدة مختلطة و متباينة عبّر عنها هذا الوصف الرائع لحالتها التي جمعت المتناقضات السكون/ الحركة، الصمت / الصراخ، البرودة / الغليان، فكانت البطلة ساكنة وتدور برأسها عشرات الأفكار والأحداث والذكريات وقد جاء في النص” كل شيء هادئ إلا داخلي بركان تثور أمواجه دون صوت”، وصراعات أخرى حياتية مع الزوج الذي اتخذ قرار الفراق دون رجعة غير مفكر في ما يعقبه من تبعات، على الأطفال “هم يفتقدونك الآن فكيف إذا ذهبت”، وصراع آخر مع الحياة والمستقبل، والمجتمع بأفكاره ونظرته لامرأة مطلقة، الفكرة التي لن تفارق خيال البطلة في حياتها القادمة..” أغمضتُ عيني وأنا ألقي كل الفكر جانبًا وأتوكأ فكرة وليدة تضحك في أنانية مطلقة” ومن بداية القصة حتى النهاية ظهرت أهمية الزمن كأحد أهم عناصر النص، بداية من عتبته الأولى؛ العنوان ” الساعة الخامسة فجرًا” وما يثيره من تساؤلات ويلقي به من ظلال، مرورا بكل المحطات” الزمكانية” التي تدور فيها الأحداث بشكل متصاعد مأزوم، مرورا بذروة الأحداث حتى النهاية، خلال هذه المحطات بدا الزمن تعاقبيا مرتبا ترتيبا دقيقا يغلفه وصف دقيق جعل الأحداث تتنامى في وعي الشخصية الرئيسة/البطلة فكان الليل من بدايته إلى بزوع الفجر شاهدا على مأساة واقعية لحياة زوجية بدأت بالحب وانتهت بالإهمال والانفصال.
نص بديع تميز بجمال السرد والتنقل الرائع والقفلة المدهشة، أطيب الأمنيات بدوام التوفيق والإبداع أستاذة إيمان على عبد الهادي
عبد الرحيم خير…قنا في ٣ يونيه ٢٠٢٣
Discussion about this post