التوأمة بين” روح الطبيعة وروح الإنسان ”
قراءة لنص ( حدس) للأستاذ سليمان جمعة
——————————————————–
“الحدس” في الفلسفة يشير إلى نوع من المعرفة التي لاتستخدم المنطق أو الاختصاص ، كما أن أغلب حالات الاتصال الروحي تنشأ من خلال التخاطر ، فقد تسمع صوت قريبك/ صديقك / حبيبك/ في عقلك ، وقد يكون الاتصال ثنائياً…
هذا في علم النفس …
هنا في النص الفلسفي الروحاني للأستاذ سليمان:
( التواصل ) حدث بين روحين الأولى تحت التراب منذ عام ( الزوجة الحبيبة المتوفاة ) والثانية فوق التراب ( الزوج الحزين الفاقد الوحيد ) ، فالاتصال هو حدس يخضع لعالم الروحانيات التي تتلاقى مع الذكريات والتذكارات ( حب أمكنة / طبيعة تشاركت لحظات لقاءات سجلتها أشجار معمرة باسقة )…
رؤية الشجرة الطيبة وذكرها / دلالة على الأعمال الطيبة والصالحة التي قام بها الإنسان في حياته…
وهنا استشهاد الاستاذ سليمان في النص” بشجرة الجوز” الكبيرة المعمرة والتي أخفت تحت تربتها” صرة التذكارات” ( أبهة الحياة المشتركة وجماليتها) …
المفارقة هنا أن استمرارية هذه الحياة مع ذكريات ألفها الزوج الفاقد جعلته يحرق هذه الصرة ( عادة / أو موروث ديني عند فئة معينة ) حيث تقول أن نثر الرماد / خلاص روحي للميت/ هنا هو راحة للحي وانتشار لعبق المفقود في حديقة ماهي إلا حديقة الحياة ، تنشر عطرها وروحها وصوتها لتعبق حياته وتخلّصه من الوحدة …
الأسلوبية ونجاعتها في النص :
________________________
*اعتماد مفردات الطبيعة تسكب عبقاً خاصاً يتميز فيه أستاذنا عن غيره ( الطريقة الجبرانية الفلسفية في التناول) .
*أجد هنا استعمال الرقم خمسة / “خمس خطوات ” تركيز على الخطوات الخمس التي يجتازها الانسان لينجح في مسعاه وهنا قد نجح وصدق حدسه وتركزت حاسته السادسة …
*نص وجداني مفعم بالمشاعر مكتنز بالصور الشعرية والمحسنات البديعية المدهشة فعلاً والتي هي سمة من سمات أسلوب الأستاذ سليمان…
*الأسلوب “البطيء حركة” والذي يناسب شعور ( الحزن / الفقد / الألم / الأمل / الترقب) :
وكمثال هنا الاستهلال الجميل جداً ( كان الشك يتهمني بالجهل والانقياد للخرافة، أحاوره فأغلبه..فأتقدم..ويغلبني فأتراجع أريد العودة).
*الصرة السوداء / الذاكرة الحزينة الفاقدة المتألمة…
نص مميز جداً روحاني يعانق عمق النفس.
ريم
_____________________________
النص:
——–
حدس
———
ببطء اكملتُ سيري على الطريق الذي يقود الى شجرة الجوز الكبيرة ؛كان الشك يتهمني بالجهل والانقياد للخرافة .احاوره فاغلبه..فاتقدم..ويغلبني فاتراجع اريد العودة
ولكن حدسي كان ملحاحا وشديد الضياء…ان قم واذهب الى شجرة الجوز الكبيرة –لايوجد غيرها في قرية الملول–هناك على بعد خمس خطوات ،ناحية الشرق،احفر بيديك ستجد شيئا يخصك !!
خطوت خمس خطوات ….حفرت …انها صرّة سوداء؛
فلشتها
نعم ،هي أغراض تخصني كنت قد أهديتها لها ؛حملتها بيدي وعدت ادراجي تلفني الحيرة ويضيئني اليقين ..وتتدفق عليّ الاسئلة دون ان تجد لها جوابا سوى خفقان القلب بحب مفيم.. كان قد غادرالدنيا منذ سنة ,.لم اشعر برغبة في القعود تحت الشجرةكما كنا نفعل
ادركت وانا امسح عن خدي بعض الدمع ، وعلى مرأى من الشمس، انها تريد ان تقول لي وهي في عالمها السماوي :انني معك !
وهذا جوابي على كلماتك في ذكرى رحيلي الاولى !
والا ما الحدس يزورني ..ويصدق.
هي لا تريد لأشيائي ان يعثر عليها النسيان او الفناء .
مضى وقت وانا انظر في اغراضي وهي تقرأ عليَ ذكرياتنا …وانا اردد معي ما اجمل ان يكون لك قلب في السماء يحدس لك من نعيم ..وما اصعب ان يكون لك قلب يرميك في الكوابيس كأنه يحدس لك من جحيم!!
وعلى غفلة من حزني الهادئ وضعتها في صرة جديدة ،ثم احرقتها وذروتُ رمادها في كل الحديقة حيث كنا نجلس دائما
وهكذا،كل صباح،صرت اسمع تراتيل قدومها تملأ المكان تحدس لي بحكاية من حكايانا تتفيأ الاشجار معي وتهمس بعطرها لاطياف وحدتي طالما ان همسها لم ينه زيارته…
سليمان جمعة
“من قرى الملول”







Discussion about this post