النقد على النقد
فى الرد المذهل..على قراءة حمد الحجي..فى الميتاترسل رواية~ غالية~ لهند الزيادى
اولا كان على صديقى الاستاذ ~حمد ان يشرح لنا كلمة “ميتا” قبل الإبحار.والغوص فى بحر رسالته…كما شرح بعض الآلفاظ الأخرى
ميتا: هي كلمة يونانية الأصل المقصود بها مابعد..او (وراء)، وهي كلمة تسبق كلمة او مصدر تفيد الانتقال من شئ لآخر..وترد عاذة امام النظريات العلمية..او مصطلحات معينة
هذا من ناحية تفسير المصطلح
ام فى هذا العمل الراقى لحمد حجى.فهو مصطلح على الاغلب ابتدعه صديقنا..كمدخلا لقراءته
التى كانت شاملة…وكعادته اتحفنا بالبناء الهندسي المعمارى لنصّه.مزيّنا ايّاه بالبديع من..الاستشهادات…والمصطلحات..
فهل كانت القراءةمتماهية مع العنوان وخاصة اذا علمنا أن العنوان..او مايكتب على الصفحة الأولى هو بمثابة تعريف بجنس الأثر..؟؟
للإجابة توجّب..ان اقدم تقديما طفيفا..لتطور فن الرسالة..
واراء بعض الادباء وكيف كان تعاملهم مع هذا الشكل..متوازيا مع ردى هذا..سأبحث فى هذه الدراسة من خلال ما قرات وناقشت مع صديقى الحجي .فى بعض.مقاطع من الرسائل تداولناها معا على مايؤكد ان الرواية من حيث انها شكلا ادبيا منفتحا..هى حسب اعتقادى هى متممة لتلك الرسائل.وهذا رايي انا
…حيث ان الرسائل..هى من سهلت هضم الرواية..فيكون العمل هنا تكاملا وليس انفتاحا بين الرسائل والسرد
لا يخفى عن اهل الأدب ومتابعيه
انى لاأضيف شيئا ولن أضيف اذا تحدثت عن ادب الرسائل..فأكون كمن يسكب قربة ماء في صحراء…فالمعلومات متوفرة اكثرمن الطلب
اذا اقول هو شكل قديم تطوّر مع تطوّر الحياة فى المجتمع العربى..بداية من ظهور الرسالة المحمديّة«..ياايهاالرسول بلغ ما انزل اليك من ربك..»..كلمة رسالة وجدت فى النص القرانى بمعنى التبليغ..ووجدت بمعنى الإرسال
«..وانى مرسلة اليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون.ّ».وبمعنى الكتابة والكتاب..
.«….اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم ثم تولى عنهم فانظر ماذى يرجعون..»
ثم تطورت ككل الأشكال الادبية الأخرى.. وتطور الحياة كبروز الدواوين والرسائل الأدبية..والمكاتيب والكتّاب..الذين استعملهم ولاة الأمور فى ذلك العصر..حتى أخذ زخرفه والزيّن فى القرن الثالث والرابع هجري…
ثم تبلور الى ادب له اسسه واشكاله
فكان الجاحظ فى ..التربيع والتدوير..
وغيره كثر
الى عصرنا هذا…مثل( زهرة العمر) لتوفيق الحكيم..او (رسائل جبران.).او (غسان كنفاني)
ولكن كيف كان التعامل مع هذا الشكل؟
بحث~ المقدسى انيس ~فى هذا ليصل إلى ان اغراض الرسائل متنوعة ومختلفة لكنها تتفق فى الشكل اى فى الأسلوب النثري..
وكذلك~..عزيزة الطائي.~.وفايز عبد النبي~..كلهم بينوا ماسبق ذكره..
ثم احجم النقاد عن تناول هذا الغرض بالبحث والتمحيص…وتبيان روح الإبداع فيه..وانه ادب يتجاوز تلك الفكرة الضيّقة..
نعود الى الميتا ترسل فى غالية
وقد حوت الرواية اكثر من ستين رسالة..قد وضفتها الراوية لخدمة العديد من اغراض هذا الأثر ومنها غرض نفسي بامتياز..ينطلق من شخصية الصحفى..وهى شخصية مزدوجة حسب اعتقادي..سمحت لها الراوية ان تلعب دور الباحث والمتتبع لخطى الجريمة..فتفك شفرتها..وتصل الى حل اللغز..وهى شخصية مبطنة تمثل الضمير…او الوعي..او الراوية فى العديد من الأحيان
وهنا تكون الراوية…عكس ما المح اليه الاستاذ الناقد
~ حمد حجى ~من انها خالفت اسس ادب الرسائل فى بعض مظاهره…فلا يخفى على متتبع فطن ان بعض الرسائل كانت طريقة لتعبير عن ممنوع او مكتوم بحكم العرف او فهم للمقدس،
فالراوية حسب اعتقادي ايضا وضفت الصّحفى..للتعبير عن ازمات نفسية واجتماعية..لكن بطريقة مغايرة لما عهد فى الرسائل القديمة
حيث ان الراوية لم تتخفّى لاجل رهبة من تقليد او مقدس..ولكن ابرزت شخصية ملأتها بكل المعانى المنشودة..والاشكاليات المستعصية..لتطرحها بشكل مغاير.
فكانت الرسائل معبرة عن ذلك الانسان فى مرحلة النضج حيث يعود للنّبش فى الماضى واحداثه واستنطاق للذاكرة فيرجع بالزمن الى خطواته الاولى «جرار جينات» فيجيب هو فى لاوعيه باسم ذلك الطفل« فرويد» او المراهق او الشاب اجابة تختلف عن قراراته فى الزمن الماضى..بلوعة وحزن واعتراف يطفؤ نار الألم..والحسرة
هذا من حيث المضمون..
ام الغايةمن هذا النقد لقراءة الحجي
هو ان تلك الرسائل التى تمازجت مع احداث الروايةكانت فى حاجة ملحّة
لان يفتّش …الحجى.. فى مواطن الجمال فى تلك الرسائل من حيث انها بذاتها شكلا ادبيا يحتمل الإبداع..فضلا على انّها طريقة أو وسيلة ضمّنتها الرّاوية بعد انتهاء كل فصل..لغاية ادركناها
ان القارئ الناقد لتلك الرسائل بمعزل عن الرواية حين يجتثها من زمن.ومكان ..غالية..
يجد نفسه اما نص ادبى بامتياز فيه كل الأسس..من خطاب..وحوار وشخصيات.واحداث وحبكة وقفلة تنتهى بالكشف عن الجريمة موضوع البحث
ولكنها فى المطلق والمنطق الفلسفى هى الكشف عن الجريمة الكبرى فى حق الانسانية وفى حق الكادحين والمستضعفين..
ان استخدام ضمير المتكلم..واستنطاق الشخصية الحاضرة الغائبةالمتمثلة فى الإبن حيث جعلت الراوية النص غني بالحركة رغم بطءها فى تنقل حركة الزمن من الحاضر الى الماضى..فكان مثلافى (لاسترجاع..) يخاطب الاب ابنه عن تقصيره تجاهه وتجاه الاسرة فى الزمن الماضى واعتراف يريح'( المذنب)من ثقل ينوء به كاهله فيصبح النص..جلسة محاكمة بين الصحفى ونفسه فى مشهد مسرحي يتجاوز الخشبة ليحمل القارئ المشاهد الى ذات الصحفى..فيلتحم بها ويعيش معها حالة الاعتراف..والحزن..لقد تماهت الرسائل..مع اجداث الرواية ووضفتها توضيفا ذكيا
وفيه اشارة إلى قضية اجتماعية تثيرها الرسالة..فى ومضة تبعث فى القارئ رسائل مبطنة عن واقع بعض الاسر وما يتسبب فيه ذلك الإهمال من مآسي وجب التفطن اليها والتنبيه لها
و يجيب هو..بأنه لن يتلقى الإجابة من إبنه فى حاضره ذاك..وهو يتأهب بتؤدة الى المستقبل..لمواصلة البحث والكشف وهذا هو الاستباق
فالرسالة وان لعبت هذا الدور المتوازى مع الرواية وكملتها إلاّانها…بناء معماري خاص..فيه كل مقوّمات الشكل الادبى ليس من حيث انه رسالة ولكن من حيث انه نص ادبى: بلغته..وحواره..وسرده فهو يمثل حالة انتشاء بمفرده..
كان على صديقى الدكتور.. الحجى ان يفردلنا
بعضا من مقاطع بعض الرسائل ويفتتها بأسلوبه التقنى..ويبين.لنا مكامن الجمال الادبى فى ادب الرسائل الذى لم يلقى حقه عند أغلبيةالنقاد..
هذه الملاحظات جاءت بناءا عن فكرة العنوان
الميتا ترسل…وكما بين الدكتور فى قراءته العميقة الشاملة واستشهد…بالأدلة والأقاويل على ان العنوان هو مكمن روح الأثر وفكرته
الا اننا نجد فى هته القراءة الإلمام بكل مكونات الرواية..وبناءها المعماري..من سرد ولغة وبلاغة وحوار الخ…واحداثها وتفاصلها
من حيث الروح والفكرة الشاملة لها
ولا نجد توضيحا للعنوان« الميتاترسل»
بل تجاوز الناقد العنوان وايحاآته…ولم يفردله الا بعضا من التوضيحات فى بعض الفقرات
واكتفى فى الخاتمة بفتح الافاق..والبحث فى هذا الغرض ادب الرسائل
حسب اعتقادى ان الرواية هى رواية نفسية اجتماعية بامتياز ان لم اقل أنّ فيها من النّفس العلمى والآكاديمى الكثير وهذا مابيّنته الراوية فى احدى مناشرها القصيرة على صفحتها حيث وضحت ان اصل هته الرواية..هى رسالة دكتوراه الا انها فضلت ان تجعلها قريبة من القراء..كما ان فيها من التلميحات ما فيها ومابروز..شخصية الكلب..فى الرواية الا ليبين عديد المعانى التى تنتاب الإنسان فى حال غربته فلربما لجآ الى الحيوان ووجد عنده الوفاء والامان…كما لجأاصحاب الكهف مستأنسين (بالكلب)
الذى لعب فى الرواية دورا رئيسيا حيث.حلّ لغز الجريمة..واماط اللثام عن مكان الجثة..فانحل العقد المأسوى..وتفشت الأسرار..
«وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ..»
فالصحفى كان وحيدا مع كلبه فى غربته وبحثه عن الحقيقة كما اصحاب الكهف ورغبتهم عن قومهم ففضلوا الكهف على مجتمعهم
..هذا بعضا من تلمحات هذا الأثرالذى كلما صافحناه نالنا منه عطر اخر…والنص حيّ بقرائه
..
وهى ايضا تندرج ضمن ادب الرسائل ولا أقول انها انفتحت فقط..على الأجناس الأدبية الأخرى ولكن على ذالك من حيث انها فعل ادبى هى رسالة فى شكل رواية…وتجربة فريدة رائعة فى فنّ الرسائل وهى باكورة رجوع الأدب الى شكل ابداعى هو ادب الرسالة..
لأنه لولا الرّسالة ماوجدت المذكرات واليوميات…وحتى التراجم الذاتية
لست ممن يتطاول على اساتذته مثل صديقى الدكتور ..حمد حجى.. ولكن مهمتى كناقد تفرض ان اكون موضوعيّا
فآلقراءة شاملة ممتازة وهذا ماعبّر عنه العديد من الأصدقاء من نقاد وأدباء
*فى الملاحظات..
كل قراءات الحجى…غنيّة ودسمة بالمصطلحات.والتقنيات..
مملوءة بالإستشهادات مما يجعلها وثيقة علمية اكثر منها ادبية. .وكل من مرّوا عليها يصيبهم نفح من تلك المعلومات فلا يغادرون فارغين
الا أنه وجب ان نبين ان القراءة هى لشكل ادبى فيه روح حتى ولوكان هذا الشكل فيه من الروح العلمية والبحثيّة…
فعلى القارئ الناقد ان يجعل قراءته قريبة للمتلقى يستسيغها..ويهضم محتواها
والا فإنها ستكون حكرا على طبقة ارستقراطية من المهتمين بالشأن الأدبى
ويحرم منها السواد الأعظم من القراء
~~~
على.الغير العادة فى القراءة
..اذكربعد هذا التحليل
ملامح الجمالية فى رواية غالية
هته الرواية هى بوابة عبور لكل الأجناس..والأزمنة..والمفاهيم..
والمواد فتعانق النّص النّفسي مع الوجودى مع التّاريخي فى الماضى ومع حركة الزمن استشرافا للمستقبل
فحطّمت الكاتبة كل القيود وعبرت بعيدا..خرجت من مربع (الصفا) المغلق..الى ‘(الهجين) وهذه استعارة لأحد مصطلحات صديقى حمد حجى واصبحت مركّبة متشابكة
كما مشاعر النّفس..واختلافها وفرحها وألمها..وسهوها.ووعيها..ولاوعيها هى مشرّعة على كل الأجناس والشّخصيات..
فشذت على القاعدة وتداخلت فيها..النّصوص..من رسائل…ثم خطاب..ثم شخصيات متعدّدة، مثل شخصيّة'( الكلب)فإقحام الحيوان يذكرنا بالتليد من الادب
..كليلة ودمنة..وهذا اعتبره تطعيم له دوره فى النّص ثم حوار باطنى..فثنائي بين الشخصيات
~حطمت الخط المستقيم للزمن فجعلته يتماهى والمعنى الذى تصبو اليه الكاتبة..استرجاعا للذكرى او بحثا عن المستقبل او شكّا وحيرة فى الواقع
اذا تحطّم البناء الدائرى للزّمن..كما تحطّم
الهرم دون ارتجالا واخلالابقواعد الإبداع فى السّرد التى حسب رايي لا أجعل لها مقياسا او سلّما..فهو نور يجلّى العتمة لدى القارئ فيستنير ويبحر فى اعماق الأثر.
شكرا لأستاذى ~حمدحجى~
وللمبدعة ~هند الزيادى~
Discussion about this post