الجزء الثاني من قراءات في النصوص الفائزة 2 – دوَّامة – مرح صالح
اِتَّسعَتْ دائرةُ الشكِّ؛ ارتدتنِي راحةُ البالِ..
تقاطعَتْ التُهمُ؛ انكمشَتْ المتاهاتُ،
حَشرنِي إصبعٌ في عمقِ الزاويةِ.
إن مصطلح الحشر في الزاوية يستخدم كثيرا في السياسة للدلالة على التضييق والعزل لإخضاع الآخر.
ومما قبل أيضا:
«إن حشر الناس في الزاوية الأخيرة لم يكن صحيحاً، ففي هذه الحالات يمكن أن تكبر أسنانهم وأظافرهم»
(عندما تحشر قطاً في الزاوية فحتماً سيُهاجمك)
تأتي ألفاظ: دوامة، الشك، التقاطع ، الانكماش المتاهات للدلالة على حالة التخبط والاضطراب.
ومايقابلها من حالة اليقين وراحة البال من الطرف الآخر الذي يحسب نفسه بعيدا عن الدوامة، وبالعودة للعنوان فالدوامة هي حركة لولبية تجذب الاشياء إليها بقوة.
الطرف السارد الذي يحمل ربما عقيدة واضحة لاتهتز، جاء في المتن: ارتدتني راحة البال ولم تأتي ارتديت راحة البال لأن في الأولى حالة حلول المطلق في النسبي والثانية هو ارتداء ثوب قد لايكون له، لذلك نستنتج أن الشخصية صاحبة حق ولا ترتدي راحة البال مخادعة، وهذا مايجعل الطرف الآخر الذي يحس بالاضطراب والشك يقحمه في قضيته محاولا التهرب وإبعادا للتهم التي تطاله وتلك ضريبة القرب من الدوامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2 – هَلاَك – أسامة محمد علي
عَزَّ الغيث؛ تيبست الْأَنْهَار.. جفْت حُلُوقهم، نَعَقَتْ اَلْغِرْبَان، أغْلقَتْ دُونهُم أَبْوَابُ اَلْهِجْرَة؛ طَارَدَهُم الضَّيَاع، اِسْتَسْلَمُوا لِلْمَصِير؛ جَاءَتْهُم البشري.. حِين تهلِّلُوا فَرَحًا؛ أَبْصَرُوا شر منتظر.. اَلدَّجَّال.
حين تشتد الأوضاع وتعتقد أن الخير قد يأتيك من وراء الحدود، تتفاجئ به في عقر دارك شرا مستطيرا .قصة في رأيي تحتاج تكثيفا أكثر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 – عناد – سعدالله نعمة
فتحت باب منزلي ، رفض ظلي الدخول ، دهسته سيارة عابرة .
الظل وما أدراك مالظل.
العناد هو المكابرة والمعارضة، الشخصية تهم بالدخول لبيتها، لكن ظلها يرفض، ماالسبب ياترى؟ هل المنزل لا يليق به أو لم يعد يليق به، والمنزل دلالة الاستقرار والأمان، وربما القيد، فهل عاند الظل لواحدة من تلك الاعتبارات أي أنه يرفص الاستقرار والأمان ومواصلة حياة التشرد، أم يريد العيش حرا ومن ثم عدم الرغبة في السجن بين أربعة جدران، تتعدد التأويلات لعدم وجود إشارات.
ثم تأتي القفلة ربما لتجيب وتصب في واحدة منها، فالظل المعاند دهسته سيارة عابرة، مات برصاصة طائشة، ميتة ربما لاتليق به.
تلك المبادئ التي تتربى فينا تموت في لحظة نتمادى في التصور بأنه لن يسعها مكان ونكتفي بالأحلام الزائفة بدل قولبتها في مشروع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- اِنْتِفَاء – محم ولد الطيب
دَلَفَتْ إِلَى اَلْمَاضِي، فَتَّشَتْ عَنْ سَلْوَى؛ تَلَطَّخَتْ ذِكْرَيَاتِي، وَيَوْم عَزَمَتْ عَلَى صَقْلِهَا؛ تَلَاشَتْ مَلَامِحَهَا تَحْتَ نَزِيفِ اَلْحُرُوفِ.
ليس أشد إيلاما من أن يبحث الواحد في ماضيه ما يفرحه ويذهب عنه حزن الغربة، فلايجد غير ذكريات باهتة ذهب بهاؤها، وكل محاولة لتلميعها هو غوص عميق في ألم قد يفوق ما هو عليه.
هو بكاء على الأطلال، لشخص منفي عن وطنه أو عن واقعه يجد نفسه منفيا عن ماضيه أيضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- قصف – عادل عبده بشر
كانوا سِتّة يلعبون الغُمَّيْضَة، دَفنَ أصغرهم رأسه في الجِدَار، وبدأ العَدَّ..
تفرقع المكان..
بعد أربعين ظُلمة فتح عينيه، تَلَفَّت بِاسْتِغْرَابٍ، أَطَلَّ من النافذة..
من بعيد لوَّحَت له شواهد القبور بخمس أصابع مبتورة..
تعلمنا ونحن صغار قصة العنزة والجديان السبعة، وكيف يختبئ الجدي الصغير لينجو
من أنياب الذئب الشرير، لكن ليست القصص تنتهي نهاية سعيدة.
الاختباء اللعبة يصبح إختفاء واقعا وأبديا، أجاد الكاتب استثمار تيمة التخفي في لعبة الغميضة وربطة بالموت.
نص جاء ليتحدث مرة أخرى عن ويلات الحرب، التي لطالما ذهب ضحيتها أطفال همهم الوحيد أنهم ولدوا في وطن رفض الكبار وجودهم وهم لم يختاروه كما لم يستأذنوا حين قرر أحدهم أن رحلتهم لن تطول أكثر من عملية عد في لعبة غميضة.
لا أعلم إن كان لرقم ستة دلالة معينة، لكن لو كنت صاحب النص لجعلتها خمسة وتغيير القفلة بحيث تكون: تفحص يده فلم يجد غير إصبع واحد ويبقى رأيا شخصيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- حدث في – ماجدة قلفة
سترَ عورتهُ بورقةٍ ، صفّقوا له مبهورين، أحدثَ صيحةً بعالمِ الأزياءِ.
هل هي صرخة في وجه الواقع المر الذي بتنا نعيشه أو استشراف لما سيحدث؟
أضحت القيم الخلقية في مهب الريح ومحط سخرية، وكل شاذ مهلل له ينال الثناء ويحاط بالاهتمام، فالأشياء التي نراها اليوم غريبة ستصبح غدا جد مألوفة بل مرغوبة.
وذلك الذي يرتكب الخطايا علنا يرى بعين الرضا ويتخذ قدوة وتلك بداية النهاية.
ـــــــــــ
Discussion about this post