فى مثل هذا اليوم9اغسطس1928م..
مصطفى كمال أتاتورك يطلع المشاركين في احتفال «كلخانه» من حزب الشعب الجمهوري على الحروف اللاتينية المزمع استخدامها في كتابة اللغة التركية تمهيدًا لما عرف بالانقلاب اللغوي.
الانقلاب اللغوي: هو مصطلح أطلق بشكل عام على الفترة التي تم الاعتراف فيها بقانون الحروف التركية الجديدة برقم 1353 وتاريخ 1 نوفمبر 1928م. في تركيا، وتم تطبيقة. وبمقتضى هذا القانون تم إقرار استخدام الحروف اللاتينية بدلاً من الأبجدية العثمانية التي كانت مستخدمة بما يوافق اللغة التركية.
الأتراك قد استعانوا منذ القرن العاشر بالأبجدية العربية والدين الإسلامي (التي تعد عنصر لا يمكن استبعاده في الثقافة الإسلامية السابقة) بما يتوافق مع النظام الصوتي للغة التركية.
فعلى مدار 900 عام من تاريخ الدولة، كتبت اللهجات الشرقية واللهجات العثمانية والغربية بالحروف العربية بما يتوافق مع اللغة التركية.
على إثر هذا القرار تم منع ارتداء العمامة والطربوش واستبدالهما بالقبعة الغربية عام 1925، مروراً باعتماد التقويم الأوروبي والقانون المدني السويسري والجنائي الإيطالي، وانتهاء بقرار تغيير الأبجدية الذي لم يمر بسهولة.
قرارات مصطفى كمال حول تغيير الأبجدية كانت تهدف إلى إبعاد تركيا الحديثة عن العالم العربي والإسلامي وتوجيه المجتمع نحو الغرب.
إلا أن “مشكلة الأبجدية” ظلت محل نقاش دائم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتحديداً عام 1862 حيث دعا منيف باشا، ناظر المعارف، لإجراء إصلاحات في الأبجدية العثمانية. وتتلخص أسباب دعوته تلك في أن المواطن العثماني تصعب عليه قراءة بعض الكلمات التركية التي ليست من أصل عربي أو فارسي، وخصوصاً بعد أن قلّ عدد العارفين بالعربية والفارسية، اللتين كانتا لغة الثقافة في الدولة العثمانية قديماً.
ولخّص المنادون بإصلاح الأبجدية آنذاك أسباب دعوتهم هذه بأن اللغة التركية تحتوي على ثمانية أحرف صوتية يقابلها ثلاثة أحرف علّة فقط في العربية، فكانت هناك بعض الكلمات التي تُكتب بنفس الطريقة ولا تُفهم إلا حسب السياق، وخصوصاً لأن الحركات الإعرابية لم تكن مستخدمة في تلك الأبجدية.
كان أول طرح رسمي لمسألة استبدال الأبجدية في مؤتمر إزمير الاقتصادي الشهير عام 1923، لكنه لاقى اعتراضاً كبيراً من رئيس المؤتمر الفريق كاظم كارا بكير، أحد رموز حرب الاستقلال، وصديق أتاتورك الشخصي، كما ذكر الباحث التركي مراد بلجه في بحثه المعنون بـ”مشكلة التركية”، وبحسبه أيضاً فإن كارا بكير قد حذّر أتاتورك من أن تغيير الأبجدية يعني أن الأجيال التركية الجديدة لن تتمكن من قراءة تراثها.
وهكذا صارت مسالة الأبجدية العثمانية محل خلاف كبير بين النخب السياسية والثقافية التركية، واستند المدافعون عن الأبجدية العثمانية إلى أنها هي الجسر بين الأتراك والإسلام، وتغيير هذه الأبجدية سيتسبّب لاحقاً في بروز إشكاليات أيديولوجية واجتماعية. وكان المؤرخ والسياسي المعروف محمد فؤاد كوبرولو على رأس هذه المجموعة، حيث رأى أن التقدّم لا يتم باستخدام الحروف اللاتينية. أما الفريق الآخر فكان يرى أن الأبجدية العثمانية تتنافى مع القومية التركية وتعيق تركيا عن “اللحاق بالحضارة الغربية”، بدعوى أن الأبجدية القديمة يصعب تعليمها للأطفال، وحتى الكبار لا يتلفظون كل الكلمات بشكل صحيح، ولم يعد هناك أي رابط بهذه الأبجدية بعد الآن.
اتخذ أتاتورك أول خطوة في سبيل حسم تلك القضية بتأسيس لجنة لغوية، انعقد اجتماعها الأول عام 1928، وترأسها بنفسه، ومعه الروائي والدبلوماسي الشهير يعقوب قدري وبعض الأدباء الأتراك الآخرين، وحُسمت القضية بالفعل وتم اعتماد الحروف اللاتينية. أثار أتاتورك بعد ذلك هذه القضية في خطاب شعبي له، وحثّ الناس على تعلّم الأبجدية الجديدة، التي اعتبرها وظيفة كل فرد في الأمة التركية. ومنذ اليوم الأول من شهر كانون الثاني/ يناير عام 1929 أصبح استخدام الحروف اللاتينية إلزاميّاً، ومُنع استخدام الأبجدية العثمانية.
إلا أن المشكلة لم تنته بهذا القرار، فبعد اعتماد الحروف اللاتينية نادى بعض مثقفي ذلك الوقت، والذين عُرفوا باسم “الصفائيين” بـ”تصفية” اللغة التركية من الكلمات العربية والفارسية! بينما رأى التيار الآخر أن اللغة لا يمكن تغييرها بمرسوم، إلا أن أتاتورك كان يميل إلى التيار الأول، وبالفعل أمر بتأسيس جمعية لدراسة اللغة التركية، وبدأ أعضاؤها في جمع كلمات من اللهجات المحلية ومن المصادر الأدبية المكتوبة بالتركية القديمة ما قبل العثمانية، التي كان يتحدثها الأتراك في وسط آسيا.
المفارقة أن أتاتورك نفسه قد ألقى عدة خطابات بهذه “اللغة الجديدة” ولم يفهمها أغلب الشعب. فأمر بتشكيل حركة عُرفت بـ”الإصلاح اللغوي”، كما أقام العديد من المؤتمرات اللغوية التي دعا لها كبار علماء اللغة حول العالم لإيجاد وسيلة لسدّ الفراغ الذي أحدثه غياب المفردات العربية والفارسية في هذه اللغة الجديدة، لكن حركة الإصلاح اللغوي لم تتمكن من حل هذه المشكلة، وقدّمت أخيراً نظرية إلى أتاتورك عُرفت بـ”لغة الشمس” مفادها أن كل اللغات قد اشتُقت من لغة بدائية كانت تُحكى في آسيا الوسطى ثم تطوّرت عنها، فلا حاجة إذا إلى تصفية اللغة التركية.
المفارقة الأخرى أنه رغم كل هذه الجهود التي بذلها أتاتورك، طوال فترة حكمه حتى وفاته عام 1938 لعزل تركيا عن محيطها العربي، إلا أن عدد كلمات اللغة العربية في التركية الحديثة قد بلغت أكثر من ستة آلاف كلمة.!!!







Discussion about this post