قصة قصيرة
صدأ جارف
صرير الباب مؤلم منذ أن غادره السجان، كانت تتردد كل يوم في المواجهة، ازداد ألم الأقفال و اكتظت الأحزان بصدرها المكلوم، تحلم بانفراج هم و انجلاء الغم…
هل أقتلع الباب أم أعالج الصدأ أم انتقم من الأقفال!
_ أحتاج للحديث معك فالأمر لم يعد يحتمل التأخير أكثر ، احضر قبل أن ينهار البيت على رأسي وحدي.
دام الاتصال بضعة دقائق لكن دمعها كان مدرارا . لا ينقطع.
جاء على جناح السرعة إلى بيتها، رن الجرس ثلاثا متتاليات كما كان يفعل منذ زمن.هلع الباب، تطاير صدؤه و اهتز معه بدنها، ارتجفت أطرافها سوّت فستانها المتهدّل ثم خطت خطوات، توقفت، مسحت جيدا دموعها …
عادت إلى كرسيها لا تقوى على التنفّس، أصمّت أذنيها طرقات عنيفة.
_ افتحي! ماذا أصابك؟
لم تنبس ببنت شفة حاولت أن تجيبه، لكنها فقدت صوتها ..
_ عدت إلى صنيعك، نكد على نكد.
تحاملت على نفسها، فتحت الباب، حملقت فيه طويلا ثم دعته للدخول، فالموضوع على غاية من الأهمية.
مضت الدقائق الأولى ثقيلة الأنفاس، قطعها تنهيد و تأوّه ثم بادرته :
_ بعد كل هذه السنين قرّرت أن أخبرك بحقيقة، أخفيتها منذ زمن،لم يعد داع لإخفائها…أنك عقيم، نعم عقيم، كل التحاليل التي استلمتها من مخابر التحاليل الفرنسية تثبت ذلك ، لم أشأ أن أجرح مشاعرك أخفيت عنك الحقيقة بينما اعترفت لك أنني عاقر ولي أمل ضعيف في الإنجاب إن عولجت بعناية..
سارعت للانفصال، كنت تنتظر سببا واحدا يجعلك تهجرني، فعلتها و اقترنت بها.
كان يتصبب عرقا، يحاول المقاطعة لكنه لم يجرؤ، أخذ وجهه يتقلب بين الصفرة و السواد حتى تطاير دخانه… فتح الزر الأول فالثاني…
سارعت إلى فتح الباب فهم أن اللقاء انتهى حيث فتح باب جهنم .
عند العتبة طالبها بالتحاليل الطبية، صمتت مستميتة. كرر ّّطلبه، استعطفها ، هددها صلصل، جلجل، هدر كالجمل الأرعن دب هدوء نسبي سكن أوصالها، تنفست الصعداء مزهوة أطبقت الباب الحديدي بكل ما أوتيت من قوة، لم تسمع هذه المرة صريره لم يؤلمها…
غادر بيتها، يجر أذيال العار و الجبن والخيانة.
كل الأفكار السوداء خامرته لولا بصيص الأمل فطفله الوحيد يشبهه كثيرا، سمرة البشرة و تجعّد شعره حتى الأنف المعقف و الشامة لا تكذّب الاحتمال النادر.
وصل إلى البيت وجد الابن يلهو مع عمّه الأكبر ، قصد غرفة نومه يلهو مع الشيطان على غير عادته حتى ظهور الشفق الأحمر منعكسا على سيل صدئ…
سيدة بن جازية تونس
Discussion about this post