التاريخ بين الحقيقة والتحريف ..
د.علي أحمد جديد
يقول (آرثر سالزبورغ) مؤسس صحيفة (نيويورك تايمز) :
إن رأي الإنسان – أي إنسان – في أيّةِ قضيةٍ كانت لايمكن أن يكون أفضل من (المعلومات) التي نقدمها له حول هذه القضية . فإذا أعطيناه معلوماتٍ صادقةً وصحيحةً ثم تركناه وشأنه ، فإنه قد يظل عرضةً للخطأ في تكوين رأيه -بعض الاحيان- حول هذه القضية وربما لبعض الوقت أيضاً . لكن فرصة تصحيح رأيه والوصول إلى الصواب تبقى دائماً بين يديه وإلى الأبد .
أما إذا حجبنا عنه المعلومات الصادقة والصحيحة ، أو تعمّدنا أن نقدمها له مُشوَّهةً أو ناقصةً أو مُغَلَّفَةً بالدعاية والتحريف والتزييف ، فإننا نكون قد عمِلنا على تدمير بنية تفكيره السليمة ، بل ونكون قد نزلنا به إلى مادون مستوى الإنسان ” .
ويقول د.محمد عمارة في تقديم كتابه (دراسات في الوعي بالتاريخ) :
” إن الذين يقرؤون – كما كتبها هو – التاريخ إنما يعيشون أعمار أسلافهم إلى جانب أعمارهم ، أما الذين يعون هذا التاريخ فإنهم يوظفون الماضي والحاضر بدروسهما وخبراتهما لبناء المستقبل ” .
وبنظرةٍ عامة ، فإن مايقوله د.عمارة صحيح وصائب ، وذلك إذا كان من قدَّم أو يقدِّم لنا هذا التاريخ وكتبه للأجيال صادقاً ومتوازناً حيادياً فيما ينقله من أحداثٍ تاريخية كي ندرسها ونتعلم منها لنبني المستقبل على صِدقِ الأحداث المنقولة بكل مسبباتها ومعطياتها ، فلا تتدخل بعملية نقل الأحداث التاريخية أهواءٌ مذهبيةٌ أو طائفية ، ولا قومية أو شعوبية وإثنية ، ولا أمنية ذاتية تهيمن على سطح حقيقة وقوع تلك الأحداث تاريخياً أو انعدام وتزييف وقوعها فتحجب عن المتلقي مانوسوس به أهداف مقدِّم الوقائع التاريخية ، وتُظهرُ للمتلقي -عبر السرد- مرامي كاتب الأحداث ومقاصده .
ود.محمد عمارة باحث مصري يتناول التاريخين العربي والإسلامي في كتاباته ، وينشر مايكتبه في الصحف والمجلات العربية ومنها نقرأ ماكتب في وصف (الخوارج) حين يقول :
” كانت حركة(الخوارج) من الحركات التي أبصرت دور المرأة داعيةً ومُثيرةً ومُستنفرةً للرجال ، بل ومحاربة في الميدان . وكما تعرّض الرجل (الخارجي) للعنت والاضطهاد والتعذيب ، وكما تَحمَّلَ كل ذلك ببسالةٍ كانت ومازالت مضرب الأمثال ، كذلك كانت المرأة (الخارجية) . والذي ميَّزَ الحركة الخارجية عن العديد من الحركات (الثورية العربية) هو ذلك الأسلوب الذي سلكه (الخوارج) في نشر أفكارهم والسبيل الذي اتبعوه لإسقاط سلطة (الإقطاع) . لقد سلكوا سبيل (الثورة المسلحة) ورفضوا إخفاء نواياهم وكتمان أفكارهم مهما كانت قوة(عدوّهم) . لقد قدَّم (الخوارج) في المعارك مستوى من الشجاعة والاستبسال لم تشهده ساحات القتال من حركةٍ أخرى ، ودرجة من الإقدام والتفاني جعلت من أوصافهم (الشراة) الذين يشترون الجنة بالاستشهاد . وإن الشِدّة التي قوبلت بها حركة (الخوارج) وتلك (الإبادة الجماعية) التي مورست ضدهم من عليّ بن أبي طالب قد دفعت الخوارج إلى مسالك وعرة وطرقٍ غيرِ مطروقة ” .
من مقدمة كتابي : الأصولية ، والإسلام السياسي .
Discussion about this post