قصة قصيرة
رجيل خريفي
المقطع الثاني
كان يتجاوزها بفارق زمني واضح . جازف بحياته مرات عديدة ولم يفض الأمر . إلاّ بزواجه منها. فزوّجوها لقاء ما يملك. من ماشية و حصان و محراث. و لم يبق لديه : سوى عباءة لا غير .يتدثران بها شتاءً. وفي الصباح يرتديها و يمضي للحقل.
كم من زمن اقتضى ليشفى؟ مررت يدها هناك فتحسر. كأن أيّامه قد استيقظت . لاحظت إن الجرح كامن ..تحت رهال إهابه . لاحظت أيضا.. ضمورا ما ألفته من قبل ، لتينك المنكبين العريضين . وأردافه .. ناتئة العظام و ضامرة.
قالت :
ــ اتكئ عليّ .
أخرجت قدميها وحررتهما من ثوبها ، لكي توسع مساحة لإسناده. وزحفت بالطست بينهما. و أنعمت نظرها بالجسد الذي لم يعد تربطه صلة بتلك المتانة. ولا حتى للأيام التي تزوج فيها الصبية ، التي ما أتاح لها أن تتبحر بخفايا جسده. أخفى عنها ملامح هرمه .
وحتى في إهماله للكبيرة ، ظلّت هي البادئة ، على خفاياه لوحدها . مراقبة ــ آنذاك ــ عن كثب : كيف يذوي ذلك الجسد . وكيف تبصمه تلك السنون، ببصماتها القاسية. وكان ركونه إليها يسرّها. فهو يقر ّ، رغما عنه بأنها رفيقة دربه لأيام شبابه و شيبه وضنكه.
ومنذ أن تدثرا بعباءة واحدة ، و حتى هذا اليوم ، لاحظت برؤية دقيقة تفاصيله .
دعمت بذراعها الأيسر كل أضلاعه ، من اليسار الى اليمين . وأمعنت بتدليك جسده.. كأنها سيدته . كأنها تجلوه ، لكي تعثر على عمريهما و غبرته ، مثل طريق شائكة ، تعرف مسالكها شبرا .. شبرا.
ضغطت بيسارها، كي تسنده أكثر الى صدرها ، بينما تسربت حرارته ، عبر ثوبها المخضل، بنداوة جسده. و تذكرت تلك الأيام القريرة ، وجسداهما يتلفعان بعباءة واحدة. وتحت دثارها .. ألفت رفقة صادقة ، وحنانا صادقا . و ذلك الانثيال ، لنثار الحب الذي ما كفرت به . وما وهنت قناعتها : بأن قصور الدنيا لا تضاهي لياليه.
كم تغيرت الأشياء ؟؟ كانت ــ حينذاك ــ فتاة رقيقة ، ناعمة. هادئة الطبع . مطيعة. وكانت .. تستلقي على ذراعه ، أيام الدفء . وتتلفع بدفئه أيام البرد.
دلقت على رأسه كاسة من ماء دافئ. دلكته ، صانعة رغوة بيضاء. انداحت رائحتها طيّبة .
سكبت أخرى دافئة . تسرب دفؤها الى جسدها ، بحيث أحسّته يهبط، جاريا بحرارته ، وسط برودة الماء السابق… وينحدر ممعنا بين ردفيها.
قال المريض بصوت أنعشه الماء الدافئ:
ــ دلّكي ظهري .. لقد اهملتك كثيراً .
قالت:
ــ لا عليك . أترك تلك الأمور..
قال:
ــ برّئي ذمّتي .
قالت :
ــ برّأتك…
قال:
ــ وأنت كذلك.
واصلت الذراع الأيسر احتضانه ، وأحكمت ساقيها ، متلافية انبعاج الطست. و أحاطت فيهما جسده. أمعنت بتدليك الصدر . و البطن ، و الذراعين. و المناطق الأخرى. ثم أبرت الوجه برغوة لكي تزيل تلك الغمّة.
كانت فرعتا ظهره، يتقوسان إلى أمام . و الخندقان يغوران على نحو محزن. و رغم هذا لم يتغربا عنها . بل عادت الفتهما . و أحست أن دموعها همت . وتلاشت مع انزلاق الرغوة . و اقتربت شفتاها : من منخفض الترقوة .
قال:
ــ أحس بارتياح.
لم تجب… بل أعطت حيزا ، لكي تنحرف بالطست، على نحو مغاير. و تُمعن بتدليك الظهر، و المناطق الخلفية السفلى.
أراح حنكه على كتفها الأيسر ــ عند الترقوة ــ بحيث.. دعمت خدّه الملتحي بحنكها.. مقتربة لقذاله ، بشفتيها. مسوّرة جسده بركبتيها، ثم قالت بهمس رقيق:
ــ هل أنت متضايق؟ أأترك حيّزا تأخذ نفسا؟
قال بصوته الواهن :
ــ واصلي .
موسى غافل
Discussion about this post