قراءتي في نص (نبية الصحراء )
للكاتب -زيد الخيل-
النص:
ينام الليل في راحتيها تهدهده الجدائل بريح الطيب عنبرا وخزامى ….من وجنتيها ينبعث الشعاع الاول عنوان حياة …من ثغرها تشرق شمس النهار الجديد …تفتح للزمن القادم ذراعيها فتراها وقد أمسكت تلابيب الكون حتى كادت تصبح عشتار او فينوس …تسير الهوينى شرقا وتستوي وقوفا على كثيب رمل ثم ترفع يديها الى السماء في طقس غريب …قد يراها الناظر ناسكة متعبدة في أوج
لحظات التجلي…ربما هي لوحة مرسومة في قلب الصحراء …ظلت جامدة لفترة ربما طالت أو قصرت وكأنها تنتظر بريدا من السماء …جثت على ركبتيها حتى لامس جبينها الأرض فبدت وكأنها في لحظة سجود هي أقرب الى المناجاة …التحم جبينها بالرمل فغنت لها الارض موال عشق جعلها تطيل طقسها المتمرّد الذي لا يخضع لأي ضوابط أو شروط …أنهت طقس تعبدها او هكذا خيل لي …انتصبت واقفة من جديد وسارت شرقا …تبدو وكأنها تائهة تبحث عن شيء …قرب نخلة منسية عند رأس الوادي كانت تلاعب السعف وتهز الجذع حينا فيساقط الرطب ليرسم على الرمل لوحة بلا مفاتيح …طافت حول النخلة سبعا وقد رفعت يديها الى السماء وكأنها تبتهل …كانت تتمتم ببعض التعاويذ الغريبة …تبدو لك للوهلة الاولى نبية الصحراء جاءت حاملة وزر الارض وجالبة في كفيها الخصب لتربة طالها الجدب حتى صارت بورا …لو كانت حواء الاولى لرأيت اثار التفاحة
كانت بيضاء البشرة شفافة حيث كنت أرى تفاصيل الماء حين
جثت على ركبتيها قرب عين جارية وشربت ما تيسر …فيا ترى هل اكون أنـا آدم الأول ؟و إنما نزلنا من مسربين مختلفين ..وخانـتني
الذاكرة …
كنت أراقبها من بعيد وطوفان الاسئلة يجتاحني ويتوالد كذنوب لا حصر لها ولاعد …هبت نسمة بدت وكأنها تبشّـر بهطول المطر …رباه هل ينتظر مطر بلا سحاب ؟…تعطلت عجلة الزمن لحظة ليعم الظلام وتكفهر السماء معلنة ثورتها …صبت جام غضبها وعوت ريح الشمال لتتداخل السبل ويغمرني الماء ….حمل السيل نبية الصحراء وألقاني على شاطىء النسيان صعلوكا بلا ذاكرة …….
11اوت 2023 مقهى افريكانا
————————————————-
نص (نبية الصحراء)
نص اشبه شيء بالحلم
حيث رسم الكاتب لوحة فنية بالكلمات واتخذ من الزمان والمكان ألوانًا مع احترام الفوارق اللونية والضوئية
المكان المهين هو الصحراء واتى بها الكاتب ليوهمنا برحابة وامتداد مكان الحدث انه الفضاء المفتوح والذي بحكم المسافة الفاصلة بين الرائي والمرئي يجعل المرئي ضئيلا لا يكاد يُرى
ومع ذلك رأيت أن (المراة او نبية الصحراء) حجم حضورها غطّى امتداد الصحراء وهنا تكمن النبوءة والنبوءة معجزات ومعجزة هذه النبية
هي بعثها في صحراء بلا حياة لتبث فيها نبض الحياة
ولتخرج النور من العتمة
ينام الليل في راحتيها تهدهده الجدائل بريح الطيب عنبرا وخزامى ….من وجنتيها ينبعث الشعاع الاول عنوان حياة .
فهي عشتار وعشتار إلهة عنيفة وقوية تثير الرعب في الآلهة والبشر على حد سواء
او فينوس —وفينوس إلهَةُ الحب والجمال والرغبة والجنس والخصوبة والرخاء والنصر لدى الرومان
فكيف يا ترى جمعت هذه المراة الاضداد؟لتكونهما معا (عشتار وفينوس)
وهنا نعيش أسطرة النص اي توظيف الاسطورة في السرد
واللوحة متحركة في مشهدية عالية
حيث نرى النبية تؤدي طقوسها التي نعتها الكاتب بالغريبة بكل صبر وثبات وهي آمنة لعلمها انها وحدها سيدة المكان وما درت ان هناك عينا تراقبها وتسجل حركاتها وسكناتها بدقة واتقان
انها عين(آدم الأول بما انها هي حواء الاولى)
فهل نحن في العملية الأولى لتعمير الكون مع تحريف طفيف ولكنه عميق حيث نرى ان انزال حواء كان اولا والدليل ان آدم (السارد) فتح عينيه وانتبه ليراها امامه تتحرك بين الغرب والشرق عكس حركة الشمس فهل تراها غربت لتشرق والشروق حياة؟
ويأتي ذكر التفاحة وهي ثمرة الغواية وفي المخيال البشري هي سبب خروج آدم من الجنة
بعد ان اكلها بايعاز من حواء واعجب كيف كان آدم الاول ساذجا لدرجة ان حواء اغرته بقضم التفاحة فامتثل؟؟؟
ما زالت حركة النبية مستمرة في ايقاع وتناسق وانسجام حيث نراها تطوف بالنخلة ( والطواف طقس من طقوس الحج )وتهز جذع النخلة فيتساقط الرطب فنلمس حضور قصة مريم عليها السلام اي القصص القرآني
وتجثو عند النبع لتشرب الماء فينبهر آدم الاول بجمالها وبياض بشرتها الناصع والبياض لون الصفاء والنقاء والبراءة
والسارد راوغ توقعات المتلقي وخيب ظنه
لانه غير مجرى الاحداث تماما فبينما ننتظر هطول الغيث وانجلاء القحط نعود إلى الظلام كاول انطلاق الفعل السردي وتغير ايقاع النص من الهدوء الى الضجيج
وتعددت الاصوات الصاخبة وتداخلت —عواء الريح وطوفان ينذر بنهاية الكون في تلك البقعة وهذا يذكر بنوح وقصة الطوفان
ليستفيق الكاتب من الحلم وهو ملقَى على قارعة الواقع مع فقدان الذاكرة
وكيف لفاقد الذاكرة ان يذكر تفاصيل الحلم بدقة متناهية؟
عشنا مع الكاتب جموح الخيال ولحظات تجليات القلم
ايقاع النص كان بين البطء والسرعة خاضعا لحركة تنقَل النبية في الاطار الزمكاني
اللغة سليمة استعمل الكاتب كلمات واضحة وعميقة بلّغت معاني رسالة المقروء
للمتلقّي المتبصر بخفايا النص
دمت مبدعا اديبنا
فائزه بنمسعود
Discussion about this post