ورقات 9 :
” مبدعون غادرونا في صمت
لكنهم في الذاكرة يقيمون ”
الكاتب المرحوم نصر الدين الخليفي .
عرفته منذ ثمانينات القرن الماضي في المركب الثقافي بسوسة وكذلك من خلال كتاباته في مجلة المسار والحياة الثقافية ,وكنت عرفت الشاعرة المربية نزيهة الجديد في بعض الملتقيات الأدبية قبل أن تصبح زوجته ,وانقطعت أخبارها عني و كذلك أخباره ,ولم أعلم بوفاته إلا عن طريق المرحوم كمال حمدي الذي سلمني نسخة من مجموعته القصصية ” لا قيمة للأسماء ” وطلب مني أن أكتب حولها قراءة وأنشرها في الصحف ,وكان له ذلك بحيث كتبت مقالة ونشرتها يوم الخميس 18 مارس 2021 بالملحق الأدبي لجريدة الشروق الذي يشرف عليه الصديق الإعلامي نور الدين بالطيب وكانت المقالة بعنوان “دلالات الأسماء لدى ناظم الخطيبي “في المجموعة القصصية (لاقيمة للأسماء) للكاتب نور الدين الخليفي .
والمرحوم نور الدين الخليفي ,هو من مواليد مدينة سوسة في اكتوبر 1955 . أين تحصل على شهادة االبكالوريا سنة 1977 ثم التحق بدار المعلمين بتونس حيث تخرج و باشر التعليم الابتدائي لفترة ليست بالقصيرة قبل أن يعود إلى الجامعة ويتحصل على الاستاذية في اللغة والاداب العربية ثم ديبلوم في مجال التعلميات البيداغوجية ليصبح متفقدا بالمدارس الإبتدائية .
والمعروف أنه كتب القصة القصيرة وكذلك القصيرة جدا منذ ثمانينات القرن الماضي وقد نشر أغلب كتاباته في مجلة قصص والمسار والحياة الثقافية وبعض المجلات والصحف اليومية . وقد صدرت له مجموعة قصصية سنة 2001 بعنوان ” النهر يحترق” وقد تميزت بطرافة المواضيع وكتبت بلغة متينة وأسلوب تجريبي مشوق .
كما صدرت له بعد وفاته مجموعة ثانية بعنوان (لا قيمة للأسماء ) عن دار المنتدى في بداية سنة 2021 قدمها صديقه الكاتب عمر السعيدي وجمع نصوصها وأعدها للنشر الكاتب الأستاذ عبد المجيد يوسف .
توفي الكاتب نصر الدين الخليفي يوم الثلاثاء 20 ماي سنة 2014 وهو زوج الشاعرة والمربية نزيهة الجديد .ووالد المرحوم أبو العلاء وأمل .
رحم الله الصديق نصر الدين رحمة واسعة ورزق اهله واصدقاءه وزملاءه جميل الصبر والسلوان..
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
دلالات الأسماء لدى “ناظم الخطيبي”
في مجموعة (لا قيمة للأسماء) للكاتب المرحوم نصر الدين الخليفي
قراءة بقلم الشاعر عمر دغرير:
الأكيد أن عددا كبيرا من القراء تجذبهم الأسماء التي يستخدمها الكتاب في نصوصهم القصصية وكذلك الروائية في تونس وفي الوطن العربي . والأكيد أيضا أن الكاتب في الغالب يختارأسماء معروفة ومتداولة بين الناس وقد يلجأ أحيانا إلى أسماء لها دلالات تستوجب الغوص في أعماقها .والسؤال الذي قد يخطر في بال القارئ : من أين يأتي الكتاب بأسماء شخصياتهم ؟، وهل تكون لها دلالة معينة في النص السردي أم أنها مجرد أسماء بلا معنى ولا قيمة في الكتابة وقد تكون وجدت هكذا مصادفة ؟
وحتى أكون صادقا وأكثر تعبيرا عن أغلب القراء وأنا قارئ من بينهم في زمن خف فيه تهافت الناس على القراءة أحاول أن أقنع نفسي بأن الكاتب في كل الحالات هو مرآة للمجتمع وللمحيط الذي يعيش فيه وأن القصص لا تكتب عبثا أو اهدارا للوقت وإنما لقناعة تامة بأهميتها وبالرسالة التي سيتلقفها القارئ بشغف كبير .
وبالفعل وبشغف كبير حتى آخر الكلمات شدني هذا العنوان (لا قيمة للأسماء) وهو لمجموعة قصص للكاتب المرحوم نصر الدين الخليفي . فماذا عن هذا الكاتب وهل بالفعل لاقيمة للأسماء في هذه الكتابات ؟
الكاتب المرحوم نصر الدين الخليفي هو من مواليد مدينة سوسة في اكتوبر 1955 . تحصل على شهادة االباكلوريا سنة 1977 ثم التحق بدار المعلمين بتونس حيث تخرج و باشر التعليم الابتدائي لفترة ليست بالقصيرة قبل أن يعود إلى الجامعة ويتحصل على الاستاذية في اللغة والاداب العربية ثم ديبلوم في مجال التعلميات البيداغوجية ليصبح متفقد المدارس الإبتدائية .
يكتب القصة القصيرة وكذلك القصيرة جدا منذ ثمانينات القرن الماضي وقد نشر أغلب كتاباته في مجلة قصص والمسار والحياة الثقافية وبعض المجلات والصحف اليومية . صدرت له مجموعة قصصية سنة 2001 بعنوان ” النهر يحترق” وقد تميزت بطرافة المواضيع بلغة متينة وأسلوب تجريبي مشوق .
توفي الكاتب نصر الدين الخليفي في شهر ماي سنة 2014 وهو زوج الشاعرة والمربية نزيهة الجديد .
وبعد وفاته بسنوات صدرت له عن دار المنتدى هذه المجموعة وهي بعنوان (لاقيمة للأسماء ) قدمها صديقه الكاتب عمرالسعيدي وجمع نصوصها وأعدها للنشر الكاتب الأستاذ عبد المجيد يوسف .
هذه المجموعة جاءت موزعة على ثلاثة أقسام .في القسم الأول يستعرض المحقق قصصا قصيرة جدا وقد اختار لها الأستاذ عبد المجيد يوسف عنوانا بالخط الواضح ” قصص مدرجة تحت عناوين جامعة ” نقرأ منها (لاقيمة للأسماء) و(بقبري أحفر في يدي ) و(بأصابع اليد عدا) و(انزياحات بنيّة إسمها وردة) و(بالأبيض والأسود).
وفي القسم الثاني نقرأ قصصا متفاوتة الطول اختار لها المحقق عنوانا ” قصص مرسلة” ولعله يقصد بذلك أنها غير قابلة للتأويل . وقد جاءت على التوالي (ألوان الأرجوان ) و(حفل صاخب) و(ببغاء وقفص) و(حكاية بسيطة) و(زربية العرس) و( المسافر) .
وخصص القسم الثالث لكتابات الشاعرة نزيهة الجديد وتتضمن رسائل ومذكرات في شكل ورقات حزينة جاءت بعنوان (بعض من لوعة) .
وأنا أقرأ قصص المرحوم نصر الدين الخليفي تذكرت الكاتبة التشيلية إيزبيل اللندي حين قالت : “القصة القصيرة كالسهم تنطلق مرة واحة لتصيب الهدف ” وبالفعل أصابت هذه المجموعة القصصية هدفها وأظهرت قدرة القاصّ على توظيفها واستيعابها لتخلق عالمه القصصي الذي لم يقف عند حدّ الإمتاع فحسب بل ركب بالقارئ صهوة الإقناع أيضا .
ومن البداية وتحديدا من نص(في الأسماء والأشياء) يقرّ الكاتب بأن الإسم الذي تعلق به شخصيا هو “ناظم الخطيبي ” ويوضح اختياره لهذا الإسم بسؤال طرحه في صفحة 19 :
” كيف أنظم هذا الخطاب وأنا لا أمسك بخيوطه ولا أزعم حق امتلاك حقيقته … فهل تؤتيني الحياة ورطة أن أسمى بما لا أفيد وأن أتورط فيما قد لا أريد فأسرد عليكم ما أعرف وما لا أعرف وألخبط الأشياء والأسماء فأكون مفارقا لما سمّيت به ” .
ويعترف ناظم الخطيبي في صفحة 20 بأنه يحيا بقلب طفل يلعب بالكبائر والصغائر وبخيال شاب يحلم بنع المائر وذاكرة شيخ تعود بهإلى أندلس ضائعة فيقول :
” أعيش موزعا بين الأسماء والأشياء … فأسمّي الزيتونة امراتي وأستند إلى ظلها وأدفئ جذورها بكفي إن تعرّت . وأسمي البنفسجة فتافي وأغمس في في روائحها شمّي …وأسمي أمي شجرتي وتعريشتي ….وأسمّي اللغة قاتلي والكرسي شانقي والقلم محراثي ” .
وفي تسمياته الغريبة للغة والقلم والكرسي والموت والوردة وأشياء أخرى يستعيد قولة مشهورة لصديقه المرحوم الكاتب بوراوي سعيدانة فيقول في قصة بعنوان آخر الميتين في صفحة 77 :
” إلى صديقي المبدع المختلف بوراوي سعيدانة . كان قال : الذي يخاف الكتابة كالذي يخاف الموت إن لم يكتب أغتيل وإن كتب مات ” .
وكيف يموت من يكتب مثل هذه النصوص الفصوص المتميزة بالكثافة وقصر الحجم والتسريع والإرباك والإدهاش والمفارقة والمفاجأة ؟
وناظم الخطيبي هذا المازوشي المغترب في وطنه لا يسعده أي مكان وكل ما يتمناه أن ترتاح عظامه في مدينته وفي مسقط رأسه وهو الذي يتسلى كثيرا بأغنية المرحومة صليحة “عمري راح في الغربة فناني ” فلعله يستريح من غربته الأبدية ولعله بموته بل بقبره يستمر الحفر في يده وقد يسمي الأشياء كما يريد لا كما هي تشاء . ويسمي طفل السابعة من عمره “منتصر” والحال أنه يسكن في إحدى البقاع من الأراضي العربية التي يحتلها الصهاينة . ويسمي في صفحة 52 “وردة” حين تكبر قطة لاتحب لحم الجرذان ويسميها غزالة برية واسعة العينين ثم فراشة من نار تنتثر هنا وهناك . ويسمي في صفحة 74 “الكلب” في تلك المدرسة الريفية القصية (زميله الرابع) وهو بالفعل زميله الذي لا أحد غيره يعتبره زميلا والوحيد الذي يلين من غربته في تلك الوهاد النائية . ويسمي بتلات وردة تقطفها امرأة متهالكة على مقعد من رخام في محطة الأرتال وهي تعجن غضبا دفينا وتلقي بالبتلات تحت عجلات القطار .يسمي البتلات المقصوفة مناه و نجواه واللأفق . ويقول في صفحة 89 :
” سقطت الرابعة … تلقفتها قبل أن تلتهم عجلات القطار غلة قلبي . على خدها سالت قطرات الندى…
قلت :هي سلواي قبل العشاء الأخير .
التقيتها على ضفتي كتاب وأسئلة لاهبة .
قلت : هي الشمع والدمع والعنبر . هي النخل والواحة والأدغال” .
ويستمر ناظم الخطيبي في نحت قصصه التي عاشها والتصق بطين وقائعها وهو الذي يحب أن يكتب عن الواقع ويفارقه حتى إذا استوى هذا الأخير على قدميه يضربه على أم رأسه فيدوخه ثم يرش عليه ملحا وبهارا ويهيئه للأكل . والقصة عند ناظم الخطيبي في صفحة (75) ليست حظا زاهيا أوعاثرا يقع به وعليه وإنما هي فصل ألم وأمل من أغنية البدايات . ونحت في ماء الكلمات .
وفي قصة (ألوان الأرجوان) يسمي البطلة “إسعاد” من السعادة ويسمي زوجها “عباس” وهو يعني كثيرالتهجم والعبوس . فكيف تلتقي السعادة بالعبوس ؟ ويقول في صفحة 99 :
” هي عصفورة رفيقة وهو غراب ذميم .هي فارعة الطول وهو كتلة قميئة .هي صافية البشرة مشرقة الطلعة رفيعة الأنف ضحوكة كحبة فراولة . وهو مقلوب الرأس كإجاصة .أحرش الجلد متغضنه .عبوس ملتوعلى بعضه كباذنجانة شائحة ” .
وحتى تكتمل هذه اللوحة النادرة التي تجسد شخصيتي”عباس” و”إسعاد” المتناقضتين يضفي عليها بعض الجمال في بعث شخصية ثالثة يسميها “جمال” وهو رسام حالم تمكن من شرفته رسم لوحة لجارته “إسعاد ” وهي ترنو إلى الشفق ويسميها (غادة الكاميليا) وينهيها بقصة عشق مأساوية صادمة حيث يقول في صفحة 109 :
” ارتميت إلى المطبخ كباب مخلوع …
كان اللهب يصاعد من جسد “إسعاد”.يأكل الصدار والتنورة واللحم …
صاحت:
لوّح …السيجارة تحرقني …
رميت بالسيجارة …لم يكن الوقت كافياكي أفكر لحظة فيما أفعل . توقف الوقت .وأنا أرتمي عليها أحميها بجسدي …تتعلق بي …تضمني ضمّ غريق …تتمسك بي …أضمها …أجرجرها إلى الخارج …اللهب يتصاعد منا …ما بيننا ” .
والملاحظ أن الكاتب في هذه المجموعة بتنوعها استخدم في بنائها اضافة لللأسماء بكل دلالاتها الاتساق والانسجام والترميز والأسطرة وتوظيف المجاز والانزياح والإيحاء والاستعارة وقد سعى إلى تنويع البداية والنهاية .ولعله ركز أكثر على النهايات .فجاء معظمها مربك وصادم وقد لا يخطر على بال مثل ما هو في صفحة 57 في قصة (لقطة كامرا ) :
” صديقتي اللدودة تسكن معي نفس البلاد و نفس البلدة .
تقدم قليلا تجد …نفس الشقة .
صديقتي اللدودة تسكن معي نفس الحجرة . تقدم قليلا تجد نفس الفراش . ألا تراها ؟
هي أيضا لا تراني …مخدتي العمياء ” .
ولأن ناظم الخطيبي على صلة بالواقع القريب والبعيد ويساير الأحدث هنا وهناك ويهتم بقضيا الناس من زوايا مختلفة نجده يذكرنا بالرصاصة التي أنهت حياة ناجي العلي وغيره كثيرون في هذا الوطن فيقول في صفحة 60 :
” تعرف الرصاصة حق المعرفة أنه ناجي العلي …وتعرف الرصاصة حقا أنه يحي المشدّ …وتعرف حقا أنه يخط أسمه بدءا من يمين الورقة . لذلك فإنها لا تخطئ أبدا طريقها إليه .لأنها تنطلق أبدا من يد عوراء نحو أناس ظلوا دائما ينظرون إلى العالم بعيون حالمة ” .
كما نلاحظ أن في هذه القصص خاصية الفانطاستيك التي تدل على سريالية العوالم السردية عند المبدع نصر الدين الخليفي وهذه الخاصية تتراوح بين التعجيب والتغريب وتتعدى في أغلب الأحيان إلى قفلة أوخاتمة أكثرتغريبا كما هو الحال في قصة (آخر الميتين) في صفحة 78 :
” قابلتني قعادة المرحاض كعاهرة عجوز تدخن سيجارتها المزكمة … لم يبق لها من لون البياض إلا ما بقي من عريي. ومع ذلك فقد نشأت بيننا على مدى الأيام علاقة غريبة : فأنا لا أحبها وهي لا تكرهني ولكنها صارت بلادي وصرت بلادها” .
وأختم هذه الجولة بين قصص المجموعة بعنوان مؤثر جدا (شارة وحقيبتان ) وهي تتعرض إلى مجموعة من الفلاحين الصغار في قرية ساحلية بيعت أراضيهم بثمن بخس وشيد عليها فندق سياحي بهي الطلعة تسطع في جبهته نجوم خمس .ليجد أولاد الفلاحين وأصحاب الشهائد العليا أنفسهم يحملون حقائب السياح في هذا النزل . فيقول في صفحة 91 :
” وفرحت …لأنني ها أنا ذا وقد اشتد عودي . وانكسر زمن والدي أقف ببوابة نزل فخم على كتفي شارته وخمس نجوم . وبصدري أحمل إسمي وشهائد الجامعة وبيديّ تستقرّ حقيبتان ثقيلتان” .
وفي النهاية لا بد أن أشير إلى كلمة كتبها المرحوم في حق نفسه جاء فيها في الصفحة الأخيرة :
” أولا لست من ذوي الميزات الخاصة سوى أن أكتب وأتنفس وأشهد وأحتج …
الإسم وحده يشكل كذبة ومفارقة كبرى …هزائمي أكبر من انتصاراتي . ولست من الخلفاء والأشراف كما أنني لست من العبيد ” .
وحتى يهرب من هذه الكذبة والمفارقة الكبرى سمى نفسه “ناظم الخطيبي “.
نشرت هذه القراءة في الملحق الأدبي لجريدة الشروق التونسية بتاريخ 18 مارس 2021
رحم الله الكاتب نصر الدين الخليفي ورزق أهله و أصدقاءه الصبر والسلوان .
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
وفي ركن متابعات لمجلة قصص عدد 119 بتاريخ 1 مارس 2002 , كتب الناصر التومي مقالة حول (النهر يحترق ) جاء فيها :
” (النهر يحترق) المجموعة القصصية البكر للكاتب نصر الدين الخليفي , الصادرة في الثلاثية الأولى لسنة 2001 على نفقته . وقد جاءت في 156 صفحة من الحجم المتوسط . وتبدو من الوهلة الأولى أن المؤلف اعتنى بمظهر الكتاب بداية من الغلاف إلى ما تشهده صفحاته من كتابة مريحة للنظر .
وتتكون المجموعة من سبع عشرة قصة كتبت على مدى 23 سنة , إذ أرخت أول قصة وهي بعنوان (وجهي والشتاء) سنة 1978 . وآخرها وهي بعنوان (سندرا) في جويلية 2000 .علما أن التاريخ الذي ورد في آخر كل قصة هو تاريخ للكتابة ولا للنشر بعد أن عاينا أن القصص التي أرخت في سنة 2000 لم تنشر بالدوريات إلا سنة 2001 .أي بعد صدور المجموعة .
ويواصل الكتابة فيقول :
” مجموعة ( النهر يحترق) هي تجربة 23 سنة من المد والجزر , بين العطاء الأدبي و المنع , غير أنها استطاعت أن تبرز لنا عالم (نصر الدين الخليفي) القصصي الذي كان مركزا على محيطه الإجتماعي (ذكريات الطفولة والمراهقة والبؤس) ,محطات نضالية (سياسية ونقابية) ,بينما ضمير المتكلم فيها هو السيد المهيمن . حتى الراوي في قصة “وجهي والشتاء” ,ومكملتها قصة “سندرا” التي تليها استعمل الكاتب ضمير المتكلم المؤنث, أي أن الكاتب كان مشدودا إلى عالمه الضيق بداية من الطفولة في قصة “الدمية والحلزون” وفي قصة ” ذكريات الراوي” وفي قصتي ” التابوت” و” وجهك الآن”. ولعل الإنشداد إلى ضمير المتكلم هو من العلامات الدالة على أن الكاتب لا يزال في صراع مع معاناته الحياتية وإرهاصاتها وترسباتها الملتصقة بمحيطه الضيق التي لم يستطع التخلص منها .أو لعله لم يتسن له الإتيان عليها . وقد لا يتحقق له ذلك إلا بتعدد الكتابات حيث يجبرعلى الإنسلاخ من عالمه القريب إلى فضاء العالم الواسع وصراعاته المتعددة والمختلفة ” .
وفي موقع آخر كتب يقول :
” نهايات القصص لدى نصر الدين الخليفي خالية من الصدمة المفاجأة ( القفلة) لتوزع طاقة هذه الشحنة على كامل النص , مثل الموجة العاتية التي لا تبلغ الشاطئ إلا متكسرة , أي أن الكاتب لا يستغل التصعيد الدرامي إلى حدود ذروة المفاجأة (المسرحية) في النهاية . وهذا ما من شأنه أن يفسد على القارئ التمتع بالخاتمة المنشودة وإحداث الإنقلاب في النهاية على مسار حدث القصة , بل إن الكاتب لا يوحي و لا يوهم ولا يخادع في الغالب القارئ بأن هنا نهاية ستغير مجرى الحدث …”
وفي موقع آخر كتب :
” ولعل لغة الكاتب بقاموسها الثري والمتجاوزة باختيار العبارات والصياغات الرجراجة التي تحيل إلى أكثر من منحى ومعنى المهولة للمشاهد , وهيمنة المناخ السوداوي قد ساهمت كلها في حعل هذه الأحلام مبعثا للدهشة …” .
وختم الناصر التومي مقالته قائلا :
“ولا شك أن المجموعة القصصية (النهر يحترق) تعتبر منارة وسط العديد من المجموعات القصصية التي ظهرت لنا خلال هذه السنوات وهي مفتقرة لكل المقومات الأساسية لهذا الجنس الأدبي . وإني على يقين أن الكاتب نصر الدين الخليفي له من الإمكانات اللغوية والفنية ما يؤهله إلى أن يتفوق على نفسه ويواصل مشواره الأدبي بأكثر حرفية …” .
لروح الصديق الكاتب نصر الدين الخليفي السلام وللأهل والأصدقاء الصبر والسلوان .
Discussion about this post