في مثل هذا اليوم20سبتمبر835م..
ميلاد الأمير أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية في مصر والشام.
أبو العباس أحمد بن طولون (23 رمضان 220 هـ – 10 ذو القعدة 270 هـ / 20 سبتمبر 835م – 10 مايو 884م) هو أمير مصر ومؤسس الدولة الطولونية في مصر والشام من الفترة (254 هـ/868 – 270 هـ/884)، كان أحمد بن طولون والي الدولة العباسية على مصر، ثم استقل بمصر عن الخلافة العباسية، فكان أول من يستقل بمصر، كما استطاع القضاء على الحركات المعارضة له، وتمدد باتجاه الشام بعد تكليف الخليفة أبو العباس أحمد المعتمد على الله له إخماد الثورات في الشام.
قام ابن طولون بعدة أعمال في فترة حكمه، منها إنشاء مدينة القطائع، والتي اتخذها عاصمة لدولته، وكذلك بنى مسجده المعروف بمسجد أحمد بن طولون، وكان معروفا بالتدين وحسن الخلق ومجالسته العلماء، حيث كان منذ صغره متصفاً بالرزانة والولاء وحفظ القرآن والتفقه في الدين، وكان والده من أتراك القفجاق
في عام 835م ولد أحمد بن طولون، وترجع أصوله إلى قبيلة التغزغز التُركيَّة، وتحديدًا إلى أُسرةٍ كانت تُقيمُ في بُخارى. وكان والدهُ يدعى «طولون»، واليه نُسبت الدولة التي أسسها أحمد لاحقًا، وكان طولون مملوكًا جيء به إلى نوح بن أسد الساماني عامل بُخارى وخُراسان، فأرسلهُ بِدوره هديَّةً إلى الخليفة المأمون. مع من أُرسل من المماليك التُرك في سنة 200 هـ المُوافقة لِسنة 816م.، وقدأُعجب الخليفة المأمون كثيرًا بطولون الذي بدت عليه علامات النجابة والإخلاص، فحظي عنده، وازدادت مكانته لديه، فكلفه بوظائف عدَّة نجح في إدارتها بِشكلٍ ملحوظ، فولاه رئاسة الحرس، ولقَّبهُ بِأمير الستر، وظل طولون عشرين سنة يشغل هذا المنصب الهام. أنجب طولون عددًا من الأبناء من بينهم أحمد الذي يُكنى بِأبي العبَّاس، الذي وُلد في 23 رمضان 220 هـ المُوافق فيه 20 سبتمبر 835 في بغداد من جاريةٍ تُدعى «قاسم» ويقال «هاشم»،، ولكن حكى ابن عساكر عن بعض مشايخ مصر أن طولون لم يكن أباه، وإنما تبناه؛ لديانته، وحسن صوته بالقرآن، وظهور نجابته، وصيانته من صغره، وأن طولون اتفق له معه أن بعثه مرة في حاجته؛ ليأتيه بها من دار الإمارة فذهب، فإذا حظية من حظايا طولون مع بعض الخدم، وهما على فاحشة، فأخذ حاجته التي أمره بها، وكر راجعا إليه سريعا، ولم يذكر له شيئا مما رأى من الحظية والخادم، فتوهمت الحظية أن يكون أحمد قد أخبر طولون بما رأى، فجاءت إلى طولون فقالت: «إن أحمد جاءني الآن إلى المكان الفلاني، وراودني عن نفسي»، وانصرفت إلى قصرها، فوقع في نفس طولون صدقها، فاستدعى أحمد، وكتب معه كتابا، وختمه إلى بعض الأمراء، ولم يواجه أحمد بشيء مما قالت الجارية، وكان في الكتاب أن ساعة وصول حامل هذا الكتاب إليك، تضرب عنقه، وابعث برأسه سريعا إلي، فذهب بالكتاب من عند طولون، وهو لا يدري ما فيه، فاجتاز بطريقه تلك الحظية، فاستدعته إليها، فقال: «إني مشغول بهذا الكتاب؛ لأوصله إلى بعض الأمراء»، فقالت هلم فلي إليك حاجة، وأرادت أن تحقق في ذهن الملك طولون ما قالت له عنه، فحبسته عندها ليكتب لها كتابا، ثم استوهبت من أحمد الكتاب الذي أمره طولون أن يوصله إلى ذلك الأمير، فدفعه إليها فأرسلت به ذلك الخادم المذكور، فذهب بالكتاب إلى ذلك الأمير، فلما قرأه أمر بضرب عنق ذلك الخادم، وأرسل برأسه إلى الملك طولون، فتعجب الملك من ذلك، وقال:«أين أحمد؟»، فطلب له، فقال: «ويحك أخبرني كيف صنعت منذ خرجت من عندي»، فأخبره بما جرى من الأمر، ولما سمعت تلك الحظية بأن رأس الخادم قد أتى به إلى طولون أسقط في يديها، وتوهمت أن الملك قد تحقق الحال، فقامت إليه تعتذر، وتستغفر مما وقع منها مع الخادم، واعترفت بالحق وبرأت أحمد مما نسبته إليه، فحظى عند الملك طولون، وأوصى له بالملك من بعده، ونشأ أحمد تحت رعاية والده طولون، وبهذا فقد كان مُختلفًا عن نشأة أقرانه من أولاد العجم، فحرص على الابتعاد عن جو التُرك العابثين والآثمين، وكان يكره ويعيب كل ما يرتكبوه من مُنكرات، فاشتهر بين معارفه بالتقوى والصلاح، وبنفس الوقت بالشدَّة والقُوَّة والبأس لأنه تربى تربية عسكريَّة. ويبدو أنَّ الحاجة كانت ماسَّة في ذلك الوقت إلى ضابطٍ شابٍ يخدم في ثغر طرسوس، لهُ بأس لِقاء العدو والرغبة في الجهاد، ولهُ من التقوى ما يُناسب الجو الديني الخالص الذي شاع في المدينة، نظرًا لِلأهميَّة الإستراتيجيَّة والعسكريَّة الفريدة لِهذه المدينة الواقعة على الحُدود بين آسيا الصُغرى والشَّام، حيثُ ملتقى بلادُ المُسلمين ببلاد البيزنطيين؛ وفي نفس الوقت كان أحمد بن طولون قد طلب من الوزير عُبيد الله بن يحيى أن يكتب لهُ أرزاقهُ في الثغر سالِف الذِكر، وعرَّفهُ رغبتهُ في المقام به، فوافق على طلبه وكتب لهُ به. بناءً على هذا، خرج أحمد بن طولون إلى ثغر طرسوس وقضى فيه سنوات شبابه بعيدًا عن الوسط التُركي في العراق، وأخذ العلم والحديث والآداب عن كِبار العُلماء الطرسوسيين، كما تزوَّج وأنجب، وتطلَّع إلى الاشتراك في الصوائف التي كانت تغزو الروم، كما تعرَّف عن قُرب على الشَّام وما كانت تمتاز به من الأهميَّة العسكريَّة، ورُبما كانت أيَّامهُ الأولى فيها فاتحة طُموحه في تولِّيها مع مصر.
خطا أحمد بن طولون خُطواته الأولى نحو الشُهرة، وذلك بعد وفاة والده في سنة 240 هـ المُوافقة لِسنة 854 وهو في العشرين من عُمره. حيث فوَّض إليه الخليفة العبَّاسي المُتوكِّل ما كان لِأبيه من الأعمال العسكريَّة المُختلفة، وسُرعان ما أُتيح له أن يستولي على إمرة الثُغور ودمشق والديار المصرية. وعلى هذا الشكل فقد دخل أحمد بن طولون في خضم الحياة السياسيَّة المُضطربة آنذاك في العراق، وهو يتمتَّع باحترام التُرك وثقتهم، كما نال ثقة الخِلافة واحترامها، فكانت علاقته بِكُلٍ من الخليفتين المُتوكِّل والمُستعين جيِّدة، وقد بدأت صلته بِهذا الأخير خِلال عودته من طرسوس، عندما انضمَّ إلى قافلة تجاريَّة قادمة من بيزنطة تحملُ طرائف ومتاع روميَّة للخليفة، فأنقذها من قُطَّاع طُرقٍ أعراب تعرَّضوا لها في منطقة الرها، فاحتفظ لهُ الخليفة بالجميل ومنحهُ ألف دينار. وكان أحمد بن طولون على العكس من الكثير من قادة الحرس التُرك، يُظهرُ احترامه وتقديره للخليفة إن دخل عليه أو تحدث عنه. وعندما نُفي الخليفة إلى واسط، نتيجة صراعه مع المُعتز والتُرك، سمح له هؤلاء باصطحاب أحمد بن طولون معه، فكان رفيقه في مُعتقله، ولا شكَّ بأنَّ هذا الاختيار وقُبول التُرك به كمُرافق للخليفة، مردَّهُ إلى الثقة التي حصل عليها من الجميع.
ما أدخل المعتصم العباسي الأتراك إلى عصب الدولة العباسية، وولاهم معظم المناصب الكبرى، آلت إليهم الولايات العباسية، وكان بايكباك التركي من أحد أبرز العناصر التركية والذي برز على المسرح السياسي على أثر الصراع الذي انتهى بِمقتل الخليفة المُستعين وتولية المُعتز. وكان هذا القائد التُركي في مُقدِّمة القادة التُرك الذين أداروا هذا الصراع، وقد تقاسموا الأعمال والنواحي فيما بينهم. فأقطع المُعتز بايكباك أعمال مصر ونواحيها، ويبدو أنه خشي مُغادرة عاصمة الخِلافة حتَّى لا يتعرَّض للعزل، وآثر أن يبقى قريبًا من مركز السُلطة يُشارك في اتخاذ القرارات، وأناب عنهُ أحمد بن طولون في مصر، وقد فضَّلهُ على غيره لما عُرف عنه من حُسن السيرة وبِفعل قرابته له، فهو زوج أُمِّه. سار أحمد بن طولون إلى مصر بِرفقة أحمد بن مُحمَّد الواسطي، ودخلها يوم الأربعاء 7 رمضان 254هـ المُوافق فيه 15 أيلول (سپتمبر) 868م. وكانت السياسة السائدة آنذاك أن يتولَّى السُلطة في مصر أكثر من شخصٍ حتَّى يُراقب بعضهم بعضًا. فكان عامل الخِراج أحمد بن مُحمَّد بن المُدبِّر، ذو السيرة السيِّئة في المُجتمع المصري بِفعل شدَّته وقسوته، وهو من دُهاة الناس وشياطين الكُتَّاب. وكان شُقير الخادم على البريد، وهو غُلامُ قبيحة والدة المُعتز، يُراقبُ أعمال كبار المُوظفين وسُلوك النَّاس ويُعلمُ الخِلافة بذلك، وهو دائمًا يدسُّ بين هذه القوى المُتعددة، وكان بكَّار بن قُتيبة على القضاء، وعلى الإسكندريَّة إسحٰق بن دينار، وعلى برقة أحمد بن عيسى الصعيدي. وما أن استقرَّ أحمد بن طولون في الفسطاط حتَّى اصطدمت مصالحه مع هذه القوى، فساءت علاقته بابن المُدبِّر الذي حاول استقطابه بِعشرة آلاف دينار، فرفض ابن طولون الهديَّة وردَّها بِفعل أنه دخل مصر وهو مُفعم بِتطلُّعات سُلطويَّة تفوق كُلَّ حد. أدرك ابنُ المُدبِّر أنَّهُ أمام رجلٍ طموحٍ قد يُشكِّلُ خطرًا عليه، فراح يُحيكُ المُؤامرات للتخلُّص منه أو إبعاده عن مصر، فأرسل تقريرًا إلى دار الخِلافة أوضح فيه بأنَّ أحمد بن طولون رجلٌ لا يُؤتمنُ لا على ولاية مصر ولا حتَّى على طرفٍ من الأطراف واتهمهُ بأنَّهُ ينوي الاستقلال بِمصر.
تصدَّى أحمد بن طولون لِهذه المُؤامرة التي صاغها ضدَّه ابن المُدبِّر واستقطب بعض التُجَّار في مصر والعراق، فاستخدمهم لاستمالة أولي الأمر في بغداد عن طريق بذل المال، وقد نجح في هذا المضمار حيثُ مكَّنتهُ هذه السياسة من الاستمرار في حُكم مصر على الرُغم من كثرة الوُشاة والكُتب المُتلاحقة من ابن المُدبِّر وشُقير الحاجب، كما كانت دعمًا آخر له إضافةً إلى دعم بعض القادة التُرك المُهيمنين على مُقدرات الخِلافة مثل بايكباك ويارجوخ. واستمال أحمد بن طولون الوزير الحسن بن مُخلَّد عن طريق بذل المال أيضًا، فأرسل لهُ هذا الكُتب التي كان يبعثها ابن المُدبِّر وشُقير الحاجب ضدَّه. وبهذا الأُسلوب السياسي كشف ابن طولون أعداءه واطلع على حقيقة موقفهم منه، لِذلك قرَّر التخلُّص منهم حتَّى تخلو له الساحة السياسيَّة، فاستدعى شُقير الحاجب واعتقله، ولم يستحمل الأخير هول الصدمة، فمات. التفت أحمد بن طولون بعد ذلك إلى التخلُّص من ابن المُدبِّر بِفعل خطره عليه ووُقوفه حجر عثرة في وجه مشروعاته الكُبرى في مصر، فكتب إلى الخليفة المُهتدي يطلب منه صرفه عن خراج مصر وتعيين مُحمَّد بن هلال مكانه، وهو أحد أصدقائه. ولمَّا كان بايكباك مُهيمنًا على دار الخِلافة، فقد وافق الخليفة على طلبه. وساعدت الظُروف السياسيَّة، التي حدثت في بغداد، أحمد بن طولون في تثبيت أقدامه في مصر، فقد حدث أن قُتل بايكباك في سنة 256هـ المُوافقة لِسنة 870م وخلفه القائد التُركي يارجوخ وهو ختن ابن طولون، فكتب إليه: «تسلَّم من نفسك لِنفسك»، وهي إشارة واضحة لِتسليمه مصر كُلَّها، ولكنَّهُ استثنى الخراج الذي ظلَّ بِيد أحمد بن المُدبِّر، الذي أضحى محدود السُلطة في ظل هيمنة ابن طولون والذي سار بِخُطىً ثابتة للسيطرة على الأُمور كُلها في مصر، فخرج على رأس قُوَّة عسكريَّة إلى الإسكندريَّة واستخلف طغلغ على الفسطاط وطخشي بن يلبرد على الشُرطة. وعندما وصل إليها في رمضان سنة 257هـ المُوافق فيه حُزيران (يونيو) 871م استقبلهُ عاملها إسحٰق بن دينار بالترحاب، فأقرَّهُ عليها، كما استلم برقة من أحمد بن عيسى الصعيدي، فعظُمت بِذلك منزلته وكثُر قلق ابن المُدبِّر وغمُّه. وبذلك بدأت مرحلة جديدة في تاريخ مصر. توفي يارجوخ في سنة 259هـ المُوافقة لِسنة 873م وهو صاحب إقطاع مصر الذي كان أحمد بن طولون يحكُمه بالنيابة عنه ويدعو لهُ على منابره بعد الخليفة، فأقرَّهُ الخليفة المُعتمد واليًا عليها، وبذلك أضحى حاكم مصر الشرعي من قِبل الخِلافة مُباشرةً، وتُعدُّ هذه السنة سنة تأسيس الإمارة الطولونيَّة. وفي سنة 263هـ المُوافقة لِسنة 877م، ورد كتاب المُعتمد إلى أحمد بن طولون يطلب منه إرسال خراج مصر، فردَّ عليه قائلًا: «لستُ أُطيقُ ذلك والخراجُ بِيد غيري»، فما كان من المُعتمد عندئذٍ إلَّا أن قلَّدهُ خراج مصر وولَّاهُ إمرة الثُغور الشَّاميَّة على أثر اضطراب أوضاعها. فأضحى بذلك سيِّد الديار المصريَّة كُلَّها والمُشرف العام على جميع أعمالها العسكريَّة والإداريَّة والقضائيَّة والماليَّة، وقام بِضرب الدينار الأحمدي رمزًا لِهذا الاستقلال.، وبذلك تم إعلان الدولة الطولونية، وهي إحدى الدول المستقلة عن الدولة العباسية، وتمثِّل الدولة الطولونية أول تجربة حكم محلي تحكم فيه أسرة أو دولة حكمًا مستقلاًّ عن حكومة الخلافة العباسية المركزية، حيث تعاقب عليها عدد من أفراد أسرة ابن طولون حتى تم إنهاء الدولة الطولونية على يد محمد بن سليمان الكاتب.
وفاته
توفي أحمد بن طولون في 10 ذو القعدة 270 هـ الموافق 10 مايو 884، كان سبب موته أن بازمار الخادم استطاع أن يستولي على حكم طرطوس التابعة لسلطان ابن طولون، وقام بالقبض على نائب ابن طولون فيها، وعصى ابن طولون وأظهر له الخلاف، فجمع أحمد بن طولون العساكر وسار إليه، فلما وصل كاتبه وراسله يستميله، فلم يلتفت إلى رسالته، فسار إليه ابن طولون، ونازله وحاصره، فخرق بازمار نهر البلد على موقع عساكر ابن طولون، فكاد الناس يهلكون، فرحل أحمد مغيظًا حنفًا، وأرسل إلى بازمار: «إنني لم أرحل إلا خوفاً أن تنخرق حرمة هذا الثغر فيطمع فيه العدو»، فلما عاد إلى أنطاكية أكل لبن الجواميس، فأكثر منه، فأصابه منه هيضة،(1) وكان الأطباء يعالجونه، فلم ينجح الدواء، فتوفي. وخلفه ابنه خمارويه وأطاعه القادة، وعصى عليه نائب أبيه بدمشق. وقد أولى اهتمامًا بالجيش، وعني عناية خاصة بفرقة «المختارة»، ولذلك لقب بأبي الجيوش.!!







Discussion about this post