فى مثل هذا اليوم 7 ديسمبر1830م..
الحاكم العام الفرنسي في الجزائر «دوبومون» يصدر قانونًا يقضي فيه بحق التصرف بالأملاك الدينية.
حدث في مثل هذا اليوم 7 ديسمبر 1830 الحاكم العام الفرنسي في الجزائر ‹دوبومون› يصدر قانونًا يقضي فيه بحق التصرف بالأملاك الدينية.
إلا أن هذا القانون قد تم إلغاءه لاحقا ولم يشمل كل المعالم الدينية فقط ما كان في مدينة الجزائر العاصمة وبعض مدن الساحل.
ابتداء من سبتمبر 1830 غير كلوزيل الموقف أيضا من الأوقاف. ومهما كانت الصيغ التي عرفتها مرحلة 1830 – 1842 فان النتيجة واحدة وهي مصادرة الأوقاف وضمها إلى الدومان وجعل ريعها تابعا لصالح الإدارة الاستعمارية دون تعويض أصحابها ودون صيانتها بل ان الكثير منها قد هدم وأذيب دخله في الميزانية العامة للدولة.
كانت مدينة الجزائر تضم عند غزو الفرنسيين أملاكا متنوعة وكثيرة كان بعضها للدولة وبعضها للأوقاف وبعضها للخواص. ومنذ الغزو لم ينتظر الفرنسيون نتائج حملتهم لتقرير مصير هذه الأملاك بل أخذوا يتصرّفون فيها كما لو كانت ملكا لهم وطبقا لقوانينهم ورغم النص الصريح في اتفاق حسين باشا و بورمون على احترام الأملاك الخاصة فإنّ الفرنسيين ضربوا بوعودهم عرض الحائط واستهتروا بالإتفاق حتى أن كلوزيل أجاب حمدان خوجة عندما احتج له به بأنّ الإتفاق لم يكن سوى (لعبة حرب) .
وحسب المصادر الفرنسية فإن تلك الأماكن كانت سنة 1830 مصنفة على :
1- أملاك البايلك (الدولة) وعددها خمسة آلاف ملكية قيمتها تقدر بأربعين ألف فرنك عندئذ وقد تحولت جميعها إلى الدولة الفرنسية باعتبارها هي التي حلت محل الدولة الجزائرية ويشمل ذلك بدون شك الثكنات العسكرية والمباني الرسمية وقصور الحكام والوزراء وكبار الموظفين ونحو ذلك .
2- أملاك بيت المال وكانت تشمل ما يؤول إلى بيت المال من الأملاك المحتجزة ومن لا وارث له ,,إلخ ولا نعرف قيمة هذه الأملاك لأن المصادر لم تذكرها.
3- الأملاك الخاصة وتشمل العقار وغيره وهي الأملاك التي يملكها الأفراد سواء كانوا حاضرين أو غائبين ولا نعرف أيضا قيمتها في احصاء سنة 1830 المشار إليه
4- أملاك الأوقاف وتشمل سبعة أنواع وهي أضخم وأخطر الأملاك
وأنواعها هي :
-أوقاف مكة والمدينة (أكثرها وأغناها)
-أوقاف المساجد (من أعظمها وقف الجامع الكبير)
-أوقاف الزوايا والقباب (الأضرحة)
-أوقاف الأندلس
-أوقاف الأشراف
-أوقاف الإنكشارية
-أوقاف الطرق العامة
-أوقاف عيون الماء
ولا نعرف قيمة هذه الأوقاف في الإحصاء المذكور غير أنهم يذكرون أن لها دخلا عظيما.
وبمجرد الاستيلاء على المدينة وإباحتها للجند من قبل بورمون كما عرفنا لم يتحرج الجيش الغالب من سكنى الثكنات التي سارع الفرنسيون بإفراغها وترحيل من فيها إلى آسيا الصغرى بدعوى أنهم من مواليدها (كما لو كان الفرنسيون عندئذ قد ولدوا بالجزائر).
كما سكنوا واحتلوا القلاع والأبراج والأبواب الرئيسية للمدينة ومن ذلك قلعة باب عزون وبرج بوليلة ( أو قلعة مولاي حسن الإمبراطور ) وباب الجهاد … إلخ وسكن الضباط في فيلات (الأتراك) السابقين وكذلك أحواش ودور أعيان الجزائريين الذين خرجوا من المدينة مؤقتا حتى تنجلي الغمة. وفي نفس الوقت ضم الغزاة أموال بيت المال إلى أملاك دولتهم (الدومان) وأصبحت اللجنة التي أنشأها بورمون باسم اللجنة المالية أو الحكومية هي التي تشرف على ذلك وصادر الفرنسيون أملاك الخواص من الأتراك والكراغلة. أمّا الأوقاف فقد بقيت في يد وكلائها المسلمين إلى مجيء كلوزيل كما سنرى.
وابتداء من سبتمبر 1830 غير كلوزيل الموقف أيضا من الأوقاف. ومهما كانت الصيغ التي عرفتها مرحلة 1830 – 1842 فان النتيجة واحدة وهي مصادرة الأوقاف وضمها إلى الدومان وجعل ريعها تابعا لصالح الإدارة الاستعمارية دون تعويض أصحابها ودون صيانتها بل ان الكثير منها قد هدم وأذيب دخله في الميزانية العامة للدولة. ولكن ذلك لم يتحقق فجأة بل مرّ بمراحل وقرارات كانت تهدف إلى وضع أيديهم على هذا المصدر المالي الإسلامي الذي كان الغذاء الوحيد (دون تدخل ميزانية الدولة في العهد العثماني) للتعليم والترقية الإجتماعية.
وأول قرار أصدره كلوزيل بشأن الأملاك كان في8 سبتمبر 1830 ومما جاء فيه (قارنه باتفاق حسين باشا – بورمون) :
إن كل الدور والدكاكين والمخازن والحدائق والأراضي والمحلات والمؤسسات مهما كانت التي يشغلها الداي (الباشا) والبايات والأتراك الذين خرجوا من أيالة الجزائر (والواقع أنهم لم يخرجوا من تلقاء أنفسهم وإنما رحلوا ترحيلا) أو التي يشغلها الآن الناس باسمهم بالإضافة إلى المؤسسات التابعة لمكة والمدينة (الأوقاف وهي بالطبع لا تخص الأتراك بل كان الجميع يساهمون فيها) كل ذلك يدخل في أملاك (الدومان) ويجب أن تستثمر لحسابها.
ومن أغرب ما نص عليه ذلك القرار الجائر ضربه أجل ثلاثة أيام فقط للإستظهار بإثبات الملكية وإلاّ فان سلطات الغزو تصادرها بدون انتظار: “كل الأفراد الذين تخضع تلك الأملاك عليهم أن يتقدّموا (بما في ذلك حسين باشا الذي أصبح منفيا والوزراء والإنكشارية الذين وصلوا إلى أناضوليا والبايات الخ) في ظرف ثلاثة أيام من نشر القرار بإثبات البيانات التي تحتوي على : طبيعة ووضع وكمية الأملاك التي في حوزتهم وكمية الدخل منها أو الأجر الذي ينجرّ عنها وأخيرا مدة آخر الدفع”. واتباعا لأسلوب البوليس الذي مهر فيه كلوزيل وروفيغو على الخصوص وعد القرار الرسمي بأن كل شخص يكشف لكلوزيل وزمرته عن وجود ملك لم يعلنه صاحبه يكافأ بنصف الغرامة التي سيفرضها كلوزيل على المالك المتخفي. أما أين تصب هذه الغرامات الجائرة ففي صندوق الجيش طبعا .. وهو الصندوق الذي جعله كلوزيل لاسترضاء زمرته وجعل الجيش يساهم بذلك كما فعل في مشروع (استثمار الأرض التي استولى عليها وجعلها مزرعة نموذجية) عن طريق رأس مال لشركة مساهمة مغفلة الأسهم.
وماذا ننتظر بعد هذا من ردود الفعل ؟ ان كثيرا من أصحاب تلك الأملاك غائبون كما عرفنا ولم يعطهم القرار سوى ثلاثة أيام لإثبات حقهم فأي معنى لاحتجاجهم اذا وقع ؟ وأين هم حتى يحتجون ؟ ذلك جانب كان كلوزيل وزمرته يعرفون أنهم مطمئنون منه . أما الإحتجاج الذي ازعجهم وأخافهم من العواقب فهو احتجاج الجزائريين على مصادرة أملاك الأوقاف التي لها قدسيتها والتي اشتركوا في تنظيمها وتغذيتها مثل كل المسلمين كما احتجوا على الطريقة التي عليهم أن يثبتوا بها الملكية الخاصة وعدم النص على التعويض إلخ . واذا كان الخواص قد تولوا الاحتجاج ضد القرار بأنفسهم فإن الاحتجاج ضد ضم الأوقاف جاء من المفتين والعلماء والوكلاء الذين أوضحوا أن الأوقاف لا تمس وأن لها أغراضا دينية وتعليمية واجتماعية أخرى.
ولما كان كلوزيل منشغلا بحملاته الفاشلة التي ذكرناها سابقا ضد المدية والبليدة، فإنه طأطأ رأسه للعاصفة ثلاثة أشهر ثم عاد إلى موضوع مصادرة الأملاك لأنه وجده أسهل من قيادة مرتزقته في سهول متيجة أو في مضائق الشفة وموزاية فأصدر قرارا آخر في 7 ديسمبر 1830 طلب فيه من المفتين والقضاة والوكلاء أن يقدموا حساباتهم عن الأوقاف وسجلاتهم وأوراقهم الى مدير الدومان وهدد المخالفين بالعقاب الشديد وقد وعدهم بأن إدارة الدومان ستدفع لهم من حساب الأوقاف ما يحتاجون إليه شهريا.
أما حين وضع الدومان يده على الأملاك فقد سهل على الأروبيين الحصول على الأملاك وأعطاهم الضمانات. وكان المشتري الاروبي (ابتداء من عهد كلوزيل) معفى من كل شيء سوى أن عليه أن يدفع الفائدة للدولة.
و إذا كان الأفراد قد احتجوا ودافعوا عن أنفسهم بدون جدوى في غالب الأحيان للحصول على تعويضات عن أملاكهم المصادرة، فإن الأوقاف كانت من أكثر المؤسسات ضياعا إذ يقر حتى الكتاب الفرنسيون أن مؤسسات الوقف ظلت بدون تعويض، و يدعون أن ذلك راجع الى تقادم العهود وضياع الوثائق واختفاء الورثة. و هكذا اختفت الأوقاف بسرعة ولا سيما أوقاف الإنكشارية والطرق العامة والعيون الخ .. و على كل حال فإن قضية التعويض عن الأملاك الفردية فكانت السبب في رفع الشكاوى المستمرة من أعيان الجزائر وعندما عجزوا وطغت أيدي الظلم هاجر الكثير من أصحابها وافتقر الباقون حتى أصبحوا من المتسولين أما أملاك الوقف المشار إليه فقد وقع اغتصابها قهرا وعدوانا وكان ذلك سببا في ظمور حركة التعليم واختفاء المعلمين وغلق المدارس.
إن قرارات الإستيلاء على الأملاك بكل أنواعها قد استمرت في الظهور بين 1830 و 1837 وازدادت تضييقا وجورا أيضا في قرارات 1839، 1842 و 1848 و كان الهدف تفقير الجزائريين وإجبارهم على الهجرة وترويضهم سياسيا عن طريق الاقتصاد والحصول على الأملاك للأروبيين (منحة وبيعا) الواردين على الجزائر بقصد الإستيطان والإستعمار. ولم تكن تلك القرارات مقتصرة على الأملاك في مدينة الجزائر بل شملت كل المدن التي وقعت بالتدرج فريسة للإحتلال الفرنسي مثل وهران وتلمسان وعنابة وبجاية والمدية والبليدة ثم قسنطينة وغيرها. كما شملت القطاع الريفي أيضا بعد القبض على مقاليد الامور في المدن.
وقد كانت المدن الجزائرية وعلى رأسها العاصمة مضرب المثل في النظافة والأمن وكثرة الحدائق والبساتين وبهاء الدور ووفرة المياه حتى تغنى بها الأدباء والشعراء العرب وسجل ذلك الرحالة الأروبيون قبل الإحتلال الفرنسي فإذا بها تصبح بعد الإحتلال بسنوات قليلة مضرب المثل في الأوساخ و ذبول الحدائق وانتشار الأمراض المعدية الواردة مع الجنود والفساد الأخلاقي والغش والمضاربات والفوضى وانعدام الأمن خصوصا أيام تولى (دو بينوس) شؤون الشرطة وتولى القنصل السابق (دوفال) شؤون العدل ذلك أن بورمون قد أباح المدينة لآلاف الجنود والمرافقين لهم من حثالات فرنسا فعاثوا في المدينة فسادا واعتداء وتخريبا وحماقة وإهانة وهذا أمر مسجل في كتبهم و كذلك الأمر مع الجنود، فقد كان الضباط كما قال مؤرحهم (بول آزان) قد استولوا على الفيلات والقصور وجلسوا يتفرجون ويكتبون الرسائل لذويهم وخليلاتهم و ها هو النائب (دي صاد) يقول لزملائه في البرلمان سنة 1834 إن الجزائر كانت مليئة بالحدائق والمحلات الجميلة .. ولكنها الآن (أي بعد أربع سنوات) أصبحت جميعا خرائب وحتى أنابيب المياه التي تسقي المدينة قد خربت.!!
Discussion about this post