في مثل هذا اليوم 24 يناير 1965م…
إلقاء القبض على الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين في دمشق.
إيلي كوهين (بالعبرية: אלי כהן)، إلياهو بن شاؤول كوهين (26 ديسمبر 1924 – 18 مايو 1965) يهودي ولد بالإسكندرية بمصر لأسرة هاجرت إلى مصر من مدينة حلب السورية سنة 1924، عمل كجاسوس للموساد الإسرائيلي في سوريا بالفترة ما بين (1961–1965) منتحلا اسم «كامل أمين ثابت»، حيث أقام علاقات وثيقة مع نخبة المجتمع السياسي والعسكري، وكشفت سلطات مكافحة التجسس السورية في نهاية المطاف عن مؤامرة التجسس، واعتقلت وأدانت كوهين بموجب القانون العسكري قبل الحرب، وحكمت عليه بالإعدام في 1965.
في مصر
التحق في طفولته بمدارس دينية يهودية ثم درس الهندسة في جامعة القاهرة ولكنه لم يكمل تعليمه، أجاد العبرية والعربية والفرنسية بطلاقة.
في عام 1944 انضم كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية وبدأ متحمساً للسياسة الصهيونية تجاه البلاد العربية وبعد حرب 1948، أخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين. وبالفعل، في عام 1949 هاجر أبواه وثلاثة من أشقائه إلى إسرائيل بينما تخلّف هو في الإسكندرية.
عمل تحت قيادة إبراهام دار وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود على الهجرة وتجنيد العملاء، تحت اسم جون دارلينج وشكّل شبكةً للمخابرات الإسرائيلية بمصر نفذت سلسلة من التفجيرات ببعض المنشآت الأمريكية في القاهرة والإسكندرية بهدف إفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1954، تم إلقاء القبض على أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عرفت حينها بفضيحة لافون. وبعد انتهاء عمليات التحقيق، كان إيلي كوهين قد تمكّن من إقناع المحققين ببراءة صفحته إلى أن خرج من مصر عام 1955 حيث التحق هناك بالوحدة رقم 131 بجهاز الموساد ثم أعيد إلى مصر ولكنه كان تحت عيون المخابرات المصرية التي لم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956.
تجنيده في إسرائيل
بعد الإفراج عنه، هاجر إلى إسرائيل عام 1957 حيث استقر به المقام محاسباً في بعض الشركات وانقطعت صلته مع الموساد لفترة من الوقت، ولكنها استأنفت عندما طُرد من عمله وعمل لفترة كمترجم في وزارة الدفاع الإسرائيلية ولما ضاق به الحال استقال وتزوج من يهودية من أصل عراقي عام 1959. وقد رأت المخابرات الإسرائيلية في كوهين مشروع جاسوس جيد فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر، ولكن الخطة ما لبثت أن عُدِّلَت، ورأى الموساد أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو دمشق. وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد، ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه على التكلم باللهجة السورية، لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في الإسكندرية وكان طالباً في جامعة الملك فاروق وترك الدراسة فيها لاحقاً.
رتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقة يبدو بها سورياً مسلماً يحمل اسم كامل أمين ثابت هاجر وعائلته إلى الإسكندرية ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947. وفي عام 1952، توفي والده في الأرجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة أشهر وبقي كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة.
تم تدريبه على كيفية استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري كما راح يدرس في الوقت نفسه كل أخبار سوريا ويحفظ أسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة. مع تعليمه القرآن وتعاليم الدين الإسلامي. وفي3 فبراير 1961، غادر كوهين إسرائيل إلى زيوريخ، ومنها حجز تذكرة سفر إلى العاصمة التشيلية سانتياغو باسم كامل أمين ثابت، ولكنه تخلف في بوينس ايرس حيث كانت هناك تسهيلات معدة سلفا لكي يدخل الأرجنتين بدون تدقيق في شخصيته الجديدة.
وفي الأرجنتين استقبله عميل إسرائيلي يحمل اسم أبراهام حيث نصحه بتعلم اللغة الإسبانية حتى لا يفتضح أمره وبالفعل تعلم كوهين اللغة الإسبانية وكان أبراهام يمده بالمال ويطلعه على كل ما يجب أن يعرفه لكي ينجح في مهمته. وبمساعدة بعض العملاء تم تعيين كوهين في شركة للنقل وظل كوهين لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية كرجل أعمال سوري ناجح فكوّن لنفسه هوية لا يرقى إليها الشك، واكتسب وضعا متميزاً لدي الجالية العربية في الأرجنتين، باعتباره رجلاً وطنياً شديد الحماس لبلده وأصبح شخصية مرموقة في كل شيء وتشير بعض الشائعات لتعرّفه على العقيد أمين الحافظ، لكن توقيت استلام الحافظ منصب الملحق العسكري في بيونس آيرس كان قد تزامن مع سفر كوهين لسوريا مما ينفي أي علاقة مسبقة بين الرجلين
خلال المآدب الفاخرة التي اعتاد كوهين -أو كامل أمين ثابت- إقامتها في كل مناسبة وغير مناسبة، ليكون الدبلوماسيون السوريون على رأس الضيوف، لم يكن يخفي حنينه إلى وطنه سوريا، ورغبته في زيارة دمشق. لذلك، لم يكن غريباً أن يرحل إليها بعد أن وصلته الإشارة من المخابرات الإسرائيلية ووصل إليها بالفعل في يناير 1962 حاملا معه آلات دقيقة للتجسس، ومزودا بعدد من التوصيات الرسمية وغير الرسمية لأكبر عدد من الشخصيات المهمة في سوريا، مع الإشادة بنوع خاص إلى الروح الوطنية العالية التي يتميز بها، والتي تستحق أن يكون محل ترحيب واهتمام من المسؤولين في سوريا. وبالطبع، لم يفت كوهين أن يمر على تل أبيب قبل وصوله إلى دمشق، ولكن ذلك تطلب منه القيام بدورة واسعة بين عواصم أوروبا قبل أن ينزل في مطار دمشق.
التجسس
أعلن كوهين أنه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعياً حب الوطن. وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق، تلقّت أجهزة الاستقبال في الموساد أولى رسائله التجسسية التي لم تنقطع على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات، بمعدل رسالتين على الأقل كل أسبوع.
وفي الشهور الأولى تمكّن كوهين أو كامل من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة مع ضباط الجيش والمسؤولين الأمنيين وقيادات حزب البعث السوري. وكان من المعتاد أن يزور أصدقاؤه في مقر عملهم، وكانوا يتحدثون معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل ويجيبون على أي سؤال فني يتعلق بطائرات الميج أو السوخوي، أو الغواصات التي وصلت حديثا من الاتحاد السوفيتي أو الفرق بين الدبابة ت-54 وت-55 وغيرها من أمور كانت محل اهتمامه كجاسوس. وكانت هذه المعلومات تصل أولا بأول إلى إسرائيل ومعها قوائم بأسماء وتحركات الضباط السوريين بين مختلف المواقع والوحدات. وفي أيلول/سبتمبر 1962، صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان. وقد تمكّن من تصوير جميع التحصينات بواسطة آلة تصوير دقيقة مثبتة في ساعة يده أنتجتها المخابرات الإسرائيلية والأمريكية. ومع أن صور هذه المواقع سبق أن تزودت بها إسرائيل عن طريق وسائل الاستطلاع الجوي الأمريكية، إلا أن مطابقتها مع رسائل كوهين كانت لها أهمية خاصة سواء من حيث تأكيد صحتها، أو من حيث الثقة بمدى قدرات الجاسوس الإسرائيلي. وفي عام 1964، زوّد كوهين قادته في تل أبيب بتفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة. وفي تقرير آخر، أبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز ت-54 وأماكن توزيعها وكذلك تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب. وازداد نجاح كوهين خاصة مع إغداقه الهدايا على مسؤولي حزب البعث السوري.
القبض عليه
بتاريخ 24 كانون الثاني 1965، وبعد 4 سنوات من العمل في دمشق، تم الكشف عن كوهين عندما كانت تمر أمام بيته سيارة رصد الاتصالات الخارجية التابعة للأمن السوري. وعندما ضبطت رسالة مورس صدرت من المبنى الذي يسكن فيه حوصر المبنى على الفور، وقام رجال الأمن بالتحقيق مع السكان ولم يجدوا أحداً مشبوهاً فيه، ولم يجدوا من يشكّوا فيه في المبنى إلا أنهم عادوا واعتقلوه بعد مراقبة البث الصادر من الشقة.
اكتشفه محمد وداد بشير وهو مسؤول الإشارة في الجيش، حيث أن السفارات تبث وفق ترددات محددة، واكتشف وجود بث غير مماثل لهذه الترددات، فداهم سفارة أو سفارتين بعد الإذن بذلك، ثم رصدوا الإشارة مجددًا وحددوا المكان بدقة وداهموا البيت، وقبضوا على الجاسوس متلبسًا، وحاول أن يتناول السم، ولكنهم أمسكوه قبل ذلك.
وفي رواية وهي الأقرب أنه كان يسكن قرب مقر السفارة الهندية بدمشق وأن العاملين بالإتصالات الهندية رصدوا إشارات لاسلكية تشوش على إشارات السفارة وتم إبلاغ الجهات المختصة بسوريا التي تأكدت من وجود رسائل تصدر من مبنى قرب السفارة وتم رصد المصدر وبالمراقبة تم تحديد وقت الإرسال الإسبوعي للمداهمة وتم القبض عليه متلبساً وقبض على كوهين وأعدم في ساحة المرجة وسط دمشق في 18 أيار/مايو 1965.!!
Discussion about this post