في مثل هذا اليوم29 يناير1944م..
قتل قوات الإستعمار الفرنسي لمتظاهرين طالبوا بالاستقلال بساحة باب بوحاجة في سلا في المغرب، والتي سميت لاحقا ساحة الشهداء
اليوم الذكرى الـ80 لانتفاضة 29 يناير 1944، التي تشكل ملحمة بطولية تؤرخ لترابط العرش والشعب خلال معركة التحرير المتوجة بالحرية والاستقلال وإعلان نهاية عهد الحجر والحماية، وهي الانتفاضة التي شارك فيها ولي العهد حينها الراحل الحسن الثاني.
واندلعت هذه الانتفاضة، التي تجسد مدى الترابط القوي بين العرش العلوي والشعب المغربي، تحديا للغطرسة الاستعمارية، وتأييدا لمضامين وثيقة المطالبة بالاستقلال، وذودا عن مقدسات الدين والوطن، واستنكارا لحملات التقتيل والتنكيل والاعتقالات الجائرة التي أقدمت عليها سلطات الإقامة العامة الفرنسية لاستهداف زعماء وقادة ومناضلي الحركة الوطنية، وعموم أبناء الشعب المغربي، إثر تقديم هذه الوثيقة التاريخية في 11 يناير 1944، بإيعاز من الملك محمد الخامس.
ففي مثل هذه الأيام من سنة 1944، خرجت حشود غفيرة من الجماهير الشعبية من قلب العاصمة الرباط منددة بإقدام سلطات الحماية على اعتقال زعماء وقادة الحركة الوطنية، وبلغ صدى هذه المظاهرات ولي العهد آنذاك الحسن الثاني وهو داخل المعهد المولوي، فتخطى سوره والتحق بصفوف المتظاهرين.
وقد كان لمدينة سلا حظ عظيم في هذه الانتفاضة الباسلة، حيث هب وطنيون أفذاذ من هذه المدينة في انتفاضة تاريخية يجوبون شوارعها ويواجهون قوات الاحتلال وهجومها الشرس الذي أدى إلى استشهاد رجال أبرار بذلوا أرواحهم فداء للوطن. وقد اتسع نطاق هذه المظاهرات ليشمل مختلف المدن المغربية كفاس ومكناس وأزرو ومراكش وغيرها.
وقد عبر الملك الحسن الثاني عن هذا الحدث التاريخي بقوله: “هناك تاريخ مضبوط ظل عالقا بذاكرتي هو 29 يناير 1944. في ذلك اليوم، اكتسح جمهور من المتظاهرين شوارع الرباط، مرددين شعارات المطالبة بالاستقلال، وبلغني صدى هذه المظاهرات وأنا داخل المعهد المولوي، فتخطيت سوره، والتحقت بالمتظاهرين”، مضيفا: “لقد ترك يوم 29 يناير بصماته بعمق في ذاكرتي، كان معي يومئذ ثلاثة من رفاقي في المعهد، وكنا نصيح بصوت واحد: سنحصل على الاستقلال”.
وأمام هذه التطورات، ألح رمز المقاومة محمد الخامس، على الإفراج عن جميع المعتقلين، لكن سلطات الحماية طوقت المدن المنتفضة وقامت بإنزال عسكري، بل وهاجمت بالرصاص الحي المتظاهرين الذين دافعوا عن أنفسهم ومقدساتهم بكل شجاعة واستماتة، فسقط منهم شهداء رووا بدمائهم الزكية شجرة الحرية واعتقل عدد آخر صدرت في حقهم أحكام قاسية بالسجن.
وتوالت بعد ذلك الأحداث ليحتدم الصراع بين القصر الملكي وسلطات الحماية التي أقدمت في 20 غشت 1953 على اقتراف مؤامرتها الشنيعة بنفيها للسلطان الشرعي وإبعاده رفقة أسرته الشريفة إلى المنفى، لتندلع ثورة الملك والشعب المجيدة التي امتدت شرارتها إلى كافة الوطن، ولم تهدأ ثائرتها إلا برضوخ الاستعمار لإرادة العرش والشعب والعودة المظفرة للملك في 16 نونبر 1955 حاملا بشرى الاستقلال ومعلنا عن انطلاق معركة الجهاد الأكبر لبناء المغرب المستقل.
ويشكل الاحتفاء بهذه الذكرى مناسبة لاستحضار وتعريف الأجيال الصاعدة على إحدى المحطات التاريخية البارزة التي ميزت مسار نضال الشعب المغربي من أجل الاستقلال، وذلك بغية نقل قيم الوطنية الصادقة ومبادئ المواطنة الفاعلة لأجيال المستقبل، للانخراط بشكل كامل في مسلسل الحداثة والتنمية والتقدم الذي تشهده المملكة.
كما حظيت هذه الملحمة البارزة والمحطة التاريخية الهامة في تاريخ الشعب المغربي بعناية موصولة واحتفاء دائم ومستمر، ومن ذلك تنظيم مهرجان كبير بمناسبة الذكرى الخمسين حيث أناب الحسن الثاني ولي العهد آنذاك الملك محمد السادس لإزاحة الستار يوم 29 يناير 1994 عن اللوحة التذكارية المقامة تخليدا لأحداث يوم 29 يناير 1944 بساحة مسجد السنة بالرباط، والترحم على شهداء هذه الملحمة الخالدة..!!
Discussion about this post