لوسيل والمتنبي تقنية وعفوية !
حسين الذكر
لوسيل مفردة جميلة جدا لم تكن معهودة بين مسميات العرب بمختلف بلدانهم .. في القاموس اللغوي يشار الى انها اسم مؤنث ذات أصول لاتينية وتعني النور .. لكنها تاقت اصطلاحا كمدينة رياضية حد الشهرة على مستوى العالم المتعولم سيما بعد احتضان ملعبها نهائي مونديال الدوحة 2022 بما فيه من شهرة وما اجاد العقل المؤسس بإنجاز هذه التحفة الصناعية بتكلفة مادية ليست عصية للمعلب وبقية تحف المدينة من متنزهات وحدائق مائية ومسارح وصالات ومتاحف وفنادق فاخرة احالتها الى منجز سياحي و(لا بالاحلام ).. ليس ملعب رياضي فحسب .
كنت اتمشى في مدينة لوسيل اثناء نهائيات اسيا 2023 وقد دعيت لعشاء بإحدى مطاعمها الاخاذة بما احاطها من رحم الصناعة والابداع السياحي بلغت حد الاعجاب في الاستنباط والاستنساخ والابتكار المذهل بمزاوجة رائعة بين التراث القطري وبيئته الغارقة على بحر اعتاد الصمت طوال عصور سلفت وبقرب صحراء ظلت حارسة برمالها وجبالها ووحشتها من كل قادم غريب .
ترقبت بجول الناظر واستطلعت بعمق المناظر مع ما اختلجني من شعور كنت اصطنع الانتشاء الذاتي فيه .. اذ بدى شيء ما ينقص المكان بكل ما اؤتي وعزز من ابداعات العقل البشري وتقنيات الحضارة المحاصرة لكل شيء وفقا لزر كهربائي وضوئي وصوري .. شعرت بغربة ما واحسست بضيق تقني يلف الزمكان لا تفلت شاردة او واردة فيه حتى سلبتني أشياء أخرى مع عجز امكانية التحديد الا ان ردات فعل المشاعر الإنسانية بادية ومؤهلة للبحث عنها .
طالت سفرتي في الدوحة تلك العاصمة الاجمل مما زرت من بقع العالم اذ امتزج مخاض الصناعة بما اختمر من ارث وآثار حضارة انتجت تانق وترونق .
وقد اتصل بعض الأصدقاء من بغداد ممن اعتدت لقاؤهم كل يوم جمعة في شارع المتنبي الذي يحمل اسم شاعر العرب أبو الطيب المتنبي الذي قال في جميل ما قاله : –
(وما عجبي موت المحبين في الهوى ……….. ولكن بقاء العاشقين عجيب) .. يعد الشارع امتدادا لشارع الوراقين في ذروة ازدهار الحضارة الإسلامية في العهد العباسي .. وقد اشتقت فعلا لتلك الطلة والزحمة بالاف الجموع القادمة من مختلف المدن عراقية وعربية وعالمية تهفو اليه النفوس توقا لمكتباته وفاعلياته ومطاعمه وشواطيء دجلة فيه ومراكبه وامسياته واصبوحاته وما يباع ويشترى وما تشتهي النفس من عفوية تعبير غير مقيدة بما يسمى تخمة محددات الحضارة ..
بين المتنبي ولوسيل يجد الانسان جمالات غاية بالدقة ورفعة بالذوق يرتق التامل فيها الى روحانية واسترخاء جسدي وفكري جنائني .. لكنه يحتاج الى ما يسهل عملية التعبير الذاتي والعودة الى الانسان ( الانسان ) وبحثا عن الانسان .. قبل أي قيد مادي أخر ..