في مثل هذا اليوم20 فبراير 1928م..
إنجلترا تعترف باستقلال إمارة شرق الأردن واحتفظت لنفسها بالإشراف العسكري وبعض الإشراف المالي.
إمارة شرق الأردن هي كيان سياسي ذو حكم ذاتي كان قائمًا ضمن منطقة فلسطين الانتدابية رسميًا منذ 1921 ولغاية تاريخ إعلان استقلال المملكة الأردنية الهاشمية في 1946. وشملت معظم الأراضي الواقعة شرقي نهر الأردن، ومنه أخذت هذه التسمية.
بعد نهاية الحرب العالمية الأولى سعت كل من فرنسا وبريطانيا إلى تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو الموقّعة بينهما عام 1916 والقاضية باقتسام الهلال الخصيب بينهما، على أن تشمل السيطرة الفرنسية منطقة الدولة السورية الحالية ولبنان وجزءا من العراق، والسيطرة البريطانية مجمل المناطق العراقية وفلسطين وشرق الأردن، فيما سمي بعد ذلك بالانتداب.
وكانت جيوش الدولتين قد دخلت بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب إلى بعض هذه المناطق. كما كان التواجد البريطاني مقبولا إلى حد ما، في الأوساط الشعبية كنتيجة للوعود البريطانية المعقودة للحسين بن علي بالمساعدة على استقلال سوريا موحدة، بناء على مطالب المؤتمر السوري.
وكان الحكم الفيصلي قد بدأ يضع قواعده في دمشق. ولكن الجيوش الفرنسية دخلت دمشق بعد معركة ميسلون ووضعت حدا لهذا الحكم لتقيم سلطتها الانتدابية تنفيذا لاتفاقية سايكس – بيكو. وانتشرت في الأوساط الشعبية فكرة بأن الجيوش الفرنسية قد تتابع زحفها إلى شرقي الأردن لتضمها إلى منطقة نفوذها تعويضا عن الجزء العراقي الذي لم تمكنها بريطانيا من السيطرة عليه (بحسب تقسيمات سايكس – بيكو الأولى). وعمَّ الخوف في شرقي الأردن من الاحتلال الفرنسي خصوصا وأن الإدارة البريطانية قد وعدت الأهالي بإدارة محلية منفصلة عن فلسطين (وغير مشمولة بوعد بلفور)، كما وعدتهم بعدم تجنيدهم في الجيش وبعدم نزع السلاح منهم، وبإمكانية تنصيب أحد أبناء الشريف الحُسين بن علي حاكماً على المنطقة.
وفي 2 سبتمبر 1920 اجتمع رؤساء القبائل في أم قيس مع أحد الضباط البريطانيين وقدّموا له مذكرة خطية بما يطالبون بريطانيا به. وأجابهم المسؤول البريطاني خطيا. ومن أهم مطالبهم:
إقامة حكومة وطنيّة تضم لوائي الكرك والسلط وقضائي جرش وعجلون (مجمل أراضي المملكة حاليا) وحوران وقضاء القنيطرة، وقبول الانتداب البريطاني على هذه الدولة.
أن يرأس هذه الحكومة أمير عربي وأن لا تكون لها علاقة بحكومة فلسطين البريطانية وأن تمنع الهجرة اليهودية إلى أراضيها ويمنع بيع أراضيها لليهود.
أن يكون لها جيش وطني تدعمه بريطانيا بالسلاح، وتمنع الفرنسيين من احتلال أراضيها. وأن تحافظ هذه الدولة على إيواء جميع السياسيين السوريين اللاجئين اليها.
وأن يكون لها تمثيل خارجي كامل كدولة مستقلة.
وعلى إثر ذلك تألَّفت في شرق الأردن حكومات محلية استعانت بمستشارين بريطانيين.
وكانت المقاومة الشعبية للاحتلال الفرنسي في مناطق تواجده قد بلغت أوجها. وكتب عدد من المواطنين إلى الشريف الحُسين بن علي يطلبون إليه إيفاد أحد أنجاله لمتابعة المقاومة استمرارا لقناعتهم بخُطى الثورة العربية الكبرى. وأخبر الشريف حُسين الجنرال البريطاني إدموند ألنبي بهذه الرسائل. واستقر رأيه على إرسال نجله الأمير عبد الله ليترأّس المقاومة، وأوعز إليه بالتوجه إلى مدينة معان. ووصل الأمير عبد الله معان في 21 نوفمبر 1920.
وكانت بريطانيا في ذلك الوقت تهيئ قواتها في العراق لاسترجاع مراكزها بعد الثورة العراقية. واهتمت بريطانيا وفرنسا بقدوم الأمير عبد الله، وجرت بينهما اتصالات بهذا الشأن. واحتجت فرنسا على قدومه خصوصا وأنه أعلن نفسه نائبا عن أخيه فيصل ملك سوريا المنفي في ذلك الحين. ووجَّه الدعوة إلى جميع أعضاء المؤتمر السوري المنحل للالتحاق به. وأعلن عزمه على متابعة النضال وتأليف حكومة سورية وحدوية. وأصدر منشور «إلى أهالي سورية» يعلن ما جاء من أجله. ويبدو أنَّ الاستجابة لم تكن كافية. كما تبيَّن للأمير أن القيام بأعباء هذه الحركة بحتاج إلى المال، وهو لا يملك مالا. حتى أنه اضطر أن يقترض ثلاثة آلاف دينار من عودة أبو تايه.
تخوف البريطانيون والفرنسيون من قدوم الأمير عبد الله، ومن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع حدة المقاومة وتوسيعها ضد نفوذ الدولتين، فنشطت الاتصالات بينهما مجددا حول المسألة السورية وضرورة تهدئة الأوضاع في سوريا كلها. واستعجلت المحافل الدولية في وضع الأطر «الشرعية» والتنظيمية لانتداب الدولتين على سوريا وتثبيت تقسيمها. خصوصا وأن اتصالات جرت بين الأمير عبد الله وكمال أتاتورك بواسطة غالب الشعلان أثارت تخوّف بعض الخبراء البريطانيين من أن يكون وراءها خطط وحركات مرتبطة بسياسات دول أخرى. وقد قدر بعض هؤلاء الخبراء أن يكون لهذه الاتصالات علاقة بالسياسة البلشفية.
طلبت الدوائر السياسية في لندن من الملك فيصل الاتصال بوالده لإيقاف أي حركات عدائية لبريطانيا في شرقي الأردن. وبعد عدة اتصالات أوفد الملك فيصل صبحي الخضراء أحد أعوانه إلى عمّان بحمل توصيات لأخيه الأمير عبد الله وبدأت المفاوضات بين الملك فيصل والبريطانيين في لندن بتاريخ 23 ديسمبر 1920.
واستمرت هذه المفاوضات إلى أن تسلَّم تشرشل وزارة المستعمرات البريطانية التي أُنيط بها حل المسألة السورية. وأثناء هذه المفاوضات حاول المندوب السامي على فلسطين صموئيل (وهو يهودي) أن يقنع حكومته على احتلال شرقي الأردن احتلالا كاملا ليطبق عليها ما يطبق على فلسطين. وقد فشل صموئيل في ذلك نتيجة لجهود الملك فيصل الذي كان يلح على الوزارة البريطانية بضرورة التفاهم مع أبيه وتسوية القضية السورية تسوية مُرضية للجانبين. وتم الاتفاق مبدئيا على إنشاء حكومتين وطنيتين في العراق وشرقي الأردن.
يبدو أن بريطانيا قد أرادت بذلك فعلاً أن تهدئ الأمور «وتعوض» بهذا الاتفاق عن سياستها في فلسطين.
واتصل تشرشل بالأمير عبد الله من القاهرة وأبلغه رغبته بالاجتماع به في القدس. وتم الاجتماع في 28 و29 و30 مارس 1921. وكانت نتيجة المحادثات ما يلي:
– تؤسس في شرقي الأردن حكومة وطنية برئاسة الأمير عبد الله.
– تكون هذه الحكومة مستقلة استقلالا تاما.
– تساعد بريطانيا هذه الحكومة ماديا لسد نفقات إقامة قوة عسكرية غايتها توطيد الأمن.
– تسترشد هذه الحكومة برأي مندوب بريطاني يقيم في عمّان.
– يتعهد الأمير عبد الله بمنع “الاعتداءات من شرقي الأردن على سوريا وفلسطين”.
– تسعى بريطانيا لتحسين العلاقات بين الأمير عبد الله والسلطة الفرنسية في سوريا.
– تنشئ بريطانيا مهبطي طائرات في عمّان وزيزيا.
– يعتبر مشروع الاتفاق بمثابة تجربة مدتها ستة أشهر. فإن كان ملائما للطرفين استمر العمل به، وإلا يعاد النظر فيه.
وقد أعلن الأمير عبد الله أثناء المحادثات عن اعتقاده بأن أفضل سبيل لحل مشاكل المنطقة هو إقامة حكم واحد في فلسطين وشرقي الأردن برئاسة عربية فرفض تشرشل ذلك لأن حكومته تريد تنفيذ وعودها لليهود.
وعاد الأمير عبد الله إلى عمّان. وهكذا تأسست إمارة شرقي الأردن. وقد رأى الأمير عبد الله ومرافقوه أن مبادئ الاتفاق ستشكل خطوة إيجابية أولية في مصلحة المنطقة فوافقوا عليها. وتحقق بذلك أساس للاستقرار ولمسيرة الاستقلال، في حين بقيت مناطق أخرى من سوريا الطبيعية (لبنان وسوريا وفلسطين) تعاني من مظالم الحكم الأجنبي.
وقد استعان الأمير عبد الله في إدارة دفة الحكم برجال أكْفاء ومخلصين. وكانت أول حكومة أردنية بعد عودة الأمير من القدس وتأسيس الإمارة في 11 أبريل 1921.
تعود جذور الحياة السياسية في الأردن والذي عرف سابقاً باسم شرقي الأردن إلى فترة الحكم العثماني باعتباره جزء من سوريا العثمانية وفي أواخر العهد العثماني وتحديداً في عام 1908 مثل شرق الأردن بنائب في مجلس المبعوثان ضمن ولاية سوريا، حيث مثل المنطقة عن لواء الكرك في الجنوب والشمال عن لواء عجلون وبعد انتهاء الحكم العثماني وباعتبار شرقي الأردن جزء لا يتجزأ من الدولة السورية التي أعلنها الأمير فيصل بن الحسين شارك الأردن في المؤتمر العام الذي عقده الأمير فيصل عام 1919 لتدارس وضع دستور للدولة وكذلك المشاركة في الانتخابات التي تم بموجبها انتخاب أعضاء المؤتمر ومثل الأردن فيها عشرة أعضاء منتخبين باستثناء الشمال الأردني وركزت قرارات المؤتمر على الاستقلال ووحدة سوريا والاتحاد مع العراق وشارك الأردن بالمؤتمر الثاني أيضا الذي عقد في سنة 1920 ولكن لم يكتب لهذا المؤتمر النجاح بسبب البدء بتنفيذ اتفاقية سايكس بيكو من قبل بريطانيا وفرنسا لتصبح سوريا تحت الانتداب الفرنسي بعد معركة ميسلون(23/7/1920) وسقوط الحكومة العربية التي أسسها الملك فيصل (حيث طلبت القوات الفرنسية منه المغادرة، فغادر إلى درعا ثم إلى شرق الأردن ثم واصل المساعي السياسية في أوروبا) في دمشق اما شرقي الأردن فقد وقع تحت النفوذ الإنجليزي بعد أن أوعزت الحكومة البريطانية لمندوبها السامي في فلسطين هربرت صموئيل التوجه نحو شرق الأردن لامتلاك زمام المبادرة حيث قامت بتشكيل حكومتين محليتين الأولى في الكرك والأخرى في عمّان وتم تشكيل حكومة ثالثة فيما بعد في صما تضم كافة مناطق شمال الأردن وأصبح الأردن يخضع للنفوذ البريطاني بناءً على الاتفاق السابق مع الفرنسيين في عام 1916.
بناءً على موقف الإمارة في الحرب العالمية الثانية ونظراً لضغوط القوى الوطنية بالمطالبة بالاستقلال، فقد تمت دعوة الأمير عبد الله إلى لندن والدخول في مفاوضات انتهت بعقد معاهدة تحالف جديدة بتاريخ 22 مارس 1946 تلغي معاهدة 1928 واعتراف بريطانيا بالإمارة دولة مستقلة كاملة الاستقلال، والأمير عبد الله ملكاً عليها، ورفع مستوى التمثيل بين البلدين إلى مستوى سفارة، وعلى اثر ذلك تم دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد حيث ألغى العمل بالقانون الأساسي لعام 1928 واعلن الأردن مملكة مستقلة ذات سيادة في عام 1946 وتم تعديل الدستور، الذي أصبح يعرف فيما بعد بدستور 1946.!!