حوار من النار إلى النور
مع الشاعر عصمت شاهين الدوسكي
حوار الدكتورة السورية : رويده عباس
* الشعر قبل كل شيء إحساس
* كاوه الحداد مشهدا للنور
* المرأة الكوردية عروسة في كل الفصول
*حينما يشرخ الدار تظهر المعاناة
*الغربة الجدارية تنقلك إلى عالم آخر
* رمزية آذار تعاني من الحقيقة المخفية بين شعلة النار وحقيقة النور
التعبير المقرب يكون أقرب إلى تجزئة التعبير*
حضرة الشاعر ….الأستاذ عصمت شاهين الدوسكي يسرني أن التقي بكم مجددا في حوار بعنوان من النار إلى النور
يكشف الحوار النقاب عن رؤية مرتبطة بعيد نوروز. لهذا العيد من أهمية للناس الذين يحتفلون به في الحادي والعشرين من شهر ٱذار من كل عام، هذا الحوار يعري التقاليد ، ويكشف فلسفة خاصة بهذا العيد… بداية دعني أرحب بكم حضرة الشاعر تحية طيبة .
* حضرتك…في البداية إذا سمحت لنعطي نبذة مختصرة عن أهم المواضيع التي تناولتها في شعرك …يسعدني أن أتعرف على ما يجذب انتباهكم…ويثير أحاسيسكم….
– الشعر قبل كل شيء إحساس ،صورة نفسية روحية فكرية تجسد واقع ما ، إيحاء فكرة كلمة صورة مرئية خيال تكون شكلا شعريا على الورقة ،شتى المواضيع تناولتها في شعري الأرض الحرب الحب الجمال الثورة الحرية الإنهيار الانتصار النار النور الفساد الظلم ثورة الوعي الإنسانية بكافة عوالمها الرحبة هناك أحداث مصيرية لا يمكن للشاعر أن يسكت عنها فالساكت عن الحق شيطان أخرس وقصائدي رسائل مباشرة للعالم أيقونة النور لكل الأزمنة والأمكنة .
* الأستاذ عصمت شاهين دوسكي العاشق أبدا للحب والجمال والحرية….ما هي المٱسي…الأحزان والٱلام التي يذكرك بها شهر ٱذار….؟
– شهر آذار شهر الحب والجمال والعطاء والخيرات والنور الكوني والأرضي والإنساني يتمثل في الرحمة الإلهية على البشر ونقل هذه الرحمة من إنسان إلى إنسان ليعم الخير على الجميع أما المأسي والظلم والآلام فهي من صنيعة الظالمين الفاسدين فما كان كاوه الحداد عبر التاريخ إلا مشهدا للنور عبر شعلة النار وليس اتخاذ النار طوافا رمزا للشر بل اتخاذ النار نورا للنفس والروح والأفكار والعبرة الوحيدة هي النور من خلال رمز وشكل النار .
* كيف كان وقع هذه المٱسي على المرأة في كردستان ..؟
– المرأة الكوردية عروسة في كل الفصول رغم التقاليد البالية والذكورية المفرطة أصبحت أكثر وجودية وأكثر تحررا وأكثر عطاء وهذا ما نراه في تثبيت ذاتها في مجال الإعلام والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والمنظمات الإنسانية ومشاركتها في الجيش وغيرها كثير ،فهي تناغم التقاليد ليس حرصا على التقاليد بل حرصا على إثبات وجودها كيانها وتقديم ما لديها من علم وتربية وأخلاق وإبداع إضافة إنها ملكة في بيتها ،نعم تعاني المرأة الكثير من المآسي في عصر يرى المرأة متعة وقتية وخادمة مسخرة لكل شيء فزمن الجواري والرق ما زال قائما بصورة وأخرى رغم التطور الهائل في العالم .
* حضرة الشاعر وتشردت حروف الدار…. ما بالي بهذا التشبيه الرائع …؟
– الدار يعني وطن أمان استقرار دفء حب رحمة تواصل بين القلوب شمل الأرواح وتناسق النفوس وصورة مثالية للحياة وحينما يشرخ الدار تظهر المعاناة في أركانه جدرانه أبوابه نوافذه حديقته ، يسلط التعب والجهد على ساكنيه وحينما يقصف الدار ولم يبقى سوى أطلالا هنا تتجلى معاني الدار بكل تفاصيله الوجودية الزمنية المكانية وهذا ما دونته بالتفصيل في روايتي الإرهاب ودمار الحدباء وكذلك في قصائدي مثل التشرد ،وطن السلام ،أحلام حيارى ، سنجار ، كاوه الحداد ، دهوك ، العبارة ، حلبجة الجريحة وغزة وغزوات وأنا بلا عمل وغيرها .
* من مثلي بكت على وجع الغربة بين جدران وجدار…ماذا تقصد بالجدار والجدران …؟
– جدلية الوجود واللا وجود والحياة واللا حياة والجهل واللا جهل والوعي واللا وعي والفساد واللا فساد والعطاء واللا عطاء والحب واللا حب، حياة تطوقها جدران قد تكون جدران روحية نفسية أو مكانية والقيود ليس سلاسل مقيدة على المعصمين ربما تكون بين الأهل والناس والمجتمع لكن تحس نفسك مقيدا وحيدا تشعر بالغربة هذه الغربة الجدارية تنقلك إلى عالم آخر لا يراه سواك أنت ولا أحد يشعر بك مثلا وجودك في بيت أو شقة فارغة ليس فيها سوى فرشة تنام عليها أو قطع من الكارتون والجرائد تنام عليها أليست هذه غربة داخل غربة ..؟ ، وما أكثر البشر الذين يشعرون بهذه الغربة الروحية والمكانية والزمنية كأنك تعيش في زمن ليس زمنك ومكان ليس مكانك .. وهذا الشعور هي نار تؤلمك وهو نور الغربة الذي لا ينطلي عليك مهما حاولت الابتعاد عنه .
* أنا آذار
بطل بلا شهادة
أنا بلا بيت بلا وطن بلا حياة خلف التتار
حضرة الشاعر …انا ٱذار بطل بلا شهادة…أنا ٱذار بلا حياة خلف التتار …معاني العميقة لهذا الوصف المميز حضرة الشاعر ..؟
– هنا رمزية آذار تعاني من الحقيقة المخفية بين شعلة النار وحقيقة النور بين الواقع والخيال ، جدلية النار والنور تهاوت على شفا المظاهر الكاذبة الخادعة كالشعارات الرنانة التي لا تغني من جوع ولا تسد رمق العيش ، آذار في رمزيته بطلا لكن بطلا على الورق فقط وليس على واقع الحال فما فائدة وجود البطل الخارق والفقراء زادهم القمامة وسقفهم فضاء واسع والتربية تعاني من وجودها والعدل مجرد ميزان أعمى والفوضى عارمة والفساد كالسرطان يأكل الأخضر واليابس والحق ضائع بلا ملامح فلا شهادة لبطل لا يقدم ولا يؤخر وما حوله مجرد لماعون منافقون أنانيون أشد من تتار ..أشد من لقمة العيش والفقر والحرمان .
* حضرة الشاعر كان لكم رؤية لمٱسي ٱذار
الجهل سكن ارضي
وأبو جهل ترك الجهل لنا بدينار
بريء أبو جهل من قتلنا وغرقنا…
صورة تهكم وسخرية من الواقع …لثلة من الأشرار…؟
– تناقضات هذا العصر ومكابدات المجتمع وتغير الأحوال والأحداث إلى الأسوأ رغم مشاهدات التطور العالمي في كل التقنيات التي تفرض نفسها على أرض الواقع ،هذا التراجع الفكري والأخلاقي يحصر نفسه في ظاهرة المظاهر القشرية وعدم الاهتمام بالجوهر الإنساني فطول العمارات لا يعني طول ووعي وأبدان البشر بل يعسكر على جهل الآداب وبناء الصروح يطغ على نفوس الفساد ، فإعمار البشر له الأولية ثم يأتي إعمار البنيان فأبو جهل لم يفشي الجهل بيننا بل آلاف مثل أبو جهل تعمدوا أن يكون الواقع مزريا ضعيفا خاليا من الأدباء والعلماء ومن الصناعة والبناء السليم والفكر المتقد بالحياة بالنشاط والإعمار الحقيقي ، ولا ننسى مرة ثانية أعمار وبناء الإنسان يتقدم على أعمار وبناء العمارات والصروح ، وحينما يكون الجهل والفساد والفوضى والأنانية من المسلمات بيننا تكون الكارثة كبيرة ، وحينما يضعف العلم والفكر والحق والعدل والتطور والإبداع كأنك تقتل تنهي مصير أمة كاملة .
* أنا آذار
باعوا شهادتي في مزاد بلا زوار
على مسرح الجريمة والعقاب
نصبوا مشنقة الأدوار
ذلة .. هزيمة .. تسول ..
حضرة الشاعر…ما الشهادة التي باعوها ..ماذا حدث بالفعل….؟
– من يهون عليه بيع نفسه يهون عليه بيع أي شيء كان صغيرا كان أم كبيرا فالبراءة والعفة والشرف والضمير والنقاء والمبادئ والوفاء والحب والرحمة في كفة ضعيفة إلا ما ندر وهذه الصورة المتدنية تفتح الأبواب للدعارة للسرقة للجريمة فمهما كانت الحياة في ظاهرها جميلة من خلال هذه التداعيات يبقى جوهرها مأكولا ذليلا ضعيفا ، الشهادة الوحيدة هي النور وحينما يباع النور يتجسد الظلام .
* آه وآه آذار
سيأتي يوم وأقبل بعمق سيدة آذار
ينتهي وجعنا حرماننا عذابنا
ونحيى بين سنابل وأنهار
أنا ٱذار…أنا سيدة ٱذار ….أرجو توضيح تداخل المشاعر الإنسانية في شخصك حضرة الشاعر…؟
– لا يبقى حال على حال التغيير مستمر وبقاء الحال من المحال لابد للوجع والحرمان والعذاب والألم نهاية لا بد للظلم والفساد والجهل والأنانية والحرب والنار والخراب والدمار نهاية ، أنا الذكورية لا تحيى لوحدها مثلما آدم لم يقدر له أن يكون وحيدا فخلق الله حواء إيحاء الاثنان يمضيان معا رغم كل المعاناة والمكابدات والتناقضات ولو لم تكن حواء مكملة الحياة لما وجدت على الأرض فسيدة آذار صورة مقدسة لنور آذار لجمال آذار لحقيقة آذار لجوهرها المعني بالإنسانية .
كيف خطر على بالك أن تقول أنا ٱذار ..؟***
– التعبير المقرب يكون أقرب إلى تجزئة التعبير في الشكل الشمولي والمضمون الأكثر عمقا ، آذار هو الشهر الثالث من شهور السنة الميلادية حسب الأسماء المستعملة في المشرق العربي يقابله مارس في التسمية الغربية.
مارس أو المريخ هو اله الحرب في روما القديمة وهو أيضا إله الزراعة كانت معظم الأعياد الرومانية الخاصة تتم في شهر آذار مارس وكلمة مارس مشتقة من جذر بروتو الهند الأوروبي بمعنى الحافة ، الحدود ، أي بنسبة الحدود بين مركزين للقوة ،ومارس هو الشهر الثالث من السنة في التقويم الجريجوري وواحد من السبعة الشهور الجريجورية ويتكون من 31 يوم ويسمى في العراق وبلاد الشام آذار شهرا مكرسا للإله آشور أبو الألهة والكلمة مشتقة من جذر ” هذر ” لما يقع فيه من عواصف وسيول وهدير وبعض الناس اليوم يسمونه آذار الهدار ، وفي تكوير الزمن والطبيعة وجدليته الحياتية يجسد الوضوح والغموض ما بين عوالم الظلمة والنور والحق والباطل والدفء والبرد والعطاء والجفاء والموت والفناء والسرور والحزن والحب والكره والرحمة والقسوة وما بين هذه العوالم الجدلية يتجلى فصل الربيع فصل الجمال والحب والحياة تنبعث الولادات من جديد حيث تكون البدايات ويكون آذار يجسد كل ما هو نور وهبات سماوية لونية وجمالية يحمل في وجوده الشروق والتجديد والأمل ،
* سيدة ٱذار
صوتك عذب بين الرؤى
……….
رغم الريح يلامس البوح
والمآسي تبعث البوح
…….
فالوجع مركون بين السطور
تزف عرسا بلا طبول بلا مزمار
لا شك الأغلب يعلم تعدد المناسبات في شهر آذار والتي أكثر شهرة عيد نوروز الذي يعرف برأس السنة عند بعض الشعوب ..؟
– نعم رغم هناك قوميات وشعوب تحتفل فيه في أغلب القارة الآسيوية مع تناغم وتماثل وتشابه في المضمون والشكل مثلا عيد شم النسيم في مصر ، عيد نوروز معناه اليوم الجديد والتي تشكل رمزيته الوجودية أهمية الشعوب في تمسكهم بالفرح والتجديد والكورد بالنسبة لهم عيد مهم اجتماعي قومي ويدل على تمسكهم بالحرية والانتماء رغم بلادهم المقسمة بين أجزاءه الأربعة في سوريا وايران وتركيا والعراق يحتفلون ليثبتوا جذورهم المكانية رغم استهدافه من قبل الاستعمار وبين هذه التجليات تكون المشاعر الصادقة لتصدح بما فيها من فرح وحزن وأمل لمستقبل جديد ينقل هذه الشعوب إلى مرحلة متقدمة بين شعوب العالم .
* فتحت أبواب الشموس
لم أرى للأبواب أسرار
أعادت لي حلما
بعد أن كان بين الحطام غبار
عمرت لي بيتا
بعد أن كان بين البيوت منهار
حضرة الشاعر …استشعرت الحقيقة من إحساسك المرهف قلا يحجبك عنها ستار…أعادت لك حلما بعد أن كان غبار…وبنت لك بيتا بعد أن كان منهار…كيف إحساسك يوصلك للحقيقة..ما هو الحلم
الذي كنت تحلم به ولامسته..ماذا عن بيتك المنهار.؟
– مرت جميع التخيلات التي رواها التاريخ من السيطرة العثمانية لولاية الموصل إلى حركة الشواف والانقلابات والثورات ، حقائق شاهدتها المخيلة الإنسانية متأرجحة بين عقل راجح وذكاء وافر وبين تأثير رابح وتعد سافر وبين العالم والجاهل سواء في عدم القدرة على التميز بين الماضي والحاضر وبين غانم وخاسر ،كانت الموصل وأهل الموصل حقل تجارب للآخرين بين خراب ودمار وبنيان عامر ، ربما يقول معترض هذه سفسطة فالواقع غير هذا ،وهنا يستلزم سرد عدد كبير وعظيم من الحوادث ، لكن أقول لا يكفي لهذا العمل الإنساني عدة مجلدات وكتب وروايات ، سرد واقعة انهيار ودمار بيتي ، وهي من الأدلة الواقعية التي كنت أتخيلها سابقا واراها أحيانا في شاشة السينما البيضاء عندما كنا صغارا ومراهقين نرى أفلام الحركة وأفلام الحروب الهوليودية العالمية التي تغير وتوجه دماغ البشر لما هي تريد، بعد قصف ودمار بيتي بالخطأ مثلما صرحوا وأعلنوا خرجنا بلا وعي ونظرت إلى بيتنا وجدته دمر بالكامل لقوة الصاروخين لم يبقى سقف ولا أثاث ولا غرف ولا سيارة ولا مكتبتي كل شيء أصبح كومة ركام مجرد أحجار ، كأنك تحطم حلم كبير بنيته حجر على حجر وجملته من الشجر والزهر والورد والياسمين خرجنا من بيت جيراننا والذهول والصدمة الكبيرة على ملامح وجوهنا ،لكن من كان يؤمن بالله يصبره الله في الشدائد والمصائب الكبرى والحمد لله .فأي حلم يتراءى في ظل هذا الدمار المكاني والنفسي في ظل هذه المكابدات والمعاناة ..؟ وكل هذا دونته بتفاصيل ومشاهدات مهمة في روايتي الإرهاب ودمار الحدباء .
* حضرة الشاعر
فأنا وأنت نور المعاني
وإن كنت رمزا أو نار
هناك معنى فلسفي عميق لهاتين الجملتين القصيرتين… تفضل حضرتك… ؟
– لو سألنا ما الفرق بين النور و النار؟ نجد إن النور والنار كلاهما طاقة والطاقة إما مصدر بذاتها أو تحتاج إلى وسيلة آلية توليد لها، مثلا الشمس مصدر للطاقة الحرارية بذاتها وهى أكبر مصدر للنار على سطحها وأكبر مصدر للنور يضيء الأرض كلها فهي نار لها نور أي شعاع ضوء ينير الطريق أمام السائرين على الطرق ومصدر نار حراري تسخن سطح الكرة الأرضية وهواءها فنشعر بموجاتها … الله نور السموات والأرض ومن يحب الله ويتبع أوامره يضع الله في طريقه نورا ويكون محبوبا بين الناس ويرزقه من حيث لا يحتسب ” ويجعل لكم نورا تمشون به 28 الحديد” بلاغة الوصف والبيان لهدي القلوب ، وإحراق بلا إشراق هي النار المظلمة وما هو نار ونور مثل الشمس ونار المصابيح ، ثنائية النار والنور في قصائدي لها مدلولات ومدارات قريبة أو بعيدة من خلال إعطائها ملامح طاقاتي الشعرية وامتلاك مثيلاتها الإيحائية بحيث تهب وتستقطب ما أجسده وأثيره من عمق خفي أو إضاءات بارزة تظهر من خلالها مكنون الذات والرؤية ويؤشر النار والنور إلى ما تحمله من رموز ودلالات رمزية أسطورية تجدد العصرية رغم تراكماتها الزمنية تفرض نفسها على مجريات الأحداث الشكلية الظاهرية والوجدانية وترابطها واتصالها وعلاقتها مع الواقع لتكمل دورها الفعال والمؤثر من أعماق الزمن إلى وقتنا الحاضر رغم تشعباتها وتناقضاتها .
**حضرة الشاعر ..في الحادي والعشرين من شهر ٱذار يحتفل بعض الناس بعيد النوروز…
– تقول الأسطورة : كان في كردستان حاكم جائر يدعى ( الضحاك ) أو ( زهاق ) ظهرت دملتان فوق كتفيه على شكل ثعابين ، فوصف له الأطباء دواءً بقتل شابين كرديين وإطعام الثعابين من مخهما أو دمهما .. وكان هناك حداد اسمه كاوه عنده سبعة أبناء ، قتل الملك ستة منهم ، وحين جاءوا لأخذ الابن الأصغر ، انتفض كاوه بمعية الشعب وقتلوا رجال الملك، ثم اقتحموا قصر الملك فهوى كاوه بمطرقته على رأس الملك الجائر وقتله وأشعل النيران على أبراج قصره إيذاناً بيوم الخلاص من ظلم الملك الجائر ..
نوروز
شعلة كاوه بلا مدار
تحدى الظلام والردى والنار
كل طاغ ومستبد
كل جاهل وقاتل وجبار
* عبرت حضرة الشاعر عن نوروز بشعلة كاوا الحداد… الشعلة الوقادة بلانهاية …لتمثل الحق االعدل في انتصار الحق على الباطل…ما رمزية هذه الشعلة … ؟
– رغم هناك أشكال لتعدد وحدة الوجود البشرية وغير متضاربة ومن الممكن أن يجتمع بعضها مع البعض الآخر لتوجهات ورؤى مختلفة هو وجود بسيط وترتبط بعلاقة إنسانية وهذه العلاقة تظهر مع الزمن لتعبر عن وجود رابط وهي الحرية الحق العدل فكاوه رمز مثلما النار رمز كجوهر ثابت للحياة السليمة مثلا طوفان حول النار يجسد عبادة النار وهو كترتيب فكري وأخلاقي يتجلى كدين أو معتقد آخر وتثبت صورة محددة لعبادة النار وإن كان الأمر كنية نفسية غير ذلك فيدخل الشك والتشكيك في هذا الرمز الذي يدل على الانتصار ، انتصار الحق على الباطل انتصار النور على النار لهذا لا يمكن تبرير الشكل ” النار – كاوه ” من حيث ديمومة الوجود وطبائعها المختلفة . فهناك بين شعوب العالم من يطوفون حول النار كعبادة أو معتقد ما ، فعندنا شعلة كاوه نور وليس نار وكاوه شكل إنساني لحقيقة الوجود الصحيح وعدم السكوت عن الظلم . وصار الاحتفال بهذا اليوم سنوياً وسمي بعيد نوروز أي يوم جديد … وهناك أساطير أخرى قد تكون قريبة من هذه الأسطورة وكلها تعطي تفسيرات مفادها ” حتمية انتصار النور على الظلام وانتصار الحق العدل على الظلم والاستبداد ” .
نوروز…….
ثورة أنارت حياة
وشاحها نوروز الحرية آذار
طافت بين القلوب والقمم البيضاء
حتى بانت على السفوح عيون وأنهار
* يا عشاق كاوه لا تسألوا الحداد
كيف انتصر على ( الضحاك ) المغوار ؟
لا تسألوا لما كانت شعلة
بين الأيادي ثأر وإصرار ؟
كيف هوت على الظالم
وكيف أصبح عشاق الحرية ثوار؟
حضرة الشاعر ..ماذا يجب أن يعي عشاق كاوه …؟
– الوعي مهم جدا فالتقاليد الشكلية قد تنقلب ترتيبا سنويا إلى شكل بعيد عن الجوهر الرئيسي أي حينما نقدم تنازلات شكلية ونتهاون في وجود الشكل الرمزي قد تنقلب إلى عبادة النار دون وعي منا مثلما يحصل في عبادة النار في الهند أو في أماكن أخرى ، هذا التفسير من الآخر بطبيعته يأخذ رؤية مغايرة وقد تقوم هذه الرؤية على معتقدات ثلاثة أولها فهم الرمز بوعي متقد بالحياة والثاني تصور حقيقي بعدم المغالاة في التقليد والثالث سريان النور في شكل الشعلة يمثل إضافة للحياة واقرب مثال الشمس وترتيبها النوري ابتداء من مرورها كشعاع إلى القمر ثم إلى الأرض وانعكاساتها حسب القوة والضعف مما يظهر إن النور واحد إلا أن مراتبه مختلفة بين الشدة والضعف هكذا حقيقة النور هي ما يعرض لها من تصورات وتعدد الرؤى .
* نوروز….
فرحة العيد بيوم جديد
تكون أنت العيد واليوم الجديد كل نهار
ما اروع هذا التعبير …. ما دلالة هذا العيد ..وما يجب على الناس في هذا اليوم… ؟
– نوروز أول أيام الربيع وهذا يدل على الفرحة والسرور وهذا الأمل يشرق بحال جديد وعلى البشر أن لا يتعدى هذا الحد التفاؤلي بمنهج الرؤية السليمة للحياة وحينما يكون الإنسان ذو صحة وعافية وأمان وسلام راضيا بما هو فيه تعتبر أيامه كلها عيد ، والعيد الحقيقي للإنسان أن يكون هو عيدا بين الناس نورا جديدا له وللآخرين .
* هل أعطى الأدباء الكورد مفهوم نوروز في صورته الجلية وعمقه الإنساني ..؟
– لكل أديب وكاتب وجهة نظر وتحليل يرتكز على تجربته الأدبية ورؤيته الشمولية أو المحدودة والكثير كتب عن نوروز وأصبحت بعض الكتابات نبراسا للكورد خاصة والعالم الإنساني عامة .
الخاتمة….
أجد نفسي أمام فيلسوف يتحدث عن ثنائية النار والنور…يمكن بالتعمق تحليل رؤيتك…واستيضاح ما وراء السطور…بروح شاعر الفيلسوف تعبر عن شعورك ومعانيك التي تحملها المقاطع الشعرية…
حضرة الشاعر…أرى أن شعرك نورا للأرواح المتعبة، ومهما كتبت هنا أتتبع مداد قرطاسك لكنني اعجز عن وصف الأثر ويزداد البعد، رغم ذلك اسمع وقع كلماتك الآن على أوراق شجرة الحياة، شامخة خضراء مزهرة بألوان قوس قزح تحت الأنوار الأبدية…تحيط بالفكرة وكأنها عالم أمام عينيك دون سواك….لا يراه احد سواك…
حضرة الشاعر….النور الذي تعكسه روحك… يحمل معنى شعلة نوروز…فترى الأمل بانهيار الظلام وبزوغ الفجر ……………تعلم حضرتك.. ورغم أنني أكتب الخاتمة …لا أرغب بإنهاء الحوار… لكن لضرورة المقالة وضيق الوقت المتاح هنا حضرني التساؤلين التاليين إذا سمحت:
أولا: تعليق من حضرتك على النور الذي يجب أن تشعه الأنفس …وعن شعلة النار التي يجب إضرامها ليل نهار في خضم جسد المجتمع المتهالك إلى الفناء….سواء بالعراق أو غيرها من الدول على مستوى العالم….
ثانياً: ما يلوح في البعد ما تحب أن تقوله في نور الله الذي يبعد الإنسان عن المعاصي…وعن الظلمة…وينمو به حب الخير والجمال والعطاء …؟
– بالنسبة للسؤال الأول ..؟
علينا أن نفهم مفهوم ومعنى النور ومن أين يأتي النور من الرؤية والإحساس بها والفرق بين النار والنور كمصدر وطاقة وتسخيرها للحياة والإيمان بها والإحسان والطريق المستقيم ممن علم أنهم يرغبون في النور والهداية و يسعون إليها رغم كل طريق صعب فهي تكون مأمن لهم في المجتمع والحياة، مرت على العراق وبعض الدول العربية كسورية واليمن وليبيا ومازالت في فلسطين الكثير من الكوارث والأزمات المخطط لها مسبقا والضحية الوحيدة المجتمع من الشيوخ والأطفال والنساء والرجال إضافة إلى دمار البنية الأساسية وتفعيل حالة الهجرة والتشريد واللجوء والنزوح والفقر والحرمان وإعطاء وإعلان صورة مشوهة عن الأصالة الإنسانية والعربية بما يرتبط بها من دين وسلام وأمان وفي ظل كل هذا نحتاج إلى نور إنساني يشع في المجتمع ويجدد الحياة .
– أما السؤال الثاني ..؟
النور يتجلى في التصرفات والأقوال والأفعال…الذي يجعل كل منا قمرا مضاء بنور الله … ونزل الله سورة النور في القرآن الكريم لما لها من الأهمية والإرشاد والتوجيه إذ تشكل أهمية كبيرة في حياة كل إنسان إذ تتضمن العديد من الدروس والقيم الأخلاقية والإنسانية وتأثير تطبيقها في بناء مجتمع أركانه الحق والعدل ومتوازن في وجوده .
قال الله تعالى في كتابه الكريم: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35]
* حضرة الشاعر…أشكركم في نهاية هذا الحوار على إتاحة الفرصة لي لإجراء هذا الحوار واعتبر أنني أتحدث مع فيلسوف، كما أشكر وقتكم، كل التألق والإبداع حضرة الشاعر، أشكر كل القراء والباحثين عن الكلمة الطيبة،وليبق النور يشع من أرواحنا وعقولنا وقلوبنا دعونا نشرق .
– وأنا أشكرك على هذا البوح النفسي والفكري وارجو أن يكون مفهوم النار والنور وشكل نوروز في صورته السليمة التي ترتقي بالإنسان نحو العطاء والتقدم والارتقاء الروحي ليس في المنطقة العربية فقط بل العالم كله .