فى مثل هذا اليوم 1 نوفمبر1869م..
افتتاح دار الأوبرا الخديوية في مصر.
افتتاح أحد الصروح الثقافية فى مصر “دار الأوبرا المصرية القديمة”، والتى كان يطلق عليها فى الماضى “دار الأوبرا الخديوية”.
يرجع تاريخ بناء دار الأوبرا القديمة إلى فترة الازدهار التى شهدها عصر الخديوى إسماعيل في كافة المجالات وقد أمر الخديوى إسماعيل ببناء دار الأوبرا الخديوية بمناسبة افتتاح قناة السويس حيث اعتزم أن يدعو إليه عدداً كبيراً من ملوك وملكات أوروبا، وتمت أعمال البناء فى أحد أهم أحياء القاهرة ذاك الحين، حيث سمى الميدان الواقع أمامها باسم ميدان “التياترو” ثم ميدان إبراهيم باشا، وفى سبتمبر عام 1954 سمى باسم ميدان الأوبرا، وما زال يحمل اسمها حتى الآن.
مدة بناء دار الأوبرا القديمة
وضع تصميمها المهندسان الايطاليان أفوسكانى وروس، وقد صنع من الخشب وكان يسع 850 مقعدا، استغرق بناء الأوبرا 6 أشهر، حتى جاءت لحظة الحسم وهو افتتاحها فى يوم 1 نوفمبر من عام 1869، فى حضره الخديوى إسماعيل والإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث وملك النمسا وولى عهد بروسيا وكانت دار الأوبرا الخديوية، وكان هناك مكان مخصص للشخصيات الهامة واتسمت تلك الدار بالعظمة والفخامة.
وقبل أن يتم البناء كان العاهل العظيم قد شرع يهيئ لداره الجديدة تراثا فنيا خالصا يشير أول ما يشير إلى ماضي مصر المجيد، فقد طلبت مارييت باشا من الخديوي اختيار قصة من صفحات التاريخ المصري القديم تصلح نواة مسرحية شعرية، و قد قام بنظم شعرها الشاعر الإيطالي جيالا نزوق وعهد الخديوي إسماعيل إلى الموسيقار فيردى بوضع موسيقاها الرفيعة، فكانت الأوبرا الخالدة “عايدة” بموضوعها الوطني المصري وأغانيها الجياشة وموسيقاها الرائعة من نتاج العبقريات الثلاث.
وتم افتتاح الأوبرا الخديوية في الأول من نوفمبر 1869 مع احتفالات قناة السويس وعلى الرغم من اهتمام الخديوي إسماعيل ورغبته الأكيدة في أن تفتتح دار الأوبرا الخديوية بعرض أوبرا عايدة حالت الظروف دون تقديمها في موعد الافتتاح وتم افتتاح الأوبرا الخديوية بعرض ريجوليتو.
وتم عرض أوبرا عايدة، التى كتب نصها الغنائى جيسلا نزونى، ووضع موسيقاها الرفيعة الموسيقار الإيطالى “فيردى”، بعد الافتتاح بعامين فى 24 ديسمبر 1871.
بدأت دار الأوبرا كبيرة وشامخة سواء فى ظروف إقامتها وافتتاحها أو فى حجم نشاطها وقيمة إنجازاتها وإسهاماتها فى تراث الحضارة، وسارت على هذا النحو 8 سنوات فقط، هى التى عايشت خلالها انطلاقة مؤسسها وراعيها الخديوى إسماعيل، وكانت خلالها نموذجا مبهرا لما تكون عليها دور الأوبرا، ولم تقتصر أهميتها فى مواسمها على الكم ولكن أيضا على الكيف.
وشهد على ذلك عميد الأوبرا الإيطالية “فيردى” حين كتب فى إحدى رسائله إلى المسئولين عن تقديم رائعته عايدة فى إحدى المدن الإيطالية بعد عروضها فى القاهرة، وذلك فى سياق توجيهاته وإرشاداته لتحقيق أحسن أداء ممكن، فقال : بأنه بالرغم من كل الجهود المبذولة لا يطمع فى الوصول إلى عظمة الإخراج الذى تم فى أوبرا القاهرة.
لكن لم يستمر الحال كما هو فى مسيرة دار الأوبرا حيث تأثرت الأوبرا الخديوية بالظروف السياسية الاقتصادية والاجتماعية التى كانت تمر بها مصر، لذلك لم تسر الأمور بشكلها المبهر طيلة وجودها، نظرًا للجو العام الذى أحاط بها آنذاك.
مراحل عاشتها دار الأوبرا الخديوية
“المرحلة الأولى”
خلال تلك المرحلة وهى فى حالة انتعاس، استاطعت أن ترسخ وجودها بين أهم دور الأوبرا فى العواصم والمدن الكبرى سواء بافتتاحها المبهر ثم عرض “عايدة” لاول مرة فى العالم على مسرحها ثم الانطلاق فى مواسم سنوية لامعة سواء فى حجمها أو فى مستوى الفنانين المشتركين فى عروضها.
“المرحلة الثانية” 1877ــ1884
تعثرت الدار فى هذه المرحلة من مسيرتها فى أواخر حكم الخديوى إسماعيل، ولم تلبث أن توقفت أنشطتها فى عام 1877م، لدرجة أن مديرها “دارنيت بك” تركها قبل رحيل الخديوى بعامين، ليتولى الفنان المصرى “ليوبولد لاروز” شئونها الفنية، وتغلف الدار أبوابها مع مجىء توفيق وفى أذياله الاحتلال البريطانى لمصر.
“المرحلة الثالثة” ــ 1884ــ1914
بدأت فى تلك المرحلة حالة من الانتعاش تعود بشكل تدريجى، إذ قامت عروضها فى معظمها على حفلات الجمعيات والهيئات الخيرية، والقليل من الفرق الصغيرة الوافدة من إيطاليا، وتركيا، واليونان.
وقدم العروض فى تلك المرحلة أسماء العربية وهم “أحمد أفندى أبوخليل القبانى، وعبده أفندى الحامولى فى موسم من اثنتى عشرة حفلة، ثم فرقة بنكليان التركية، وبعدها فرقة يوسف خياط”، أما من الفرق الأجنبية “بونى وزوكينو للأوبريت”.
وفى عام 1886 نجد الشيخ سعيد الدسوقى وفرقة إسبانية، وفى العام التالى الشيخ الدسوقى بدر فى موسمين متتاليين، قدمت فرقة قرداحى موسما، امتد طوال شهر مارس تقريبا فى عام 1887، بعد حفلات موسم فرقة الأوبريت بونى وزوكينو.
كما زارتها سارة برنار، الممثلة المسرحية التى ذاع صيتها في أوروبا في أوائل السبعينيات من القرن التاسع عشر، كانت أبرز بداية لعودة الفرق الأجنبية فى إطار المواسم التقليدية الكبيرة، وكانت ذات تاريخ وعراقة فى المسرح الفرنسى، وامتد موسمها لمدة شهر فى عام 1888 إلى منتصف يناير.
وبعد ذلك تم تقديم العديد من الحفلات على يد فرق عالمية إلى أن رحل فيردى، وفى 2 أبريل فى عام 1901 أقيم بالدار حفل تأبين للفنان الكبير: فيردى وقدمت فى الحفل أوبرا ريجوليتو التى بدأت صفحة العلاقات العملية بينه وبين أوبرا القاهرة.
لتبدأ الأوبرا مرحلة انتعاش جديدة على يد توسكا لبوتشينى عندما قدم الأوبرا الحديثة خلال بداية القرن العشرين وبالتحديد عام 1901 والتى أعادت إلى الأذهان مواسم الدار فى عهد الخديوى اسماعيل.
كان موسم الخريف من عام 1913م هو آخر مواسم الأوبرا قبل الحرب العالمية الأولى، قدمت فيه فرقة «باروش» ستين حفلة من الأعمال الإيطالية والفرنسية، ومن روائع فاجنر تريستان وايز ولده وتانهويزر وسالومى لريتشارد شتراوس. وامتد الموسم حتى ربيع العام التالى 1914، وتخلل الموسم حفل لفرقة كورال برلين.
“المرحلة الرابعة” ــ 1914ــ1919
توقفت وفود الأوبرا من أوروبا طوال فترة الحرب العالمية الأولى، واقتصر نشاط الدور على الجهود المحلية، إلى جانب عروض فرقة جورج أبيض التى قدمت: “مكبث، الملك يلهو، الماريونت، مدام سان جين”، بينما قدمت فرقة سلامة حجازى آخر مواسمها نظرا لوفاته فى أكتوبر 1917، وشمل الموسم من أعماله: “غرائب الأسرار، شيخ العائلات، اليتيمتان”، وقدمت فرقة أولاد عكاشة بعض حفلاتها.
هذه الفترة شهدت أكثر من غيرها أولى تجارب المسرح الغنائى المصرى عندما استحدث سيد درويش روائعه من الأوبريت والتى انتقل بها خلال ربع قرن من عالم الطرب إلى عالم المسرح الغنائى.
“المرحلة الخامسة” ــ 1919ــ1930
مع انتهاء سنوات الحرب وتوابعها، بدأت بدار الأوبرا سلسلة من القمم فى مواسم سنوية طويلة بدأ أولها فى ديسمبر عام 1919، وقدمت فيه فرقة “دلفينو لنيانى” روائع الأوبرات والأوبريت والباليه فى ثمانين حفلة وثلاث حفلات سيمفونية وحفلتين لعازف الفيولينه “سيراتو” الذى سبق له تقديم حفلاته بالدار فى عام 1905.
وفى أول مايو عام 1920 شهدت دار الأوبرا حدثا يهم مصر كلها، وهو انعقاد مؤتمر خاص عن إنشاء بنك مصر، والذى أضاف به طلعت حرب إلى انجازاته الاقتصادية العملاقة فى البلاد إقامة مسرح الأزبكية ثم ستوديو مصر، إيمانا منه بدور الفن فى صنع البشر.
وظلت دار الأوبرا الخديوية فى تقديم رسالتها الفنية الراقية حتى احترقت فى 28 أكتوبر عام 1971 بعد أن ظلت منارة ثقافية لمدة 102 عاما، ولم يتبق منها سوى تمثالي “الرخاء” و”نهضة الفنون” وهما من عمل الفنان محمد حسن، وعدد من الكراسى.!!