في مثل هذا اليوم 17 نوفمبر1808م..
قوات الإنكشارية العثمانية تثور ضد السلطان محمود الثاني بعد محاولته القضاء عليها.
تشير الانقلابات على القصر العثماني في عامي 1807 – 1808 إلى مجموعة من الانقلابات وحركات التمرد لعزل أو استعادة العرش لثلاثة من سلاطين الدولة العثمانية والتي حدثت نتيجة لمحاولات الإصلاح من سليم الثالث.
الأسباب
تدهورت أحوال الدولة العثمانية بحلول بدايات القرن التاسع عشر وفقدت الكثير من الأراضي التي حكمتها على مدار القرن السابق. وعلى الرغم من ذلك، فإن تهديد جنود الانكشارية المحافظين والتقليديين وقوات النخبة الخاصة بالسلطان أدى إلى منع إجراء الإصلاحات بواسطة حكام أكثر تحررًا. وفي 1789، توفي السلطان عبد الحميد الأول، فتولى ابن أخيه، سليم الثالث، العرش وهو ابن خليفة عبد الحميد. لقد استمد سليم، والذي كان ملحنًا على قدر من الموهبة ومناصرًا لحركة التحديث، أفكاره بدرجة معينة من الثورة الفرنسية, والذي بلغت جهوده في التغريب ذروتها مع تجنيد القوات النظامية الجديدة في 1805. وقد أدت الإصلاحات، وخاصةً التجنيد، إلى إغضاب جنود الانكشارية وغيرهم من العناصر المحافظة، الذين قاموا بالتظاهر وقتل دعاة الإصلاح.
الانقلاب الأول
في 29 مايو، 1807، قام جنود الانكشارية بقيادة زعيم المتمردين مصطفى كاباكجي بعزل سليم واستبداله سريعًا بابن عمه مصطفى الرابع، الذي قام بسجن سلفه وهو ابن عمه وسط ارتياح في القصر الملكي. وعفا مصطفى عن المتمردين وتحالف مع جنود الانكشارية، وقام بتسريح جيش سليم المكون مؤخرًا.
مقتل سليم والانقلاب الثاني
مع ذلك، أصبح أليمدار مصطفى باشا وهو حاكم روسه ذو النفوذ متحررًا من قيود مصطفى وقام بالتخطيط لإسقاطه. وأدت جهوده إلى ثورة ثانية في 1808. وتم قتل المسجون سليم وفقًا لأوامر مصطفى، ولكن قام محمود، وهو أخو مصطفى ووريثه بالهرب من احتمال القتل. وفي الوقت نفسه، أحاطت قوات التمرد بالقصر، حيث قام مصطفى وحاشيته بالسخرية منهم، حتى أنهم قاموا بعرض جثة سليم على المتمردين، وذلك في محاولة بلا طائل لردعهم. فاقتحم المتمردون القصر على أية حال، وقاموا بالقبض على مصطفى وإعلان تولي محمود الحكم.
محاولات الإصلاح والاضطرابات من قبل الانكشارية
بينما تم سجن سليم بالقصر، قام بتدريس أفكار الإصلاح إلى محمود، الذي قام باستكمال الإصلاحات التي أوقفها الانقلاب الانكشاري في 1807. ثم قام محمود بتعيين أليمدار مصطفى باشا في منصب كبير الوزراء، وهو زعيم التمرد الذي أدى إلى توليه الحكم، وأدت الإصلاحات التي قاما بتنفيذها إلى إغضاب جنود الانكشارية مرة أخرى.
في محاولة لإخافة محمود، قام جنود الانكشارية بتنظيم ثورة قصيرة وقاموا بقتل الوزير، مما دفع السلطان إلى إلغاء الإصلاحات وتسريح الجيش، والتي تم تنفيذها وفقًا لنموذج إصلاحات سليم من جديد.
الأثر على الأحداث التالية
تمكن محمود من تولي الحكم لعدد أكبر من العقود على الرغم من إغضابه لجنود الانكشارية في وقت سابق. وبحلول عام 1826، أصبح أقل خوفًا من جنود الانكشارية وفي الواقعة الخيرية، كما يدعي بعض المؤرخين، استطاع التسبب في تمرد الوحدة عن قصد. فقام بدعوة قواته النظامية وباستخدام القوات المدفعية لقصف مقرات جنود الانكشارية دمر قدرة قوات النخبة على القتال. وقام بالقبض على الناجين وإعدامهم بعد ذلك بوقت قصير. ثم قام محمود بمتابعة الإصلاحات العسكرية والاجتماعية دون الخوف من حدوث انقلاب، والتي على الرغم من تحديثها للدولة إلا أنها لم تمنع تدهورها.
الإنكشارية من التركية العثمانية «يڭيچرى» (وتعني: «الجنود الجدد»)(بالتركية: Yeniçeri)، هي قوات مشاة وفرسان من النخبة بالجيش العثماني، وكان جيش الإنكشارية جيش الدولة الرسمي حتى إلغائه في (9 ذو القعدة 1241 هـ / 15 يونيو 1826 م) على يد السلطان العثماني محمود الثاني. شكل الإنكشارية الحرس الخاص للسلطان العثماني. تأسست قوات الانكشارية في عهد السلطان مراد الأول (761 – 791 هـ / 1360 – 1389 م) أو أورخان غازي (726 – 761 هـ / 1326 – 1360 م)، وكان للإنكشارية تنظيم خاص بهم، بثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أقوى فرق الجيش العثماني وأكثرها نفوذًا. وكان أفراد الإنكشارية من أسرى الحروب من الغلمان اليتامى الذين يتم فصلهم عن أصولهم، ويتم تربيتهم تربية إسلامية، على أن يكون السلطان والدهم الروحي، وأن تكون الحرب صنعتهم الوحيدة.
التسمية
تُلفظ الكلمة على الصحيح «ينيتشاري» وتُكتب بالتركية العثمانية: «يڭيچرى»، فقرأها الأزهريون: «إنكشاري»، لأنهم لم يدركوا أن حرف «الكاف النوني أو كاف صغير» (ڭ) في الكتابة العثمانية يُلفظ «نون»، وأن الجيم المثلثة (چ) النقاط تُنطق “ch” باللغة الإنجليزية وتُنطق «تش» فنطقوها شينًا، وعمَّت على سائر الكتابات العربية، في حين كان الناس يقرؤونها «الينيجارية».
الظهور
وتطور أسلوب جمع أفراد الإنكشارية لدى سلاطين بني عثمان لاحقًا، إذ باتوا يؤخذون من الأسر المسيحية وفق مبدأ التجنيد الذي سمي بـ«الدوشيرمة» في عملية جمع دورية تجري كل سنة أو ثلاث أو أربع أو خمس، وتجلب عناصر إنكشارية جديدة يقارب عددهم 8000 إلى 12000 فرد.
قوة الإنكشارية
كانت الإنكشارية تعد من أقوى الجيوش الأوربية والعالمية فعندما حاولت إسبانيا احتلال هولندا فطلب ملك هولندا وقتها المساعدة من السلطان سليمان القانوني فأرسل له أربعين بدلة من لباس الجيش الإنكشاري ليلبسها الجنود الهولنديون في المعركة وعندما شاهدها الإسبان ظنوا أن العثمانيين يحاربون بجانب الهولنديين فتوقفت اعتداءاتهم ثلاثين عامًا.
ارتبط الإنكشارية بالطريقة الصوفية البكتاشية وذلك لأنه عند بداية تأسيس الإنكشارية صادف أن جاء إلى الأناضول من خرسان رجل صوفي علوي النسب اسمه محمد بكتاش ولي، فسكن القرية التي تسمى باسمه اليوم بعد 180 كم عن أنقرة. وقد حصل هذا الرجل على سمعة عالية وقصده الناس للتبرك به. وحين علم السلطان أورخان بأمره أراد أن ينتفع من بركته ليشمل بها جيشه الجديد، فقصده بنفسه ومعه أفراد من الجيش، فقام الحاج بكتاش بوضع يده على رأس أحد الجنود، وقطع شيئًا من قبائه فجعله على رأس الجندي، ثم قدم لهم علمًا أحمر يتوسطه هلال وسيف ذي الفقار، وأخذ يدعو الله أن يبيض وجوههم وأن تكون سيوفهم بتارة وأن يفوزوا في كل غزوة بالظفر. ومنذ ذلك الحين صار الجيش الانكشاري مرتبطا بالطريقة البكتاشية ارتباطًا وثيقًا حيث اتخذ الجنود الحاج بكتاش شفيعًا لهم ورمزًا، وأخذ الناس يطلقون عليهم اسم أولاد الحاج بكتاش.
التدريب
وكان هؤلاء الجنود يُختارون من سن صغيرة ويربون تربيةً عسكرية في معسكرات خاصه بهم، بالإضافة إلى تلقيهم مختلف العلوم الإنسانية كالدين الإسلامي واللغة وغيرها، وفي أثناء تعليمهم يقسمون إلى ثلاث مجموعات: الأولى تعد للعمل في القصور السلطانية، والثانية تُعد لشغل الوظائف المدنية الكبرى في الدولة، والثالثة تعد لتشكيل فرق المشاة في الجيش العثماني، ويطلق على أفرادها الإنكشارية، أي الجنود الجدد، وكانت هذه المجموعة هي أكبر المجموعات الثلاث وأكثرها عددًا.
ومنذ نشأتهم التي تزامنت مع قيام الدولة، لم يكن الإنكشاريون يخرجون إلى الحرب إلا برفقة السلطان العثماني، وهو الأمر الذي أبطله سليمان القانوني حين أجاز لهم القتال تحت إمرة قائد منهم، وكان لذلك أثر في تقاعس السلاطين التالين عن الخروج إلى المعارك لقيادة الجيوش بأنفسهم.
بدأت ظاهرة تدخل الإنكشارية في سياسة الدولة منذ عهد مبكر في تاريخ الدولة، غير أن هذا التدخل لم يكن له تأثير في عهد سلاطين الدولة العظام؛ لأن قوتهم كانت تكبح جماح هؤلاء الانكشاريين، حتى إذا بدأت الدولة في الضعف والانكماش بدأ نفوذ الانكشاريين في الظهور، فكانوا يعزلون السلاطين ويقتلون بعضهم، مثلما فعلوا بالسلطان عثمان الثاني حيث عزلوه عن منصبه، وقتلوه سنة 1031 هـ / 1622 م، وفعلوا مثل ذلك مع السلطان إبراهيم الأول، فقاموا بخنقه سنة 1058 هـ / 1648 م، محتجين بمعاداته لهم، وامتدت أفعالهم إلى القتل أحيانا أو العزل .
ولم يكن سلاطين الدولة في فترة ضعفها يملكون دفع هذه الشرور أو الوقوف في وجهها، فقام الإنكشاريون بقتل حسن باشا على عهد السلطان مراد الرابع سنة 1042 هـ / 1632 م. ووقفوا أمام السلطان محمود الثاني عندما أراد أن يحدث جيشه وأقاموا التمرد واضطر السلطان إلى تأجيل محاولته لوقت لاحق .
لما ضعفت الدولة العثمانية وحلت بها الهزائم، وفقدت كثيرًا من الأراضي التابعة لها، لجأت إلى إدخال النظم الحديثة في قواتها العسكرية حتى تساير جيوش الدول الأوروبية في التسليح والتدريب والنظام، وتسترجع ما كان لها من هيبة في أوروبا، وتسترد مكانتها التي بنتها على قوتها العسكرية. لكن الإنكشارية عارضت إدخال النظام الجديد في فيالقهم، وفشلت محاولات السلاطين العثمانيين في إقناعهم بضرورة التطوير والتحديث، ولم تنجح محاولات الدولة في إغرائهم للانضمام إلى الفرق العسكرية الجديدة، وقبول المعاش الذي تقرره الدولة لمن يرفض هذا النظام. ولم يكتف الإنكشاريون بمعارضة النظام الجديد، بل لجئوا إلى إعلان العصيان والتمرد في وجوه السلاطين، ونجحوا في إكراه عدد من السلاطين على إلغاء هذا النظام الجديد.
محمود الثاني يلغي الفيالق الإنكشارية
بعد تولي السلطان محمود الثاني سلطنة الدولة العثمانية سنة 1223 هـ / 1808 م أيد تطوير الجيش العثماني وضرورة تحديثه بجميع فرقه وأسلحته بما فيها الفيالق العسكرية، فحاول بالسياسة واللين إقناع الانكشارية بضرورة التطوير وإدخال النظم الحديثة في فرقهم، حتى تساير باقي فرق الجيش العثماني، لكنهم رفضوا عرضه.
فحاول أن يلزم الإنكشارية بالنظام والانضباط العسكري، وملازمة ثكناتهم في أوقات السلم، وضرورة المواظبة على حضور التدريبات العسكرية، وتسليحهم بالأسلحة الحديثة، وعهد إلى مصطفى باشا البيرقدار بتنفيذ هذه الأوامر. غير أن هذه المحاولة لم تنجح وقاوموا رغبة السلطان وتحدوا أوامره، وقاموا بحركة تمرد واسعة وثورة جامحة كان من نتيجتها أن فقد حياته.
لم تنجح محاولة السلطان الأولى في فرض النظام الجديد على الإنكشارية، وصبر على عنادهم، وإن كانت فكرة الإصلاح لم تزل تراوده، وازداد اقتناعًا بها بعد أن رأى انتصارات محمد علي باشا المتتابعة، وما أحدثته النظم الجديدة والتسليح الحديث والتدريب المنظم في جيشه، وطال صبر السلطان ثمانية عشر عامًا حتى عزم مرة أخرى على ضرورة إصلاح نظام الانكشارية؛ فعقد اجتماعًا في (19 شوال 1241 هـ / 27 أيار/مايو 1826 م) في دار شيخ الإسلام، حضره قادة أسلحة الجيش بما فيهم كبار ضباط فيالق الإنكشارية، ورجال الهيئة الدينية وكبار الموظفين، ونوقش في هذا الاجتماع ضرورة الأخذ بالنظم العسكرية الحديثة في الفيالق الإنكشارية، ووافق المجتمعون على ذلك، وتلي مشروع بإعادة تنظيم القوات الإنكشارية، وأصدر شيخ الإسلام فتوى بوجوب تنفيذ التعديلات الجديدة، ومعاقبة كل شخص تسول له نفسه الاعتراض عليها.
نهاية فيالق الإنكشارية
غير أن الإنكشارية لم يلتزموا بما وافق عليه الحاضرون في هذا الاجتماع؛ فأعلنوا تمردهم وانطلقوا في شوارع إسطنبول يشعلون النار في مبانيها، ويهاجمون المنازل ويحطمون المحلات التجارية، وحين سمع السلطان بخبر هذا التمرد عزم على وأده بأي ثمن والقضاء على فيالق الإنكشارية، فاستدعى السلطان عدة فرق عسكرية من بينها سلاح المدفعية الذي كان قد أعيد تنظيمه وتدريبه، ودعا السلطان الشعب إلى قتال الإنكشارية.
وفي صباح يوم 10 من ذي القعدة سنة 1241 هـ الموافق 15 حزيران/يونيو 1826 م خرجت قوات السلطان إلى ميدان الخيل بإسطنبول وكانت تطل عليه ثكنات الإنكشارية، وتحتشد فيه الفيالق الإنكشارية المتمردة، ولم يمض وقت طويل حتى أحاط رجال المدفعية الميدان، وسلطوا مدافعهم على الإنكشارية من كل الجهات، فحصدتهم، بعد أن عجزوا عن المقاومة، وسقط منهم ستة آلاف جندي إنكشاري.
وفي اليوم الثاني من هذه المعركة التي سميت بـ«الواقعة الخيرية» أصدر السلطان محمود الثاني قرارًا بإلغاء الفيالق الإنكشارية إلغاءً تامًا، شمل تنظيماتهم العسكرية وأسماء فيالقهم وشاراتهم، وانتهى بذلك تاريخ هذه الفرقة التي كانت في بدء أمرها شوكة في حلوق أعداء الدولة العثمانية.!!!!