في مثل هذا اليوم8 ديسمبر1972م..
تفجير قنبلة في منزل المناضل الفلسطيني محمود الهمشري بواسطة الموساد وذلك بأوامر مباشرة من جولدا مائير.
في حدود التاسعة من صباح الثامن من كانون الأول للعام 1972، في شارع دالسيه 175 في باريس، انفجرت شحنة ناسفة وضعها الموساد الاسرائيلي، في هاتف الدبلوماسي الفلسطيني محمود الهمشري (35 عاما)، ليصاب بجروح بالغة، أستشهد على أثرها بتاريخ 10 كانون ثاني 1973، في مستشفى كوشان بالعاصمة الفرنسية باريس.
ولد الهمشري عام 1938 في قرية أم خالد المهجرة، غرب طولكرم، حصل على الدكتوراه في التاريخ، وهو أول معتمد لإقليم حركة “فتح” في فرنسا، جاءها قادماً من الجزائر، مُكلفاً من الشهيد أبو جهاد بمهمة تنظيم الوضع الفلسطيني، وخاصة الطلابي (الوجود الفلسطيني في تلك الفترة كان بمعظمه وجودا طلابيا، ولا يتعدى المئة شخص على كامل الساحة الفرنسية)، وأول ممثل (غير رسمي) لمنظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا، والتي لم تكن بعد قد حصلت على الاعتراف بها كممثل وحيد للشعب الفلسطيني، وأسس فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في فرنسا عام 1968.
اتهمه الموساد بالمسؤولية غير المباشرة عن عملية ميونخ، وهي عملية احتجاز رهائن إسرائيليين، حدثت أثناء دورة الأولمبياد الصيفية المقامة في ميونخ في ألمانيا من 5 إلى 6 أيلول سنة 1972، للمطالبة حينذاك بالإفراج عن 236 معتقلاً في سجون الاحتلال الإسرائيلية، معظمهم من العرب، إضافة إلى “كوزو أوكاموتو” من الجيش الأحمر الياباني.
انتهت العملية بمقتل 11 رياضياً إسرائيلياً واستشهاد 5 من منفذي العملية، ومقتل شرطي وطيار مروحية ألمانيين، واعتقال 3 منفذين، أطلقت ألمانيا سراحهم في 29 تشرين الأول سنة 1972.
في كتابه، “حياتي من النكبة إلى الثورة” يكتب نبيل شعث: أصدرت غولدا مائير رئيسة وزراء الاحتلال قرارها بتصفية أعلام المثقفين، والكتاب الفلسطينيين، عبر الرسائل، والطرود، والسيارات الملغومة، وقتل كل من تقول الموساد الإسرائيلي إن له علاقة بمنظمة “أيلول الأسود”، وأقرت خطة إرهابية لذلك.
مائير أطلقت على تلك العملية اسم “غضب الرب”، بعد أن شكلت لها لجنة خاصة، عرفت باسم اللجنة (x)، بقيادتها، وبمشاركة موشي ديان، وكلفت الموساد بقيادة الجنرال أهارون ياريف، وتولى رئيس الموساد في زامير القيادة المركزية للعمليات، ومايكل هاراري القيادة الميدانية.
كان هدف العملية الانتقام من قتلة الرياضيين الإسرائيليين في ميونخ، وانطلقت في تشرين الأول عام 1972 مستهدفة قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وأعضاء منظمة أيلول الاسود، وبخاصة اولئك الذين ساهموا بالإعداد، أو التنفيذ، واستمرت العملية مدة 20 عاما، واعتبر اغتيال الشهيد عاطف بسيسو في باريس، آخر أهدافها.
في النهاية، لم تنجح إسرائيل بقتل أي من قادة أيلول الأسود، فقد فشلت محاولة اغتيال محمد داود عودة (أبو داود)، أو صلاح خلف أبو إياد، وكان عاطف بسيسو هو الوحيد من المشاركين في عملية ميونيخ الذي تم اغتياله بعد عشرين عاما في باريس، كما أنه ليس صحيحا أنهم نجحوا في اغتيال الفدائيين الناجين من عملية ميونيخ، فعملية غولدا مائير لم تقتل إلا شخصيات سياسية، وثقافية، لا علاقة لها بالعملية، أو كان لها دور ثانوي في قيادة منظمة التحرير.
وقد أكد ذلك الكاتب الإسرائيلي كلاين، كما أكده كتاب جوناس “الانتقام” الذي بني عليه فيلم “سبيلبيرج” الشهير “ميونيخ”، حاولت إسرائيل في البداية تجسيد فكرة الانتقام بإطلاق 11 طلقة على كل ضحية فلسطينية اغتالوها، تمثل عدد الرياضيين الذين قتلوا في العملية، ولكن الهدف الإسرائيلي الحقيقي كان استخدام ميونخ ذريعة لاغتيال قادة الثورة الفلسطينية، ومثقفيها، وبث الرعب في القلوب، بإشاعة فكرة أن إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي قائد فلسطيني، والقضاء عليه في أي مكان يذهب إليه.
في 17 تشرين الأول عام 1972 سقط وائل زعيتر الشهيد الأول في الهجمة الإرهابية الإسرائيلية بإحدى عشرة رصاصة أطلقها قتلة الموساد الأحد عشر في ظهره أمام مصعد بنايته.
وزعيتر لم تكن له علاقة بأيلول الأسود، أو عملية ميونخ، كان شاعرا ومفكرا ووطنيا فلسطينيا، جند الأدباء الإيطاليين، وفي مقدمتهم البرتو مورافيا، الذي حضر معه ندوة في الكويت للدفاع عن الشعب الفلسطيني.
وفي 22 تشرين الثاني 1972 انفجرت عبوة ناسفة في وجه أحمد وافي “أبو خليل”، ممثل فتح ومنظمة التحرير في الجزائر، ثم حسين أبو الخير الممثل في قبرص، وباسل الكبيسي ومحمود بوضيا في باريس وفي9 آذار 1973 استشهد محمد الأسود (جيفارا غزة) أحد أهم قادة الجبهة الشعبية في غزة، وفي 10 نيسان 1973 استشهد ثلاثة من كبار منظمة التحرير، وهم: كمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو يوسف النجار.
وحسب ما ورد في كتاب شعث، كانت مهمة الهمشري التحدث والاجتماع بكل من يعنيهم شأن القضية الفلسطينية، لم يكن له حراس، ولا يشعر أن أحدا يراقبه. دعاه أحد الصحفيين الإيطاليين لتناول فنجان قهوة بالقرب من منزله في الضفة اليسارية، ووجه له أسئلة مريحة، ثم افترقا بعد ساعتين، التقى به للتأكد من عنوانه ورقم هاتفه، والصحفي هو أحد مقاتلي وحدة قيسارية، طلب هراري قائد وحدة قيسارية مساعدة وحدة كيشت التابعة للموساد، الموساد اتهم الهمشري بالتورط في تفجير طائرة سويس إير في 11 شباط 1970، والتي كانت في طريقها من زيوريخ إلى تل أبيب، وأنه شريك غير مباشر في محاولة اغتيال ديفيد بن غوريون في الدنمارك 1969، وتمويله لخلية ميونيخ بالأسلحة والعتاد.
وبحسب كتاب “حروب الظلال الإسرائيلية وسياسة الاغتيالات” الصادر عن دار الجليل: اقتحم أعضاء الخلية الشقة، كان هذا الاقتحام الثاني للشقة، حيث قاموا في الاقتحام الأول بتصويرها من جميع الجوانب، ثم قام مقاتلو قيسارية بتحليل الصور، وأكدوا على أن أفضل وسيلة لتصفية الهمشري هي زرع عبوة ناسفة، فقد أشارت الصور إلى أن الهمشري اعتاد العمل في زاوية معينة من الشقة بجوار طاولة الكتابة، وقد قام أحد خبراء الموساد بوضع لوح متفجرات بلاستيكي دقيق تحت جهاز التليفون، وقد أعدت العبوة بحيث يتم تفعيلها باستخدام اشارت رمزية الكترونية يتم التقاطها من قبل هوائي صغير، والذي يقوم بدوره بإرسال تيار كهربائي إلى المادة المتفجرة، وكان القتلة يريدون فقط سماع صوته لمعرفة أنه في البيت، وكان أقصى مدى لجهاز الإرسال الذي سيبث الرمز الإلكتروني خمسمائة متر في خط هوائي دون عوائق.
وبعد أن تأكد خبير المتفجرات أن كل شيء في مكانه الذي كان عليه، خرج من الشقة، دون أن يترك أيه أثار، وفي صبيحة اليوم التالي، الموافق الثامن من كانون الأول، وبعد بضع دقائق من الساعة الثامنة، كان هراري وزمير وعدد من الطاقم التنفيذي ينتظرون في شقة سرية على بعد قليل من شقة الهمشري، وقد أفاد طاقم المراقبة أن الهمشري عاد إلى سريره للعمل، فأدار الصحفي رقم هاتف الهمشري، وسمعه يرن ثلاث مرات، وعندما سمع صوتا يقول: هلو: فقال الصحفي: هل من الممكن أن أتحدث مع الدكتور الهمشري؟ فرد الهمشري قائلا: إنه يتكلم، فقام أحد أعضاء الطاقم بضغط رمز الإلكتروني، فقطع الانفجار الهدوء الباريسي السائد، ما أدى إلى إصابة الهمشري بجروح خطيرة، وتدمير الشقة كليا، لكن الإصابة رغم خطورتها لم تكن قاتلة في لحظة الانفجار، فأصيب الهمشري في وجهه ومكث قرابة الشهر في المستشفى قبل أن يستشهد.!!