في مثل هذا اليوم 25 ديسمبر1926م..
ميلاد بدر شاكر السياب، شاعر عراقي.
بَدْر شَاكِرٍ السَّيَّاب (1926 – 1964)، شاعر عراقي ولد في قرَية جِيْكُور في محافظة البصرة في جنوب العراق، يعد واحدًا من الشعراء المشهورين في الوطن العربي في القرن العشرين، وأحد مؤسسي الشعر الحر في الأدب العربي.
حياته
وُلد بدر شاكر السيّاب في قرية جيكور عام 1926، وهي قرية صغيرة تابعة لقضاء أبي الخصيب في محافظة البصرة، توفيت والدته عندما كان عمره ست سنوات، وكان لوفاتها أعمق الأثر في حياته. أتمّ دروسه الابتدائية في مدرسة (باب سليمان) التي كانت تتكون من أربعة صفوف وتبعد حوالي 10 كيلو متر عن منزله ثم انتقل إلى مدرسة (المحمودية) وتبعد عن (باب سليمان) 3 كيلومترات اضافية وبعدها انتقل إلى مدينة البصرة وتابع فيها دروسه الثانوية، ثم انتقل إلى العاصمة بغداد حيث التحق بدار المعلمين العالية، واختار لنفسه تخصص اللغة العربيّة وقضى سنتين في تعلم الأدب العربي تتبّع ذوق وتحليل واستقصاء؛ ثم التحق بفرع اللغة الإنجليزية. ومن خلال تلك الدراسة أتيحت لهُ الفرصة للاطلاع على الأدب الإنجليزي بكل تفرعاته، وصار متخصص في اللغة الإنكليزية لإتقانهِ العربية.
تخرّج السيّاب من الجامعة عام 1948، وفي تلك الأثناء عُرف بميوله السياسية اليسارية كما عُرف بنضاله الوطني في سبيل تحرير العراق من الاحتلال الإنكليزي، وفي سبيل القضية الفلسطينية. وبعد أن أُسندت إليه وظيفة التعليم للغة الإنكليزية في الرمادي، وبعد أن مارسها عدة أشهر فُصل منها بسبب ميوله السياسية وأودع السجن. ولمّا رُدّت إليه حريته اتجه نحو العمل الحر ما بين البصرة وبغداد كما عمل في بعض الوظائف الثانوية، وفي سنة 1952 اضطُر إلى مغادرة بلاده والتوّجه إلى إيران فإلى الكويت، وذلك عقب مظاهرات اشترك فيها.
في سنة 1954 عاد الشاعر إلى بغداد ووّزع وقته ما بين العمل الصحافي والوظيفة في مديرية الاستيراد والتصدير.
ولكن الذي يظهر من خلال سيرة السيّاب أنه لم يأنس ولم يتكيّف في المدينة (بغداد) بل ظل يحنّ إلى قريته التي ولد فيها (جيكور)، وقد أشار إلى ذلك الأديب الفلسطيني إحسان عباس حيث قال: « وأما السياب فإنه لم يستطع أن ينسجم مع بغداد لأنها عجزت أن تمحو صورة جيكور أو تطمسها في نفسه (لأسباب متعددة) فالصراع بين جيكور وبغداد، جعل الصدمة مزمنة، حتى حين رجع السياب إلى جيكور ووجدها قد تغيرت لم يستطع أن يحب بغداد أو أن يأنس إلى بيئتها، وظل يحلم أن جيكور لا بد أن تبعث من خلال ذاته»
وعندما ثار عبد الكريم قاسم على النظام الملكي وأقام في 14 تموز سنة 1958 النظام الجمهوري كان بدر شاكر السياب من المرحبين بالانقلاب والمؤيدين له، وقد انتقل من وظيفته إلى تدريس الإنكليزية، وفي سنة 1959 انتقل من وظيفة التعليم إلى السفارة الباكستانية يعمل فيها؛ وبعدما أعلن انفصاله من الحزب الشيوعي عاد إلى وظيفته في مديرية الاستيراد والتصدير، ثم انتقل إلى البصرة وعمل في مصلحة الموانئ.
في سنة 1962 أُدخل مستشفى الجامعة الأميركية ببيروت للمعالجة من ألم في ظهره، ثم عاد إلى البصرة وظلّ إلى آخر يوم من أيامه يصارع الآلام إلى أن توفي سنة 1964.
شخصيته
تمثال بدر شاكر السياب على كورنيش شط العرب في البصرة، من أعمال الفنان نداء كاظم.
مستشفى السياب في محافظة البصرة افتتح سنة 2023
كان بدر شاكر السياب ضئيلاً، ناحل الجسم، قصير القامة. ذو ملابس فضفاضة وصفه إحسان عباس بقوله:
بدر شاكر السياب غلام ضاوٍ نحيل كأنه قصبة، رُكب رأسه المستدير، كأنه حبة الحنظل، على عنقٍ دقيقة تميل إلى الطول، وعلى جانبي الرأس أُذنان كبيرتان، وتحت الجبهة المستعرضة التي تنزل في تحدّب متدرّج أنف كبير يصرفك عن تأمله أو تأمل العينين الصغيرتين العاديتين على جانبيه فم واسع، تبرز الضبة العليا منه ومن فوقها الشفة بروزاً يجعل انطباق الشفتين فوق صفَّي الأسنان كأنه عمل اقتساري وتنظر مرة أخرى إلى هذا الوجه الحنطي، فتدرك أن هناك اضطراباً في التناسب بين الفك السفلي الذي يقف عند الذقن كأنه بقيّة علامة استفهام مبتورة وبين الوجنتين الناتئتين وكأنهما بدايتان لعلامتي استفهام أُخرَيَيْن قد انزلقتا من موضعيهما الطبيعيَّيْن. بدر شاكر السياب
هذا من الناحية الخَلقيّة. أما من الناحية الخُلقيّة فبدر شاكر السيّاب رجل الحرمان الذي أراد الانتقام لحرمانه من الناس والزمان، فانضوى إلى الشيوعية لا عن عقيدة فلسفية بل عن نقمة اجتماعية، وراح يطلب فيها ما لم يجد في بيئته من طمأنينة حياتية، كما مال إلى الشرب والمجون يطلب فيهما الهرب من مرارة الحياة والذهول عن متاعبها؛ وكان إلى ذلك مفرط الحساسية يشعر بالغربة ولا يجد له في المجتمع مُستَقَراً، وينظر إلى الوجود من خلال غربته النفسيّة ومن خلال فرديّته التي كانت تحول دون اندماجه في المجتمعات التي عاش فيها؛ وقد حاول أن يجد في المرأة ما يزيل من نفسه شبح الغربة فخاب أمله ونقم على المرأة ورأى أنها تقود الرجل إلى الهاوية؛ وكان من أشدّ الناس طموحاً، ومن أشدّهم ميلاً إلى الثورة السياسية والاجتماعية، ولكن تقلُّبات الأحوال والأيّام وصراعات الشعوب والحكّام ملأت نفسه اشمئزازاً، أعانه على ذلك ميل في أعماقه إلى التشاؤم، وعُقد نفسية وأمراض ونكبات زادته نقمةً وحدّةً وهياجاً.
عُرف عن السيّاب حبه الشديد للمطالعة والبحث، وقراءة كل ما يقع بيده من كتب وأبحاث على اختلاف مواضيعها، وقد أشار إلى ذلك صديقه الأستاذ فيصل الياسري حيث يقول: «وكان السياب قارئاً مثابراً فقد قرأ الكثير في الأدب العالمي والثقافة العالميّة، كما أنه قرأ لكبار الشعراء المعاصرين قراءة أصيلة عن طريق اللغة الإنكليزية التي كان يجيدها . وكان يقرأ الكتب الدينية كما يقرأ الكتب اليسارية !!» ويستمر الياسري في وصفه للسياب ليكشف لنا بعضاً من صفاته التي لا يعرفها إلا القليل: « وكذلك السيّاب على ما أذكر لم يكن كثير الكلام، ولكنه كان يفتخر أنه من البصرة؛ المدينة التي أنجبت الأخفش وبشار بن برد والجاحظ وسيبويه والفرزدق وابن المقفع. ..والفراهيدي واضع عروض الشعر !!»
لبدر شاكر السيّاب ديوان في جزءين نشرته دار العودة ببيروت سنة 1971، وجمعت فيه عدة دواوين أو قصائد طويلة صدرت للشاعر في فترات مختلفة: أزهار ذابلة (1947)، وأساطير (1950)، والمومس العمياء (1954)، والأسلحة والأطفال (1955)، وحفّار القبور، وأنشودة المطر (1960)، والمعبد الغريق (1962)، ومنزل الأقنان (1963)، وشناشيل ابنة الجلبي (1964)، وإقبال (1965). ويُذكر للشاعر شعر لم ينشر بعد، وهو ولا شكّ من أخصب الشعراء، ومن أشدّهم فيضاً شعريّاً، وتقصيّاً للتجربة الحياتيّة، ومن أغناهم تعبيراً عن خلجات النفس ونبضات الوجدان.
ريادة الشعر الحر
قام بعض رواد الشعر في العراق ومنهم السيّاب بمحاولات جادّة للتخلص من رتابة القافية في الشعر العربي، فقد تأثر السيّاب بالشعر الإنجليزي ويشاركه بذلك البياتي و نازك الملائكة، وأرادوا نقل تلك الحرية التي شاهدوها في الشعر الأجنبي إلى الشعر العربي، وفي الواقع كانت هناك محاولات قبل هؤلاء الثلاثة للتغيير ولكنها كانت مجرد استطراف، وأما هؤلاء الثلاثة فقد كانت محاولاتهم جادّة وتتخذ من هذا التغيير مذهباً تدافع عنه وتنافح من أجله، « وإنما الذي يميّز هذه الحركة عن كل ما سبقها أن اعتمادها للشكل الشعري الجديد أصبح مذهباً لا استطرافاً، وأن إيمانها بقيمة هذا التحول كان شمولياً لا محدوداً، وأن أفرادها في حماستهم لهذا الكشف الجديد رأوا وما زالوا يرون – عدا استثناءات قليلة – أن هذا الشكل يصلح دون ما عداه وعاء لجمع التجربة الإنسانية إذا أريد التعبير عنها بالشعر.» إلا أنه وقع كلام بين الباحثين في تحديد الرائد الأول للشعر الحديث، فالمعروف أن هناك نزاع بين السيّاب ونازك الملائكة على الريادة،
وفاته
وفي سنة 1961 بدأت صحة السياب بالتدهور حيث بدأ يشعر بثقل في الحركة وأخذ الألم يزداد في أسفل ظهره، ثم ظهرت بعد ذلك حالة الضمور في جسده وقدميه و تم تشحيصه بمرض التصلب الجانبي الضموري، وظل يتنقل بين بغداد وبيروت وباريس ولندن للعلاج دون فائدة.
أخيراً ذهب إلى الكويت لتلقي العلاج في المستشفى الأميري في دولة الكويت حيث قامت هذه المستشفى برعايته وأنفقت عليه خلال مدة علاجه. فتوفي بالمستشفى هناك في 24 كانون الأول عام 1964 عن 38 عاماً ونُقل جثمانه إلى البصرة وعاد إلى قرية (جيكور) في يوم من أيام الشتاء الباردة الممطرة. وقد شيّعه عدد قليل من أهله وأبناء محلته، ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير .!!!!!!!!!!