فى مثل هذا اليوم7ابريل332 ق.م
تأسيس مدينة الإسكندرية المصرية.
الإسْكَنْدَرِيَّة هي العاصمة الثانية لمصر وكانت عاصمتها قديمًا، وهي عاصمة محافظة الإسكندرية وأكبر مدنها، تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط بطول حوالي 55 كم شمال غرب دلتا النيل، على مساحة 2523 كم²، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الجنوب محافظة البحيرة وبحيرة مريوط حتى الكيلو 71 على طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي، ويحدها من جهة الشرق محافظة البحيرة وخليج أبو قير، ومن الغرب حتى الكيلو 36.30 على الطريق الساحلي الدولي، ومركز برج العرب.
تضم مدينة الإسكندرية الكثير من المعالم المميزة، إذ يوجد بها أكبر موانئ مصر البحرية وهو ميناء الإسكندرية الذي يمر به نحو 60% من إجمالي الواردات والصادرات المصرية، وتضم أيضًا مكتبة الإسكندرية الجديدة التي تحتوي على أكثر من ثمانية ملايين كتاب، وتستقبل حوالي 1.5 مليون زائر سنويًا، كما تضم العديد من المتاحف مثل متحف الإسكندرية القومي والمتحف اليوناني الروماني، والمواقع الأثرية مثل قلعة قايتباي وعمود السواري، بلغ عدد سكان مدينة الإسكندرية في 1 يوليو 2017 حوالي 5039975 نسمة، يعملون في مختلف الأنشطة الاقتصادية، وتنقسم الإسكندرية إلى تسعة أحياء إدارية هي حي أول المنتزة، حي ثان المنتزة، حي شرق، حي وسط، حي غرب، حي الجمرك، حي العجمي، حي أول العامرية، وحي ثان العامرية.
بدأ العمل على إنشاء الإسكندرية على يد الإسكندر الأكبر سنة 332 ق م، عن طريق ردم جزء من المياه يفصل بين جزيرة ممتدة أمام الساحل الرئيسي تدعى “فاروس” بها ميناء عتيق، وقرية صغيرة تدعى “راكتوس” أو “راقودة”، يحيط بها قرى صغيرة أخرى تنتشر كذلك ما بين البحر وبحيرة مريوط، واتخذها الإسكندر الأكبر وخلفاؤه عاصمة لمصر لما يقرب من ألف سنة، حتى الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص سنة 641، اشتهرت الإسكندرية عبر التاريخ من خلال العديد من المعالم مثل مكتبة الإسكندرية القديمة والتي كانت تضم ما يزيد عن 700000 مجلّد، وفنار الإسكندرية والتي اعتبرت من عجائب الدنيا السبع، وذلك لارتفاعها الهائل الذي يصل إلى حوالي 120 مترًا، وظلت هذه المنارة قائمة حتى دمرها زلزال قوي سنة 1307.
يرى بعض المؤرخين أن اختيار الإسكندر الأكبر لمدينة الإسكندرية كي تكون عاصمة لدولته، استهدى في ذلك بتوجيه معلمه الروحي هوميروس في ملحمة الأوديسة، حيث ذهب تليماخوس ابن أوديسيوس ملك إيثاكا، إلى مينلاوس ملك إسبرطة يسأله إن كان يعرف شيئا عن مصير والده المختفي، فحكى مينلاوس عن أهوال الحرب وشجاعة ملك إيثاكا وجيشه المفقود، وأنه بعدما أضنى التعب جيوشهم، بلغوا شواطئ مصر، عند جزيرة فاروس، وهناك كما يقول ملك إسبرطة: «كان في مقدورنا أن نُروى من كوثر هذه البلاد التي تجري من تحتها الأنهار».
في بداية القرن الرابع قبل الميلاد، لم تكن الإسكندرية سوى قرية صغيرة تدعى “راكتوس” أو “راقودة” يحيط بها قرى صغيرة، يقول عنها علماء الآثار أنها ربما كانت تعدّ موقعًا استراتيجيًا لطرد الأقوام التي قد تهجم من حين إلى آخر من الناحية الغربية لوادي النيل، أو لربما كانت «راكتوس» مجرد قرية صغيرة تعتمد على الصيد ليس إلا، وعلى امتداد الساحل الرئيسي للقرية توجد جزيرة تسمى “جزيرة فاروس” يوجد بها ميناء يخدم الجزيرة والقرى الساحلية معًا، في ذلك الوقت كانت مصر تحت الاحتلال الفارسي منذ سقوط حكم الفراعنة والأسرة الثلاثون سنة 343 ق م، ولم تكن مصر الوحيدة الواقعة تحت احتلال الفرس، فقد كانت بلاد الشام والعراق واقعة تحت هذا الاحتلال، وفي مقابل قوة الفرس كانت قوة الاغريق في ازدياد سريع، وبدأت المواجهة بينهما في ربيع سنة 334 ق.م، واستمرت المعارك بينهما حتى دخل الإسكندر الأكبر مدينة صور ومن ثم إلى غزة حتى أتم دخول مصر سنة 333 ق م.
بعد دخول الإسكندر الأكبر مصر وطرده للفرس منها، استقبله المصريون بالترحاب نظرًا للقسوة التي كانوا يُعاملون بها تحت الاحتلال الفارسي، ولكي يؤكد الإسكندر الأكبر أنه جاء إلى مصر صديقًا وحليفًا وليس غازيًا مستعمرًا، اتجه لزيارة معبد الإله آمون إله مصر الأعظم في ذلك الوقت، فذهب إلى المعبد في واحة سيوة، وأجرى له الكهنة طقوس التبني ليصبح الإسكندر الأكبر ابنًا للإله آمون، ولُقب فيما بعد بابن آمون، وفي طريقه إلى المعبد مرّ بقرية للصيادين كانت تُسمى «راقودة»، فأعجب بالمكان وقرر أن يبني مدينة تحمل اسمه لتكون نقطة وصل بين مصر واليونان وهي مدينة الإسكندرية (باليونانية القديمة: Ἀλεξάνδρεια ἡ κατ’ Αἴγυπτον؛ وباليونانية الحديثة: Αλεξάνδρεια)، وعهد ببنائها إلى المهندس دينوقراطيس، والذي شيدها على نمط المدن اليونانية، ونسقها بحيث تتعامد الشوارع الأفقية على الشوارع الرأسية، وكذلك إنشاء جسر يصل بين الجزيرة والقرية أُطلق عليه “هيبتاستاديون”، وبعد عدة شهور ترك الإسكندر مصر متجهًا نحو الشرق ليكمل باقي فتوحاته، ففتح بلاد فارس، لكن طموحاته لم تتوقف عند هذا الحد بل سار بجيشه حتى وصل إلى الهند وآسيا الوسطى، وبينما كان الإسكندر هناك فاجأه المرض الذي لم يدم طويلاً حيث داهمه الموت بعد عشرة أيام وهو لم يتجاوز الإثنين والثلاثين من عمره.
اتسمت الإسكندرية في مطلعها بالصبغة العسكرية كمدينة للجند الإغريق، ثم تحولت أيام البطالمة الإغريق إلى مدينة ملكية بحدائقها وأعمدتها الرخامية البيضاء وشوارعها المتسعة، وتحوّلت في ذلك الحين إلى عاصمة لمصر، وأصبحت إحدى حواضر العلوم والفنون بعد أن شيَد فيها البطالمة عددًا من المعالم الكبرى مثل مكتبة الإسكندرية التي تُعد أول معهد أبحاث حقيقي في التاريخ، وفنار الإسكندرية التي أصبحت أحد عجائب الدنيا السبع في العالم القديم، وكانت تطل على البحر وجنوب شرقي الميناء الشرقي الذي كان يطلق عليه الميناء الكبير؛ إذا ما قورن بينه وبين ميناء هيراكليون عند أبو قير على فم أحد روافد النيل القديمة التي اندثرت، وحالياً انحسر مصب النيل ليصبح على بعد 20 كيلومتراً من أبوقير عند رشيد.
خضعت المدينة اسميًا للرومان سنة 80 ق م، وفقًا لرغبة بطليموس العاشر، واستمر الأمر على هذا المنوال قرابة قرن من الزمن قبل أن تسقط بيد يوليوس قيصر بعد حصار الإسكندرية (47 ق.م)، عندما استغلت روما النزاع والحرب الأهلية القائمة بين بطليموس الثالث عشر ومستشاريه وشقيقته كليوبترا السابعة، وبعد عدة معارك انتصر قيصر وتم قتل أخيها، وبذلك استطاعت كليوباترا الانفراد بحكم مصر، وعلى أحد آراء بعض المؤرخين فقد تم حرق مكتبة الإسكندرية الشهيرة في ذلك الوقت في صراع يوليوس قيصر مع بطليموس الثالث عشر. سقطت المدينة بيد القائد «أوكتافيوس» الذي أصبح لاحقًا الإمبراطور «أغسطس» في 1 أغسطس سنة 30 ق م، بعد معركة الإسكندرية، وبهذا أصبحت مصر ولاية رومانية، ظلت الإسكندرية أكبر مدينة في الإمبراطورية الرومانية الواسعة بعد روما العاصمة، وأقدم الرومان على عمل العديد من الإصلاحات فيها، فقاموا بتجديد وإعادة حفر القناة القديمة التي كانت تربط نهر النيل والبحر الأحمر لخدمة التجارة، وكذلك فقد أعطى الرومان لليهود في الإسكندرية والذين كانوا يمثلون جزءًا أساسيًا من التركيبة السكانية للمدينة، حريات كثيرة وسُمح لهم بإدارة شئونهم الخاصة.
غير أن كل ذلك لم يوقف حركات التمرد والتوتر في المدينة والتي وصف أحد الكتاب القدماء أهلها بأنهم “الأكثر رغبة في الثورة والقتال من أي قوم آخر”، فمن أعمال الشغب في الإسكندرية سنة 38 وتمرد اليهود سنة 116، والتوتر المتواصل بين اليهود واليونان على مسائل قديمة، فضلاً عن احتجاج السكندريون بصفة عامة على الحكم الروماني، والذي أدى سنة 215 وعلى إثر زيارة الإمبراطور الروماني إلى الإسكندرية إلى قتل ما يزيد عن عشرين ألف سكندري بسبب قصيدة هجاء قيلت في الرجل، غير أن من أهم أسباب الاضطراب هو أن العالم قد شهد أحد أهم الأحداث في التاريخ وهو ميلاد الديانة المسيحية، والتي تزامنت مع بداية الحكم الروماني في مصر، وحيث أن الديانة الجديدة بدأت تجذب الكثير من المصريين وتدعوهم إلى نبذ الوثنية وعبادة الله، فقد بدأ عصر جديد من الاضطهاد حيث كانت روما تريد فرض عبادة الإمبراطور وكذلك العبادات الوثنية على المصريين. ضربت موجة تسونامي هائلة المدينة بتاريخ 21 يوليو 365، جرّاء زلزال وقع بالقرب من جزيرة كريت، ونجم عنها خراب ودمار كبيرين.
اكتسبت المسيحية قوة كبيرة رغم كل النزاعات وذلك في مواجهة ديانة باقي المصريين من الوثنيين وخاصة في عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير (378-395) الذي أصدر مرسوماً ببطلان العبادات الوثنية، فعقد بطريرك الإسكندرية ثيوفيلوس (385-412) عزمه على تنفيذ المرسوم الإمبراطوري بدقة وحزم وقد عاونه اتباعه وقوات الإمبراطور، فتم تدمير عدد من المعابد الوثنية وتحويل بعضها الآخر إلى كنائس مثل معبد سرابيوم المقام للإله سيرابيس وذلك سنة 391 حيث شيدت على أطلاله كنيستان.
العصور الوسطى
خضعت الإسكندرية للإمبراطورية البيزنطية بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين غربي روماني وشرقي رومي بيزنطي، وفي القرن السابع الميلادي كانت الإمبراطورية البيزنطية قد وصلت إلى حالة بالغة من الضعف، فشجع ذلك الإمبراطورية الفارسية الساسانية في الشرق على الهجوم على ممالكها واحتلال الشام ومصر، فدخل الفرس الإسكندرية ونهبوا المدينة وقتلوا الكثير من أهلها، لكن الحكم الفارسي لم يدم إلا بضع سنين حيث استطاع الإمبراطور هرقل استرداد ممالكه ورجعت الإسكندرية من جديد تابعة للإمبراطورية البيزنطية، وقد أراد هرقل تعيين بطريرك قوي في الإسكندرية يسند له الرئاسة السياسية بجانب سلطته الدينية ليكون قادر على قهر الأقباط وإرغامهم على اتباع مذهب المونوثيليتية فعين بطريركًا رومانيًا يدعى «كيرس» والمعروف عند مؤرخي العرب باسم «المقوقس»، لتحقيق هذه الغاية، إلا أنه فشل في ذلك، وخلال هذا العهد كان الإسلام قد برز في شبه الجزيرة العربية واستقطب أعدادًا كبيرة من الناس، وكان النبي محمد قد أرسل إلى حكام الدول المجاورة رسائل يدعوهم فيها إلى الإسلام، وكان المقوقس من ضمن هؤلاء الحكام.
الروم يستخدمون النار الإغريقية في معركة ذات الصواري التي خضعت الإسكندرية بعدها للحكم الإسلامي العربي.
بعد وفاة النبي محمد، خرج العرب المسلمون من شبه الجزيرة العربية لنشر الإسلام في أنحاء العالم المعروف، فانطلق عمرو بن العاص من القدس إلى مصر، بعد أن شاور الخليفة عمر بن الخطاب، سالكًا الطريق التي سلكها قبله قمبيز والإسكندر الأكبر، واصطدمت القوة العربية بالروم في مدينة الفرما مدخل مصر الشرقي، فسقطت المدينة بيد عمرو، ثم تبعتها بلبيس، وكان المقوقس عامل الروم على مصر قد تحصن بحصن إزاء جزيرة الروضة على نهر النيل، ورابط عمرو في عين شمس، ولما وصلت الإمدادات من الخليفة عمر، تقاتل الفريقان في منتصف الطريق بين المعسكرين، فانهزم المقوقس واحتمى بالحصن، ولمّا ضيّق عمرو عليه الحصار اضطر إلى القبول بدفع الجزية، وتابع عمرو استيلائه على المدن المصرية ولم يبق إلا الإسكندرية عاصمة الديار المصرية وثانية حواجز الإمبراطورية البيزنطية، وكان الاسطول البيزنطي يحميها من البحر، ولكن شدّة الغارات البريّة العربية، وموت هرقل وارتقاء ابنه قسطنطين الثاني عرش الإمبراطورية وكان حديث السن، جعلت الروم يوافقون على شروط الصلح، فجلت قواتهم وأسطولهم عن المدينة ودخلها المسلمين فاتحين، وأطلقوا الحرية الدينية للأقباط وأمّنوهم على ممتلكاتهم وأرواحهم.
قلعة قيتباي شيدها السلطان المملوكي “قايتباي” في نفس موقع منارة الإسكندرية.
ولكن بعد مدة قصيرة من السيطرة على المدينة قام البيزنطيون بهجوم مضاد ليستعيدوا المدينة من جديد إلا أن عمرو بن العاص استطاع هزيمتهم ودخل الإسكندرية مرة أخرى في صيف سنة 646، ورحب الأقباط في الإسكندرية بقيادة البطريرك بنيامين الأول بالمسلمين ترحيبًا بالغًا وبذلك فقدت الإمبراطورية البيزنطية أغنى ولاياتها إلى الأبد، فقدت الإسكندرية مكانتها السياسية بعد ذلك بسبب اتخاذ عمرو بن العاص من الفسطاط عاصمة له بدلاً منها، لكنها استمرت الميناء الرئيسي لمصر وأبرز مرافئها التجارية، نشطت حركة التجارة في الإسكندرية خلال العهد الإسلامي، كذلك تم بناء سور جديد للمدينة، ووفد إليها الكثير من العلماء من أمثال الإمام الشاطبي والحافظ السلفي وابن خلدون وغيرهم الذين أثروا الحركة العلمية للمدينة، ومن المعالم التي تركتها المرحلة الأولى للفتح ضريح وجامع أبو الدرداء الأنصاري أحد صحابة النبي محمد في منطقة العطارين والذي شارك في فتح مصر.
تعرضت الإسكندرية لحصار عُرف بحصار الإسكندرية (1174) من جانب الأسطول الصقلي كجزء من الحملات الصليبية ضد الشرق، إلا أنه فشل فشل ذريعًا، وتعرضت كذلك لعدة زلازل قوية سنة 956 ثم 1303 ثم 1323 أدت إلى تحطم فنار الإسكندرية ولم يبق منها سوى الأساس الحجري الذي شيدت عليه قلعة قايتباي في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، كما تعرضت الإسكندرية لهجمات صليبية كان أخرها في أكتوبر سنة 1365 عانت فيها من أعمال قتل دون تمييز بين مسلم ومسيحي ونهب وضربت المساجد، إلا أنه وفي سنة 1480 قام السلطان المملوكي قايتباي ببناء حصن للمدينة لحمايتها في نفس موقع المنارة والمعروفة الآن بقلعة قايتباي، حيث حظيت الإسكندرية في عهده بعناية كبيرة، وقد هيأت الدولة المملوكية وسائل الراحة لإقامة التجار الأوروبيين في مينائي الإسكندرية ودمياط فبنيت دور الإقامة ووضعت تحت تصرف التجار حتى يعيشوا وفق النمط الذي اعتادوه في بلادهم، وفي وقت لاحق فقدت الإسكندرية الكثير من أهميتها بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في سنة 1498 وتحوّل طريق التجارة إلى المحيط الأطلسي بدلاً من البحر الأبيض المتوسط، وكذلك بعد جفاف فرع نهر النيل والقناة التي كانت تمد المدينة بالمياه العذبة.
العصور الحديثة
خضعت الإسكندرية مع باقي مصر إلى الحكم العثماني بعد انتصار السلطان سليم الأول على المماليك في معركة الريدانية ودخل مصر سنة 1517، شهدت الإسكندرية أحداثًا مهمة خلال القرن الثامن عشر تمثلت بالحملة الفرنسية على مصر ودخول الجنود الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت الإسكندرية في أوائل يوليو 1798 بدون مقاومة تُذكر، واعتبرت الدولة العثمانية احتلال بونابرت لمصر اعتداءً عليها، ووقف الإنجليز والروس إلى جانب العثمانيين وعرضوا المساعدة على الباب العالي لإخراج الفرنسيين من مصر، وسرعان ما التحمت القوات البريطانية مع الفرنسية في معركة الإسكندرية (1801) في معركة أدت لخروج القوات الفرنسية من مصر، لتدخل الإسكندرية ومصر بصفة عامة مرحلة جديدة مليئة بالنهضة في جميع المجالات.
تدين الإسكندرية لمحمد علي باشا بالنهضة حيث أنه أعاد للمدينة الحياة بعدّة وسائل ففي سنة 1820 تم الانتهاء من حفر قناة المحمودية لربط الإسكندرية بنهر النيل مما كان له الفضل في إنعاش اقتصاد الإسكندرية، وقد صمم الميناء الغربي كي يكون هو الميناء الرسمي لمصر وتم بناء منارة حديثة عند مدخله، كذلك فإن منطقة المنشية هي بالأساس من تصميم مهندسيه، كما شيد محمد علي عند رأس التين مقره المفضل وأصبحت الإسكندرية هي مقر قناصل الدول الغربية مما جعل لها شخصية أوروبية حيث جذبت العديد من الفرنسيين واليونانيين واليهود والشوام بسبب الانتعاشة التي حظيت بها المدينة، كما أنشأ دار الصناعة البحرية في المدينة والتي يطلق عليها حالياً “ترسانة الإسكندرية”، وذلك لتلبية احتياجات الأسطول المصري على يد المهندس الفرنسي سيريزى بك.
ميناء الإسكندرية سنة 1870.
أصبحت الإسكندرية منذ تولي محمد علي الحكم وخلال المائة وخمسين سنة التالية أهم ميناء في البحر المتوسط ومركزًا مهما للتجارة الخارجية، ومقرًا لسكان متعددي الأعراق واللغات والثقافات، وتحت حكم خلفاء محمد علي استمرت الإسكندرية في النمو الاقتصادي، فشهدت في عهد الخديوي إسماعيل تحديداً اهتماماً يُشابه الاهتمام الذي أولاه لتخطيط مدينة القاهرة، فأنشأ بها الشوارع والأحياء الجديدة وتمت إنارة الأحياء والشوارع بغاز المصابيح بواسطة شركة أجنبية، وأنشأت بها جهة خاصة للاعتناء بتنظيم شوارعها وللقيام بأعمال النظافة والصحة والصيانة فيها، ووضعت شبكة للصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، وتم رصف الكثير من شوارع المدينة، وقامت إحدى الشركات الأوروبية بتوصيل المياه العذبة من منطقة المحمودية إلى المدينة وتوزيعها بواسطة “وابور مياه” الإسكندرية، وأنشأت في المدينة مباني ضخمة وعمارات سكنية فخمة في عدد من الأحياء كمنطقة محطة الرمل وكورنيش بحري.
تعرضت الإسكندرية خلال هذه العصر الحديث إلى الكثير من الأحداث وخاصة بعد مذبحة الإسكندرية وعند بداية الاحتلال البريطاني لمصر، حيث قام الأسطول البريطاني بقصف الإسكندرية لمدة يومين متواصلين حتى استسلمت المدينة معلنةً بداية الاحتلال البريطاني لمصر، والذي دام لسبعين عامًا، وتحت الاحتلال البريطاني زاد عدد الأجانب وخاصة اليونان الذين أصبحوا يمثلون مركزًا ثقافيًا وماليًا مهم في المدينة، وتحولت الإسكندرية وقناة السويس إلى مواقع إستراتيجية مهمة للقوات البريطانية، تعرضت المدينة لأضرار هائلة في فترة الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تقصفها الطائرات الحربية لدول المحور خصوصًا الإيطالية والألمانية ما تسبب في دمار ومقتل المئات واعتبرت الإسكندرية أكثر المدن المصرية تضرراً من تلك الحرب، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام حركة 23 يوليو 1952 أُلغيت الملكية في مصر وغادر الملك فاروق الأول آخر ملوك الأسرة العلوية إلى المنفى، وقامت الجمهورية المصرية على أنقاض المملكة بقيادة جمال عبد الناصر الذي أعلن من الإسكندرية وبالتحديد في ميدان المنشية تأميم قناة السويس، وقد قلت أعداد الجاليات الأجنبية في الإسكندرية بعد سياسة التأميم التي اتبعها عبد الناصر وكذلك بسبب الحروب التي خاضتها مصر مع إسرائيل، إلا أنه ما يزال هناك جالية يونانية بسيطة في المدينة. وفي 12 سبتمبر 1955 تعرضت الإسكندرية لزلزال بقوة 6.3 على مقياس ريختر، تسبب في في مقتل 18 شخصًا وإصابة 89 شخصًا حيث انهار 40 منزلًا بالكامل و420 منزلًا بشكل جزئي، وكان للإسكندرية حضور سياسي حيث استضافت مؤتمر قمة الدول العربية 1964 والذي أقُيم في قصر المنتزه بحضور أربعة عشر زعيمًا عربيًا.
بعد بداية سنة 2011 بعشرين دقيقة حدث انفجار كبير أمام كنيسة القديسين في منطقة سيدي بشر أثناء الاحتفالات بعيد الميلاد للكنائس الشرقية، نجم عنه 24 قتيلًا (بينهم مسلمون) كما أصيب 97 شخصًا، أحدثت هذه العملية صدمة في مصر وفي العالم كله، واتهمت وزارة الداخلية المصرية تنظيم جيش الإسلام الفلسطيني بالمسئولية عن الحادث، واحتج كثير من المسيحيين في الشوارع وهتفوا بشعارات ضد نظام حكم مبارك، وانضم بعض المسلمين للاحتجاجات، وحدثت اشتباكات بين الشرطة والمحتجين في الإسكندرية والقاهرة.
بعد نجاح الثورة التونسية وإسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، انتقلت روح الثورة إلى مصر، فخرج الآلاف من الأشخاص إلى شوارع القاهرة والإسكندرية وغيرها من المدن المصرية مطالبين بتحسين الوضع المعيشي وخفض الأسعار وتحسين الوضع الاجتماعي للناس. وقد بدأت المظاهرات بالإسكندرية بمنطقة المنشية والعطارين ومحطة الرمل والمنتزه وسيدي جابر. وقد تعاظم شأنها وازداد عدد المشاركين بها مع مرور الوقت، مطالبين بتنحي الرئيس حسني مبارك، أسفرت المظاهرات التي بدأت في 25 يناير عن تنحي حسني مبارك، فكان من شأن ذلك تهدئة الأوضاع بعض الشيء في المدينة وتفريق المتظاهرين.!!