في مثل هذا اليوم14 اكتوبر1918م..
الدولة العثمانية تعلن استسلامها في الحرب العالمية الأولى.
شاركت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى بوصفها إحدى قوى المركز. ودخلت السلطنة الحرب بعد شن هجوم مفاجئ على ساحل البحر الأسود الروسي في 29 أكتوبر 1914، وردت روسيا بإعلان الحرب في 5 نوفمبر 1914. فقد حاربت القوات العثمانية الوفاق في البلقان ومسرح الشرق الأوسط في الحرب العالمية الأولى. كانت هزيمتها في الحرب سنة 1918 حاسمة في تفككها وانهيارها سنة 1921.
كارثة البلقان
وضع البلقان عشية حروب البلقان، بعد الحرب الإيطالية التركية سنة 1911 (على اليمين)، وبعد انتهاء حربي البلقان 1912-1913 (يسار)
الخلفية والوضع الاقتصادي
كانت الدولة العثمانية في حالة سيئة للغاية عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914. حيث عانت لتوها من خسائر فادحة للغاية في حروب البلقان من 1912 إلى 1913، وكان جيشها في خضم عملية إعادة تنظيم كبرى كانت تجري بناءً على النصائح الألمانية، ولكنها لم تسفر بعد عن النتائج المرجوة. فالخسائر الإقليمية الكبيرة التي تكبدتها منذ 1910 – بالإضافة إلى الخسائر السابقة منذ 1878 – في المعارك المختلفة التي هُزِم فيها، والنفقات العسكرية المستمرة بسبب كل من هذه الخسائر والقتال مع المتمردين وازدادت حالة الخزانة المالية للسلطنة صعوبة مع قتالها مع المتمردين الألبان والعرب.
أدت الخسائر المستمرة في الأراضي منذ 1878 إلى انخفاض عدد السكان الأوروبيين للإمبراطورية من نصف إلى خُمس العدد الإجمالي. وفي صراعات 1912 و 1913 فقدت الدولة 32.7٪ من أراضيها و 20٪ من سكانها.
كانت الدولة لا تزال متخلفة اقتصاديًا: فإنتاج الفحم فيها أقل بكثير من إنتاج القوى العظمى؛ والحديد والصلب لا يكاد يذكر، ومثلها في الصناعة الكيميائية؛ وخطوط السكك الحديدية لا تزال نادرة جدًا بالنسبة للتوسع الكبير للإمبراطورية. كان توريد الأسلحة يعتمد على مسبك واحد للمدافع والأسلحة الخفيفة، ومصنع ذخيرة واحد، ومصنع واحد للبارود للدولة بأكملها. كانت تقع على أطراف العاصمة بجوار بحر مرمرة، في منطقة معرضة جدًا للهجمات الخارجية. جعلت الصناعة المحدودة جلب الأسلحة والذخيرة يعتمد بالكامل تقريبًا على الاستيراد الخارجي. أما وضعها المالي، فقد كانت السلطنة تعاني من عجز مستمر منذ سنة 1911. تم استخدام 30٪ من الميزانية الوطنية لسداد الدين الخارجي. كانت الدولة على وشك الإفلاس عندما اندلعت الحرب العالمية.
بالنظر إلى الوضع العسكري والمالي العثماني السيئ، لم يكن لدى أي من حكومات القوى الأوروبية العظمى حماس كبير للتحالف معها، لكن قيصر ألمانيا فيلهلم الثاني حث حكومته على توقيع معاهدة تحالف معها، حيث تم التوقيع عليها في 29 أغسطس 1914. من حيث المبدأ توقع القادة العسكريون الألمان من العثمانيين أن يصرفوا انتباه بعض الجيوش الروسية والبريطانية أثناء انتصارهم في الحرب من خلال خطة شليفن. وعندما فشلت في خريف 1914، بدأ الألمان للضغط على العثمانيين للدخول في الحرب. ظل الاتفاق سرا، وكان العثمانيون الذين كانوا في وضع خطير – في ظروف اقتصادية وعسكرية سيئة- غير متأكدين من رد فعل بلغاريا ورومانيا، وكانوا عرضة للانتقام من الحلفاء، وبدون موقف موحد من الحكومة تأجل الدخول في الصراع.
في 6 أغسطس وقع طلعت باشا اتفاقية سرية أخرى مع بلغاريا، تلزم البلدين بالدفاع عن بعضهما ضد أي عدوان من أي دولة من دول البلقان.
الدولة العثمانية والحرب
أهداف العثمانيين من الحرب
الصدر الأعظم سعيد حليم باشا موقع التحالف الألماني العثماني في 1914.
من أسباب تورط الدولة العثمانية في الحرب هو رغبتها باسترداد أراض لها فقدتها في صراعات سابقة، وكذلك رغبتها بالتخلص من للقوى العظمى التي أجبرتها على منحها امتيازات. فقد أراد وزير الدفاع أنور باشا استعادة الأراضي في بحر إيجة والقوقاز، وكامل شبه الجزيرة العربية، وجزء من شمال إفريقيا. وكذلك سعي العثمانيين الطلب من ألمانيا لحمايتهم من روسيا منذ عهد بسمارك سببًا مهمًا للقرار العثماني بالارتباط بقوى المركز الأوروبية. بالنسبة لقادة جمعية الاتحاد والترقي، فقد اعتقدوا أن الحرب ستسمح للسلطنة بانتقال جذري إلى دولة حديثة ومنفردة عن أي تدخل أجنبي، وإلغاء الامتيازات المالية والتجارية التي حصلت عليها تلك القوى العظمى، وكذلك الحصول على دعم السكان.
في البداية تردد الألمان في ربط أنفسهم بدولة ضعيفة، إلا أنهم غيروا موقفهم بعدما أصبحت الحرب بين النمسا-المجر وصربيا أكثر احتمالية. كان الهدف هو الحصول على حلفاء جدد لتعزيز موقع النمسا-المجر في البلقان.
تجنبت المفاوضات بين العثمانيين وقوى المركز التطرق إلى الأهداف السابقة للحرب. ولكن سرعان مااصطدم مشروع الوحدة التركية لأنور باشا -وهو إعادة توحيد جميع السكان الناطقين بالتركية في دولة واحدة- مع الخطط الألمانية في القوقاز وآسيا.
في مفاوضات السلام مع روسيا سنة 1915 أعرب العثمانيون عن رغبتهم في رؤية تغيير في وضع مضائق البحر الأسود، المنصوص عليها في معاهدتي باريس 1856 وبرلين 1878؛ وكرروا رغبتهم في ذلك سنة 1916. وحاول الدبلوماسيون الألمان والأتراك خلال الأشهر الأولى من 1915 -قبل غزو المركز لوارسو- وفي سنة 1916 الاتفاق مع الروس حتى يخرجوهم من الصراع. لم يكن وضع مضائق البحر الأسود هي القضية الوحيدة التي اختلفت فيها قوى المركز مع الروس: فقد اختلفوا أيضًا حول الحدود مع إيران والتأثير الذي يجب أن يتمتع به العثمانيون والروس في هذا البلد؛ نوقش توزيع مناطق النفوذ وحتى الأراضي الإيرانية باستفاضة من قبل دبلوماسيي الدولتين العدوتين.
في 25 ديسمبر 1916 حدد وزير خارجية السلطنة الأهداف في حالة الانتصار في الحرب: استعادة الأراضي التي احتلها الحلفاء في 1914، وانهاء الاحتلال البريطاني لمصر وقبرص. بالإضافة إلى ذلك سعى العثمانيون إلى الحصول على موطئ قدم على شواطئ البحر الأسود الروسي، وبالخصوص ميناء كونستانتسا. لذا حاول القادة العثمانيون بدعم عسكري ألماني الحصول على تعويض إقليمي في جنوب القوقاز.
علاوة على ذلك أدى دخول بلغاريا الحرب إلى تغيير الوضع في منطقة البحر الأسود. وكان الملك فرديناند قد طالب بثمن لتحالفه مع قوى المركز بتنازلات إقليمية معينة في تراقيا على حساب العثمانيين.
وفي سنة 1918 مستغلين الهزيمة العسكرية الروسية، نجح الممثلون العثمانيون في إقناع الروس بإخلاء الأراضي العثمانية التي ما زالوا يحتلونها، وأبدوا رغبتهم في الحصول على مناطق شاسعة من القوقاز الروسي.
إلغاء الامتيازات الأجنبية
المقالة الرئيسة: الامتيازات الأجنبية في الدولة العثمانية
في 10 سبتمبر 1915 ألغى وزير الداخلية طلعت باشا الامتيازات الأجنبية، فثبت في نفس اليوم الصدر الأعظم سعيد حليم باشا ذلك الإلغاء (الذي له سلطة الإلغاء)، مما أنهى الامتيازات الخاصة التي كانت تمنح للمواطنين الأجانب. رفض أصحاب الامتيازات الاعتراف بعمله (باعتباره إجراء من جانب واحد). أعرب السفير الأمريكي عن وجهة نظر القوى العظمى بقوله:
«إن نظام الامتياز كما هو معمول به في السلطنة ليس مؤسسة مستقلة تابعة لها، ولكنه نتيجة لمعاهدات دولية واتفاقيات دبلوماسية وأفعال تعاقدية من أنواع مختلفة. وبالتالي لا يمكن تعديل أي جزء من أجزائه، ولا تلغيه الحكومة العثمانية بعد تفاهم مع الدول المتعاقدة. – هنري مورغنثاو.»
إلى جانب الامتيازات كانت هناك قضية أخرى تطورت معها، ألا وهي الدين والسيطرة المالية (استحداث إيرادات) على السلطنة، وهما متشابكين في ظل مؤسسة واحدة، حيث كان مجلس إدارتها يتألف من القوى العظمى بدلاً من العثمانيين. لا توجد سيادة على هذا الوضع. يمكن للدين العام أن يتدخل في شؤون الدولة بالفعل، لأنه سيطر على مامجموعه ربع إيرادات الدولة. كانت إدارة الدين العام العثماني هي التي تدير الدين، حيث امتدت سلطتها إلى البنك العثماني (وهو البنك المركزي للسلطنة). سيطرت إدارة الدين على العديد من إيرادات السلطنة الهامة. كان للمجلس سلطة على كل الشؤون المالية. وامتدت سيطرته لتحديد الضريبة على الثروة الحيوانية في المناطق. كان الدين العام العثماني جزءًا من مخطط أكبر للسيطرة السياسية، سعت من خلاله المصالح التجارية للقوى العظمى إلى اكتساب مزايا قد لا تكون في مصلحة السلطنة. فكان الهدف المباشر لإلغاء الامتيازات ووقف سداد الديون الخارجية هو تقليص القبضة الأجنبية على الاقتصاد العثماني؛ أما الهدف الثاني -وهو الهدف الذي يعلق عليه وزن سياسي كبير- هو إخراج غير المسلمين من الاقتصاد عن طريق تحويل الأصول إلى الأتراك المسلمين وتشجيع مشاركتهم في العقود والإعانات الحكومية.
نيل جزئي لأهداف العثمانيين من الحرب
تحقيق أهداف الحرب العثمانية وهي كاربند وقارص وباطومي، بحسب رسام الكاريكاتير الأمريكي إلمر أندروز بوشنيل.
أدى انهيار القوة الروسية في القوقاز إلى تغذية الطموحات العثمانية في المنطقة. ففي فبراير 1918 عرض وزير الخارجية العثماني نسيمي بيك المطالبات المتعلقة بالمنطقة، مسلطًا الضوء على الاختلافات بين العثمانيين والألمان. ووفقًا للرؤية الألمانية لتوزيع المنطقة، يجب أن تكون مرتبطة بالرايخ. وفي 11 مايو في باطومي، طالب المبعوثون العثمانيون باستعادة حدود 1828 بين السلطنة وروسيا، بينما أراد الألمان الإعلان من الناحية النظرية دولة قوقازية مستقلة، لكنها في الواقع مرتبطة سياسياً واقتصادياً ببرلين. فالموقف الألماني الذي تعارض بوضوح مع الطموحات العثمانية القوقازية، دفع بالعثمانيين إلى تطبيق إستراتيجية الأمر الواقع أمام حليفهم، وزيادة وجودهم في المنطقة، واحتلال مناطق جديدة، حتى لو كان ذلك ينتهك أحكام معاهدة بريست ليتوفسك. أجبر هذا الألمان على السعي علنًا لعقد اتفاق مع الحكومة العثمانية بشأن القوقاز. ومن ناحية أخرى اصطدمت طموحات قوى المركز مع طموحات الدول الجديدة التي نشأت من تفكك الإمبراطورية الروسية البائدة: أرمينيا وأذربيجان وجورجيا.
الأطماع في الأراضي العثمانية
كانت جميع القوى المتحاربة تريد أن يتفاقم الانحطاط العثماني: حتى أن بعض حلفاءها طالبوا ببعض الأراضي لأنفسهم. فقد كانت من بين شروط الملك البلغاري فرديناند للانضمام إلى قوى المركز، هو ترسيم الحدود التركية البلغارية في تراقيا لصالحه. وفي 19 سبتمبر 1918 طالبت الحكومة البلغارية بعد المزايا التي نالتها السلطنة في القوقاز، بالمزيد من أراضي تراقيا العثمانية.
ومن جانبها، طالبت الإمبراطورية الألمانية التي كانت تمثل الدعم المالي الرئيسي للعثمانيين أثناء الحرب بتنازلات اقتصادية؛ بدءًا من 1917 وضع المسؤولون عن السياسة الاقتصادية الألمانية خطة للتوسع السياسي والاقتصادي في السلطنة. مكنت الديون الهائلة التي تم التعاقد عليها مع البنوك الألمانية للألمان بجمع سلسلة طويلة من المزايا التي كانوا يرغبون في الحصول عليها من حكومة الباب العالي، والتي كانت ستعادل خضوع اقتصاد السلطنة للسيطرة الألمانية، ومنها: السيطرة على آبار النفط من بلاد مابين النهرين، وامتيازات التعدين وتصاريح الملاحة في نهري دجلة والفرات. ولضمان استرداد القروض الممنوحة لها، وضع القادة السياسيون والاقتصاديون الألمان في 7 أبريل 1917 قائمة دقيقة للأهداف التي كان على الرايخ تحقيقها في الدولة العثمانية: السيطرة على أحواض التعدين – وتقع بالقرب من سكة حديد بغداد وغيرها – سواء من خلال التنازلات المباشرة للشركات الألمانية أو من خلال ملكية الأغلبية في المشاريع المشتركة التركية الألمانية. وكانوا يأملون في توحيد المجال السياسي في المجال الاقتصادي، المتجسد في سلسلة من الاتفاقيات السياسية والعسكرية بين برلين واسطنبول.
في صيف 1918 وبعد معركة أميان كان تحقيق أهداف الحرب الألمانية فيما يتعلق بالدولة العثمانية يستلزم إخضاع الأخيرة اقتصاديًا لألمانيا، من خلال منح السيطرة على الاقتصاد العثماني لشركاتهم، على افتراض أنه تعويض عن قروض الحرب؛ وجزء من خطة السيطرة الاقتصادية، طالب الدبلوماسيون الألمان في 9 أغسطس بتسليمهم حق استغلال آبار النفط في العراق.
ومن ناحية أخرى دفع تحالف العثمانيين مع قوى المركز بإعطاء الحلفاء خططًا جديدة لتقسيم أراضيهم فيما بينهم. بعد دراسة مسودات عديدة للتوزيع الإقليمي، تجسد الاتفاق النهائي بين أعضاء الوفاق في وثيقة مؤرخة في 9 مارس 1916: سيتم تخصيص الساحل الشرقي وقيليقية وأضنة والموصل لفرنسا؛ وبلاد الرافدين إلى المملكة المتحدة؛ وستستولي روسيا على أرمينيا وكردستان وستحصل على الحق في عبور مضائق البحر الأسود بحرية. وحسب اتفاقية سانت جان دي مورين اللاحقة في 19 أبريل 1917، ستحصل إيطاليا على منطقة أزمير. وتكون فلسطين تحت السيطرة الدولية المشتركة. بالإضافة إلى هذه الاتفاقيات، سعى الروس إلى تحقيق أهدافهم بأنفسهم: فقد واصلوا توسعهم جنوبًا الذي بدأ منذ عهد القيصر بطرس الأكبر، حيث أكد كل من القيصر والحكومة الروسية المؤقتة اللاحقة رغبتهم في غزو إسطنبول ومضائق البحر الأسود.
الحياد المزعوم
فاجأ اندلاع الحرب في أغسطس 1914 القادة العثمانيين. لم تكن السلطنة مستعدة للمشاركة في معركة جديدة: فجيوشها مشتتة ولم تكن العاصمة إسطنبول محمية من أي توغل محتمل للحلفاء.
ولكن مذكرة بخط يد الإمبراطور فيلهلم الثاني بناء على طلب من رئيس البعثة الألمانية في الأستانة أوتو ليمان فون ساندرز بتاريخ 29 يوليو 1914 بددت أي شك حول نية العثمانيين للمشاركة في الصراع الوشيك. وبتواطؤ ألمانيا حافظ القادة العثمانيون على موقف مبهم مع الجانبين. وعندما جاءوا للتفاوض مع الحلفاء، على سبيل المثال بدأ أنور باشا المحادثات معهم في 9 أغسطس: قدم إلى السفير الروسي المطالب العثمانية بشأن البلقان والتي تضمنت استعادة تراقيا الغربية وجزر بحر إيجة. ومع ذلك كانت احتمالية عقد صفقة مع الحلفاء ضئيلة: ففي يوليو سافر جمال باشا إلى باريس لطلب عبثاً عودة دوديكانيسيا من إيطاليا، وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات مع الحلفاء جارية رفض البريطانيون تسليم السفينتين الحربيتين العثمانيتين «السلطان عثمان» و«الرشادية» اللتين صنعتا في أحواض بناء السفن في المملكة المتحدة في 28 يوليو وقاموا باستيلاء عليها دون أن يعيدوا للعثمانيين سبعة ملايين ونصف المليون جنيه التي دفعوها لهم. مما أدى بشكل قاطع إلى ميل الدولة العثمانية نحو الألمان.
نظرًا للصعوبة الكبيرة في تعبئة الجيش بسبب ضعف الاتصالات في البلاد، حيث بدأت العملية في 2 أغسطس، وعلى الرغم من أن الهدف من حيث المبدأ هو الدفاع عن أراضي السلطنة وعدم القيام بأي هجوم. إلا أن العملية كانت بطيئة، ولم تكتمل التعبئة حتى أوائل نوفمبر. ومن أصل اثني عشر فيلقًا المكونة للقوات المسلحة، تم تكليف ستة منها في العاصمة ومنطقة تراقيا، وثلاثة منها أرسلت إلى الحدود الروسية، وواحدة نحو إزمير، والباقي إلى بلاد الشام والجزيرة العربية.
وفي 10 أغسطس ظهرت طرادات ألمانية أمام دفاعات إسطنبول، ونالت إذن الدخول إلى المضائق، مما عد انتهاكا لاتفاقية 1841 التي تحكم العبور عبر مضيق البحر الأسود. فالحماية الممنوحة للطرادات الألمانية التي كانت هاربة من الأسطول الإنجليزي ولجأت إلى السواحل العثمانية دفعت الحكومة العثمانية إلى الوقوف بشكل علني مع قوى المركز؛ فتم تعيين الأدميرال فيلهلم سوشون قائد الطرادين الراسيين في إسطنبول قائدًا للبحرية العثمانية في 6 أغسطس، بينما تولى نائبه الأدميرال جويدو فون يوزدوم قيادة الدفاعات الساحلية للعاصمة. وفي 9 سبتمبر أقال العثمانيون البعثة البحرية البريطانية لتقديم المشورة للبحرية العثمانية. وفي الأسابيع التالية سارع العثمانيون وحلفائهم إلى حصار مضيق الدردنيل لمنع مرور قوات العدو. واعتبارًا من 26 سبتمبر منع العثمانيون مرور سفن الشحن عبر المضيق.
على الرغم من أن دخول العثمانيين في حربهم لم ينتج عنه فوائد فورية لقوى المركز، إلا أنه أضر بالحلفاء على المدى المتوسط، لأن إغلاق حركة المرور في مضيق البحر الأسود أعاق التبادلات بين روسيا وحلفائها في أوروبا الغربية. سهّل تحالف العثمانيين مع ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية أيضًا الهجمات المحتملة على الطريق بين مصر والمحميات البريطانية وحتى الهند. ومن ناحية أخرى أدى الدخول في الصراع إلى انقسام في الحكومة العثمانية: رغب الممثل الرئيسي للنظام أنور باشا في المشاركة في الحرب في أسرع وقت ممكن، بينما فضل آخرون مثل عزت باشا الحفاظ على الموقف الغامض مع الأطراف المتنازعة، أما الصدر الأعظم ووزير الخارجية سعيد حليم باشا فقد كان مترددًا.
الباب العالي والرايخ
بدأت الدولة العثمانية أواخر القرن التاسع عشر بإقامة روابط سياسية واقتصادية مع الإمبراطورية الألمانية. ولتجنب عواقب إغلاق البريطانيين لقناة السويس أمام السفن الألمانية، وتأثرًا بالأمور الجيوسياسية في ذلك الوقت خطط فيلهلم الثاني لبناء خط سكة حديد بين ألمانيا والخليج العربي يمر على إسطنبول وبغداد والبصرة. بالإضافة إلى خط السكة الحديد هذا أراد السلطان عبد الحميد أن يبني خطًا آخر نحو الحجاز؛ أدت المعارضة البريطانية لمشروع سكة حديد بغداد، وقد حالت دون ذلك إلى قيام السلطنة بتقوية علاقاتها مع ألمانيا بدءًا من 1906.
بعد الهزائم المتتالية في الحرب الإيطالية التركية وحرب البلقان، طلبت الحكومة العثمانية من الألمان إرسال بعثة عسكرية لإعادة تنظيم القوات المسلحة. حيث أرسلت في صيف 1914 بعثة ضمت سبعين فردًا بقيادة قائد سلاح الفرسان أوتو ليمان فون ساندرز.
على الرغم من ارتباط الدولة العثمانية بالرايخ، إلا أنها لم تخض الحرب في أغسطس 1914. وكان حيادها في تلك الفترة مناسباً جدًا للألمان. ولكن أدت الانتكاسات التي عانت منها قوى المركز (في فرنسا وغاليسيا وصربيا) في نهاية صيف 1914 إلى تشكك السلطات العثمانية في استصواب خوضها الحرب إلى جانبهم، على الأقل حتى اكتمال التعبئة العسكرية، وتلقي المساعدة المالية وتحسن الوضع العسكري في الجبهة. وفي 17 سبتمبر ثم في 11 أكتوبر أعرب السفير الألماني في الأستانة عن رغبة حكومته بالتعاون مع السلطنة ووعد بتقديم مساعدات مالية. وفي أواخر أكتوبر دخلت السلطنة الحرب، حيث تولى المستشارون الألمان مناصب في هيئة الأركان العامة العثمانية وفي قيادة بعض الفيالق، على الرغم من أن الجزء الأكبر من الفيالق ظل تحت قيادة الضباط العثمانيين.
ازداد التسلح العثماني بعد شراء الطرادين الألمانيين. كما تم تجديد دفاعات المضائق، التي أشرف على أعمالها مهندسون عسكريون ألمان. فتم حظر مرور سفن الحلفاء في مضيقي البوسفور والدردنيل. وكذلك تم تجهيز الدفاعات التي تعرقل حركة الملاحة البحرية. ووضعت مدفعية الساحل – أكثر من مائة مدفع من العيار الثقيل – والألغام في المضائق، وهو ماعد انتهاكا لمعاهدة باريس 1856. وتم تجهيز قاذفات الطوربيد المثبتة على الشاطئين الأوروبي والأسيوي من المضيق. وجود تلك القوات يعني عدم الحاجة إلى نشر أعداد كبيرة من المشاة للدفاع عن هذا القطاع الحيوي، ولهذا السبب تم تخصيص عدد قليل من وحدات المشاة في منطقة المضيق مع بداية 1915.
بعد هزيمة الصرب في خريف 1915 فتحت المواصلات البرية بين السلطنة وأوروبا الوسطى، فأصبحت المساعدات الألمانية أسهل. وكان ذلك ضروريًا للتخفيف من معاناة السلطنة، التي لديها نقص حاد للغاية في الأسلحة والذخيرة منذ دخولها الحرب. انعكس ذلك في شحن الإمدادات إلى الجيش العثماني الذي كان يعتمد كليًا على الصناعة العسكرية من عتاد والفحم الذي يستهلك منه العثمانيون 8000 طن شهريًا للاستخدام العسكري والمدني. وفي سنة 1916 أرسل الألمان للعثمانيين مائة وثمانين ألف طن من فحم اللجنيت ومائة وثلاثين ألفًا طن من أنواع الفحم الأخرى. بالإضافة إلى أسلحة ومعدات السكك الحديدية، التي دفعوا ثمنها بالطعام والمواد الخام. كما ازداد عدد القوات والمستشارين العسكريين، ووصل في 1918 إلى 25,000 جندي بكتائب وأفواج، وقد حظيت البعثات العسكرية الألمانية بالنفوذ داخل السلطنة. كانت الحرب هي الجانب الأسهل في التعاون بين الألمان والعثمانيين، أما فيما يتعلق بأهداف الحرب أو السياسة الداخلية العثمانية أو الأمور المالية، فقد كان التعاون أكثر صعوبة.
أما من ناحية الدعم المالي: فقد تلقت الحكومة في 1917 ثلاثة مليارات مارك في شكل قروض، وهي ضرورية لتحمل نفقات الحرب. أعطى الاعتماد المالي العثماني على ألمانيا حكام برلين القدرة على التأثير في السياسة العثمانية، وهي وسيلة لتحقيق أهدافهم الإمبراطورية. ومع ذلك نجح الساسة العثمانيون بمهارة كبيرة في الحد من التوسع الاقتصادي والمالي الألماني، ومنعوا ممتلكات الدول المعادية في أراضي السلطنة من الوقوع في أيدي الشركات الألمانية.
وأيضًا كان النفوذ السياسي الألماني في السلطنة ضعيفًا، وظهر واضحًا مع ترحيل السكان الأرمن، حيث فشل الألمان في إيقافه. أما في بعض الحالات مثل حماية السكان اليهود في فلسطين، فقد كان العثمانيون أكثر تساهلًا مع الألمان، لكنهم عمومًا لم يتقبلوا اقتراحات برلين السياسية.
الدخول في الصراع
بعد هزائم ألمانيا في صيف 1914 وانتقال الحرب إلى حرب استنزاف، بدأ الألمان بمطالبة حلفائهم العثمانيون بتنفيذ المعاهدة السرية التي وقعت في 2 أغسطس 1914 والتدخل الفوري في الحرب. لم يرغب غالبية أعضاء جمعية الاتحاد والترقي والحكومة في القيام بذلك، لكن الأقلية التي تزعمها أنور باشا أصرت على تلبية المطالب الألمانية، مقتنعين بقدرتهم على الحصول على مكاسب أفضل في حالة الانتصار عما إذا تأخر دخولهم الحرب. وقد استغرق ثلاثة أشهر مابين التوقيع على التحالف السري ودخول السلطنة الحرب.
بعد انقلاب 1913 سيطر الباشوات الثلاثة وبدعم من الجيش على السياسة العثمانية. فقرروا دخول الحرب دون استشارة السلطان أو الصدر الأعظم. حيث أخروا القرار حتى رأوا أن تحالفهم مع ألمانيا في خطر إذا تم تأجيله مرة أخرى. ودخولهم الحرب أتت من قناعة بضرورة الحفاظ على الروابط مع الرايخ.
بعد توقيع معاهدة التحالف الأولى في أغسطس 1914 بدأ في أكتوبر التفاوض بشأن اتفاقية جديدة أخرى، حيث تم التوصل إليها في يناير 1915 وهي أكثر موائمة للعثمانيين. وكانت المعاهدة الأصلية دفاعية بشكل أساسي ضد روسيا، وقد أراد العثمانيون تسوية مسائل أخرى مع ممالك أوروبا الوسطى.
إعلان الحرب
في نهاية أكتوبر تم بيع الطرادين الألمانيين إس إم إس جوبان وإس إم إس بريسلاو بسعر بخس للعثمانيين. ومما عجل دخولهم الحرب هو استخدامهما مع سفن حربية أخرى في قصف الموانئ الروسية في أوديسا وسيفاستوبول ونوفوروسيسك فأغرقوا عدة سفن روسية صغيرة وسفينة ركاب فرنسية في الطريق. هذا الهجوم الذي لم توافق عليه الحكومة قد نفذ من خلال مؤامرة المستشارين العسكريين الألمان مع العناصر الموالية لألمانيا من الاتحاد والترقي، ولكنه أشعل حربًا بين روسيا والسلطنة. كانت العملية وسيلة لاستفزاز الوفاق لإدخال الدولة العثمانية في الحرب. بمجرد حدوث ذلك قررت غالبية الحكومة دعم المتآمرين وشن الهجوم. لكن العديد من الوزراء والصدر الأعظم عارضوا هذا القرار، ولكن دون جدوى. وفي 29 أكتوبر بدأت السلطنة الحرب بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الوفاق. وفي 2 نوفمبر أعلنت روسيا الحرب عليها.
كان على السلطان الذي لم يشارك في قرار إعلان الحرب على الروس، أن يعلن بصفته خليفة الجهاد ضد الوفاق الثلاثي.
منذ نهاية القرن التاسع عشر قدم الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني نفسه للعالم بأنه حامي للمسلمين، وتلك كانت جزءًا من سياسته الخارجية، وأعلن أثناء رحلته إلى دمشق سنة 1898:
ليطمئن جلالة السلطان وثلاثمائة مليون مسلم على وجه الأرض الذين يحترمونه كخليفة أن إمبراطور الألمان هو صديقهم الأبدي.
وقد استخدم الإمبراطور تلك الدعاية في 29 يوليو 1914 واقترح استخدام المشاعر الإسلامية ضد العدو. وبالتالي نصت معاهدة التحالف في 2 أغسطس 1914 على أن يعلن السلطان بصفته خليفة المسلمين الجهاد ضد الحلفاء. ومن أولى العمليات الحربية العثمانية التي نفذت بالتعاون الألماني والنمساوي المجري، كان الهجوم على مصر حيث استخدم الدعاية الإسلامية المكثفة لإضعاف الدفاعات البريطانية. إلا أن هذا الإجراء قد فشل فشلاً ذريعاً، سواء في مصر أو في بقية المستعمرات الإسلامية التي حكمها الحلفاء.
واستجابة لطلب ألمانيا أعلن السلطان الجهاد 84 في 14 نوفمبر 1914. ودعا شيخ الإسلام من إسطنبول إلى الجهاد، واستقبلت دعوته بحفاوة من عشرات الآلاف المسلمين. إلا أن حماس الولايات كان أقل منه من العاصمة، التي كان يُنظر إليها بوجود الباشوات الثلاثة وأنهم نتيجة ثورة تركيا الفتاة العلمانية، التي أطاحت في سنة 1909 بالسلطان عبد الحميد الثاني بطل الوحدة الإسلامية.
حاولت أجهزة التجسس العثمانية إقامة اتصالات مع ممثلي سكان شمال إفريقيا، حيث حاول الألمان بالتعاون مع العثمانيين بإشعال تمرد العرب والأمازيغ ضد الهيمنة الفرنسية. وقد استمرت انتفاضة السنوسية في ليبيا حتى 1918 على الرغم من قلة أهميتها بالنسبة للحرب العالمية. بالتوازي مع العمليات في شمال إفريقيا سعت قوى المركز إلى توسيع الحرب الإسلامية المقدسة لتشمل إمبراطوريات الأعداء الاستعمارية. فأرادوا زعزعة استقرار الهند البريطانية، وللقيام بذلك أرسل الألمان والعثمانيون حملات مشتركة إلى بلاد فارس. بالإضافة إلى ذلك نفذت كل من ألمانيا والسلطنة حملة تجنيد بين أسرى الحرب المسلمين. وأيضا حاول العثمانيون تسخير ولاء الألبان المسلمين للباب العالي لإثارة إمارة ألبانيا، أولاً من بوليا ثم من كورفو.
شجع ممثلو النمسا-المجر السلطان على اتباع هذا الخط، الذي نال أيضًا على موافقة السفارة الألمانية والمسؤولين عن السياسة الخارجية للرايخ. ومع ذلك فقد تناقضت الخطط الضخمة مع الموارد الضئيلة المخصصة لها، علاوة على ذلك سرعان ما أدرك مسلمو مستعمرات الوفاق أن الطموحات الإمبريالية الألمانية لا تختلف عن طموحات بقية القوى الأوروبية وأن لا ألمانيا ولا الدولة العثمانية تقدم لهم بأي حال الأموال والمواد اللازمة للتخلص من الهيمنة الاستعمارية. وهكذا كان تأثير الدعوة إلى الجهاد المقدس محدودًا.
الباب العالي في الحرب
استهلك الجيش العثماني الذي أعيد تنظيمه من خلال الإصلاحات التي رعتها البعثة العسكرية الألمانية، ستة ملايين ليرة في السنة: فالمبلغ المخصص للقوات المسلحة هو الأكبر في الميزانية السلطنة. بعد الهزائم التي عانى منها في حروب البلقان الأخيرة، خضع الجيش لعملية تجديد كبيرة، وتضمنت إعفاء مئات الضباط وتغييرات تنظيمية كبيرة. لقد تسببت تلك الحروب في تعطيل القوات المسلحة العثمانية تمامًا، وكان لابد من تركيز بقاياها في تراقيا لحماية العاصمة.
من أصل عشرين مليون شخص، لوحظ أنه تم استدعاء مايقرب من ثلاثة ملايين خلال النزاع، ومع المرض والهروب من الخدمة يعني أن القيادة نادراً ماضمت نصف مليون جندي. الذي يؤدي الخدمة العسكرية هم فقط السكان المسلمون، أما أتباع الديانات الأخرى فكانوا يدفعون الضريبة لدعم القوات المسلحة. اضطر الجيش لتحمل تدخل حزب الاتحاد والترقي في شؤونه العسكرية، على الرغم من نفوذه المتناقص، وأيضا من منظمة تشكيلات مخصوصة، التي تدخل أعضاؤها في الشؤون السياسية والعسكرية للسلطنة، مما تسبب في استياء العسكريين.
أرسلت ألمانيا وإمبراطورية النمسا-المجر إلى السلطنة مستشارين عسكريين وبعض الوحدات الصغيرة للقتال على الجبهات الجديدة التي انبثقت بعد دخولها الحرب. صُممت هيئة الأركان العامة للعثمانيين على غرار الهيكلة البروسية، وتم تدريب ضباطهم في الأكاديمية العسكرية في الأستانة، كما هو الحال مع معظم رؤساء الفرق وسلك الجيش الذين شاركوا في الحرب. تكمن القوة الأساسية للجيش في هيئة الأركان العامة وفي بأس الجيوش، أما ضعفها الرئيسي فيكمن في الافتقار إلى القيادات الوسطى المحترفة وضباط الصف المهنيين، الأمر الذي أدى إلى صعوبة في تدريب سريع للجنود الجدد، واستبدال الضباط الذين سقطوا في القتال بآخرين من ذوي الخبرة. كما عقّدت خسائر حروب البلقان من تدريب مجندين جدد.
أدى إطالة أمد الحرب التي استمرت ثماني سنوات للسلطنة (بإضافة حروب البلقان)، إلى نقص في عدد حيوانات الجر (الضرورية للنقل)، ومن الأسلحة والمواد العامة المتاحة للوحدات العثمانية، والتي نادرًا ما كانت تكتمل. وفي بعض الوحدات كان الجنود يرتدون زيًا ممزقًا ويفتقرون إلى الأحذية. ولتعويض عن هذا النقص أرسلت ألمانيا والنمسا-المجر كميات كبيرة من الإمدادات إليهم؛ ولكن بسبب هذا النقص لم تستطع القوات العثمانية أن تقارع قوات العدو. وماإن دخلت سنة 1918 حتى كان الجيش العثماني منهكًا وغير قادر على الاستمرار في القتال لفترة أطول. فالجزء الأكبر من خسائر الجيش العثماني كان بسبب نقص الغذاء والدواء ولم يكن بسبب القتال.
عندما دخلت السلطنة الحرب، كان لديها سبعة عشر فرقة متمركزة في منطقة العاصمة، وعشرة في شرق الأناضول، وسبعة في بلاد الشام، وأربعة في شبه الجزيرة العربية، واثنان في العراق، على الرغم من إنشاء وحدات جديدة لاحقًا. فكانت 14 من الفرق لا تزال تحت التشكيل، بعد خسائر حروب البلقان وتغيير مواقع ثمانية أخرى؛ كانت تلك الفرق هي الأسوأ قتالاً في المعارك الأولى في الحرب العالمية. تم تشكيل أفواج الفرسان الخفيفة في أربع فرق فرسان احتياطية مخصصة للجيش الثالث لتحل محل سلاح الفرسان غير النظامي مع مشاكل الانضباط التقليدية. إجمالاً كان هناك 600,000 جندي يخدمون في صفوف الجيش. وقد قسم الجيش إلى تسعة جيوش وعشرات الفيالق. تمركز الأول في تراقيا وكان تحت القيادة الألمانية حتى أكتوبر 1915؛ خدم الثاني في المضائق وفي تراقيا والقوقاز وفي قيليقية؛ وقاتل الثالث في القوقاز. أما السادس فدافع عن جبهة العراق. وحارب السابع والثامن والرابع في فلسطين والخامس في جاليبولي؛ حارب التاسع في القوقاز وبلاد فارس. وخصص الجيش أكثر من 120 ألف جندي للجبهة المقدونية.
كان التسلح في بداية الحرب نادرًا وغير كافٍ. لم تكن المدفعية والمدافع الرشاشة كافية لتلبية متطلبات كل وحدة. وأيضًا كان مخزون الذخيرة قليل، ولم تستطع السلطنة أن تلبي احتياجات الإنتاج في وقت الحرب.
وفي المجمل خسر الجيش في الحرب العظمى حوالي 725,000 جندي (325,000 قتيل والباقي جرحى) و200,200 من جنوده أُسروا. وفي الوقت الذي استسلمت فيه الدولة العثمانية في خريف 1918 كان تعداد جيشها بالكاد 33 ألف جندي وهناك أكثر من مليون هارب.
عند النظر إلى الخسائر العثمانية في الحرب العالمية الأولى: فإن السلطنة حشدت ما مجموعه 2,6 مليون رجل، وفقدت 325,000 رجل وأصيب 400,000. وأُسر 202 ألف جندي، معظمهم من البريطانيين والروس، وهرب مليون منهم، ولم يتبق سوى 323 ألف رجل تحت السلاح عند الهدنة. فدورها في الحرب العالمية له من الإهمال الشيء الكثير. دخلت الإمبراطورية البريطانية في الصراع بـ 2,550,000 جندي على جبهات عثمانية مختلفة، أو 32٪ من مجموع قوتها؛ وأدخلت الإمبراطورية الروسية حتى 7,020,000 جندي إلى سبتمبر 1916، أو 19٪ من قواتها؛ وفرنسا بـ 50,000 جندي تمركزوا في الدردنيل، وإيطاليا بـ 70,000 رجل في ليبيا ضد التمرد الموالي للعثمانيين. في المجموع فقد كلا من العثمانيون والحلفاء: 1,400,000 جندي. لولا دخول العثمانيين إلى الحرب، كان من المحتمل أن يكون انتصار الحلفاء أسرع.
بالإضافة إلى الخسائر البشرية فإن خسائر الدولة العثمانية الاقتصادية كانت أيضا ضخمة، حيث بلغت كلفة الحرب 398.5 مليون ليرة عثمانية، أي ما يعادل 9.09 مليار فرنك ذهبي في ذلك الوقت: لقد أفلست الدولة العثمانية تمامًا سنة 1918.!!!!!!!






