غابة أروى شريف جاف الزرقاء
انجلاء العوالم الضمنية لا يقلل من شأن النص.
جمال الكون الأزرق ممتد من غابة زرقاء.
التجارب الحقيقية المتأتية من خبرة وتجربة وثقافة وقدرة على التحكم في الرؤية المختلفة خاصة عند الأديبة الشاعرة تضيف من إحساسها الراقي جمالا فوق جماليات العمل الفني لكي ترتقي إلى الكتابة الإبداعية ، الشاعرة أروى شريف جاف مفعمة بكتاباتها الشعرية بجاذبية الصورة والرؤية والرموز الشعرية التي من شأنها أن تلفت وتستفز وعي القارئ فيدنو من تحليلها للوصول إلى معاني إنسانية عميقة ( غابة ، زرقة ، الساقية ، الجبل ، الورد ) أدوات ورموز وصور قادرة على توظيفها لنص غير عادي ولكن بما ان النص الشعري موجه إلى القارئ فلا بد من تفاعل بين ما يميز التوهج الشعري وبين القارئ الحقيقي الذي يتمتع بقراءة النص ، التركيز والتعمق في عوالم البنية النصية وتحليل خفاياها وتأويلها ومعالجتها فنيا تحتاج إلى دراية خاصة في الأدب نفسيا واجتماعيا وفكريا خاصة الحقب التاريخية الأدبية والفكرية التي مرت غيرت ما قبلها كالفترة التاريخية التي مرت بعد سقوط الرايخ الثالث في ألمانيا دعت الضرورة بعدها لظهور أفكار جديدة من أبرز ما دعا لها ” هانز ياوس ، وفولفانجايزر ” ثورة على الأفكار الماضية والمناهج التي تجسد النص المقيد المغلق والتي تهتم بالكاتب وحياته وبدأ التكور التجديدي على عنصر القارئ في النص الأدبي بما أن كل نص يكتب موجه للآخر (عينيك ، قدميك )بأسلوب وتلميح وإيحاء مباشر أو غير مباشر ، الشاعرة أروى شريف جاف تنضج بمفهومها ونضجها وإحساسها الأنثوي التواصل الفكري بتجانس يدل على وعيها الراقي في استخدام وتوظيف المفردة وتجسد نجاح المسارات الخاضعة لتجربة الكتابة الشعرية بحيث تكون عونا سلسا لينا واضحا للقارئ في مفهوم النص الشعري ( تحضرين ، تحملين ، تنحتين ) كأنها تصهر منفعلين أو فاعلين ، إن جلاء المعاني الضمنية لا يقلل من شأن النص بل يمده بالقوة والتأثير والسحر الجمالي الذي يحتاج إليه القارئ بين الحين والآخر وهذا يعتبر ذروة التواصل الفكري الإبداعي خاصة إذا تجلى معه إبراز الوعي من خلال التعبير المركز والصورة الشعرية والرموز التي تدل مضمون ما لتحقق الهدف المنشود من النص ومن اجل تحقيق نص مميز اختارت الشاعرة أروى شريف جاف ( غابة زرقاء ) وهذه الزرقة ليست غريبة عنها فقد اكتسبت زرقة الحياة التي تعني وتضم تأويلات لطبقات لونية لها معاني مختلفة وتأويل اللون الأزرق حسب الأزمنة والعصور القديمة فقد عرف المصري القديم اللون الأزرق في الحضارة المصرية القديمة وكان يستخدمه للتعبير عن مياه النيل الزرقاء كما استخدمه في تلوين الأسقف للتعبير عن السماء الصافية كما كان يعتبر لون مقدس يرمز إلى الحقيقة المقدسة ويوصف بأنه لون الحياة حيث كان يلون فيه اله الحياة والتناسل ومن هنا كان الإحساس عميقا عندما تحول الغابة الزرقاء ( لسماء من عسل ) بعد تجليات صورية عدة وظفت لقدوم هذه السماء .
(( الزرقة تطفو
على عينيك
الزرقة تتداخل
لتحث المدى
تحت قدميك
تحضرين الروابي
الساقية الجبل
تحملين قلبا كالقمر
الزرقة والورد والأمل
أراك تنحتين
اسمينا بنور القمر
تتحول الغابة
لسماء من عسل )) .
الانصهار مع الألوان له مدلولاته فقد ذكرت وردت في القرآن الكريم في عدة مواقع ذكر اللون الأخضر والأصفر والأبيض والأزرق والأحمر وقد ورد اللون الأزرق مرة واحدة دال على زرقة السماء المنعكسة من صفحة ماء البحر واللون الأزرق رمزيا من السماء والماء بالمعنى الكوني وهذا مدته إلى رمزية السماوات والفيضانات القديمة والزرقاء بمعنى الحياة والولادة لهذا تتحول غابة أروى إلى ولادة جديدة ( سماء من عسل ) يبقى التحليل بدراسة الزرقة ووظيفتها الرمزية مفتوحا في النص الشعري وقد لا تحتاج الشاعرة أروى شريف جاف إلى أدلة وبراهين منطقية ( تذوب الزرقة في عينيك ) سواء كانت مضامينها الداخلية روحية نفسية أو اجتماعية وغيرها لأن التأويل لا يأخذ مدى بعيدا ولا المعنى عميقا بقدر يصعب على القارئ التواصل الذهني لأنه يجد نفسه داخل نقطة محورية ( الزرقاء ) دون الالتزام بغيرها وهذا بدوره لا يشتت الفكر بل يعيد تركيب ما يكفل الفهم والتأويل والوصول إلى حلول وأجوبة (يصحو ، يزرع ) وتحديد الأطر الفكرية يفعل عبر صور شعرية ضمن مساحة بلا حدود ولا قيود ( لا غيم ، لا شجر ، لا وحش ، لا خطر ) هذا البناء الصوري الدلالي للنص الشعري يحقق الارتكاز على أسس قوية حسية روحية فكرية مثيرة .
(( تذوب الزرقة
في عينيك
يصحو الشوق
ودرب المدى
يزرع بقلبي
غابة زرقاء
لا غيم فيها ولا شجر
لا وحش ولا خطر )) .
هذا الإحساس والارتكاز يقتضي وجود أفق واسع ومعرفة دقيقة وإدراك عميق داخل النص وإن كانت غابة أروى شريف جاف الزرقاء مؤولة بوجهات نظر أدبية لما لها من دلالات واسعة ومختلفة وتأخذ بعدا شاسعا في إنشاء وإجلاء مجموعة من التساؤلات ، في تقديري إن النص الأزرق يحتاج إلى إظهار عوالم المعنى ودراسة نتائج معينة من خلال تأويل الصور الشعرية المشحونة بالإحساس الجميل وإن تجزأت الصورة المكونة للنص ( غابة تمطر ) إن دقة الشاعرة أروى شريف جاف في اختيار المفردات والصور الشعرية والرمزية تعكس الإبداع الجمالي والفكري والحسي حتى لو لم ترتبط الشاعرة بالنص يفرض النص إبداعه بشكل جميل ومحايد من خلال التميز الأزرق العميق عبر الأزمنة لكن وفق متطلبات العصر الحديث ليكون بحد ذاته كونا كبيرا بلا حدود حين يتحول إلى زرقة .
(( غابة تمطر
حروف من الحب
والعشق والسهر
القمر شامة زرقاء
في خدك
فستانك الأبيض
ساقية زرقاء
أنت معي
تحول الكون
إلى زرقة )) .
يمتد عشق الشاعرة للسهر والقمر بقدر أزرق الذي يكون صراعا جميلا نفسيا وروحيا واعيا بين وعي روح النص ووعي القارئ من خلال تأويل عوالم الأزرق داخل غابة الإنسان برؤية فنية جمالية مع تجليات وحي الرموز والمضامين والدلالات التي تعكس روح وفكرة النص التي تشكل جمال الكون الأزرق الممتد من غابة أروى شريف جاف الزرقاء كنقطة تحول عشقيه أولية إلى العالم كله والى المضامين الإنسانية التي ترنو تدنو للحب والحياة والحلم والطمأنينة والسلام والأمان في عوالم غابة زرقاء.
******************************************
أروى شريف جاف
شاعرة وناقدة وإعلامية .
حاصلة على جائزة ناجي لنعمان الدولية للإبداع في الشعر .
حاصلة على شهادة الماس تر في الأدب الفرنسي والدراسات الفرنسية .
مديرة مؤسسة الفكر للثقافة والإعلام .
مديرة تحرير صحيفة الفكر .
مديرة منظمة شعراء من أجل السلام .
Discussion about this post