في مثل هذا اليوم30 مايو2009م..
وفاة جعفر النميري، رئيس جمهورية السودان.
جعفر محمد النميري (26 أبريل1930 – 30 مايو 2009)، الرئيس الرابع لجمهورية السودان خلال الفترة من 25 مايو 1969 إلى 6 أبريل 1985..
في صبيحة يوم 25 مايو 1969م بثت إذاعة أم درمان بياناُ للعقيد أركان حرب جعفر محمد النميري معلناً استيلاء القوات المسلحة السودانية على السلطة في البلاد، وتم تكوين مجلسين هما:
مجلس قيادة الثورة برئاسته الذي ترقى في اليوم ذاته إلى رتبة لواء (ثم لاحقا إلى رتبة مشير).
مجلس الوزراء تحت رئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي استقال من منصبه في عام 1964 م، احتجاجاً على قرار حلّ الحزب الشيوعي السوداني.
مثل المجلسان سوياُ السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. شمل مجلس قيادة الثورة تسعة ضباط كلهم تقريباً من رتبة رائد وضمت الحكومة الجديدة (21) وزيراً برئاسة جعفر نميري رئيس مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع. وكانت حكومةَ تكنوقراط فعليةً يحملُ أعضاؤها درجاتٍ علميةً كبيرةً ومؤهلاتٍ عُلْياَ من بينهم:
الدكتور موريس سدرة أخصائي الطب الباطني الذي أوكلت إليه وزارة الصحة.
الدكتور محمد عبد الله نور (عميد كلية الزراعة بجامعة الخرطوم آنذاك)، الذي أصبح وزيراً للزراعة والغابات.
الأستاذ محجوب عثمان (نائب رئيس تحرير جريدة الأيام حينذاك) وزيراً للإرشاد القومي.
المحامي أمين الطاهر الشبلي وزيراً للعدل.
المحامي فاروق أبو عيسى (نقيب اتحاد المحامين العرب السابق) وزيراً لشؤون الرئاسة.
وضمت فيما بعد الدكتور منصور خالد، المفكر السياسي والأستاذ بجامعة كلورادو، وزيراً للشباب.
كما ضمت الحكومة اثنين من المثقفين الجنوبيين هما الدكتور جوزيف قرنق، برلماني ورجل قانون، وعيّن وزيراً للتموين، والقاضي أبيل الير وأصبح وزيراً للإسكان.
دوره في إنقاذ ياسر عرفات:
لعب جعفر النميري دوراً أساسياً في إنقاذ حياة ياسر عرفات خلال ما عرف بأحداث أيلول الأسود في عام 1970 عندما ترأس وفد القمة العربية وذهب إلى الأردن وكان معه الباهي الأدغم رئيس وزراء تونس آنذاك، والشيخ سعد العبد الله الصباح، وزير الدفاع الكويتي آنذاك بالإضافة إلى الفريق محمد صادق وقد نجح يومها في إخراج ياسر عرفات من الأردن بعد أن تَنَكَّر بزي امرأة ونَقَله بطائرته إلى القاهرة.
الفترة اليسارية:
وضحت منذ البداية توجهات الحكومة الجديدة اليسارية حين ضمت في تشكيلتها عددا كبيرا من الشيوعيين واليساريين البارزين والقوميين العرب. شكل أنصار الحزب الشيوعي قاعدة شعبية لها، فيما تولت المنظمات التابعة له دعم النظام الجديد-الذي عرف لاحقاً بنظام مايو- وحشد التأييد الشعبي له.
ركزت البيانات الأولى للحكام الجدد على فشل التجربة الديمقراطية ذات الأحزاب المتعددة في السودان في حل مشكلات السودان الثلاثة:التنمية والجنوب والدستور الذي شله الصراع الحاد بين دعاة العلمانية والدولة الدينية. وأعلنت حكومة نميرى الحرب على الأحزاب التقليدية وفي مقدمتها حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي ووصفتها بالإقطاع.
بدأت الخلافات تطفو على السطح داخل المعسكر اليساري، خاصة بين الشيوعيين والقوميين العرب والناصريين حول الرؤى والتصورات التي يجب أن يأخذ بها النظام في تعاطيه مع مشاكل السودان. ورفع القوميون العرب شعار الدين في وجه الشيوعية مطالبين بالاشتراكية العربية المرتكزة على الإسلام في مواجهة الاشتراكية العلمية.
أجريت انتخابات لبرلمان أطلق عليه اسم مجلس الشعب، فاز فيها كثير من أعضاء البرلمانات السابقة. وكان من الطبيعي أن تصطدم وجهة نظر واضعي مسودة الدستور بأعضاء المجلس، خاصة فيما يتعلق بعلمانية النظام أو إسلاميته لأن مسألة شكل النظام الجمهوري قد تم حسمها بتنصيب جعفر نميري رئيساً للجمهورية. واحتدم الجدل من جديد بين الفريقين العلماني والديني وكانت أول نقطة أثارها هذا الأخير هو خلو مسودة جعفر محمد بخيت من النص على دين الدولة الرسمي. وقال أحد النواب ” إن الدستور قد نص على اللغة والعلم والأوسمة، فكيف يعقل أن يهمل الدين”. أما الفريق العلماني وعلى رأسه جعفر محمد بخيت، “صاحب المسودة”، وصف مسألة النص على الدين بأنها “مسألة مظهرية وليست جوهرية ولا دلالة علمية لها، لأن الدولة كائن معنوي لا دين لها، وهي لا تمارس العبادة التي يمارسها الفرد والدولة هي أساس المواطنة لا الدين”. وذهب الجنوبيون هذا المذهب ذاته عندما أكدوا على أن السودان دولة علمانية وليست دينية.
اعتبرت حكومة نميري: “إن نظام التعليم في السودان لا يلبي احتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكل كاف” وسار في درب إصلاح التعليم فغير المناهج والسلم التعليمي ونشر المدارس وزاد أعداد الطلاب بصورة واسعة. أنشأت في عهده جامعة الجزيرة وجوبا ووسع معهد الكليات التكنولوجية. لمعلومات إضافية أنظر التعليم في عهد النميري.
نميري والإسلاميين:
أكسبت المشاكل السياسية التي حلت بحكومة جعفر نميري والمحاولات الانقلابية المتعددة النميري خبرة في التعامل مع المشاكل السياسة التي واجهت حكومته. فأتقن ضرب الحركات والأحزاب السياسية ببعضها وتغيير تحالفاته. فبعد أن كان النظام يعتبر في بداياته صنيعة لليسار، تحرر من قبضة اليساريين ليضم إلى معسكره قيادات حزبية تقليدية بارزة، ثم اتجه نحو الإسلاميين الذين منحهم السانحة لتصفية حساباتهم مع اليسار. وفي غضون ذلك ازدهرت الحركة الفكرية الإسلامية في السودان واكتظت الساحة السياسية بالأفكار والأنشطة والجماعات الإسلامية، كل يبشر بأفكاره بدءا بالأخوان المسلمين وجماعة انصار السنة مرورا بالطرق الصوفية المختلفة وانتهاء بالأحزاب التي دخلت الحلبة عن طريق طوائفها الدينية كالختمية والأنصار. وكانت هذه القوى كلها تدعو إلى تطبيق مبادئ إسلامية عامة.
قابل ذلك من الناحية الاقتصادية تدهور خطير في الإنتاج الزراعي والصناعي وتدني فظيع في عائدات الصادرات وعجز كبير في ميزان المدفوعات جعل البلاد تعيش في حالة أزمة اقتصادية حقيقية أدت إلى موجة من الأضرابات العامة هددت بانهيار حكومة نميري.
أزمة القضاء وقوانين الشريعة:
وفي فبراير / شباط 1980 م، استقال عدد من القضاة احتجاجاً على تدخل الحكومة في شئون القضاء. وفي يونيو/حزيران 1983م، هاجم نميري القضاة ووصفهم “بالتسيب” و”انعدام الأخلاق” وقام بطرد عدد منهم من الخدمة ورد القضاة بتوقف جماعي عن العمل. وباءت محاولات الحكومة لسد الفراغ وملء الوظائف التي أُخليت بالفشل، بما في ذلك محاولة الاستعاضة عنهم بقضاة متقاعدين أو قضاة مصريين، فأعلن نميري ما أسماه “بالثورة القضائية” و”العدالة الناجزة” وتمثل ذلك في اصدار عدد من القوانين الجديدة تم نشر نصوصها للعامة بالصحف المحلية ووصل عددها إلى 13 قانون أبرزها قانون العقوبات الذي اشتمل على العقوبات الحدية، وهكذا ولدت التشريعات الإسلامية التي عرفت بقوانين الشريعة الإسلامية عند مؤيديها، أو بقوانينسبتمبر / أيلول عند معارضيها.
صدر الجمهوريون سنة 1983 كتابا عن الهوس الديني على أثره أعتقل محمود محمد طه ومعه ما يقرب الخمسين من الجمهوريين لمدة ثمانية عشر شهرا. في نفس هذا العام صدرت قوانين الشريعة الأسلامية والمسماة “بقوانين سبتمبر 1983” فعارضها محمود محمد طه والجمهوريون وفي 25 ديسمبر 1984 أصدر الجمهوريون منشورهم الشهير “هذا أو الطوفان” في مقاومة قوانين سبتمبر. أعتقل الجمهوريون وهم يوزعون المنشور واعتقل محمود محمد طه ومعه أربعة من تلاميذه وقدموا للمحاكمة يوم 7 يناير 1985 وكان محمود محمد طه قد أعلن عدم تعاونه مع تلك المحكمة الصورية في كلمة مشهورة فصدر الحكم بالإعدام ضده وضد الجمهوريين الأربعة بتهمة إثارة الكراهية ضد الدولة..حولت محكمة أخرى التهمة إلى تهمة ردة.. وأيّد الرئيس جعفر نميرى الحكم ونفذ في صباح الجمعة 18 يناير 1985.
ساهم جعفر النميري في إتمام أول عملية تهجير للآلاف من الفلاشا أطلق عليها اسم “عملية موسى” وذلك في العام 1984. وتواصلت فيما بعد عمليات تهجير الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل حيث هاجر أكثر من 20 ألفا من الفلاشا في العام 1985 في عملية أطلق عليها اسم ” عملية سبأ ” وذلك بفضل جورج بوش الأب نائب الرئيس الأمريكي وقتئذ، والذي زار الخرطوم من أجل طمأنة النميري وتأكيد الضمان الأمريكي لنجاح العملية ووافق النميري بشرط عدم توجه الطائرات الأمريكية التي ستنقل المهاجرين إلى تل أبيب مباشرة بل عبر مدينة أخرى. وعبر مطار مهجور” العزازا ” بشرق السودان بالقرب من مراكز تجمع الفلاشا، تمكنت المخابرات الأمريكية وعملاؤها من تنفيذ العملية، ونقلتهم الطائرات العسكرية الأمريكية مباشرة إلى مطار عسكري إسرائيلي في منطقة النقب.
سافر نميري في رحلة علاج إلى واشنطن في الأسبوع الأخير من مارس عام 1985، فبلغت مسببات الغضب على نظامه درجاتها العليا. وخرج الناس إلى الشارع تقودهم النقابات والاتحادات والأحزاب بصورة أعيت حيل أعتى نظام أمني بناه نميري في سنوات حكمه، فأعلن وزير دفاع النظام آنذاك، الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، انحياز القوات المسلحة للشعب، حين كان نميري في الجو عائداً إلى الخرطوم ليحبط الانتفاضة الشعبية، ولكن معاونيه نصحوه بتغيير وجهته إلى القاهرة.
المنفى والعودة:
لجأ سياسياً إلى مصر عام 1985 إلى عام 2000 حيث عاد إلى السودان وأعلن عن تشكيل حزب سياسي جديد يحمل اسم تحالف قوى الشعب العاملة .
مزاعم تورط النميري في تسميم عبد الناصر:
اتّهم عاطف أبو بكر القيادي الفلسطيني وعضو الدائرة السياسية لحركة فتح المجلس الثوري الرئيس السوداني جعفر النميري وصبري البنا الشهير بـأبي نضال بدور ما “مشبوه” بتسميم الرئيس جمال عبد الناصر وذلك خلال زيارته إلى السودان في 2 يناير 1970 لافتتاح معرض “غنائم من الجيش الإسرائيلي” كان قد أقامه صبري البنا أبو نضال، عندما كان ممثلاً لحركة فتح في الخرطوم متسائلًا: “هل تم تسميم عبد الناصر في المعرض عبر إهداءه مسدسًا مسمومًا، وهل للرئيس النميري دور في ذلك؟”. ولم يسبق لأي طرف أن اتّهم النميري أو صبري البنّا بهذا الأمر طيلة عقود.
وفاته:
توفي يوم السبت الموافق 30 مايو 2009 بعد صراع طويل مع المرض…!!







Discussion about this post