فى مثل هذا اليوم 2 اغسطس1798م..
انتصار الأسطول البريطاني على الأسطول الفرنسي في معركة أبي قير البحرية، ضمن معارك الحملة الفرنسية على مصر.
معركة أبو قير البحرية والتي سماها الإنجليز معركة النيل هي معركة بحرية وقعت في 2 أغسطس 1798 بين القوات البحرية الإنجليزية بقيادة نلسون والأسطول الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت على شواطئ خليج أبو قير المصري. وانتهت بهزيمة الفرنسيين ونتائجها اعتُبرت ثورة في التكتيك البحري، الفرنسيون أضاعوا الوقت فضاعت فرصة النصر
فور عودة الجنرال الشاب نابليون بونابرت من إيطاليا في الأسابيع الأولى من العام 1798 بعد إحرازه انتصارات عسكرية باهرة، باشر بدراسة أوضاع القوات العسكرية الفرنسية المكلفة بغزو الجزر البريطانية وتحضيرها لهذه الحملة، ولكن سرعان ما أدرك صعوبة بل استحالة تنفيذ المهمة لأسباب عديدة أهمها، ضعف القوات البحرية الفرنسية مقارنة مع البحرية الإنجليزية التي باتت تؤمن السيطرة البحرية وتشكل سداً منيعاً أمام أي قوة تحاول غزو بريطانيا، بالإضافة إلى ضعف التجهيزات اللازمة للقوات الفرنسية لتتمكن من تنفيذ الغزو، وعدم توافر الأموال الكافية، والبرد القارس والأمراض المتفشية بين العناصر والتي تشكل عقبة كبيرة في تحقيق الهدف المنشود.
بناء عليه، تقدم الجنرال بونابرت في 28 فبراير/شباط 1798م إلى حكومة الإدارة Directoire بعرض هذا الوضع والصعوبات التي تعترضه وتحول دون تمكينه من تنفيذ المهمة الموكلة إليه بغزو الجزر البريطانية، واقترح خطة بديلة باحتلال مصر. وهكذا تحوّل هدف غزو الجزر البريطانية إلى تحضير لغزو مصر.
يمتد خليج أبو قير على مسافة 18 ميلاً بحرياً (33.3 كلم) من جزيرة أبو قير (أو جزيرة نيلسون) حتى رشيد في الجنوب الشرقي، وقد انتشرت فيه المراكب الفرنسية مقابل الشاطئ وفقاً لترتيب الرتل، من دون أخذ احتياطات قتالية، على اعتبار أن هذا التوقف مؤقت.
فور وصوله إلى خليج أبو قير، قرر نلسون مباشرة الاستعداد لمهاجمة الأسطول الفرنسي المتوقف على الياطر في الخليج مستفيداً من الرياح المؤاتية.
في الجانب الفرنسي، وبعد عقد اجتماع حرب عاجل أصر الأميرال برويس على مواجهة الأسطول البريطاني من قبل المراكب الفرنسية وهي متوقفة على الياطر خلافاً لرأي دي شايلا الذي اقترح رفع الأشرعة ومواجهة الأسطول البريطاني في البحر. كما أن القائد الفرنسي استبعد حصول المواجهة البحرية فوراً نظراً لقرب حلول الظلام وصعوبة خوض معركة ليلية من قبل السفن الشراعية البريطانية.
واعتبر أن ذلك سيسمح له بالاستعداد ورفع الجهوزية في مجال العناصر التي أوعز إليها بالالتحاق فوراً بالمراكب، إضافة إلى ذلك كان هنالك شعور لدى القادة الفرنسيين بتفوقهم على الأسطول البريطاني بفضل الدارعات المرافقة للأسطول الفرنسي والتي لإحداها 120 مدفعاً إلى ثلاث أخرى ات لكل منها 80 مدفعاً؛ ومقابل 17 مركباً فرنسياً كان لدى نلسون 15 مركباً جميعها من القياس المتوسط ومسلحة تسليحاً متوسطاً (نحو 46 مدفعاً لكل منها). كان الأميرال الفرنسي يخشى مهاجمة أسطوله من المؤخرة أي من جهة الجنوب، لذلك عمد إلى تركيز مراكبه القوية في الوسط لتأمين مساندة المؤخرة عند الضرورة وبذلك تم إهمال مقدمة الأسطول. جهوزية المراكب الفرنسية من الطواقم البحرية لم تكن تتعدى 50% نظراً لإرسال باقي العناصر للتزود بالمؤن، وكانت قد نفذت في معظمها أعمال طلاء لأقسامها الخشبية وبالتالي كانت عرضة للالتهاب السريع كون الطلاء لم يجف بصورة تامة.
بعدما تحقق نلسون من نقاط الضعف الموجودة في الجانب الفرنسي (ترك مسافات كبيرة بينها، بعدها عن مساندة المدفعية الساحلية، إمكانية استعمال اللسان البحري بينها وبين الشاطئ) قرر مهاجمة مقدمة الأسطول الفرنسي بدون تأخير ومن الجهتين، وبدأ المواجهة البحرية الساعة 18.30. وقد قامت ثمانية مراكب بريطانية بإحاطة خمسة مراكب فرنسية وإمطارها بالقذائف من الجهتين في آن واحد وعلى مسافات قريبة جداً يمكن معها استعمال المسدسات الصغيرة. وقد راهن نلسون على خبرة قادة مراكبه العالية في مجال المناورة وتنفيذ أوامره بحذافيرها.
بالرغم من مفاجأة الفرنسيين بالهجوم الليلي غير المتوقع وبالرغم من تدني مستوى جهوزية مراكبهم بالعديد فقد، خاضوا المعركة بكل شجاعة وتصميم ملحقين إصابات مباشرة بالمراكب البريطانية.
وحوالى الساعة 20.00 أحاط سفينتان بريطانيان بسفينة القيادة الفرنسية «الشرق» وأمطراه بقذائف مباشرة أدت إلى مقتل قائد الأسطول الفرنسي برويس على الفور، واستمرت المواجهة العنيفة بين هذه السفن، إلى أن أصابت إحدى القذائف البريطانية مستودع الذخيرة على سفينة القيادة الفرنسية مما أدى إلى انفجارها بشكل مروع وتلاشي أجزائها، وبالتالي مقتل معظم طاقمها البالغ عددهم نحو ألف عنصر، وقد دوى صوت انفجار سفينة القيادة في المنطقة محدثاً ذهولاً كبيراً لدى السكان على البر.
بعد تدمير سفينة القيادة الفرنسية وشل أو أسر سفن المقدمة، انتقلت السفن البريطانية مجتمعة لتركيز الهجوم على وسط المراكب الفرنسية ومؤخرتها، وعند بزوغ الفجر تم شل واستلام باقي السفن الفرنسية. وجاءت حصيلة المعركة البحرية تدمير بارجتين ومدمرتين فرنسيتين وأسر تسعة سفن مع ثلاثة آلاف بحار، كما قتل خلال المعركة 1700 بحار فرنسي بينهم قائد الأسطول الأميرال برويس.
في الجانب الإنجليزي سجل مقتل 288 عنصراً وجرح نحو ألفين، وبالرغم من عدم خسارتها أي مركب إلا أن ثلثي المراكب البريطانية أصيبت خلال المواجهات إصابات مباشرة، وأصبحت بحاجة إلى إجراء تصليحات فيها، وقد أصيب خلال هذه المعارك الأميرال نلسون إصابة بليغة.
عمد نلسون إلى إرسال إحدى سفن الأسطول “LEANDER” إلى نابولي لإبلاغ القيادة بالنصر الذي حققه ضد البحرية الفرنسية، ولكن هذا المركب تعرّض للأسر من قبل قائد فرنسي تمكن من الهرب بمركبه فور بدء المعركة البحرية وتدمير مركب القيادة.
تقييم نتائج المعركة
مما لا شك فيه أن النتائج الباهرة التي حققها الأميرال نلسون في معركة أبو قير أحدثت ثورة في مجال التكتيك البحري في حرب السفن الشراعية والتي كانت تعتمد على نظريات رودنيي القائمة على استعمال تشكيل الرتل للسفن ومواجهة السفن المعادية بعد الاقتراب منها.
فقد ارتكز الأسلوب المتبع من قبل نلسون على ما يلي:
– اتخـاذ قرار المهاجمـة ليلاً خلافـاً لما كـان معـهوداً في المعـارك البحريـة الشراعيـة في حينه، مما وفّـر له عنصـر المفاجـأة.
– تكثيف القوى المهاجمة على المراكب المعادية بحيث يتم مهاجمتها بعدد مضاعف من المراكب.
– توزيع المراكب المهاجمة بدقة لإحاطة المراكب المعادية من الجهتين، والاستفادة من المسافات المتروكة بينهما مما سهّل مناورة السفن المهاجمة.
في المقابل يجمع المحللون الفرنسيون على أن الخطأ الفادح الذي ارتكبه الفرنسيون في هذه المعركة هو إضاعة الوقت فور وصول الحملة الفرنسية وعدم تأمين السفن في ميناء الإسكندرية تحت حماية المدفعية البرية الفرنسية، إذا كانت الأعماق تسمح بذلك، أو نقلها إلى ميناء كورفو في اليونان، ويتحمل مسؤولية ذلك بالدرجة الأولى الأميرال برويس كونه قائد الأسطول خصوصاً أنه كان لديه نحو شهر لحل هذه المشكلة، إلا أنه بقي متردداً حيال تأمين سلامة سفنه خلال تلك الفترة.
ولكن نابوليون الذي يعتبر قائد الحملة يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية، فقد كان في هذه الأثناء منغمساً في معاركه البرية ضد المماليك ويتقدم جنوباً لاحتلال القاهرة، وكان يرغب بإبقاء الأسطول على مقربة منه في حال هزيمته في المعارك، ويقال إنه بعد تحقيقه الانتصارات في المعارك البرية أوفد رسولاً إلى الأميرال برويس لإبلاغه ضرورة تأمين السفن ولو في كورفو في اليونان، لكن هذا الرسول لم يصل إلى الإسكندرية بعد وقوعه في مكمن نصبه المماليك. وخلال وجود نابوليون في جزيرة سانت هلينا وخلال إعادة استعراضه الأحداث والمعارك التي خاضها سابقاً وفي حديثه عن معركة أبو قير، حمّل الأميرال برويس مسؤولية تدمير الأسطول الفرنسي، وقال إن استشهاده في المعركة عوّض عن الخطأ الذي ارتكبه.
بالنسبة لنتائج معركة أبو قير على حملة نابوليون، فإن خسارة الأسطول البحري الفرنسي أفقدت نابوليون الوسيلة التي كانت تؤمن له التواصل والمواصلات مع فرنسا، ومع أن نتائج هذه الخسارة لم تظهر بصورة فورية فالحملة برمتها حكم عليها بالفشل.
وسرعان ما بدأت تظهر نتائج ذلك الفشل لدى قيام نابوليون بحملته على الشام وحصاره مدينة عكا، فقد عملت البحرية البريطانية على إمداد هذه القلعة من البحر وكذلك ضرب المواصلات البحرية التي تؤمن الدعم اللوجيستي للحملة الفرنسية والتي سرعان ما انعكست آثارها مجدداً إلى مصر بسبب عدم تحقيقها نتائج ملموسة على الأرض. عمد بعد ذلك الإنجليز إلى تحقيق السيطرة على البحر المتوسط، وانطلاقاً من البحر عمدوا إلى السيطرة التدريجية على أهم المواقع الفرنسية التي راحت تسقط في أيديهم تباعاً من كورفو 1799 ومالطا 1800 إلى مصر 1801.!!







Discussion about this post