ورقات 8 :
“مبدعون غادرونا في صمت
لكنهم في الذاكرة يقيمون”
الأستاذ عبد الفتاح ابراهم :
هو صديق الطفولة وجاري في السكن العائلي يكبرني بعامين فقط متفوق في الدراسة الإبتدائية بمدرسة الأخلاق بحمام سوسة في السنة التربوية 63/64 19 كنا انتقلنا من المدرسة القديمة بالرحبة إلى المدرسة الجديدة بغارالطفل كنت وقتها في السنة الثالثة ابتدائي وكان هو في السنة الخامسة بعد حصوله على شهادة ختم الدراسة الإبتدائية تحول إلى معهد الذكور بسوسة ثم إلى الجامعة بتونس العاصمة وانقطعت عني أخباره حتى منتصف سبعينات القرن الماضي حيث جمعتنا من جديد دار الثقافة علي الدوعاجي (نادي الفكر ثم جمعية الشباب المسرحي ) وعلمت أنه أصبح أستاذا جامعيا ثم دكتورا وقد أهداني نسخة من كتابه ” البنية والدلالة في مجموعة حيدر حيدرالقصصية (الوعول) ” بتاريخ 25 أوت 1986
وهو من مواليد مدينة حمام سوسة سنة 1952 تحصل على شهادة الدكتورا ,وعرفته مدارج كلية الآداب بمنوبة وقاعاتها وكذلك كلية الأداب بسوسة أستاذا حازما في عمله ساعيا في بلوغ أعلى المراتب. وكانت دروس الصوتيات عنده علما ينهل من جمال الأدب وترفده فصاحة العرب القدامى.
وهو يحذق عديد اللغات وخاصة العربيّة والفرنسية والإنجليزية. مما مكّنه باقتدار من المساهمة في جهود مركز و معهد تونس للترجمة مُراجعا ومترجما. ولعل آخر ما صدر له في ذلك مصنّف يقع في 800 صفحة مترجما عن الفرنسية وآخر مترجم عن الإنجليزية وقد تم نشره في المملكة العربية السعودية.
كما نشر العديد من البحوث والدراسات في اختصاص الصوتيات منها :
“مدخل في الصوتيات” .
وله مؤلّف بالاشتراك مع جوزيف ديشي وعلي فرغلي حول المعالجة الآلية للغة العربية.
وساهم بأعمال في معهد تونس للترجمة منها :
مراجعته للمعجم الموسوعي الجديد في علوم اللغة الذي قام بترجمته كلّ من الأستاذ عبد القادر المهيري والأستاذ حمادي صمود.
وترجم تاريخ التفكير اللساني الجزء الثالث،
وراجع الجزء الثاني من تاريخ التفكير اللساني الذي قام بترجمته الأستاذ محمد الشاوش.
كما كان له إسهام في التأليف المدرسيّ من خلال مشاركته في تأليف كتاب النصوص لتلاميذ السنة السابعة من المرحلة الإعدادية في إطار إصلاح 1991.
كما نشر :
البنية والدلالة في مجموعة حيدر حيدر القصصية ” الوعول”
وقد صدر عن الدار التونسية للنشر سنة 1986 ,ضمن سلسلة عيون الإبداع .
كما قدم للعديد من الروايات أذكر منها :
“مسرحية الطوفان” لمصطفى الفارسي والتيجاني زليلة الصادرة عن دار الجنوب في سلسلة عيون المعاصرة سنة 1984 .
” الموت والبحر والجرذ ” للكاتب فرج الحوار وقد صدرت ضمن سلسلة عيون المعاصرة سنة 1985 .
“الباقي” للكاتبة آمنة الرميلي الصادرة عن دار الجنوب في سلسلة عيون المعاصرة سنة2013
” حدثني الفينيق ” للكاتب فرج الحوار قد صدرت عن دار زينب للنشر سنة 2016
وعن عمر ناهز الـ71 عاما، ترجّل يوم الثلاثاء 25 أفريل 2023 ، المترجم والباحث الدكتور عبدالفتاح إبراهم، رحم الله الفقيد رحمة واسعة واسكنه جنّته ورزق أهله وذويه وزملاءه وطلبته جميل الصبر والسلوان
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
البنية والدلالة في مجموعة حيدر حيدر القصصية ” الوعول”
“محاولة بارعة في النقد الحديث”
قراة بقلم الشاعر عمر دغرير :
هذا الكتاب يعتبر بالفعل محاولة بارعة في النقد الحديث تناول فيها الأستاذ عبد الفتاح ابراهم “وعول” حيدر حيدر منهاجا وأدوات مدققة. حتى أنها جاءت لتحلل سائر الأبنية لجلو صور التركيب وعمق الدلالة .
كما يعتبر من أهم إصداراته وقد كتب في الإهداء :
” إلى أمي وأبي الذين علماني وهما أمّيان .
إلى كل من علمني حرفا بدء “بسيدي المدب”في قريتي وانتهاء عند من يقرئني حرفا في غد .
إلى الأستاذ توفيق بكار , الذي كانت ثقته أكبرعون في أنجاز هذا العمل .
وعن هذا العمل كتب المرحوم عبد الفتاح ابراهم في المقدمة :
” قدمت هذا العمل لنيل شهادة الكفاءة في البحث بكلية الآداب بتونس في أكتوبر 1981 وأشرف على إعداده أستاذي الفاضل توفيق بكار.وناقشته أمام لجنة تركبت من الأستاذ فاروق عمار (رئيس) والأستاذ محمد قويعة والأستاذ المشرف, أسندت لي الشهادة بملاحظة حسن جدا .”
لقد قسم الكاتب هذا العمل إلى أربعة أقسام جاءت على النحو التالي :
*الحكاية باعتبارها خرافة .
*الحكاية باعتبارها خطايا .
*الرمزية والشاعرية .
* العالم القصصي و قيمه .
وقد استشهد في الكتاب بمقطع من حوار للكاتب حيدر حيدر ورد في مجلة (الموقف العربي ) عدد 30 بتاريخ 27 أفريل 1974 جاء فيه في صفحة 201 :
” أجل إنني أكتب عن الأسود ولست متفائلا ولا فرحا لأنني أرفض أن اكون مزيفا وخادعا .
أكتب عن الليل العربي القاتم , لا لأكرس الظلمة بل لأفضح هذا السواد. إنني أندفع نحو الجذور توقا إلى الشمس .وأوغل نحو الوحل شوقا إلى الينابيع .حتى هواجس اليأس والموت التي تجتاح أعماق شخصيات قصصي ليست هواجس وجودية أو عدمية , إنها هواجس ذات منشإاجتماعي في عالم يترنح بالهزيمة والحصار…هذا هو عصر الملحمة لدفقة الروح والجسد وهي تضيءكالنيزك ليل الكوكب المعتم .”
من أجواء هذه المجموعة القصصية ( الوعول) :
” وأرى في المنام أنني أذبحك , وبخروج الدم يخرج ألمي ويتسع صدري للرياح . الآن أستطيع تمثل الأكسيجين في دمي المغتسل بدمك . والآن تموتين كما يليق بعاشقة خانت أن تموت ” .
وفي موضع آخر :
” إسمي غزالة . هو كان يدللني فيسميني وعلة الغابات , عندما رحلنا إلى البحر وصار البحر معبدنا المقدس , سماني جنية البحر . بعد أن نمونا وطاردنا طيور الحلم , رحلت إلى باريس . هناك إلتقينا ذات شتاء . في ” اللوفر “كنا مسحورين بلوحة ” الموناليزا” , وهناك سماني الجيوكاندا . إشترى لي لوحة “ليوناردو” المصورة , وأنا قدمت له لوحة مصورة لداؤود ” .
والمرحوم عبد الفتاح ابراهم قدم العديد من الروايات أذكر منها :
*”الطوفان” مسرحية لمصطفى الفارسي والتيجاني زليلة :
“الطوفان” مزج ذكي جدا بين لغة الكلام ولغة الشعر ,هذه من تلك والعكس صحيح , يتداخلان فلا تفصل بينهما لأنهما واحد أوحد في الحوار . لغة الفارسي وزليلة تقف على أعتاب الموروث من التراكب تستقي منها وتستلهمها ولكنها تظل لغة مسرحة لا تستعص عل الممثلن لا تخلو من تناغم الشعر وإيقاعه وصوره وكناياته .
*”الموت والبحر والجرذّ” للكاتب فرج الحوار :
وقد جاء في تقديمه في صفحة 25 :
” إن هذه الرواية التي لم تكتب (بلغة المعاجم الأولى) قد صيغت بنسق الشعر و خياله وروحه , وكتبت بنفس المعاناة الشعرية تصقل الكلم صورا حية موحية نافذة .ولا غرابة في ذلك ففرج الحوار قد تمرس بكتابة الشعر بالفرنسية , ومازال يفعل . ولغته تضرب جذورها في عمق الإستعمال العربي الأصيل استلهاما من عيون التراث العربي وتخرج من معمل الشعور العميق بجمال اللغة وتألقها ونفاذها عندما تركب تركيبا ذكيا يولد المعاني قد تعددت إيحاء .
وهو في هذه الرواية الشيقة الشاقة والممتعة القاسية قريب جدا من محمود المسعدي في معالجته الأدبية,لا ينكر أثره فيه وإعجابه به . وهو امتداد له ووريث , وهو تجاوز له في المواضيع والإهتمامات وطريقة التناول دون أن ينبت ما بينهما من النسب .
رواية الموت و البحر و الجرذ ” مفاجأة, ورهان مقبوضة على أنها من عيون المعاصرة ) ولا شك .
*” الباقي” رواية للكاتبة آمنة الرميلي :
وقد جاء في تقديمه في صفحة 16 :
” هذه الرواية (مقطع) و(جملة) و(فصل) و(نوع) في الرواية فنا يحكي السقوط والتدنؤ واستحالة الكيان الناصع الأصيل . كان يمكن لصاحبتها في باب الأغراضوالدلالات, أن تختزلها أقصوصة واحدة أو سلسلة أقاصيص, أو أن تمططها مئات من الصفحات فتركيب النص الجزائر على ما ذكرنا مساعد على ذلك … وهي تعلو بك أحيانا مصعدة في الفن الروائي حبكا وكتابة وملاعبة قارئفتروقك وتلتذ .وقد تكر عليك مفاتنها فتسعد سعادة الإستعادة , وقد تغلق عليك المقاطع فلا تفهم موضعها من البنيان العام ولا المقصد .
هذا النص أمواج تتوالى عليك ولكل موجة وقع وطعم وأثر . أمواج تلقى بعضها جذلا باسما كالطفل , ويمر بك بعضها فلا تحس له إلا خفيف الوقع , وتلقى بعضها فتطيح بك غامرة .”
“* حدثني الفينيق ” رواية للكاتب فرج الحوار :
وقد جاء في تقديمه :
” هذه رواية عن السلطة والياتها وما تحيط بها ظاهرا وباطنا.. حقيقة ووهما هذه رواية في سعي أهل العزم والوفاء إلى أن تكون السلطة محركا يدفع أماما وتوقا إلى الخير والتقدم والرقي وتدور أحداث الرواية في بلد ما من منطقة ما من ارض الله الواسعة ..وصاحب الرواية لا يؤرخ ولا يوثق” … وقال أيضا : “هذا النص الروائي كتابة متكاملة في طبقات هي أسفار سبعة يسلمك السفر الى السفر وتعرج بك الطبقة الى الطبقة آخذة بيدك مشيرة الى محول الإنتقال ومصعده داخل البناء الواحد المعقود..” وأضاف : ” هذا النص الروائي كتبه فرج الحوار على ما فعل في روايات سابقة طبقات من النصوص في جنس أو في نوع أو في نسق بل هو يلامس عديد الأجناس… إنه نصّ مفتوح على نصوص يدخل بعضها على بعض فتتماثل وتتخالف”.
وللتذكير تم تكريم الأستاذ عبد الفتاح ابراهم مرتين . مرة قبل وفاته بشهر حيث بادرت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة بالتعاون مع معهد تونس للترجمة بتنظيم حفل تكريم بحضور عدد كبير من الأساتذة والطلبة وأفراد عائلته وذلك اعترافا لما قدّمه من خدمات جليلة في مجال اختصاصه.
ومرة بعد وفاته وتحديد ا في الأربعينية حيث بادرت جمعية الشباب المسرحي بحمام سوسة بتنظم لقاء حظر فيه أحباء الجمعية وبعض الأساتذة من الجامعة والأصدقاء وأفراد عائلته وكانت فرصة للحديث عن خصال المرحوم وعن الخدمات التي قدمها للجمعية وللمسرح بصفة خاصة وهو الذي ترأس الجمعية وكتب وترجم العديد من المسرحيات .
رحم الله العزيز الدكتور عبد الفتاح ابراهم ورزق أهله و أصدقاءه الصبر والسلوان .
Discussion about this post