الأخلاق في الديانات السماوية وفي الديانات الموضوعة ..
د.علي أحمد جديد
الاخلاق ، هي قيمة عليا في أي مجتمع إنساني ، وهي مظهر من مظاهر الوعي المجتمعي وعليها يُعوَّلُ كثيراً في عملية التغيير وقيادة المجتمع ، وتُعَدُّ ضرورة من ضرورات البناء للفرد والأمة المثالية .
وقد برز اختلاف الآراء في مرّد الأخلاق فيما إذا كانت الابن الشرعي للديانات عامة أو علم الشرائع ، ومدى توافقها واختلافها عن أخلاق الفلسفة الغربية …
وفي القيم الأخلاقية التي تحث عليها الديانات ( المسيحية – الصابئية – البوذية – والإسلام المُحَمَّدي ) .
والقيم الأخلاقية في الديانة البوذية بغضّ النظر سواء كانت البوذية فلسفة أم ديانة ، بمعنى ( إن بوذا كان مصلحاً خارجاً عن الهندوسية ، أم أنه كان إلهاً كما يزعم أتباعه ، لتتحول فلسفته إلى ديانة لأنها لا تعطي أجوبة مقنِعَة عن الإله ، ولكنها أعطت إجابات كثيرة عن الروح وعن إصلاح النفس ، إذْ يؤكد (بوذا) في فلسفته على أن مصدر الألم والشقاء في المجتمع هو حب الشهوات وحب الإنسان لنفسه “الأنا” ، ويحدد لمريديه ، بل ولكل متديّن سبل إصلاح النفس بطريق ذي ثماني شعب .
* – الشعبة الأولى :
هي المعرفة الحقيقية بأن الطريق هو الصحيح .
* – الشعبة الثانية :
النية وهذه يجب ان تكون نيّة صادقة .
* – الشعبة الثالثة :
هي قول الحق ومراقبة الأقوال ومتابعتها فلا يدخلها كذب ولا رياء .
* – الشبعة الرابعة :
وهي السلوك الصحيح أي ممارسة التعاون والأمانة والصدق والثقة فلا نفاق ولا ازدواجية في هذا السلوك .
* – الشعبة الخامسة :
منع مزاولة بعض الأعمال كالخمر أو بيع السلاح وهذا مايتوافق مع رؤية طائفة الحسيدية عند اليهود . * – الشعبة السادسة :
هي الإرادة ومنها السيطرة على الغرائز والشهوات .
* – الشعبة السابعة :
هي الوعي (أو البصيرة ) .
* – الشعبة الثامنة والأخيرة :
هي التأمل عند البوذي “اليوغا ” وهي العبادة عند البوذيين .
ويزيد (بوذا) على هذه الشعب الثمان للسلوك بوصاياه الخمس والتي هي الوصايا العامة التي أجمعت عليها الديانات السماوية (الإسلام والمسيحية والموسوية ) وهي :
( لا تقتل – لا تسرق – لا تكذب – لا تتناول المسكرات – لا تزنِ ) وإضافة إلى هذه الوصايا العامة هناك خمس وصايا خاصة بأتباعه وهي :
— لا تأكل طعاماً يابساً بعد الظهر .
– لا تذهب إلى حفلات الرقص .
– لا تقبل من أحد ذهباً أو فضة .
– لا تَنَمْ على فراش وثير .
– لا تلبس ثياباً كثيرة الألوان .
ومماسبق يلمس المتلقي مكانة الأخلاق في الديانة البوذية والسبل المتبعة لإصلاح الذات .
أما القيم الأخلاقية في الديانة المسيحية ، فإن المعروف عنها بأن
( المسيحية هي الحياة ) قبل ادأن تكون ديانة ، والمقصود بالحياة هو التفاعل الذي يطرأ على حياة المؤمنين ويقودها إلى الأفضل من خلال التعامل مع الآخرين لأن مكانة الأخلاق في هذه الحياة (الديانة) ضرورية ، وتُؤكِّدُ المسيحية على زرع الأخلاق في الفرد منذ الصغر . كما أن الالتزام بهذه الأخلاق والحرص على تطبيقها لا ينبع من كونها أوامر يجب تطبيقها ، وإنما هي ( محبة الإنسان لخالقة) ، وإن الحرص على تطبيقها ينبع من محبة الخالق ، ومن السعي إلى الكمال الإنساني ، وإن كان الكمال للخالق وحده ، والمؤمن بالخالق وبالمسيح يسعى للتحلي بهذه الأخلاق ، لأن في تطبيقها السعادة الكاملة .
وجاء في رسالة (متى) في إنجيل (العهد الجديد ) 5 – 48 :
“فكونوا انتم كاملين كما إن أبوك السماوي كامل بمعنى انظر إلى أبيك الخالق ماذا يريد ؟ وماذا يحب ؟ وما هي الأشياء المقربة إلى قلبه ، فافعلها و تَمثّلها لتستحق أن تكون فعلاً ابناً له” .
ومفتاح هذه الأخلاق أو منبعها في المسيحية لأنها تهتم بكل من :
“الايمان – والرجاء – والمحبة” ، والمحبة أعظم هذه الثلاث ، لأن المحبة هي “الراسخة على الأرض والباقية في السماء” . وثمارها :
“العطاء – الغفران – التسامح – وقبول الآخر مهما كانت ديانته أو مذهبه ، وسواء كان فقيراً أو غنياً ، لأن الإنسان صنيعة (الله) المقدَّس ، وهذا الإنسان مقدس “لنضع الإنسان على صورتنا” .
“عاملوا الناس مثلما تريدون أن تُعامَلوا” .
ومن أراد أن تحترمه الناس فعليه أن يحترم الناس ، وإذا أراد أن يُعطَى عليه هو أن يعطي ، لأن المؤمن هو من يبادر ولا ينتظر الآخر ، وعلى هذا فالأخلاق في المسيحية منبعها المحبة .
والأخلاق عند الصابئة المندائيين ، فإنها مجموعة من العادات والقواعد والسلوكيات التي يعتنقها الصابئي ويؤمن بها أي مجتمع حتى تصبح مُلزِمَة وحتمية لكل أفراد المجتمع . ولابد أن
تخضع الأخلاق لمنطق الحلال والحرام ، كونها صادرة من جهة عليا للفرد بأن ( يفعل كذا ولا يفعل كذا) ، وعلى هذا فإن أخلاق المؤمن تعني طاعته لجهة عليا ، كما أن للضمير تأثيراً على هذه الأخلاق .
وتؤكد الديانة الصابئية على احترام الإنسان ، إذْ جاء في الكتاب المقدس للديانة الصابئية :
” ياايها الكامنون ، ياأيها المؤمنون ، ياعبادي لاتكنزوا الذهب والفضة ، الدنيا باطلة وفقيدتنا زائلة . لاتسجدوا للشيطان ولاتعبدوا الأصنام احترموا آباءكم احترموا أمهاتكم ..”
وفي ذلك تبدو القيمة الأخلاقية في الديانة الصابئية تطابق ما أقرّته الديانة المسيحية وما أوصت به الديانة البوذية على حَدٍّ سَواء .
أما الأخلاق في (الإسلام المحمدي) فيمكن البدء بالإطلاع على حديث النبي عليه وآله الصلاة والسلام :
” إنما بُعِثتُ لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق ”
فكلمة (أُتمِّم) فيها التركيز على أمور ثلاثة :
1 – السمو بقيمة الأخلاق في الإكمال والتمام ، إذ قال (لأتمّم ) ولم يقل لأحارب مساوئ الأخلاق .
2 – في قوله : (أتمّم) عليه الصلاة والسلام تأكيد على وجود الأخلاق قبل رسالته وليس ابتداعها أو اختراعها . ولم يَدَّعِ إنشاء الأخلاق ولاتَفرّدُه بها عمن سبقه من الأنبياء لقوله تعالى :
” ماكنتَ بِدعاً من الرسل ”
وكان يؤكد عليه الصلاة والسلام :
” خَيرُ ماقلتُ وقال النبيون من قبلي ”
وهو مايتطابق مع الآية القرآنية التي تقول :
” اتبَعَ مِلّةَ إبراهيمَ حَنيفاً وما كان من المشركين ” .
وكذلك في قوله عليه وآله الصلاة والسلام :
” مَثَلي مَثَلُ النبيين من قبلي ، كمَثَلِ مَن بَنى بيتاً شيّدَهُ وأحسَنَهُ إلا موضع لَبِنَة ، فكلُّ مَن دَخَلهُ قال : ما أروعَ هذا وما أحسنَ هذا ، إلا هذا الموضع . وأنا هذه اللَبِنَة ” .
وهذا يعني أن الأخلاق لم تكن حِكراً على نَبيٍّ من الأنبياء ولا على ديانة دون أُخرى ، وإنما هي مُطلَقَةٌ في كل العصور .
(وما الدين إلا المعاملة) .
Discussion about this post