آية السيابي في نادي الرواية الأولى: الكتابة عن الجندر ليست تمرّدًا بل توصيف للواقع

آية السيابي في نادي الرواية الأولى: الكتابة عن الجندر ليست تمرّدًا بل توصيف للواقع

محمد نبراس العميسي.

ضمن اللقاء الرابع عشر لـنادي الرواية الأولى، أجرى عضو النادي الصحفي محمد نبراس العميسي حواراً مع الكاتبة العُمانية آية السيابي حول روايتها الأولى “يباس”، التي تناولت من خلالها قضايا حادة مثل الهوية الجندرية والتمييز العرقي، بلغة أدبية جريئة تذهب إلى مناطق غير مطروقة وتُسلط الضوء على الزوايا المعتمة من الوجود الإنساني.

في هذا الحوار، نتوقف معها عند التجربة، والأسئلة، والجرأة التي كتبت بها هذا العمل المختلف.

نص الحوار:

س1: بدايةً، من هي آية السيابي؟

آية: كما اتفقنا سابقاً، سأُعرّف نفسي باختصار. يباس هي روايتي الأولى، وسبقتها مجموعة قصصية بعنوان لن أواري سوأتي. لم أخطط لكتابة الرواية، بل فُرضت عليّ. القصة بدأت حين التقيت، بالمصادفة، بشخص أعرفه من أيام الدراسة، كان قد قرأ مجموعتي القصصية وطلب مني أن أروي قصته. هذا اللقاء في أحد المقاهي كان شرارة يباس.

س2: الرواية تسلط الضوء على قضايا حساسة؛ الهوية الجندرية والتمييز العرقي. من أين جاءت شخصية “عبيد”؟

آية: شخصية “عبيد” ليست سردية بمعناها المباشر، لكنها تمثيل لواقع نعيشه. هو ليس شخصاً بعينه، بل نموذج متكرر في مجتمعنا الخليجي. “عبيد” و”وحيد” كلاهما يسيران بلا ظل؛ الأول يواجه سلطة اللون، والثاني يواجه سلطة الجندر. عبيد شخصية استقيتها من تراكمات الطفولة، وقراءات كثيرة، وتجارب حقيقية، وذاكرة اجتماعية ما زالت حية وتُمارس حتى اليوم.

س3: ما الذي مثّله لك عنوان الرواية “يباس”؟

آية: توقفت طويلاً عند اختيار العنوان. كنت أبحث عن كلمة تعبّر عن حالة الجفاف الداخلي، عن انقطاع النبض الحيوي داخل الإنسان. ووجدت أن يباس –بكل ما تحمله من صمت وجفاف– تصف بدقة هذا الموت الهادئ الذي يعيشه البعض وهم على قيد الحياة.

س4: وحيد –أو وحيدة– تمر بتحول كبير من الأنوثة إلى الذكورة. هل كانت الظروف العائلية وراء هذا الانزياح؟

آية: بالتأكيد. الأم هي عماد الأسرة، وغيابها الوجداني يصنع فجوة عميقة في التكوين النفسي للطفل. والدة “وحيد” لم تكن راغبة في الزواج أو الأمومة، لكنها أنجبت، ومنحت أبناءها الرعاية الجسدية فقط دون العاطفية. وحيدة تعلقت بأمها بشدة، لدرجة أنها أرادت أن تمنحها صورة الرجل الذي تريده، وهكذا بدأ التشوش الداخلي. هذه الاضطرابات الجندرية، حين تصل ذروتها، تدفع الإنسان إلى الانتحار كاحتجاج أخير على ما فُرض عليه.

س5: رغم أهمية القضايا المطروحة، إلا أن الرواية لم تُعتمد رسمياً في سلطنة عمان… لماذا برأيك؟

آية: لأن المجتمعات، للأسف، لا تحب أن ترى حقيقتها. يباس ما زالت غير معتمدة رسمياً للتداول في السلطنة، رغم أنني أرى أن المجتمع العماني متصالح نسبياً مع هذه القضايا. لكن الأسرة والعشيرة ما زالت ترفض الاعتراف بها. الكتابة هنا ليست ترفاً، بل ضرورة.

س6: هل تعتقدين أننا نعيش ازدواجية في التعامل مع قضايا المرأة والتمييز؟

آية: نعم، نحن نعيش ازدواجية فكرية. نقول ما لا نؤمن به، ونخاف من الاعتراف بالحقيقة. المجتمعات العربية ما زالت تنظر للمرأة نظرة دونية، وتتعامل مع قضية الجندر والعرق بحذر أو إنكار. والكاتب، حين يكتب عن هذه المواضيع، يُتهم غالباً بأنه يتمرد على القيم، مع أنه فقط يصف الواقع.

س7: كيف شعرتِ وأنت تناقشين أول عمل روائي لك في نادي الرواية الأولى؟

آية: كان شعوراً دافئاً وعميقاً. أنا ممتنة جدًا لنادي الرواية الأولى، وللأستاذة عهود عبدالكريم على هذه المبادرة الجميلة. منحونا مساحة أن نُسمع، أن نُحتفى بنا في بداياتنا. الكاتب يحتاج أن يشعر أنه مرئي، وأن أحداً ما يصغي له من أول الطريق.

س8: كلمة أخيرة تودين توجيهها للنادي وللقراء؟

آية: أتمنى لهذا النادي النقي مزيداً من التوهج، وللقائمين عليه كل الامتنان. وأقول لكل كاتب في بداياته: لا تخف من مواجهة الظلال، ففي الهامش تُولد أجمل الروايات.

وتجدر الإشارة إلى أن الكاتبة آية السيابي: كاتبة وروائية عُمانية، بدأت مسيرتها الأدبية بمجموعة قصصية بعنوان لن أواري سوأتي، تلاها إصدارها الروائي الأول يباس، الذي حظي باهتمام نقدي بسبب لغته العميقة وجرأته في طرح قضايا الهُوية والتمييز. صدرت لها مؤخراً رواية ثانية بعنوان العنبر الخامس (2025). تمتاز كتاباتها بحس إنساني شفاف، ولغة سردية وجودية، ورؤية اجتماعية ناقدة.

ختاماً:

يواصل نادي الرواية الأولى أداء دوره الثقافي في احتضان التجارب السردية الأولى للكتاب والكاتبات، مؤمناً بأن الرواية ليست مجرد نص أدبي، بل فعل مقاومة، ومساءلة دائمة لما يحدث في العمق الإنساني.